• على الرغم من الخيارات الواسعة التي أتاحتها الهواتف الذكية لمشاهدة الاخبار والأحداث ومتابعتها بصورة فردية وأنت مستلق على فراشك أو في السيارة أو في السوق..الخ، دون الحاجة إلى الجلوس متسمّراً أمام شاشة التلفاز، يظل للتلفزيون مساحة وميزة وجاذبية تحملك على الجلوس أمامه، كما جلس المرحوم محمد وردي أمام الوطن وهو يصدح برائعة الشاعر الكبير المرحوم محجوب شريف: في حضرة جلالك يطيب الجلوس.
• من ضمن اللحظات التي تلزمني على الجلوس أمام الشاشة البلورية، نشرة أخبار العاشرة مساءً في القناة السودانية الأولى، لمتابعة أخبار الداخل بالدرجة الأولى . ولكن ما لفت نظري هو استمرار التلفزيون في نقل التحركات والنشاطات، صغيرها وكبيرها، للولايات الثمانية عشر وولاتها ببزاتهم العسكرية ورتبهم العالية (فريق أول رُكن، فريق أول، فريق، لواء، عميد)، أنا لا أفهم في المراتب العسكرية وطريقة الاستحقاق (وهم جديرون بها دون أدنى شك)، ولكن ما يثير التساؤل هو استمرار هذا الوجود العسكري الكثيف في أعلى المناصب السيادية والتنفيذية على مستوى المركز والولايات بما يتناقض مع الثورة وشعارها : مدنيــــااااووو.
• لا شك أنّ الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية بيّنت وفصّلت في موضوع الحكم بمستوياته المختلفة والشراكة ما بين المكوِّن العسكري والمدني، ومن المؤكد أنّ وجود هؤلاء الضباط على رأس الولايات وجود مؤقت، وهم مكلًّفون، ولكن الخوف في أن يستمر هذا التكليف طوال الفترة الانتقالية! التي قد تُمدّد حسب بعض الأصوات، بل وقد ينتهي بنا الأمر وقد تحوّل الوضع من (انتقالي) إلى ( دائم) كما كان الحال في الجارة اثيوبيا في فترة حكم منقستو هيلا مريم الذي استولى على السلطة فيها بالدبابات والمدافع في سبعينيات القرن الماضي وكوّن مجلساً "مؤقتاً" لحكم البلاد، إلا أنّ السلطة بهرته بصولجانها وأنوارها وقصورها فتشبّث بكرسي الحكم لما يزيد عن أربعة عشر عاماً حتى فراره الى زمبابوي في العام ١٩٩٠م بعد أن أزهق أرواح مئات الألوف من مواطني أرض أكسوم خلال سنوات حكمه العجاف.
• ولاياتنا الثماني عشرة تتبع، وفقاً للوثيقة الدستورية، للجهاز التنفيذي برئاسة دولة رئيس الوزراء وبالتالي يتطلع الجميع إلى رؤية ولاة مدنيين على رأس الولايات بأسرع ما يمكن، وأن يعود هؤلاء الضباط العظام إلى ثكناتهم العسكرية للتفرغ لمهامهم الأساسية تدريباً وتأهيلاً لمنسوبي القطاع العسكري، وكذلك للتخطيط والتطوير في كل ما له علاقة بالدفاع عن الوطن والحفاظ على سيادته ووحدة أراضيه.
• لا أعتقد ان هناك ضرورة لمشاهدة ضابط برتبة لواء أو فريق وهو يدشِّن موسم حصاد القمح ممتطياً إحدى الحاصدات وسط حقول القمح، أو مشاهدة زميله الآخر في الولاية الأخرى واقفاً على منصة الخطابة في افتتاح مدرسة أو مركز صحي! وكل ذلك يتم، وهنا بيت القصيد، أمام عدسات المصورين وكاميرات التلفزيون حتى تنقل كل تلك التفاصيل بالصوت والصورة للمشاهد، فتمتد نشرة الأخبار المسائية من العاشرة الى الحادية عشر ليلاً لإعطاء كل ولاية من الولايات فرصتها في الاستعراض لتبرهن لعموم الشعب أنها تعمل وتنجز!
• لا أحد ينكر الأدوار الوطنية العظيمة للجيش في تاريخ السودان الحديث، وإسهاماته الجليلة في خدمة القطاع المدني عند الحاجة، وخصوصاً في أزمنة الطوارئ والأزمات، كما حدث في ستينيات القرن الميلادي الماضي عندما برزت أزمة جني محصول القطن بمشروع الجزيرة. ففي تلك السنة، كما يذكر مخضرمو المشروع، كان انتاج القطن غزيراً بصورة فاقت التوقعات، وفي نفس الوقت، كان هناك نقص كبير في الأيدي العاملة. وصلت المعلومات إلى الجهات العليا في الدولة التي كان رد فعلها سريعاً بإصدار التوجيهات للجيش بإرسال ما يلزم من الوحدات العسكرية إلى مشروع الجزيرة لإنقاذ موسم (لقيط القطن). وبالفعل، جاء الجيش إلى مشروع الجزيرة، ونشر وحداته العسكرية في مختلف أقسام المشروع لجني القطن، وفي غضون أيام معدودة، تم جني محصول القطن وإنقاذ الموسم الزراعي بالمشروع. فالمواقف الوطنية لقوات الشعب المسلحة ومساهماتها المدنية معروفة ومحفوظة في ذاكرة الشعب، و(مَن لا يشكر الناس لا يشكر الله)، ولكن، وكما سبقت الإشارة، يظل للجيش، بطبيعة تكوينه، مهـام وواجبات ومسئوليات جسام أخرى مكانها ساحات الوغى وميادين القتال (وكفي الله المؤمنين القتال)ـ
• ثورة ديسمبر جاءت بالتغيير، جاءت بشعار: وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وشباب هذه الثورة خرجوا ضد كل أخطاء وخطايا النظام السابق وشعاراته البالية على شاكلة: الولاء قبل الكفاءة. وهذا التغيير الثوري الجذري ينبغي أن يشمل الجميع، مدنيين وعسكريين.
• وما زلت عند قناعتي بأن ثورة ديسمبر المجيدة قد قضت على المتملِّقين والهتيفة وحارقي البخور وناصبي منصّات الرقص خلال سنوات العهد البائد.
• عليه، نأمل ، ونحن نتفيأ ظلال الحرية والديمقراطية وسيادة حكم القانون، أن يسرع الأخوة في السلطة الانتقاليـة في تجسيد شعارات ثورة ديسمبر على أرض الواقع، وأن يعود صاحب كل اختصاص إلى عرينه حتى يفيد ويستفيد.
• قال الشاعر: ووضْعٌ النّدَى في موضِع السيف للفَتَى ،،، مُضِرٌ كوضْعِ السيف في موضِع النّدَى
• أيها العسكريون: ومع إيماننا التام بمبدأ السلمية، وبأن العافية والسلامة مطلب الجميع، نقول لكم عودوا إلى ثكناتكم وتأهبوا لحماية الحدود وصيانـة الأرض والعرض. نريدكم في الساحات والميادين التي أٌعددتم لها لا في مكاتب الخدمة المدنية.
• عندها سيغنّي لكم الشعب: جيشنا جيش الهنا...الحارس مالْنــا ودمَّنــا.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
طه داوود
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست