تلك كانت مرحلة .. حيث كانت مرحلة التخرج من مدارس الخواجات .. هؤلاء الذين كانوا أسياد العالم في ذلك الزمن .. في حينه كان المثقف السوداني يرى نفسه منفرداُ ومتميزاُ لا يشبه الآخرين .. وكان يظن نفسه أكثر ثقافة من هؤلاء ( أبناء العروبة والأفارقة ) .. فهو ذلك الرضيع من أثداء الثقافات الغربية العميقة .. حيث نفحات ( أكسفورد ) وروايات شكسبير .. وكان ذلك المثقف السوداني يحس بنوع من التعالي في نفسه .. حيث كان يرى أن هؤلاء الآخرين إما ( أجلاف ) من عمق الصحاري ،، وإما أقوام مازالوا يرتعون في التخلف والبدائية في مجاهل أفريقيا .. وتلك النظرة الفوقية كانت السبب في عدم تواضع هؤلاء بالقدر الذي يتراجع للأخذ بيد تلك الأجيال الجديدة من براثن الاجتهاد .. تلك الأجيال التي كانت في أشد الحاجة لمن يعلمها مناسك الوطنية العميقة في النفوس .. كان هؤلاء في واد يمتطون أفراس التيه والخيلاء .. لأنهم كانوا يزعمون بأنهم ( أولاد الخواجات ) الذين يستحقون تلك المكانة المرموقة .. وقد أهملوا تثقيف وتوجيه تلك الأجيال الجديدة من بعدهم .. وبالتالي فإن تلك الأجيال تلو الأجيال كانت تتخبط في الظلام !.. وهي تفتقد بوصلة الإرشاد السليمة .. ومع الأسف الشديد فإن تلك النظرة الفوقية العقيمة البالية ما زال يحس بها البعض من أبناء السودان القدماء .. حيث ذلك التفاخر بقيمة مفقودة مع تقادم السنوات .. وقد تسببوا بتلك العنجهية في خلق تلك الأحوال والظروف المتردية التي تعيشها البلاد حالياُ .. والصورة الحالية برمتها تؤكد بأن أبناء السودان يتواجدون في نهاية القوائم .. إفلاس في الأفكار ! ,, وإفلاس في القيادات .. وإفلاس في الإمكانيات ،، وإفلاس في المقدرات .. وإفلاس في الجيوب !!.. وإفلاس في الأخلاقيات .. وتلك الإشارات كلها تؤكد أن الرعيل الأول من المثقفين السودانيين قد ارتكبوا جرائم كبرى في حق الأجيال الجديدة اللاحقة .. كما أنها تؤكد بأن الذين تخرجوا من مدارس الخواجات كانوا أفشل الناس في قيادة البلاد نحو الأمام .. حيث لم يعرفوا إلا تلك الصفات الارستقراطية الفارغة .. فذلك الرشف من زجاجات ( الويسكي ) .. ثم ذلك التعالي دون المستوى الذهني والفكري .. مجرد أبناء يتفاخرون بأنهم ( أبناء الخواجات ) .. ثم ذلك التقليد الأعمى لمراسيم الأسياد في المناسبات .. وهي تلك المراسيم التي لم تفد السودان في يوم من الأيام .. ولم تكن سنداُ مفيدا في بناء دولة السودان المولودة الحديثة .. ونكرر القول بأن هؤلاء الرعيل الأول من المثقفين السودانيين الذين أعقبوا المستعمر البغيض لم يرثوا من المستعمر إلا تلك السمات الوضيعة الدنيئة .. ولم يكسبوا من الخواجات تلك المهارات القيادية المعروفة عن ذلك المستعمر ,, وهو ذلك المستعمر الذي كان يجيد إدارة البلاد .. وهؤلاء أبناء السودان الذي أعقبوا ذلك المستعمر لم يزيدوا طوبة واحدة فوق طوبة المستعمر .. والمعروف أن الاستعمار كان يجيد خلق تلك المشاريع الإنمائية والإنتاجية في البلاد .. بل أكثر من ذلك فإن هؤلاء المثقفين السودانيين قد أهملوا وأهدروا وأبادوا تلك الأدوات الإنتاجية المتواجدة في البلاد .. لقد أهدروها وهم يمارسون تلك الطلاسم الفارغة من العنجهية .. ويقولون نحن أبناء الخواجات ! .. وبالملخص المفيد فإن هؤلاء الرعيل الأول من المثقفين السودانيين قد أجرموا في حق هذا السودان .. كما أنهم قد تسببوا في عدم تقدم الشعب السوداني فكرياُ وثقافيا ووطنياُ كشعوب الأرض .. وذلك الإحساس بالتعالي في هؤلاء القدماء مازال يتنقل في نفوس الأجيال الجديدة من قبيل الإرث بالفطرة .
هؤلاء العرب الذين كنا نطلق عليهم الأجلاف وهؤلاء الأفارقة الذين كنا نطلق عليهم الشعوب البدائية والمتخلفة اليوم يقفون على أرضيات ثابتة .. ويواصلون مشاوير البناء والتعمير من منطلقات لا تشوبها تلك العنجهية كما هو الحال في أبناء السودان .. ولا تعطلها تلك المناكفات السطحية التي تليق بالشعوب البدائية أهل العصور الحجرية .. دول من حولنا تتقدم بخطوات راسخة وسليمة وواثقة .. وشعوبها عاقلة لا تجتهد لتخرق تلك المراكب التي هم في داخلها كما يفعل أبناء السودان !.. عجباُ ويا عجباُ من أحوالنا وأحوالهم في هذه الأيام !! .. نحن دولة يقال عنها أنها مولودة قبل تلك الدول بسنوات وسنوات .. ومع ذلك نحن دولة تمد يدها اليوم وهي تسأل الصدقات والهبات من تلك الدول التي تواجدت بعدنا !! .. ويجري على هؤلاء أصحاب الثقافات الاستعمارية ذلك المثل الذي يسخر من الأحوال ويقول : ( أعطي سيدك قرشاُ !! ) .. ولكن تلك الصورة قد أصبحت معكوسة في هذه الأيام .. حيث من العجيب أن يسخر منا هؤلاء الذين كنا نطلق عليهم ( الأجلاف ) ونتعالى عليهم في يوم من الأيام !!.. والأشد مرارة أن المسئولين في بلادنا لا يبالون كثيراُ بتلك الإهانة والمذلة .. ولكن يمدون تلك الأيدي بالتسول دون حياء أو استحياء !! .. والحقائق في أرض الواقع تقول أن تلك الدول التي نالت استقلالها بعد السودان قد تقدمت كثيراُ بخطوات واثقة نحو الأمام .. وذلك بفضل أبناءها الأذكياء النجباء المخلصين الذين يحبون أوطانهم أكثر من أعينهم ! .. هؤلاء الأبناء الذين لم يرضعوا كثيراُ من أثداء الخواجات الخبثاء .. ولم يحملوا تلك الضغائن السوداء يوماُ في صدورهم مثل أبناء السودان .. وذلك هو المآل الذي أوصلنا إليه هؤلاء أبناء أكسفورد في نهاية المطاف .. حيث التعالي في الفارغة .. وحيث العجرفة المقرونة بالجهل والجهلاء .. وحيث تلك العقول الخاوية التي لا تبني ولا تعمر البلاد .. وهي تلك العقول التي في مجملها تعادل الصحاري الخالية .. عقول لا تجيد في الدنيا إلا تلك النوازع من الخلافات والاختلافات الفارغة .. وقد غدت تلك الخلافات سمة وإدماناُ يلاحق أبناء السودان جيلاُ بعد جيل حتى الممات .. والإنسان السوداني في هذه الأيام هو مجرد هيكل يشترك في ذلك الاسم ( إنسان !) .. ولا يحمل أية ميزة من مميزات الإنسان .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عمر عيسى محمد أحمد
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست