هذا مقال ملئ بالتناقضات، ومليء بمحاولات القفز على الحقائق، إن لم يكن محاولات تغبيشها، بصورة لا يمكن أن يقبلها العقل، إلا إذا كانت رؤوسنا قد خات من عقولنا. فهو على سبيل المثال يتحسر على، ويتحدث عن، نهب موارد وثروات السودان، ويركز بالتحديد على ضياع عائدات ثروات السودان من النفط والذهب، حيث كتب: (لقد حوَّل النهج الكليبتوقراطي اللصوصي الدولة إلى مستودعٍ مفتوحٍ يغرف منه النادي الحاكم وتفرعاته المختلفة. لذلك، لم ير السودانيون عائدًا ملموسًا في حياتهم ومعاشهم من حقبة البترول التي استمرت لأكثر من عشر سنين. كما لم يروا عائدًا من حقبة الذهب التي تعدت، حتى الآن، 15 عامًا. بل، لم يروا عائدًا من حصائل الصادر مما جري ويجري تصديره ونهبه من منتجاتهم الزراعية والحيوانية والغابية. هذه الدولة الإخوانية الكليبتوقراطية لها أعوانها من شبكة التجار والمهربين المتمرسين في أساليب تسريب موارد البلاد إلى الخارج.). انتهى ليأتي في نهاية مقاله ويطالب تحالف تأسيس، الذي يرأسه محمد حمدان دقلو، بعدم المساومة في مواجهة مهددات بقاء الدولة السودانية، التي يمثلها تنظيم الإخوان المسلمين، بدون أي اعتبار لخطر حميدتي، زعيم مليشيات الدعم السريع، صنيعة وشريك الإخوان المسلمين في التهديد! حيث كتب: (باختصارٍ شديد، تحالف تأسيس هو الفرصة الوحيدة المتبقية لاستعادة الدولة السودانية، المسروقة من أهلها منذ 36 عاما، ولإنهاء حالة اللادولة، التي ظلننا نعيشها منذ 36 عاما). فهل حقيقة يجهل الدكتور النور، ما يعلمه راعي الضان في الخلاء، بأن حميدتي هو أكبر مهرب لذهب السودان إلى دولة الامارات العربية، والتي هي، بالاضافة لمصر، إحدى أكثر القوى الإقليمية التي تورطت في صناعة الأزمة والمهددات الخطيرة للدولة السودانية، حتى يقفز على كل هذه الحقائق، ثم يطالب تحالف تأسيس، وقائده حميدتي، (حراميها ذات نفسه)، وأكبر المهربين للذهب في تاريخ السودان، وربما في العالم أجمع، بألا يساوموا في حماية الدولة؟! فهل سأل الدكتور النور نفسه من أين أتى حميدتي بكل هذه المليارات من الدولارات، التي أسالت لعاب حلفائه في تأسيس، وجعلتهم يسلمون لقيادته، رغم معرفتهم بأنه قائد فاشل، عسكريا وسياسياً، لسبب واحد، هو مقدرته على الصرف لبناء دولة تأسيس الجديدة، في إقليم دارفور، الذّي أكد الدكتور النور من قبل بأنه سينفصل ليكون دولة جديدة، مثلما انفصل الجنوب؟! كنت قبل أيام قد استمعت لحديث قال فيه الدكتور النور إنه يؤيد مقولة البرهان (المجد للبندقية)، ودعا فيه تحالف تأسيس لمواصلة الحرب حتى القضاء الكامل على جيش وتنظيم الإخوان المسلمين. وبغض النظر عن حقيقة أن التغيير بالعنف يتنافى مع دعوة الفكرة الجمهورية، علاوة على أنه مستحيل، كما علمنا الأستاذ، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما الذي يجعل الدكتور النور يصدق أن تحالف تأسيس، الذي يقوده حميدتي المهزوم، يمكنه أن يعود وينتصر وينجح في اقتلاع الكيزان بقوة السلاح ؟! ألا يحق لنا أن نسأل: لماذا فشل حميدتي من قبل، ولماذا سينجح هذه المرة ، في السيطرة على السُّودان؟ كان الراحل المقيم الدكتور الباقر العفيف يقول إن حميدتي ربما يكون قد كسب الحرب، ولكنه بالتأكيد قد خسر الشعب! ولقد كان ذلك حين أحكم حميدتي سيطرته الكاملة على ولايات الخرطوم، والجزيرة، وسنار، وغيرها من المواقع المهمة، وقد بلغ وقتها عدد قوات ميليشياته ١٢٠ ألف جندي بالتمام والكمال، وكان يسيطر على بنك السودان، ويستحوذ على حصة مقدرة من منظومة الصناعات الدفاعية، بأمر مباشر من رئيس مجلس السيادة، القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان – الذي أسهم بصورة كبيرة في توسيع نفوذه – بالإضافة لشركة زادنا أكبر الشركات السودانية في الزراعة، وعلى الرغم من كل ذلك أدهشنا جميعاً حين خرج مهزوماً مطروداً من كل تلك المواقع، وصح عليه القول اليوم بأنه قد خسر الحرب وخسر الشعب، الذي أذاقته ميليشيات حميدتي الأمرين، حين احتلت بيوت الملايين من أبنائه وبناته وشردتهم، ونهبت سياراتهم وممتلكاتهم. فما الذي يدعو مفكرا مراقبا لكل ما جرى، ولا يزال يجري أمام أعيننا، من اعتداءاتهم وانتهاكاتهم على ملايين الأبرياء في الفاشر ومعسكرات اللاجئين، أن يظن مجرد الظن بأن حالهم سيتغير ، وأنهم سيعودون وينتصرون على ميلشيات الإخوان المسلمين، بعد أن يؤسسوا للشعب حكومتهم الآمنة والمستقرة في نيالا؟! فهل سأل الدكتور النور نفسه كيف ولماذا فعل حميدتي، وكيف ولماذا فعلت ميلشياته، ما فعلوه بالشعب السوداني عندما سيطروا على ولايات الخرطوم والجزيرة وسنار، وكيف ولماذا يتوقع منهم أن يغيروا من سلوكهم ولا يكرروا ما ارتكبوه ضد ملايين الأبرياء من السودانيين، حينما يستتب لهم الأمر في دولة تأسيس الجديدة؟! هل يصدق الدكتور النور حقيقة أن (ذيل الكلب يمكن أن ينعدل) بين يوم وليلة، وبمجرد توقيعه على وثيقة تفيض بالعبارات الرنانة، التي نشك أساساً في أن حميدتي قد قرأها؟! وإذا خدع الدكتور النور نفسه بتصديق كل هذه التناقضات، التي تخالف المعلوم بالضرورة من المنطق والحكمة، فهل هو يصدق حقيقة بأنه سيقنع بها غيره من أبناء الشعب، الذي نعلم أنه أكتسب الوعي الكافي مما تعرض له من ملاحم المعاناة والانتهاكات طوال العقود الماضية، تماما مثلما توقع له الأستاذ محمود أن يتعلم؟! وهل يجهل الدكتور النور أسباب ما يردده المراقبون عن تفسيرهم لموقفه الغريب هذا، ووصفهم له بأنه موقف لا يليق، ولا يمكن أن يصدر من مفكر يستحق صفته، إلا أن يكون واحدا من المرتشين، قبض الثمن من دولارات حميدتي المنهوبة من ثروات الشعب السوداني؟! وهل يجهل بأن هذا الوصف صار يدمغ به جميع الجمهوريين، باعتبار أن الدكتور النور واحد من قياداتهم؟! أنا لا أعتقد.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة