هناك أشياء كثيرة لا نقولها، نصمت عنها، حتى لا نزيد الطين بلة. ما نقوله هو ما لا يهدد الأمن القومي، ليس حباً في حمدوك والشيوعيين ولا العسكر، ولكن لأننا نحن هنا في الداخل أصحاب الوجعة. من أتوا بهم من أمريكا وبريطانيا لم يقفوا يوماً في صف العيش، ومن لم يكن من أمريكا كان يعمل مع الكيزان بدءاً من البرهان وحميدتي وحمدوك وابراهيم الشيخ ومدني جرادل وانتهاء بباقي كيزان الحكومة الحالية، وهؤلاء أيضاً لم يقفوا في صف عيش ولا بنزين. لكن إلى متى سنصمت؟ وإلى متى سنعاني يا قوم؟ وإلى متى نرى الفيل ونطعن في ظله؟ الأكاذيب التي لم تتوقف عنها أي حكومة سودانية منذ مقتل المئات في عنبر جودة، وحتى مقتل الملايين في دارفور والعشرات في الاعتصام؟ أكذوبة أن تجار العملة هم السبب، رغم ان تجار العملة هم في الواقع أكثر من خدم المواطنين الذين يرغبون في السفر للعلاج أو التعليم، فالحكومة لن تمنحهم دولار، لأن الحكومة نفسها تشتري من تجار العملة، لأن الحكومة تلجأ لأسامة داود وشركة الفاخر أو غيرهم لأنهم يملكون الدولار، والدولار تشتري به الحكومة الدقيق والبنزين والدواء. هل مشكلة إقتصاد دولة في تاجر عملة يبيع الف أو حتى عشرين الف دولار في السوق العربي تحت برج البركة؟ طبعاً لا.. هل إنهيار الاقتصاد لأن تجار الذهب وجدو الجنيه ينهار فاشتروا دولار أو ذهب ليحموا رؤوس أموالهم؟ طبعاً لا... فلماذا تمت محاصرة عمارة الذهب وحجز التجار فالداخل مفقود والخارج مولود؟ هل تريد الحكومة أن يضحوا بقوت عيالهم ويمنحوها الذهب لتنفقه على شركة الفاخر وأسامة داوود مثلا؟ ما حدث اليوم حذرنا منه قبل سقوط البشير وبعده وقبل أشهر..حذرنا من أن الناس (تجار أو غير تجار) لا يمكن أن يحتفظوا بجنيه لا قيمة له حتى لو بيع كورق بالوزن. الناس الآن سيشترون الدولار ولو بلغ سعره مليون جنيه، لأن المليون نفسها لا قيمة لها، وهذا سيزيد الطين بلة، لأن الدولار سيجف وترتفع أسعاره أضعافاً مضاعفة. ووزيرة المالية (الطفلة المعجزة) معجبة بآبي أحمد وتلتقط معه سيلفي. والناس يصرخون وحمدوك أضان الحامل طرشا. ومن الواضح أنه لا يملك أي برنامج، بل وضع كل بيضه (إن كان له بيض) في سلة واحدة هي رفع الحظر الأمريكي. وأنا أقول: لو الآن.. في هذه اللحظة، أعلنت امريكا رفع السودان من قائمة الإرهاب، فالإقتصاد لن ينصلح حاله، بل أجزم أن الدولار سيرتفع إرتفاعاً أكثر جنوناً من الآن. لأن المعضلة أكبر من إمكانيات حمدوك التي ثبت أنها متواضعة جداً جداً. حمدوك يتم تسييره وجعله أضحوكة من البطانة التي من حوله، وللأسف هذا نفس ما حدث للبشير. والسودان دولة منهارة، ومفلسة، ولا يمكن إنتظار حلول البعثة الخواجية، إن لم يكن الحل بأيدي سودانية. وسودانية من عمق الواقع السوداني..من عمق مأساته وكارثته، وليس اشخاص يحبون الشو show واستعراض اللغة الإنجليزية والثياب السويسرية، والبدل الإيطالية كما يحدث الآن. السودان في مأزق حقيقي، ويحتاج لرجال دولة، يشعرون بهول الفجيعة، وبعمق المأساة. ليضعوا حلول حقيقية، بعد تخطيط عميق وممنهج. سأعطيكم مثال بسيط على أن حمدوك والطفلة المعجزة هم في ضياع كبير جداً، ومن ضمن ذلك الحديث ليل نهار عن إيرادات الصادر. والناس لا تعرف حقيقة هذا الأمر، وسأبين لكم هذه الأكذوبة بالتفصيل. تخيل انني ارغب في تصدير منقة. لكي أصدر مانجو أو منقة، يجب أن أزرعها او أشتريها، أي يجب أن أدفع فلوس money أولاً. تكاليف شراء وتشوين وشحن وعمالة،...الخ. نفترض أنني اشتريت بألف دولار، واريد التصدير بألف وخمسمائة لربح خمسمائة دولار. قمت بعمل خطاب ال LC ، وارسلت البضاعة ومعها بوليصة الشحن. لم يتبق لي كمصدر سوى استلام نقودي المرسلة من المشتري إلى البنك في السودان وهي ألف وخمسمائة دولار. فماذا يحدث؟ يمتنع بنك السودان عن منحي دولاراتي، ويطالبني بشرائها بالجنيه وبسعر البنك المركزي، يعني ٥٥ جنيه للدولار. أي انني عندما انفقت الف دولار من جيبي الخاص، اشتريتها بسعر الأسود ١٩٦ جنيه للدولار. (لأن الحكومة لا تعطيك دولار)، والحكومة تسرق مني ليس فقط ألف دولار بل معها ارباحي الخمسمائة دولار فكأنك يا زيد ماغزيت. السؤال: لماذا أقوم بالتصدير والحكومة تسرقني؟ لماذا لم أسافر لأثيوبيا او مصر أو الإمارات وأقوم بتصدير المانجو من كينيا أو أوغندا، واستلم كل أموالي بالدولار. ما يفعله المصدرون الذين هم أكثر وطنية من حمدوك والبرهان وأسامة داوود وشركة الفاخر، ما يفعله المصدرون هو أنهم يصرون على عدم الخروج من سوق الصادر، ويتحايلون على ذلك ببيع دولاراتهم المحجوزة في البنك لأشخاص نافذين بسعر السوق الأسود. المصدرون وتجار الذهب، بل وحتى تجار العملة، هم أكثر وطنية من هذه الشرذمة التي تتحدث عن طهور البنات وعرقي غير المسلمين وتلتقط الصور والسيلفي مع بامبيو وشارون...الخ. ولو كنت من تجار الذهب أو المصدرين أو حتى تاجر عملة، لخرجت بمالي من السودان، واستثمرتها في أي بلد آخر، بدون صداع الفساد والمحسوبية وفوضى القوانين واللوائح، وسياسات الحكومة المتخبطة التي كلما أرادت تكحيلها زادتها عمىً على عمى. وعندما نقول أن السودان اليوم في حالة فوضى فنحن لا نتحدث من فراغ. فوضى في القوانين وفوضى في المحاكم وفوضى في الوزارات وفوضى في المدارس والمستشفيات والجيش والشرطة وحتى المقابر فوضى. لكن من يحس؟ من يشعر؟ من يملك حميَّة الوطنية والإخلاص؟ لا أحد كلهم أصحاب أجندة خارجية وداخلية، ومن ورائهم جوقات من المطبلاتية والبلهاء والغوغاء والرجرجة والدهماء. وسيستمر الوضع في الإنهيار... سيستمر ويستمر.. حتى يفهم الشعب أنه مخدوع في هؤلاء... ولكن... بعد فوات الأوان...
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
أمل الكردفاني
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست