اثناء الديمغراطية الثالثة (1986-1989) قام البعض وبشكل هستيري بتغيير احجار اساس المنشآءات التي افتتحها الرئيس الأسبق جعفر نميري من اماكنها ، والتي لم يتم خلعها تمّ تشويه اسم جعفر النميري من عليها . والكثير من تلك المنشآءات تمّ من مال خيرين عرفوا معاناة اهلهم ومناطقهم، فوضعوا اموالهم في أبنية خدميّة تحدّث عن نفسها حتى الآن في مختلف مناطق السودان. هذه المباني لم يبنِها جعفر النميري ، ولم يدفع فيها من مال الدولة فلساً احمراً ،ولكنّه تشرّف بافتتاحها ووضع حجر الأساس عليها. وعلى نفس المنوال ،فكيف إذا ما قام آباؤنا بهدم مخلفات الانجليز مباشرةً بعد خروجهم من بلدنا ، مشروع الجزيرة،مطار الخرطوم، جامعة الخرطوم ،كل المباني في العاصمة والأقاليم ..الخ ، بحجّة انّ هذه مخلفات الاستعمار البغيض. لقد بنى الاستعمار هذه المنشآءات من مال ودم ووقت الشعب السوداني ، وقام ببناءهها بأيدي سودانية خالصة. ولكنّا استفدنا منها بتلك الحجّة . كثير من الأبنية الماديّة والفكريّة والثقافية والاجتماعيّة تتم ازالتها او تشويهها مباشرةً بعد انتهاء فترة الحكم الذي جاء بها تحت ثورة العاطفة. وبعد زوال السكرة ، ما نلبث ان نسترجع ذكريات تلك الفترة وانجازاتها ومحاسنها وننسى مخازيها وتشوهاتها وحيطتها المائلة. فما بالنا نرمي ما أنجزه سودانيون مثلنا في الادارة العامّة والادارة المحليّة والسياسة والدبلماسية والقانون والاقتصاد ، ونرفض مبانيهم لمجرّد انّنا اختلفنا معهم فكريّاً . ان الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو احقّ بها . فإنّ كانت الحكمة عند كارل ماركس او لينين فنحنُ أحقّ بها ، وان كانت الحكمة لدى فرويد وأدلر فنحن احقّ بها ، وان كانت عند ميشيل عفلق أو دونالد ترامب فنحن أحق بها امّا ان كانت عند محمد احمد فهي حكمة خير ونعمت. في اول فترة الحكم الزائل (1989-2019) أقيمت الكثير من المؤتمرات في كآفة المجالات (الاقتصادية ، والسياسية، والاعلام ...الخ) ، واشترك الكثير من السودانيون الاكاديميون ومن اصحاب الخبرة العملية في مداولاتها ، وخرجت بتوصيات ظلّت على الورق ولم يتم تنفيذ عشر معشار ما وصي به . ولم تكن تلك المؤتمرات من جيب عمر البشير او جيب الجبهة الاسلامية البائدة ،ولكنّها كانت من جيب محمد احمد ، ومن زمنه ومن دمه . فعلى سبيل المثال، ان فكرة اللجان الشعبية اُخذت من حكمة القزافي في لجانه الشعبية وليست وليدة امهات أفكار الجبهة البائدة ، وطّنت لتخدم محمد احمد في فريقه وحيّه وقريته ومدينته ،كان يفترض ان يتم تكوينها بالانتخاب الحر من اهل القرية ، ولكّنها وبعد فترة صارت تعييناً بالتزكية ، ثم مالبثت أن أُفرغت من محتواها بأنّ صار اعضاءها تجاراً بما تحت أيديهم من الارض وتعويضاتها ونسوا ما اُحضروا للقيام به، ثم صارت لجان لاستخراج شهادات السكن ومراقبة أهل الحي والتجسس عليهم . حتى ننمو في كل المجالات لابد لنا من الوقوف على اوضاعنا الحالية والسابقة بكل تجرّد وننتقد انفسنا نقداً عقلانياً بنّاءً ونطوّر ما توصلّنا اليه ،وندرس خبراتنا المتراكمة ونبني على الجيّد منها ونبعد السيء . فزمن الشعب طاقة مهولة لايمكن ان يضيّع ثم نعود لنجرّب من جديد، فعقارب الساعة لن تعود للوراء، والأسوأ هو أن تتوقّف عن المضي قدماً . لذلك ارى ان نفكّر جاديّن في مراجعة كل المؤتمرات التي أقيمت في الثلاثين سنة الماضية ولاطلاع عليها وأخذ الجيّد من توصياتها وترك المخزي. بما في ذلك فكرة اللجان الشعبية وانزالها لأرض الواقع عبر التنافس الحزبي الحر المباشر في كل حي سكني ، لممارسة الديمغراطية المباشرة ابتداءً من الحي والفريق والقرية . علي أبوزيد – الدوحة 7.8.2020 *اعتذار مستحق: اعتذر عن الخطأ الذي ورد في المقال السابق (بهدؤ-3- ثروات السودان الضائعة (طاقة الشعب) ، عن فترة الديمغراطية (1986-1989) وهي الفترة الديمغراطية الثالثة .بدلاً عن ماجاء بأنّها الديمغراطية الثانية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
علي ابوزيد
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست