رئيس وزراء “تأسيس” يجب أن لا يكون من دارفور طالما أن رأس "تأسيس" من نفس الإقليم، هذا لو كان اتجاه الجمهورية الثانية هو الوحدة وسلامة أراضي السودان، وهنا يبرز اتجاه التمييز الإيجابي كواحد من المعايير المنهجية التي صاغتها مدرستا "المركز والهامش" و"السودان الجديد"، بأن الكفاءة وحدها لا تكفي لو لم تتم مراعاة التوازنات الاجتماعية، خاصة وأن الاستقطاب المجتمعي قد أخذ بتلابيب جميع السجالات السياسية المعنية بتشكيل الحكومات، بعد بزوغ فجر الحركة الشعبية لتحرير السودان منتصف ثمانينيات القرن المنصرم، ثم جاءت ثورة الدعم السريع فازدادت وتيرة غليان براميل العرقية والأثنية، ما حدا بكثير من منظري النخب المركزية للسعي الجاد إلى تغليب خيار التقسيم، لهذا السبب المفصلي على القائمين بأمر ترشيح وانتخاب رئيس وزراء حكومة “تأسيس”، أن يخرجوا من الصراعات التنافسية البينية لمكونات “تأسيس”، ويستشرفوا فضاءات الوحدة والسلام بحسب نصوص دستورهم، وإلّا فسيكسب فلول النظام البائد الرهان على فشل الحكومة التأسيسية المزمع إعلانها، فالوحدة ليست شعار يتغنى به الناس، وإنّما هي أبجديات دستورية تتأسس بالقرار والفعل، والسلام لا تحققه منظومة حكم منغلقة على ذاتها، إذ لا مفر من استيعاب فسيفساء الديموغرافيا والجغرافيا السودانية في معادلة تشكيل الحكومة، هذا المبدأ التمييزي الإيجابي يجب أن يسود قبل الكفاءة. أما فيما يخص الكفاءة المهنية لرئيس الوزراء، برأيي تتطلب أن يكون نموذجها كنموذج رئيس الوزراء السابق الدكتور عبد الله حمدوك، لا في شخصه بل في مرجعيته المهنية ككادر أممي خائض لتجارب تأسيسية مشهودة في الإقليم، مدرك لبواطن أمور المطبخ العالمي بحكم تدرجه في الهرم الإداري للمنظمة الدولية، لا نريد أن نكرر منهج الحركة الإسلامية في حكم السودان، واعتمادها على تقييم المؤسسات السودانية التي ترهلت بعد انقلاب البشير، ففشلت في تقديم رئيس وزراء كفؤ، وجاءت بالفاشلين – معتز موسى ومحمد طاهر إيلا وبكري حسن صالح، لقد مضى ذلك الزمان الهلامي المعتمد على المثل الشعبي: (شكارتها دلاكتها)، يجب أن تقف الحملات الحمقاء الرائجة هذه الأيام من بعض الإسلاميين المتغلغلين في المجلس الاستشاري لرئيس "تأسيس"، بتقديم شخصيات ذات ولاء صارخ للنظام القديم، شغلت مواقع تنظيمية وتنفيذية يعلمها القاصي والداني، لم يعد هنالك وقت للمجاملة، تحالف "تأسيس" أنجز بمهر دماء الشهداء، الذين سيتململون في جناتهم لو شرب حليب بقرتهم من هو كوز، وكفى أن النظام القديم قد تكدس في بورتسودان مختطفاً القرار الحكومي، فمن يرغب في العودة (للجذور) من إسلاميي الدعم السريع، عليه أن ييمم وجهه شطر الميناء الأول للسودان، لأن شعب "تأسيس" لا يتفق مع أي طرح يقدم شخص والغ في معين فلول النظام البائد كوجه من وجوه المرحلة القادمة. ولتبعد لجنة اختيار رئيس الوزراء عن الزج بالشخصيات الخلافية في هذا المنصب، وأن يكون المختار من المؤمنين بمبدأ تفكيك حلقات ودوائر الدولة القديمة، الناشطة في ولايات السودان، بامتلاك خارطة طريق كاربة لإنجاز هذا المشروع صاحب الأولوية القصوى، وليعلم المؤسسون أن التأسيس لا يمكن أن يبنى على أرض مسكونة بالأشرار، لقد هزمت مشروع حمدوك الانتقالي الخلايا النائمة للدولة القديمة، عندما نسي أن الأفاعي وان لانت ملامسها عند التبرم في أنيابها العطب، فلدغته أفعى الكيزان حينما ظن أن الذئب يمكن أن يستأمن على الأغنام، هكذا هو التحدي بالنسبة لحكومة تأسيس القادمة ورئيسها ورئيس وزراءها، وباعتبار الأخير يمثل ربّان التنفيذ فسوف يكون اختياره هو الفيصل في تصنيف الحكومة وتحديد فرص نجاحها، فالمسؤولية العظيمة التي يلقيها السودانيون على عاتق الجهاز التنفيذي القادم، تفرض على رئيس تأسيس ونائبه الابتعاد عن الإيعازات السالبة الخارجة من بعض أفواه المغرضين المتحلقين حولهما، فالأمر جد وليس هزل، والشعب السوداني بكل ألوان طيفه قدم فلذة الكبد مهراً للانعتاق من الحكم الإخواني البغيض، فلا يجب أن يفطر ببصلة بعد أن صام الدهر، وهنا سؤال جوهري على المؤسسين الإجابة عليه بكل شفافية، ما ذا هيئتم للمستنجدين بكم من جحيم الشق الذي يحكمه إخوان البراء؟، لقد قالها الدكتور النور حمد، بأنه لن يقضي ما تبقى من العمر تحت عرش دولة يحكمها الإسلاميون، ومثله كثر، فهل تكون جمهورية "تأسيس" ملاذاً آمناً للفارين من جحيم شق الدولة التي يحكمها البراؤون؟.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة