تصريحات وزير الخارجية الأمريكي الأخيرة، سعى البعض إلى تفسيرها بأنها صفعة لقوات الدعم السريع. ثم توظيفها لإنتاج خطاب مهترئ وبائس يروّج لعصابة بورتسودان. هذه العصابة التي أشعلت نار الحرب اللعينة، وترفض وقفها خشية من المساءلة والمحاسبة، تحاول عبر أدواتها الإعلامية والسياسية أن تصوّر نفسها كطرف شرعي. بينما هي في الحقيقة مجرد بقايا نظام لفظه الشعب. لكن هذه التصريحات، في سياق التحليل السياسي، لا تعكس موقفًا مبدئيًا بقدر ما تشير إلى صفقة محتملة. خاصة في ضوء التسريبات التي كشفت أن وفد الجيش المختطف، خلال زيارته لواشنطن، عرض مشروع صفقة يتضمن تنازلات خطيرة. منها التطبيع الكامل مع إسرائيل. فتح مكتب للموساد في الخرطوم. ووقف التعاون مع روسيا أو منعها من إقامة قاعدة في البحر الأحمر. هذا النوع من العروض لا يصدر عن سلطة وطنية. بل عن عقلية مافيوية مستعدة لبيع كل شيء مقابل البقاء في السلطة. الوضع القائم في بورتسودان يمكن وصفه بدقة بأنه جثة هامدة سياسياً ووطنياً. عصابة بلا مشروع ولا شرعية ولا مشروعية، ولا قاعدة جماهيرية، تعيش فقط على أجهزة التنفس الاصطناعي التي تمدّها بها بعض العواصم بدافع المصالح لا المبادئ. من يراهن عليها يراهن على جثة لفظها البحر. لا تملك أن تنهض ولا أن تُبعث من جديد. هذه العصابة تمثل تحالفًا هشًا بين فلول النظام السابق. جماعة الإخوان المسلمين. وحركات الارتزاق السياسي. وجنرالات تربية كيزان متورطين في جرائم ضد الإنسانية منذ عهد البشير وحتى البرهان. هذا التحالف لا يملك شرعية شعبية ولا قاعدة ميدانية. بل يعيش على دعم خارجي هش. في وقت بات فيه العالم يدرك أن مجرم الحرب البرهان يتحمل كامل مسؤولية الخراب والدمار والانهيار الذي يعيشه السودان. وهي حقيقة لم تعد خافية حتى على الأطفال. في المقابل، تملك قوات الدعم السريع أوراقًا استراتيجية يصعب تجاوزها. السيطرة على مناطق غنية بالمعادن والثروات الطبيعية وفضاءات مفتوحة بدءًا من ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى والنيجر ودولة جنوب السودان، وإثيوبيا. التمركز وسط ديمغرافيا مؤثرة اقتصاديًا وسياسيًا، وقادرة على بناء تحالفات دولية جديدة خارج الإطار الأمريكي التقليدي. قوات الدعم السريع مدعومة بإرادة شعبية وتحالف سياسي عريض. يسعى لتحرير القرار الوطني من قبضة الإخوان المسلمين ومنظومة الفساد القديمة وبناء دولة مدنية ديمقراطية فيدرالية علمانية. من المهم التذكير بمواقف قوات الدعم السريع المرنة. التي استجابت لكل المبادرات الوطنية والإقليمية والدولية، وأعلنت قبولها بوقف الحرب وتكوين لجان دولية مستقلة للتحقيق في الجرائم التي وقعت في السودان منذ اندلاع الحرب وحتى اليوم. حتى تظهر الحقيقة ويعلم العالم من أشعل نار الحرب اللعينة وبالتالي محاسبته أمام الرأي العالمي. لذلك لا قيمة للتصريحات هنا وهناك. والتعامل مع مجرم الحرب عبد الفتاح البرهان وكأنه طرف شرعي، رغم أنه الإرهابي رقم واحد في السودان. شارك في جرائم الطاغية عمر البشير في دارفور، للدرجة التي وصل غروره فيها إلى أن قال عن نفسه إنه رب الفور. مجرم الحرب البرهان هو الذي أدخل السودان في النفق المظلم. أي إغفال لهذه الحقيقة يعني ازدواجية معايير لا تستطيع الصمود في وجه الحقائق الدامغة، التي لا تقبل تطبيق سيناريو الرئيس السوري أحمد الشرع، الذي كان مدرجاً على قوائم الإرهاب الدولية، ثم رُفع اسمه بقرار من مجلس الأمن وبتأييد أمريكي. بل قام بزيارة إلى البيت الأبيض مؤخراً واستُقبل فيه بحفاوة فاقت استقبال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في خطوة عكست كيف تُدار ملفات الإرهاب وفق المصالح لا المبادئي. السودان لا يحتاج إلى تصريحات، بل إلى أفعال تطبق ما جاء في خارطة طريق الرباعية الدولية، لتحقيق السلام والأمن والاستقرار ومحاسبة الجناة. أي كلام آخر ليس حلًا، بل محاولة لإعادة تدوير الفشل على حساب السودان كدولة وشعب. وبالتالي، أي صفقة لا تعكس موازين القوى على الأرض، ولا تحترم الإرادة الشعبية في السودان الراغبة في الخلاص من عهد الكيزان القتلة الأشرار، ستظل مجرد ورقة تعصف بها الرياح. السودان الجديد لن يُبنى على أنقاض الفساد. ولا على تحالفات ميتة سياسياً وأخلاقياً. بل على إرادة شعبية حية. ومشروع وطني جامع. يرفض المساومة على السيادة. ويؤمن بأن من يدافع عن قضية عادلة ومسيطر على الأرض، هو من يفرض المعادلة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة