حكم الرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري بمفرده السودان ستة عشرة سنة ، وكان لديه لقاء مكاشفة شهري على تلفزيون السودان يظهر فيه بالبدلة العسكرية مشمراً بصورة دائمة (الصورة التي اُعجبت بها ماما اميرة علي) ، ويردُ على خطابات ترِده من مواطنين او من جهاز الأمن ، ولكّنه كان يردُ عليها على الهواء مباشرةً ، وقد أثارت عليه ردوده الكثير من السخرية.كما كانت له خطابات عامّة مباشرة امام الشعب وفي أقاليم السودان المختلفة مرتدياً في احيان كثيرة أزياء المنطقة التي يزورها. ثم جاءت الفترة الانتقالية وكان المشير سوار الذهب زاهداً ، قليل الكلام ولا اذكر له خطاباً عامّاً الاّ حين تولّى رئاسة الحكومة الانتقالية مُقصياً الرئيس جعفر النميري من الحكم، ثم أثناء شهادته في محكمة انقلاب مايو.وكذلك كان رئيس وزراء المرحلة الانتقالية الدكتور الجزولي دفع الله قليل الكلام وقليلاً في مخاطبته للشعب من الاعلام وأمامهم مباشرةً. ثمّ جاء الحكم الديمغراطي ، ووصل السيد الصادق المهدي الى مايك الساوندسيستم ، أقصد الى رئاسة الوزراء، وارتبط بالميكرفون ارتباطاً وثيقاً ، من ندوةٍ الى محاضرةٍ الى ورشةٍ الى خطبة جمعة الى خطبة عقد قران ،وكانت كلّها تلقى امام الصفوة وأهل الحظوة، ونراها نحن عامّة المواطنين الزاماً على تلفزيون السودان. ولم يتفرّغ لإدارة الدولة وبدّد طاقته في الخطابات، وبدّد طاقة الشعب الذي مافهم من هو الذي يجب عليه أن يتحدّث؟. الشعب أم رئيس الوزراء؟ . حتى قال عنه احد البرلمانيون الجنوبيون : (انّ الصادق المهدي ليس محلّه رئاسة الوزراء، وإنّما محلّه قاعات محاضرات الجامعة ). وما إنفكّ عن المايك الا بعد أن علم بأنّه قد تمّ الانقلاب عليه.وفي هذا الوقت تحديداً كانت مخاطبته للشعب السوداني عبر أي وسيلة واجب وطني تقاعس عنه وذلك بالمقارنة مع خطاب رجب طيب اردوغان عبر الموبايل والذي اعاد الأمور الديمغراطية الى نصابها . وبعد أن أكثر الإمام من الينبغيات والهلم جرا ، جرّ الشعب لثلاثين عاماً مظلمة جراً . ثم جاء عمر البشير الذي ظلّ يخطب في الناس لثلاثين عاماً ، خطابات مباشرةٍ أمام الناس، ثم يتبعه الرقص الذي كان يثير بعض العامّة الذين يأتون لمشاهدة رقصة الرئيس الجديدة . وأمتلأت خطاباته بالآيات القرآنية وقال الكثيرون من الأخوة العرب بأنّ عمر البشير هو الرئيس الوحيد الذي يستدل بالآيات القرآنية في خطاباته وكانوا معجبين بذلك. وامتلأت خطاباته كذلك بالوعود الكاذبة التي كان يسأل فيها جمهور الحضور مباشرةً : (هل انا يوم كذّبت عليكم ؟) فيرد الناس لعدم احراج ضيفهم الرئيس : (لا لا).وامتلأت خطاباته كذلك بالمنّ على شعبه. ولكنّه كان يخاطب الناس بلغتهم العاميّة التي يفهمونها ، وأحس الناس بأنّه منهم وهم منه حتى وان كان يكذب عليهم. السيد رئيس الوزراء عبدالله حمدوك ، اعلن له الشعب عن حبّه-وهذه ظاهرة نادرة من شعب لا يعبّر مطلقاً عن حبّه لأحد الا بعد وفاته - وخاصّةً قطاع الشباب، أمّا قطاع الكبار فأعتقد بأنّهم يحبون حمدوك للشبه بينه وبين السيد إسماعيل الازهري على قواسم كثيرة أكبرها ابتسامتهما، كما أن الجميع يحس بأنّه يتحمّل بشجاعة عبء خراب دام لأكثر من أربعة وستين عاماً . ولكنّ السيد رئيس الوزراء قليل الخطابات لجمهور متعطّش لمعرفته، ومعرفة آراءه ومواقفه من مختلف القضايا الآنية والمرحلية .كما أرجو في الوقت نفسه ، ان لايكون للحادث الجبان الذي تعرّض له السيد حمدوك ،دوراً في أبعاده عن الجماهير ولقاءه بها وزيارته لها ومخاطبته المباشرة لها ، فمثل هذه المواقف الغادرة تلعب فيها اجهزة الأمن دوراً كبيراً لاحتواء القائد ولمّه في حضنها ،وما حادث محاولة اغتيال حسني مبارك ببعيدة عن الاذهان ،حيثُ علا بعدها نجم عمر سليمان حتى صار بعدها نائباً المصري. إن مخاطبة الشعب بواسطة مسؤليهم الكبار وخاصّةً السيد رئيس الوزراء الحالي ليست ترفاً ، وهي طاقة وقوّة كبيرة تدفع الشعب الى ما يريده السيد حمدوك . فالطاقة التي يتمتّع بها السيد حمدوك هي طاقة الهيبة الشخصية ، وهي نادرة، ولايملكها كل المسؤلين والذين غالباً ما ينالونها مكتسبة عبر المناصب التي يتولّونّها (هيبة الضابط بلبسه للبدلة العسكرية ، وهيبة الطبيب بلبسه للروب الأبيض ، وهيبة القاضي بلبسه للروب الأسود،وهيبة عامل النظافة بلبسه لزيّه الوظيفي، وهيبة المكانيكي بلبسه للأبرول...الخ). لقد نمت هذه الهيبة الشخصية لدى السيد حمدوك من رفضه المسبق لتولّي وزارة المالية أثناء فترة الحكم البائد . ادى رفضه للمنصب لاحترامه من كآفة أطياف الشعب السوداني . فأرجو أن يستغل السيد حمدوك هذه الطاقة التي لديه والمستمدة من هيبة المنصب، وياحبذا ان كانت هذه الخطابات أمام العامّة مباشرةً ومرتبطةً بمواقفٍ ومناسبات تحتّم عليه الظهور، قويةً مختصّرةً تُوصّل الفكرة ، تدعم الموقف، ذكية تخاطب عقول العامّة والمثقفين، وبلغةٍ سهلةٍ ممتنعةٍ ، مؤكّدة لمواقفه ومواقف حكومته من مختلف القضايا ، ويكون بها تكرار لتوصيله للجماهير التي تسمعه وذلك لنشر العدوى عبر حديثه لكآفّة أبناء شعبه. ستساعده هذه الخطابات المباشرة في توصيل افكاره لشعبه ، بل وتعالج الازمات التي تقع فيها حكومته من آنٍ لآخر، وتُعلي في الشعب روح الأمل في الحياة عموماً والحياة الديمغراطية وضرورة استدامتها ، وتبعثُ برسائل للشباب وللنساء وللأطفال وللاصدقاء والمناوئين للديمغراطية،وتملأ الفراغ العريض الذي يملأه البعض بالجعجعة الجوفاء التي يتركها البعض اختياراً لحاجةٍ في نفوسهم .وتُبعد عنه التفسيرات الجانبية، والشائعات في مجتمع يُعلي من شأن القصة والحكاية . وينسينا خطابات (علي بالطلاق ، ومش كده يا وداد؟) علي أبوزيد –الدوحة 7.8.2020 المرجع : 1-لوبون ، غوستاف.2016. سيكولوجية الجماهير.ط1. دار امجاد حنين للنشر.جدة ، المملكة العربية السعودية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
علي ابوزيد
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست