لقد أصبح من الضروري أن نخرج أحيانا عن سياق الدنيا ومصاعبها ومشاكلها ، كي نتنفس هواء عليلا آخر ، يرد لنا بعض من الروح المستلبة ، والملتبسة ، ذلك بأن الدنيا ، بقدر ما هي معقدة ، فإننا نزيدها تعقيدا لأننا ببساطة نغرق في همومها ومشاكلها ، ونتخلى رويدا عن المصدر والمرجع الصحيح والوحيد علي وجه الأرض وندخل بعلمنا " القليل" في إشكالات وتحليلات وتنظيرات بشرية، أغلبها عقيم وقاصر ، بل وأناني محض ،ليس له علاقة ، لا بالوطن ولا بالناس والنتيجة و كما تري، يصبح الأمر المزيد من التعقيدات.
أنظر ، هداك الله وإيانا إلي قوله تعالي " أفرأيتم ما تحرثون* أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون" 63/64 الواقعة. لو علم كل من له علاقة بالزراعة حقيقة هذه الآيات لخروا سجدا ، شاكرين لله وسارعوا إلي تقليب التربة ورمي " التيراب" وفتح السرابات ، لتبدأ المهمة الأصعب.. " الإنبات" التي ليست من مهمتهم بل كل ما عليهم فعله، ترقب وقت الحصاد وجني المحصول.
ينتابني احساس أننا ، نحن شعب السودان ، ربما سندخل في جحر ضب يوم الحساب ، فنعم الله علينا ،ظاهرها وباطنها ،أكثر مما نحصي ونعد ، أرض واسعة وأنهار جارية وكنوز من كل نوع ومع ذلك ، نبذنا كل ذلك وركنا الي الاستهلاك والتواكل ، دون اي إنتاج فعلي يذكر واستعضنا عنه بطلب المنح والمعونات من كل من هب ودب ، حتي أن لسان حالهم يقول :أننا شعب " كسول" لا نستحق كل هذه النعم ويجب أن نبقي فقراء هكذا، ليس الي الله تبارك وتعالي وإنما لهم ، لذلك ، سيظل بلدنا مستباح السيادة حتي ندرك : أين نحن نقف وما يتوجب علينا فعله ؟ وكيف نلملم كل اطرافنا ؟ نتوحد فيما بيننا ونجبر عجزنا بالعمل الجاد ، حتي يستقيم عودنا ونغيظ به من يستهين بنا من أعداءنا.
بسبب " التشتيت " وتلاحق المحن ، بتنا لا ندرك أن كل ما علينا فعله هو إحسان النية والصدق في العمل والمزيد من الشكر والتوكل الحق ، أما الباقي ، فلا بد أن نراه في شكل نتائج ملموسة ،إذا استقام أمرنا ،كمثل هذه الآية " وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين"الأنعام-141 . (يعني .. اشتغل في واطاتك يا بني آدم وابتغي عند الله الرزق).
قبل موسم الزراعة، يتهافت المزارعون علي جهات الاختصاص، طلبا للعون بتمويل المعينات والمتطلبات الزراعية ، جازولين ، جماكسين ، شوالات ، عمالة ..إلخ ، بعضها يذهب الي ما خصص له وبعضها يذهب الي " مزاجات" شخصية ، ثم يأتي الموسم فجأة علي عكس ما تشتهي الأنفس والسبب ، لابد أن يكون وراءه الجشع والطمع وسوء النية.
في قصة نبي الله يوسف عليه السلام ، وضع لهم نظرية اقتصادية مقتضبة ولكن فعالة ، تبدأ بالخطة الزراعية وتنتهي بـ " العصر" ونجحت خطته " السبعينية" إيما نجاح حتي عينه فرعون واليا علي خزائن الأرض.
في هذا الصدد، أعرف غفيرا في أحد المصالح الحكومية، يستفيد من الزقاق الخلفي للمصلحة، فيسقي شجر الليمون في غير وقت الدوام ويزرع البامية والخضرة ويوزع الناتج علي من يريد من الموظفين. اليس هذا قمة التعاون العفوي البسيط ؟!.
دعونا لا نقدح او ننتقد من يمسكون الآن بزمام معالجة مشاكلنا الاقتصادية المزمنة فهي أولا ، ليست من صنيعهم ولا ينبغي أن نحملهم وزر هذه الضائقة المعيشية الخانقة والغلاء المستعر، لأنها موروثة ، من ظالم الي اظلم ، فعندما تسمع أن نتائج خططهم ستظهر وفق جداول زمنية محددة ، علي المدي القريب والمتوسط والبعيد ، اعلم أنه علي الأقل ، هناك خطوات وخطط مدروسة ، ربما فيها من الشبه خطة " سبع سنين دأبا" هكذا هو...
بعض من هؤلاء النفر من حكومة حمدوك ومعهم بعض المستشارين الاقتصاديين الوطنيين محترفين ، عمل معظمهم مع منظمات وجهات وبنوك دولية معروفة، يعرفون المداخل والمخارج وينتزعون بمهاراتهم المهنية وشجاعتهم التفاوضية كل ما هو ممكن لصالح البلاد والعباد كي ينفذوا خططهم الاقتصادية الفاعلة ورغم كل ذلك ، يواجهون بكل محاولات الإفشال والتثبيط المتعمد والسخرية والاستهزاء والتجهيل من أولئك الذين يحبون العاجلة... وإذا أردت ايها القارئ الكريم أن تشحذ " ملكاتك" العادلة بعيدا عن حكم " الهوي" لتعرف مالات العاجلة ، فأقرا معي هذه الآية " من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا" الإسراء-آية18.
لعلك تري بأم عينيك أيها القارئ الكريم ، سعي ناس " العاجلة" الدؤوب لإفشال أي مساعي إصلاحية، بطرح قوي أخري وخطط مزعومة بديلة تشبه ، كأصحابها ، خطط سوق " المواسير" الارتجالية ، بينما هدفهم الشخصي ، إما التهرب من المحاكمات الجنائية بتثبيت الكراسي ، أو تبوء المناصب أو جني المكاسب لذلك ، تراهم يجتهدون الآن لقلب الطاولة التي نحن أساسا تحتها بغرض تغيير" الشكة" ولا يهمهم لتحقيق هذا الهدف ، ثورة ، أو ثوار، او شهداء ، أو ضحايا أو مهمشين ، فأجنداتهم الخارجية اولي بالنفاذ وعند " الفرز" ستجد أن هؤلاء " كوم" واولئك "كوم" آخر، فكن مظلوما ولا تكن ظالما أبدا . قال تعالي " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون "الشعراء- آية227.
وبعد أيها القارئ الكريم ، كانت هذه سياحة سريعة ، بعيدا عن المقالات المغرقة في السياسة وإذا كنت تملك ما ينفع الناس ، فلا تبخل علينا بما تجود ، فنحن في أمس الحاجة الي "التذكرة".
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
محمد عبد المجيد أمين(عمر براق)
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست