البشير وجد ضالته في الإسلاميين فالاسلاميين كانوا يتوقون للسلطة بأي شكل فعندما عرض عليهم الأمر وافقوا أن يعطوه الوضعية التي يريدها والترابي استفاد من درس الأسد والثعلب والحمار فقد قسم الثعلب الصيد كله للاسد الغزال لفطوره والحمل لغدائه والارنب لعشائه!! البشير عندما اتصل بالإسلاميين سالهم أسئلته اسئلة (الوضعية)!! فذهبوا به الي الترابي والترابي فهم الرجل فهم أن الرجل يمتلك القوة وهو قام بأخطر مهام الانقلاب فالترابي عرض عليه الرئاسة مباشرة وقال قولته المشهورة (غدا تذهب الي القصر رئيسا..) وهذا اللقاء لابد أنه تم قبيل الانقلاب أو بعيده مباشرة ولذلك فإن شكوك اللوا قلندر كانت في محلها فقد كتب قلندر في صحيفة القوات المسلحة في الأيام الأولي للانقلاب: هل هؤلاء الرجال جبهة؟ ويظن معظم الناس أن مقالة قلندر كانت من أجل التمويه ولكن حتي بعد عشرين عاما أصر قلندر علي موقفه في مقال له في جريدة الرأي العام في يوليو 2010 وقال أن الوقت الذى أبين فيه هذا الأمر لم يأت بعد وكان يجب أن يُستنطق اللواء قلندر بطريقة أو باخري لأن افادته مهمة في هذا الموضوع
ولكن هناك العديد من الأدلة علي أن البشير ورفاقه لم يكونوا جبهة أولها ما قلناه أن مقولة الي السجن حبيسا والي القصر رئيسا كانت نوع من المساومة فلو كان البشير عبد المأمور وينفذ التعليمات فقط لما سأل عن وضعيته حتي يطمئن علي إعطائه اعلي منصب وهو الرئيس وقد ظل القوم يرددون هذه العباره بين الفينة و الاخري حتي يذكّروا بعضهم البعض أنهم ما زالوا علي اتفاقهم ثانيا مماطلة البشير في حل مجلس قيادة ثورة الانقاذ فقد تأخر الأمر عدة سنوات عما كان متفق عليه ثم ثالثا المفاصله التي حدثت في نهاية العشرية الأولي بسبب خوف البشير من تقلص سلطته المركزية فابتعد الترابي زعيم التنظيم نفسه وانقسم الإسلاميين وظلت مجموعة مقدرة منهم مع البشير ثم ظلت الحكومات تتغير ويحدث تدوير للبعض وإحلال وابدال للبعض ولكن ظل البشير في وضعيته كرئيس الا ان جاءت الهبّة الشعبية في 2013
كان حراك 2013 بمثابة التمرين لثورة2019 حينما كان البشير يامل في خوض انتخابات2020 عندما تفاجأ ببعض منسوبي حزبه يدعون علنا لعدم ترشيحه التسجيلات المسربة تظهر حرص البشير ان يعود بالقوم الي نقطة الانقلاب ويعرفهم قدره وذلك من خلال رسائل مشفرة فقوله: (أخبرني الضباط أنه لا إجابات عندهم لكنهم سيحيلوني إلى من يجيبي) هذا الكلام ورد ضمن حديثه عن البعثيين لكنه كلام مشفر يشير الي لقاءه بالترابي فهو لايريد أن يكرر مقولة الي السجن حبيسا والي القصر رئيسا ولكنه يريد تذكير القوم باتفاقه الأول معهم لانه هو صانع الانقلاب
الانقلاب إذن من صنيعة البشير و من وراءه الجيش البشير كان (منتج) الانقلاب و (منفذه) وكان من السهل تسويق الانقلاب والبحث عن حاضنة شعبية الانقلابات إذن يصنعها العسكر ابتداء ثم يبحثوا لهم عن حاضنة وما أكثر الانتهازيون الذين يقبلوا حضانتهم الأحزاب إذن بريئة من صناعة الانقلابات حتي الجبهة نفسها بريئة من تدبير انقلاب 89 ولكنها احتضنته وبالطبع هذا ليس أقل جرما من تدبير الانقلاب ولكن هنالك فرق بين الإثنين والجبهة الإسلامية أساءت لنفسها وللاسلام فقد أظهرت الإسلاميين كانتهازيين وأن حكم الإسلاميين حكم استبدادي مع أن الترابي والاخوان عموما كانوا يدعون الديمقراطية والإسلاميين باحتضانهم الانقلاب لا ارضا قطعوا ولاظهرا ابقوا فقد كانت لهم شعبية مقدرة قبل الانقلاب ولكن في آخر سنين الانقاذ أصبح مجرد الانتماء لهم أصبح سُبّة الاسلاميين الان منبوذين بسبب الانقلاب فمع ان بعض فصائلهم اصبحت مناوئة للنظام البائد لكن الظاهر ان (قحت) تصر علي اخذهم بجريرة الانقلاب، فالجميع يتبرأ منهم وهذه اكبر محاكمة لهم ولذلك لا نتفق مع محمد عبد الماجد عندما قال في مقاله: ( الذي نعجب منه انه بعد كل تلك الاعترافات تتم المحاكمة فقط مع القيادات (العسكرية) لانقلاب 30 يونيو تحت عنوان (محاكمة مدبري انقلاب 30 يونيو) ، وهذا خلل واضح في المحاكمة لأن الذين تتم محاكمتهم الآن مجرد (منفذين) اما المدبرون والمخططون الحقيقيون مازالوا بعيدين عن يد العدالة والقانون)
في اجتماع مغلق يوم الثاني من فبراير 2018 امام 300 من ضباط القوات المسلحة بمبنى التصنيع الحربي بكافوري قال البشير: (الملكية غشونا واستمروا بغشنا طوال الفترة الماضية) وهو يشير الي نوابه ومساعديه السابقيين علي عثمان و نافع وانخرط الرئيس البشير في نوبة من البكاء وهو يذكر رفاقه ابراهيم شمس الدين والزبير محمد صالح وذكر البشير ان السياسيين والمدنيين (تلاعبوا) وثبت ان اجندتهم شخصية و طموحهم وصراعاتهم هي التي اهلكت البلاد.
ان الاحزاب والقوي المدنية بريئة من تدبير الانقلابات ولكن خطاياهم تتمثل في اعطاءالعسكر الذريعة للانقضاض علي الديمقراطية لأن فترات الديمقراطية كان دائما ما يصاحبها الفشل وذلك بسبب التباينات والاختلافات الكبيرة بين الأحزاب والمجموعات السياسية التي تؤدي أحيانا الي مكايدات تؤخر البلاد كثيرا ونحب هنا انا نضرب مثالا بأحد السياسيين الكبار الذي يقول الآن أما الفوضي أو الانقلاب لأنه شعر أن الفتره الانتقالية طويلة وحزبه بعيد عن المناصب
العسكر هم الذين يدبرون الانقلابات من تلقاء انفسهم، خاصة عندما يكون وسطهم بعض المتهورين المغامرين فالعسكر لا يثقون في المدنيين "الملَكِِيّة" وكثير منهم لديه (استعلائية) غير عادية فهم يرون انفسهم "اعلي" بكثير من اي سلطة مدنية، فادني ضابط يظن نفسه اهم من رئيس جمهورية مدني هذا للاسف تكرّس له بعض التدريبات التي يتلقونها وهذا سبب تحرش العسكر بالاطباء المدنيين وغيرهم والعسكريون في ادارة المؤسسات المدنية لا يتأثرون بالمدنيين، بل هم الذين (يعسكرون) المدنيين، فقد اصبح المدنيون يستبدون ويديرون الدولة علي طريقة التعليمات العسكرية ففي عهد النظام البائد يمكننا القول ان الدولة قد (تعسكرت) وهذا موضوع آخر.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة