كنا نظن ان حب الكراسى والتمسك بها دون اعتبار لرأى وموقف الآخرين ، هو صفة الناس فى البلدان المتخلفة ودكتاتورية المنهج السياسى . غير ان السيد ترامب قد أثبت بما لايدع مجالا للشك ، بأنها صفة عالمية وقد تكون انسانية ! ولكن الذى يحدث فى سودان الثورة ، التى شهد العالم أجمع بتفردها ، وضحى من أجلها شباب يانع بأرواح لاتزال اجسادها تكتشف كل فترة فى حفر تدل على بشاعة جرم من ازهقوها ، هو ايضا تفرد لااظن ان مثيله يحدث فى غير السودان . واليكم الأدلة الثابتة : الدكتور حمدوك ، الذى يشهد الكل بأن التأييد الذى وجده من الشعب السودانى لم يحدث لافى السودان ولا غيره ، لم يلزم نفسه بأى من مطالب مؤيديه ، وعلى العكس من ذلك ، أعطى مايملك من صلاحيات لمن لايستحق ، وبالدرجة التى جعلت الأخير يطمع فى الأستيلاء على كل صلاحيات الفترة الأنتقاليه من سيادية وتنفيذية وتشريعية فى القرار الذى أخذه منفردا بتكوين مجلس الشركاء ووضع كل البيض فى سلته . عندها فقط استيقظ رئيس مجلس الوزراء وبقية طاقمه ، محتجين على ان ذلك لم يكن مااتفق عليه مع مجلس السيادة ! وأظن انه لم يوقظ السيد حمدوك غير فقد نيابة رئاسة المجلس المعنى ، وان كان قد أضاف بعض المحسنات من مثل استيلاء المجلس على ماتبقى – ان كان قدتبقى !- من صلاحيات لمجلسه وعدم تمثيل المرأة والشباب . هذه واحدة ، وهناك ثانية وثالثة وربما رابعة وخامسة ، من مثل : التصريح بعدم العلم بخطوة رئيس السيادى فى مقابلة نتنياهو ، ثم التصريح القاطع لبومبيو بعدم صلاحية السلطة الأنتقالية للتقرير فى امر التطبيع .. الخ من أحداث أخرى فى هذه القضية وفى غيرها ، مما يستوجب الأعتذار للشعب مع وضع النقاط فوق كثير من الحروف ، على أقل تقدير ، ان لم يكن الأستقالة .. ولكن يبدو ان حلاوة الكرسى .. منعت ! السادة اعضاء مجلس السيادة من المدنيين ، الذين ظلوا بالمجلس يبحلقون فى وجه الكاميرا ت ، أو يجتمعون مع كل من هب ودب فى شئون لاعلاقة لهم بها كتشريفيين، ثم يجتمعون كمجلس سيادة لديهم فيه الأغلبية ، مع نظرائهم المدنيين فى مجلس الوزراء ، فتمر القرارات المصيرية من بين ايديهم ليخرج رئيس الوزراء مصرحا بالأنسجام التام بين المكونين المدنى والعسكرى ، هذا الأنسجام الذى سيصبح نموذجا يحتذى ، او كما ظل يردد . ولكن عندما قرر المكون العسكرى الأستيلاء على كل شئ، استيقظ بعض نيام المجلس - من ذوى النوم الأخف – قبل ان يجدوا انفسهم خارج اللعبة تماما ليبروا عن نفس ماجاء فى تصريحات السيد رئيس الوزراء . السؤال الذى لابد ان يوجه للمكون المدنى فى المجلسين : اين كنتم عندما كانت الصلاحيات تسحب من التنفيذيين للتشريفيين بغير حق كما اكتشف بعضكم مؤخرا جدا؟! لكن يبدو ان السبب هو ايضا : حلاوة الكرسى ! السادة ولاة الأقاليم : برغم اعجابى الشديد بما يقوم به غالبية الولاة من جهد برغم قلة الامكانيات وتعنت المركز فى بعض الحالات ، الا اننى الاحظ زيادة ملحوظة فى النشاط هذه الأيام الأخيرة ، التى اعقبت توقيع اتفاقية جوبا وعودة قادة الكفاح المسلح. وبرغم رجائى الا تكون حلاوة الكرسى سببا لقادة الكفاح لأحلال مؤيديهم محل بعض الولاة الذين اثبتوا نجاحا كبيرا فى معالجة مشاكل ولاياتهم عندما حلوا مكان الولاة العسكريين ، أرجو كذلك الا يكون النشاط الزائد لدى آخرين من الولاة فقط بسبب : حلاوة الكرسى ! الوزراء عند فقد الكرسى : لاحظ كثيرون ، ان بعض الوزراء لايتحدثون عن مشاكل تحدث لهم اثناء تولى الوزارة بسبب أداء آخرين ، او عقبات وضعت امامهم عن قصد لتعويق مجهوداتهم ..ألخ ولكنهم يكثرون من نقد كامل الوزارة بعد مغادرة الوزارة : ولاأظن ان مثل هذا التصرف يعنى غير : حلاوة الكرسى ! واخيرا ، لاشك فلى حلاوة السلطة ماديا ومعنويا بالنسبة لكل البشر ، غير ان سبل الأحتفاظ بها يختلف من مجتمع لآخر ، وذلك بحسب نوع النظام الموجود ، الذى يفرض اسلوبا معينا لاكتساب السلطة وللمحافظة عليها ولفقدها لمصلحة آخرين ، وكذلك بحسب تربية البشر . فنجد مثلا فى كل البلدان التى تمارس الديموقراطية عن مبدأ وتجربة تاريخية أن الأنتخابات الشفيفة هى التى تبادل السلطة بين مختلف الأحزاب والتنظيمات والأفراد ولكن الأحتفاظ بها يختلف من بلد لآخر ومن فرد لفرد ، فمثلا فى البلاد الأسكندنافية قد يقدم وزير داخلية استقالته لأن شرطيا قام بممارسة خاطئة تجاه مواطن فى قرية ما ، ولكن رئيسا فى بلد آخر ، مثل امريكا ، يرفض الأعتراف بنتائج الأنتخابات ، بل ويصرح ضد النظام الأنتخابى بأكمله ويعوق تسليم بعض المهام الرئاسية لخلفه ! كل هذا ممكن ويحدث فى بلاد ديموقراطية ، لكن الذى يحدث عندنا فى ظروف بعد الثورة التى جاءت بعد ثلاثين عاما من حكم ديكتاتورى عديم المثيل ، ويدعى مكونه المدنى، الذى يحظى بتأييد الملايين ،حرصه على بناء الديموقراطية من جديد ، لايجد تفسيرا غير : حلاوة الكرسى ! غير انى أظن ان مايفعله هذا المكون سيؤدى الى عكس ما يتمنى ، فالحفاظ على كرسى حكومة مابعد الثورة يتطلب الألتزام بطلبات الثوار ، الا اذا كان المكون المدنى قد فقد الثقة فى الجماهير التى اسقطت البشير فى شهور ، ثم خليفته فى يومين ، وهى ايضا التى سيرت المليونيات التى اجهضت مخططات العسكر ومن وراءهم المرة تلو الأخرى ، وستفعل ! وأخيرا : فقد فقد نميرى شعبية كبيرة بعد ان تحول يمينا وعمد ديكتاتورا تحت مسمى " اميرا للمؤمنين " وفقد المرحوم الزعيم الصادق المهدى فرصة ذهبية بعد الشعبية التى عبرت عنها صناديق الأقتراع بعد انتفاضة 1985 وظل مترددا عن اللحاق بركب الاجماع الوطني الذى لم يتخلف عنها غير " الكيزان " ، فكان تردده سببا فى قفزهم على السلطة بالأنقلاب ! فهل يكون موقف د. حمدوك الأخير سببا فى عدم ضياع هذه الفرصة الاخيرة عليه ، لاعلى الثورة المتفردة المنتصرة مهما طال الزمن وتعددت الابتلاءات؟!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عبد المنعم عثمان
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست