خطاب "التاتشر والتابوت": في نقد سردية أمجد فريد ومغالطة الشرعية المزعومة
5/8/2025 خالد كودي، كاودا
ياعزيزي امجد، "الدولة لست مجرد سلطة، بل تجسيد تعاقدي للأخلاق العامة، ولا تعني الوحدة الجغرافية شيئًا إذا كانت قائمة على الإكراه الدموي واحتكار الشرعية باسم القتل." – (من مبادئ العقد الجمهوري الجديد، 2025 .1 عن حكومتين أم عن أزمة الشرعية؟ يفتتح اخونا أمجد فريد مقاله برفض ما يسميه "خطاب الحكومتين"، متهمًا تحالف "تأسيس" وداعميه بـ"شرعنة" حكومة أمر واقع، ويستند إلى مقولة جان جاك روسو عن العقد الأخلاقي. لكن الغريب أن الكاتب يغمض عينه عن غياب تام لأي تعاقد أخلاقي أو سياسي بين سلطة بورتسودان والشعب، ويُسقط مقولة روسو على طرف ينتهكها بالكامل! سلطة بورتسودان، إن كانت حكومة، فهي وليدة انقلاب عسكري (25 أكتوبر 2021)، ثم استحال الأمر بعدها إلى قيادة ميليشيوية عسكرية تقتل الشعب وتدمر العاصمة وتعلن الحرب باسم وحدة البلاد، دون أي تفويض شعبي أو سند قانوني أو دستوري- فحتي الوثيقة الدستورية البائسة تم تفطيسها بواسطة البرهان. فاستخدام مصطلح "حكومة شرعية" هنا محض احتيال وخداع خطابي مليئ بالخروم، يقفز فوق مفاهيم القانون الدولي، والمشروعية السياسية، فعم يتحدث امجد فريد! أما حكومة "تأسيس"، فهي نابعة من وثيقة سياسية دستورية معلنة، وقعت عليها قوى حية وممثلو مناطق هامش السودان، وأقرت مبادئ فوق دستورية لدولة حديثة تشمل - العلمانية - العدالة التاريخية - حق تقرير المصير - إنهاء التمييز - تفكيك الجيش وبناء جيش جديد بالتالي، نحن أمام مشروع تأسيسي دستوري مقابل سلطة ميليشيوية مغتصبة، لا يجوز مقارنتهما بميزان مخل. .2 سردية "التاتشر والتابوت": هل الدولة هي دبابة أم دستور؟ حين يتهم اخونا أمجد فريد حكومة "تأسيس" بأنها تدار من فوق "تاتشرات الجنجويد"، فهو لا يدافع عن الدولة، بل عن دولة الدبابة، التي انهارت وتآكلت منذ مجازر دارفور وفض الاعتصام، ولا شنو! هنا نذكر أمجد بمقولة شهيرة للثائر الجنوب أفريقي ستيف بيكو: "حين تصبح الدولة أداة قمع للهوية والعدالة، فإن مقاومتها ليست انقسامًا، بل واجب تحرري." الجيش السوداني، الذي يصفه أمجد بـ"الجهاز الموحد للدولة"، هو ذاته من دمر العاصمة، قتل واغتصب في دارفور، وارتكب جرائم حرب موثقة دوليًا، بل وانشا وسلح ودرب الدعم السريع ذات نفسه. فهل الدولة تُبنى بالبوارج أم بالقانون؟ أليست وحدة الدولة بلا عدالة هي تابوت الوطن وليست خلاصه؟ وهنا تُعاد سردية "التاتشر" التي يستخدمها أمجد: يريدوننا أن نصدق أن الدولة السودانية تحيا فوق عجلات مدرعة، وأن أي دعوة لتأسيس جديد هي تقسيم. لكننا نعلم، كما علمت شعوب أمريكا اللاتينية، ونيجيريا، وجنوب إفريقيا، أن الوحدة القسرية التي تستند على أجهزة الإبادة ليست وحدة، بل استعمار داخلي، وان لم تكن تعرف هذا لقلنا لك! .3 عن خطاب "الحياد الكذوب" والكذبة المتوازنة يردد امجد جملة مشحونة: "القبول بهذا الخطاب ليس حيادًا، بل خيانة". ولأن أمجد فريد هنا يمارس خطابًا تعبوياً، من المفيد أن نفكك مصطلح "الحياد" الذي يهاجمه: صحيح أن الحياد في وجه المذابح خيانة، لكن الخيانة هي أيضًا في التبرير لجرائم جيش فقد شرعيته، عبر التلويح بشعارات وحدة زائفة. ما يدافع عنه أمجد هو حياد انتقائي، أو بتعبير فلسفي، حياد تابع، يخفي انحيازًا كاملاً للمنظومة القديمة: الجيش، النخب، وسردية الخرطوم مع بق الإصرار! وإن ما يسميه أمجد بـ"الحياد الكذوب" ليس اختراعًا جديدًا، بل هو نموذج تاريخي مكرر رأيناه من قبل في جنوب إفريقيا، عندما كانت "أحزاب البيض المعتدلة" تدعو للتهدئة بينما يدافعون عن الأبارتهايد. إنه خطاب الكذبة المتوازنة: الإيهام بأن هناك طرفين متساويين بينما أحدهما هو القاتل والآخر هو مشروع الدولة المستقبلية، ومعروف اين يقف اخونا امجد للأسف! .4 من جون قرنق إلى عبد العزيز الحلو: متى كان النضال من داخل الدولة شرطًا؟ يشير اخونا امجد فريد إلى أن جون قرنق لم يشكل حكومة موازية. هذه مقارنة مغلوطة ومتحيزة: - أولًا: قرنق حمل السلاح أكثر من عشرين عامًا، ولم يُتهم بـ"تقسيم الدولة" كما يتهمون اليوم الحلو و"تأسيس" - ثانيًا: قرنق نفسه تبنى مشروع السودان الجديد، ودعا إلى إعادة تأسيس الدولة على أسس غير عنصرية ولا إسلاموية - ثالثًا: لو كان قرنق على قيد الحياة اليوم، لكان في قلب مشروع "تأسيس"، لأن شروط التأسيس ظلت مستمرة: مركز يستأثر بالسلطة، يرفض العلمانية، ويحكم بدبابة ودين! وبالتالي فإن استخدام تجربة قرنق ضد "تأسيس" هو تزوير للتاريخ، أشبه بمن يستخدم اسم مانديلا لتبرير الفصل العنصري، أو اسم توماس سانكارا لتجميل حكم العسكر في بوركينا فاسو، فملا تطربق ساكت! .5 من هي حكومة بورتسودان؟ وباسم من تتحدث؟ هل حكومة بورتسودان المنتقاة عسكريًا دون انتخابات، والتي تضم فلول النظام البائد، وواجهات الإسلاميين، والتي تمول وتسلح في العلن من دول خارجية، يمكن أن تُوصف بأنها شرعية؟ هذه الحكومة لم تُنتخب، لا تمثل الشعب، لم تصدر منها وثيقة دستورية، لم تُحاسب على جرائمها، لاتعترف بمبدا المحاسبة والافلات من العقاب، ولا بالعدالة التاريخية، ولا تعترف حتى بحق تقرير المصير، ولا تسعى لإقامة دولة قانون، بل لتثبيت سلطتها بالقوة، وتعديلات الوثيقة المعيبة امام الجميع! بأي منطق تكون هذه شرعية؟ هل لأنها استولت على بعض مقاعد بيروقراطية؟ هل لأن الطائرات العسكرية أقلعت منها؟ لا يمكن للشرعية أن تولد من فوهة البندقية يا أمجد. وهذا ليس موقف "تأسيس"، بل موقف القانون الدولي، وموقف العقد الجمهوري الجديد...ان كنت لاتعرف.
اخيرا: لا وحدة بلا عدالة، ولا دولة بلا تأسيس السودان اليوم لا يواجه خيار "الحكومتين"، بل يواجه سؤال الوجود نفسه قبلت وغيرك ام نكرتم: هل نبقى دولة يحكمها الجيش، تستمر في اغتصاب بناتها، وحرق قراها، وقمع شعبها باسم وحدة كاذبة؟ أم نبني دولة جديدة علمانية ديمقراطية، لامركزية قائمة على العدالة التاريخية و التعدد والمساواة؟ ما يدافع عنه أمجد فريد ليس "وحدة الوطن"، بل هيمنة النخبة المركزية القديمة. وما يسميه "تقسيمًا" هو حق تقرير مصير مشروع، دستوري، وتحرري. نقولها بوضوح: حكومة "تأسيس" لا تنشئ تقسيمًا، بل تؤسس لوطن يستحقه الجميع. أما حكومة بورتسودان فهي تمثل التابوت الأخير لدولة الطغيان القديمة، التي بدأت في الهلاك منذ دارفور وانتهت في الخرطوم.
مع التحية.
النضال مستمر والنصر اكيد.
(أدوات البحث والتحرير التقليدية والإليكترونية الحديثة استخدمت في هذه السلسلة من المقالات)
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة