بين تحركات الرباعية الدولية، وضغوط الفلول، وكتائبهم الإرهابية، ومن تحالف معهم من حركات الارتزاق، وتحديات السلام، والانتقال الديمقراطي، يترقب السودانيون بآمال عراض أن يكون نجاح هذه الهدنة، بداية النهاية لمعاناتهم اليومية الممتده.
في الوقت الذي تتواصل فيه الحرب المدمّرة في السودان وتحصد مزيدًا من الأرواح وتعمّق الأزمة الإنسانية المتراكمة، تبرز الرباعية الدولية المكوّنة من الولايات المتحدة الأمريكية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، وجمهورية مصر العربية، والمملكة العربية السعودية كأحد أهم الفاعلين الساعين إلى كسر حلقة العنف الشريرة، ووضع حدٍّ للنزاع عبر هدنة إنسانية مؤقتة تمتد لثلاثة أشهر.
هذه الخطوة الهامة، التي يُفترض أن تمهّد الطريق أمام محادثات سياسية شاملة، تمثل أول بصيص أمل في طريق طويل نحو التحول المدني الديمقراطي الذي ينشده الشعب السوداني منذ سنوات عجاف.
رغم الأجواء الإيجابية التي تُحيط بالنقاشات حول الهدنة، فإن الواقع الميداني والسياسي لا يزال هشًّا. لأن نجاح الهدنة هو الاختبار الحقيقي، فالأطراف الرئيسية في النزاع تبدو مستعدة مبدئيًا للتجاوب.
غير أن الأصوات المعارضة، وخصوصًا من عناصر النظام البائد أو ما يُعرف بـ “الفلول الكيزانية”، بدأت تُعبّر عن رفضها الصريح لأي اتفاق يوقف القتال. بل أن هنالك تسجيلاً صوتياً يدعو فيه علي كرتي الأمين العام للحركة الإسلامية أنصاره الى إعلان الجهاد، ومن ابرزهم كتائب البراء الإرهابية وغيرها من الميليشيات العقائدية.
بل إن بعض تلك الأصوات ذهبت إلى حد التهديد بخرق الهدنة قبل إقرارها، وهو ما يعكس ذهنية لا ترى في السلام سوى تهديدٍ لمصالحها السياسية والعسكرية والاقتصادية.
ولذلك، يبدو من الصعب تصور نجاح أي هدنة أو عملية سلام ما لم يتم تصنيف هذه الجماعة كتنظيم إرهابي، والتعامل معها بما يتناسب مع حجم الضرر الذي تسببه لاستقرار البلاد ووحدتها.
فالهدنة ليست غاية في حد ذاتها بل وسيلة لتحقيق السلام، ومن منظور القانون الدولي الإنساني، تُعّرف الهدنة بأنها "وقف مؤقت للأعمال العدائية بين أطراف النزاع بموجب اتفاقٍ مشترك"، لكنها لا تحمل في ذاتها حلولًا نهائية. إنما تمثل الهدنة أداة سياسية وإنسانية في آنٍ واحد، تُتيح فرصة لالتقاط الأنفاس، وفتح المجال أمام التفاوض والحوار، والوصول إلى أرضية مشتركة تفضي إلى وقفٍ دائمٍ لإطلاق النار.
غير أن هذه الخطوة، على بساطتها، تحتاج إلى إرادة سياسية صادقة وإلى التزام فعلي من القيادات التي تتحكم في مسار العمليات العسكرية. فمن دون ذلك، ستظل الهدنة مجرّد وثيقة تُضاف إلى سلسلة طويلة من الاتفاقات التي لم تُطبّق على أرض الواقع.
الإطار الدولي وحق التدخل الإنساني هو المرجع القانون لأي هدنة بين طرفين متنازعين، ينظم القانون الدولي الإنساني آليات الهدنة باعتبارها جزءًا من الإجراءات التي تهدف إلى حماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة.
ويتيح هذا الإطار للمجتمع الدولي التدخل الإنساني دون الحاجة إلى قرار من مجلس الأمن، متى ما اقتضت الضرورة حماية الأرواح ووقف الانتهاكات الجسيمة.
وقد شهدنا مثل هذه الحالات في العراق والصومال وبعض دول أمريكا اللاتينية، حيث تم فرض هدنة أو تدخل إنساني بقرار من الأمم المتحدة أو بمبادرات مشتركة من مجموعة دول. وهذا ما يجعل من الهدنة السودانية اختبارًا حقيقيًا لمدى قدرة المجتمع الدولي على فرض السلام وحماية المدنيين في ظل تشتت الإرادات المحلية.
بين الحرب والسلام الخيار للسودانيين، ولا أحد غيرهم يمكنه ان يختار نيابة عنهم لأن من المعروف، أن الهدنة الإنسانية ليست حلاً سحريًا، لكنها الخطوة الأولى نحو إنهاء الحرب التي أنهكت الشعب السوداني ومزقت أواصره، وهتكت نسيجه الاجتماعي.
فوقف القتال، وإن يكن مؤقتًا، يُعيد الأمل بعودة الحياة الطبيعية، ويمهّد لعملية سياسية جادة تُفضي إلى نظام مدني ديمقراطي مستقر، يكون من أولوياته مساءلة ومحاكمة ومعاقبة "الفلول الكيزانية"، وهذا هو مصدر خوفهم ورعبهم من عملية إيقاف الحرب الدائرة التي يُمهّد لها بمحادثات الهدنة الحالية.
غير أن نجاح هذه الهدنة يتوقف على مدى استعداد الأطراف السودانية لوضع مصلحة الوطن فوق الحسابات الضيقة، وعلى قدرة المجتمع الدولي على التعامل بحزم مع القوى التي تسعى لإفشال أي مسعى نحو السلام.
إن السودان اليوم أمام مفترق طرق، إما أن يختار طريق الهدنة والسلام، بما يحمله من صبرٍ وتنازلاتٍ ومسؤولية وطنية، وإما أن يواصل طريق الحرب، بما فيه من دمارٍ واستنزافٍ لا نهاية له. وفي النهاية، تظل الحقيقة ثابتة، لا نصر في حربٍ أهلية، ولا مستقبل لأمةٍ تمزّقها بنادق أبنائها.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة