تزداد الحاجة إلى نمط جديد من التفكير لدى السياسيين وصناع القرار بسبب تزايد التحديات الأمنية والسياسية . هذا النمط يبدأ من فهم عميق لمفهوم ( الوعي الأمني ) ، والذي أصبح اليوم أحد أهم مقومات الحكم الرشيد وحماية الدولة من المهددات الداخلية والخارجية .
كثير من السياسيين ينطلقون من نوايا وطنية صادقة ، وبعضهم يمتلك خبرة سياسية طويلة ، لكن ذلك لا يكفي إذا لم يكن مقرونًا بإدراك أمني وفهم عميق لمهددات الأمن القومي . إن نقص الوعي الأمني لا يظهر بالضرورة في الشعارات أو الخطب ، لكنه يتجلى في طريقة اتخاذ القرار ، وفي طريقة بناء التحالفات أو التصريحات التي تُلقى أمام وسائل الإعلام .
الوعي الأمني لا يعني أن يتحول السياسي إلى رجل أمن ، ولا يتطلب منه الخوض في تفاصيل التقنيات الأمنية ، لكنه يعني أن يُدرك حدود ما يمكن قوله ، وما لا يجب تداوله علنًا . يعني أن يفهم أن بعض المواقف قد تُستغل ضد الدولة حتى لو بدت في ظاهرها مجرد اختلاف سياسي ، وما أكثرها اليوم . فالقضية هنا ليست في أن يكون السياسي جزءًا من المنظومة الأمنية ، وإنما في أن يكون عنصرًا واعيًا بطبيعة المخاطر التي قد تنشأ من قراراته أو سلوكياته العامة .
غياب هذا النوع من الوعي يُعد من أخطر الثغرات التي قد تتسلل منها الفوضى أو التدخلات الخارجية ، قرارات سياسية تبدو في ظاهرها إصلاحية، لكنها – دون إدراك للأبعاد الأمنية – قد تفتح الباب لاختراقات استخباراتية أو تضعف تماسك الجبهة الداخلية . لقد شهدنا في تجارب عديدة كيف أن تصريحات عفوية أو تسريبات لم تُقدّر عواقبها تسببت في توترات دبلوماسية أو صراعات داخلية كلفت أموال وأرواح .
العالم من حولنا أصبحت المعلومات والمواقف السياسية جزءًا من أدوات الحرب . هناك من يصطاد التصريحات ، ويستغل الثغرات ، ويبني روايات مضادة بناءً على ما يصدر عن نخب الدولة نفسها . من هنا ، تصبح الحاجة ملحة لتعزيز الثقافة الأمنية لدى السياسيين ، سواء في السلطة أو المعارضة أعلاءا للقيم والمصالح الوطنية العليا ولحماية الدولة ومؤسساتها من الانزلاق نحو الفوضى أو الاستغلال الخارجي . السياسي الواعي بالأمن لا يمثل عبئًا على الدولة ، بل يشكّل أحد خطوط الدفاع الأساسية عنها .
لهذا السبب ، أُعلن عن إطلاق سلسلة مقالات متخصصة تهدف إلى رفع مستوى الوعي الأمني لدى النخب السياسية وحتى الباحثين في مجال الأمن والاستخبارات ، وتسليط الضوء على المواقف والتفاصيل التي تصنع الفرق بين قرار يرسّخ استقرار الدولة ، وآخر يهدمه دون قصد والله المستعان .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة