قلنا ان قرار حكومتنا التطبيع مع اعداء الأمس يذكرنا بصفحة من تاريخنا الاسلامي حينما تصالح المسلمون مع اعدائهم كفار قريش في الحديبية. وقلنا ان المفسرين ذكروا ان المراد بالفتح المبين في سورة الفتح هو ذلك الصلح. قال الزهري: لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية، اختلط المشركون بالمسلمين وسمعوا كلامهم فتمكن الإسلام من قلوبهم وأسلم فى ثلاث سنين خلق كثير، كثر بهم سواد الإسلام، فما مضت تلك السنون إلا والمسلمون قد جاءوا إلى مكة فى عشرة آلاف ففتحوها؛ قال الضحاك: (فتحا مبينا) بغير قتال وكان الصلح من الفتح؛ وقال البيضاوي: سماه فتحا لانه كان بعد ظهوره على المشركين حتى سألوا الصلح وتسبب بفتح مكة وفرغ به رسول الله (ص) وسلم لسائر العرب فقرأهم وفتح مواضع وادخل فى الإسلام خلقا عظيما.
فاليوم يحدث امر مشابه، هو التطبيع مع العدو الاسرائيلي، والذي سماه رئيس المجلس السيادي "صلحا". وهناك حقائق مهمة في هذا الموضوع، اولها ان السودانيين بعضهم موافق وبعضهم يرفض التطبيع، ولكن قبول الحكومة بشقيها السيادي والتنفيذي يرجح التطبيع، وقيادة الدولة لها اعتبارها، وهو من باب طاعة اولي الأمر.
ثانيا ان التطبيع لم يتزعمه السودان، ومع كونه مرتبطا بشكل ثانوي بالرفع من قائمة الارهاب، لكنه يأتي بصورة رئيسية في اطار عربي ضمن صفقة تهدف الي انهاء الصراع في فلسطين والوصول الي حل نهائي، فلا يمكن ان يستمر النزاع الي ما لا نهاية، خاصة وان الضرر الذي يقع علي الفلسطينيين والعرب اكبر بكثير مما يقع علي اسرائيل؛ ثم ان العدو هو الذي جنح الي السلام، لحاجة في نفسه، وديننا يأمرنا بالاستجابة حتي ولو شعرنا ان الامر فيه خداع: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله انه هو السميع العليم * وان يريدوا ان يخدعوك فان حسبك الله) الانفال 61-62. لقد كان السودان ثالث ثلاثة بدأوا عملية التطبيع وهناك دول اخري ستلتحق بالركب قريبا.
ثالثا ان عملية السلام تتطلب اطرافا غير المتخاصمَيْن يضغطون من اجل ان يتنازل كل طرف بعض الشئ عن مطالبه بما لا يلحق باحد الطرفين ضررا كبيرا، والدول العربية تمثل "حَكَما" مناسبا من "أهل" الطرف الفلسطيني، حيث تجمعنا وحدة الدم والثقافة واللغة والدين.
رابعا -وعلي حد تعبير البرهان-: "الصلح عمل مشروع حتي مع الاعداء" خاصة حين الشعور بالحاجة الي فترة هدنة من اجل استعادة القوة، لا سيما وان العدو ليس بالضعيف، فمعظم ما يحدث الآن من شتات وتشظي وفتن واقتتال في العالم العربي ما هو الا من تدبير العدو، فهو لا يشعر بالامان الا من خلال اضعاف خصومه، والسودان من اكثر الدول التي حرص العدو علي اضعافها بحجة انها كانت تساهم في تهريب السلاح للفلسطينيين، وبحكم مناصرته القوية للقضية الفلسطينية، فقد تلقي السودان ضربات موجعة، وحوصر حصارا مريرا علي مدي عشرات السنين، ولذلك ليس صحيحا ما قاله ابومازن انه لا ينبغي لغير الفلسطينيين التحدث في القضية، بل اننا نري انه قد آن الأوان لينبري كُتّابُنا وصحفيونا لتسليط الاضواء علي القضية من اجل ابراز الحقائق، ومن اجل فهم أعمق للقصة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة