منذ سقوط مدينة الفاشر في يد قوات الدعم السريع في أكتوبر ٢٠٢٥، انطلقت آلة إعلامية ضخمة يقودها فلول النظام البائد وجماعة الإخوان المسلمين، تزعم أن القوات المنتصرة ارتكبت مجازر ضد المدنيين، وأن مئات النساء والأطفال قُتلوا بدمٍ بارد. لكن خلف هذا الضجيج، كانت الحقيقة أكثر وضوحًا من أي وقتٍ مضى: ما نُشر لم يكن سوى حرب تضليلٍ إعلامي محبوكة هدفها إنقاذ بقايا مشروع الكيزان من الانهيار الكامل.
في غضون أيام من تحرير المدينة، امتلأت منصات التواصل بآلاف الصور والفيديوهات الدامية. وبتحقيقٍ مهني أجرته سكاي نيوز عربية بالتعاون مع المنصة الدولية Bellingcat، تبيّن أن معظم هذه المواد — وعددها ٣٧ صورة ومقطع فيديو — مفبركة أو مصطنعة بالذكاء الاصطناعي، أو منقولة من دولٍ أخرى مثل تشاد ومالي وتونس.
التضليل كسلاحٍ في معركة الخسارة أثبتت التحقيقات أن ماكينة الكيزان الإعلامية استخدمت أدواتها القديمة — من القنوات الفضائية إلى المنصات الإلكترونية — لتضليل الرأي العام المحلي والدولي. الهدف كان واضحًا: إقناع العالم بأن النصر في الفاشر جريمة، وأن المهزوم هو الضحية.
غير أنّ الحقائق الموثّقة أسقطت هذا القناع بسرعة. فقد كشفت Bellingcat أن بعض المقاطع التي وُصفت بأنها "جرائم دعم سريع" تعود في الأصل لأحداث في دولٍ أفريقية أخرى، أو لمقاطع أنشأها الذكاء الاصطناعي بالكامل. إنها عملية تضليلٍ ممنهجة، أراد الكيزان من خلالها تحويل الفشل العسكري إلى انتصارٍ دعائي.
الخسارة الأخلاقية قبل العسكرية إنّ أخطر ما في هذه الأكاذيب أنها تُضرّ بالضحايا الحقيقيين، وتُضعف ثقة المجتمع الدولي في الأدلة الموثوقة. فعندما تُختلط الأكاذيب بالحقائق، يصبح المجرم بريئًا، وتُمحى دماء الأبرياء وسط الضجيج.
من هنا، يُطلَب من دول الرباعية (الولايات المتحدة، بريطانيا، السعودية، والإمارات)، ومعها الأمم المتحدة، أن تراجع وتنسحب من الاتهامات التي بُنيت على مواد مفبركة. فالمسؤولية الأخلاقية تقتضي الاعتذار وتصحيح السردية، لا التمادي في ترديد دعايةٍ تخدم بقايا المشروع الإسلاموي المهزوم.
لقد تحررت الفاشر بالسلاح، لكن الحقيقة حررتها من الكذب. وسيبقى سجلّها شاهدًا على أن الوعي أقوى من الإعلام، وأن التضليل مهما طال عمره... لا ينتصر على الضوء.
المراجع:
١. سكاي نيوز عربية: «صور وفيديوهات مفبركة عن الفاشر.. الإخوان في قبضة كاشفي التضليل»، ٣١ أكتوبر ٢٠٢٥.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة