في أول 5 دقائق من أي نشرة إخبارية مصورة واحدة تشاهد مظاهر مفجعة من الدمار والبؤس والموت المجاني بسبب الحروب التي أصبحت تغطي معظم العالم ولا تكاد تستثني بقعة. تتطاول الحروب وتنتشر رغم ثبات عبثيتها في تحقيق الأهداف السياسية لا سيما الأطماع في أوطان ثروات الآخرين. قبل نحو 35 عاما خرج الاتحاد السوفييتي السابق صاغرا من أفغانستان، ولم ينفعه جبروت قوته واندحر أمام قوة أفغانية محلية. ولم تع الولايات المتحدة الأمريكية بعد ذلك الدرس وأقدمت بعد نحو عقدين في 2001 على عملية عسكرية لاحتلال أفغانستان وخرجت كذلك صاغرة بعد عشرين عاما عجافا في 2021 في سياق ملهاة دولية رتيبة. والوطن العربي يجد حظه غير منقوص من هذه الملهاة، فهو عالم مصغر تكتوي كل رقعة منه بنار الدمار. وفلسطين جرح الأمة الغائر، ظلت قضيتها المركزية وتطوراتها مؤشرا قويا لحال هذا الوطن العربي. في بداية عام 2020 أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ما أسماه بخطة السلام بين فلسطين وإسرائيل والمعروفة بـ «صفقة القرن» بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وسفراء أربع دول عربية في العاصمة الأمريكية واشنطن، وظل ترامب يصر على تسويق هذه الخطة ممنيا أهل فلسطين بوعود كاذبة في الوقت الذي ترفض فيه إسرائيل تطبيق حتى الحلول الاستسلامية، مثل حل الدولتين وعودة اللاجئين، وظلت تؤكد أنه من الصعب إجلاء المستوطنين من أراضي الضفة الغربية. وفي سياق هذه الصفقة، شهد ذات العام 2020 صفقات صغرى مكملة، ليلتحق بقطار التطبيع عدد من الدول العربية ليس من بينها أي دولة من دول الطوق (المواجهة) أو قريبة جغرافيا من دولة الاحتلال الإسرائيلي، حتى يتعلل بعضها بضرورات الجغرافيا السياسية ويتخذ ذلك ذريعة للتعاطي مع الدولة الغاصبة. ليس خافيا أن الولايات المتحدة الأمريكية ترى من منظار إستراتيجي أن دولة إسرائيل هي الوريث «الشرعي» لعرش الشرق الأوسط أو العالم العربي. في المقابل فإن حال الولايات المتحدة الأمريكية لا يسر المشفقين عليها، ولعل إخفاق سياساتها حول العالم ينعكس لا محالة سلبا على الداخل وتماسكه، يقول ديفيد هيرست الكاتب البريطاني الشهير ومدير تحرير موقع ميدل إيست آي: إن الغرب الذي يمثل في مجموعه القوة الأعظم نجح فقط في نشر توحش وبؤس الحرب في أفغانستان على مدى عقدين، وإن حساب تكلفة التدخل الغربي في أفغانستان بعدد الأرواح العسكرية الأمريكية والبريطانية التي أزهقت هو الدليل القاطع على أننا حضارة تتآكل. والداخل الأمريكي اليوم يئن بمحاكمة مجلس النواب والقضايا المرفوعة في حق الرئيس السابق ترامب، وهي تكاد لا تقف عند حد، فقد ذكرت قناة «إيه بي سي نيوز» وصحيفة «نيويورك تايمز» أمس الأول الخميس، أن ترامب تشارك قبيل مغادرته البيت الأبيض معلومات سرية حول غواصات نووية أمريكية مع رجل أعمال أسترالي الذي تشارك هذه المعلومات مع ما لا يقل عن 45 شخصا على الأقل فيهم موظفون لديه وصحفيون ومسؤولون أستراليون بينهم رؤساء وزراء سابقون. وذكر أن ما سرّبه ترامب يعرض الأسطول النووي الأمريكي للخطر. المدهش أن الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه ويحكم باسمه الرئيس الحالي جو بايدن، كان عند نشأته حزبا ذا توجه محافظ يحمي مؤسسة العبودية قبل أن تندلع الحرب الأهلية الأمريكية في 1862. لكنه تحول فيما بعد تحولا جذريا بعد انتخاب الرئيس فرانكلين روزفلت في 1932، من حزب محافظ ليصبح ممثلا للتيارات الليبرالية ومناصرا للنقابات العمالية وللتدخل الحكومي في الاقتصاد. بيد أنه اليوم بدا وكأنه يعود لما قبل 1932 لا سيما في موقفه الداعم بقوة للحرب في أوكرانيا وبدا أن لو ترامب كان اليوم رئيسا ممثلا للحزب الجمهوري المحافظ لما اتخذ هذا الموقف المتشدد. إن ما يشجع طموحات الرئيس الروسي فلادمير بوتين هو تفكك المنظومة الغربية وتضعضها، ابتداءً من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. واليوم تدفع الولايات المتحدة بالاتحاد الأوروبي نحو شبه مواجهة مع روسيا، وهي مواجهة لا يقدر عليها وليس مستعدا لها، فهو يعيش حالة توهان في مستنقع أوكرانيا ومع تطاول أمد الحرب وهي استراتيجية روسية جديدة غير التي بدأت بها موسكو حربها، فإن أوروبا اليوم قلقة من تخلي واشنطن عن دعمها وبالأمس صرح مفوض السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل بأن أوروبا لن تستطيع أن تكون بديلا للدعم الأمريكي ويحمل هذا التصريح قلقا من توقف أو تباطؤ الدعم الأمريكي وفي ذات الوقت لم تخف أوروبا قلقها من تعثر الهجوم الأوكراني المضاد على روسيا مع اقتراب فصل الشتاء. وقبل عامين نشبت أزمة بسبب الاتفاقية الأمنية التي ضمت الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، وهي التي أثارت غضب فرنسا والاتحاد الأوروبي قبل أن تثير غضب الصين وهي الطرف المستهدف أصالة، وهي ضمن الشرق الجيوسياسي. وقد انتقدت فرنسا ومن ورائها الاتحاد الأوروبي، تلك الاتفاقية ورأت في الأمر «خيانة» و»طعنة في الظهر» إذ جاءت على حساب صفقة عقدتها مع أستراليا منذ 2016. إنه في ظل هذا العالم المستكبر فيه الأقوياء بقوتهم، تظل هناك حقائق تاريخية يجب أن تطمئن الشعوب المستضعفة لا سيما في منطقتنا، وهي أن أعظم الانتصارات التاريخية التي تمثل إعجازًا في تاريخ الحروب، كانت انتصار الجيوش قليلة العدد والعتاد على ما سواها بشكل مستمر، حين توفر لها شرط مهم عصي الاستيعاب، وهو أن النصر بيد الله حيث تستجمع قوة معنوية مدمرة لأن الهدف هو حق العيش بكرامة ودفع الظلم. التاريخ يحدثنا أن معركة اليرموك، جرت بين المسلمين بقيادة خالد بن الوليد، وجيش الإمبراطورية البيزنطية، في سنة 13هـ، وكانت معركة مهمة في التاريخ لأنها كانت بداية انتصارات المسلمين خارج الجزيرة العربية، وقد استمرت بعدها الفتوحات حتى وصل المسلمون بعد قرن منها إلى مشارف باريس. وفيما كان تعداد جيش المسلمين 36 ألف مقاتل، كان تعداد الجيش البيزنطي 240 ألفا.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة