يتبارى الكثير من الشيوخ والفقهاء في إثبات و نفي ما ورد في مادة العين والحسد في الإسلام ، بعضهم أقرها وأورد الدلائل على ذلك وكذلك الآيات والأدعية والأوراد المأثورة ، والتي تعمل على حصانة المسلم من العين والحسد ، وبعض الفقهاء أنكروها وقلّلوا من شأن الدلائل المتعلِّقة بالموضوع في القرآن والسنة ، غير أن ما لا شك فيه أن كثير من المجتمعات بما فيه مجتمعنا السوداني تستشرى فيها وبصورة واسعة ومؤثِّرة إعتقادات شتى متعلِّقة بالعين والحسد ، وبعض الناس بلغوا في هذا الصدد مبلغاً فيه كثير من التطرُّف والمُبالغة بالقدر الذي جعل الأمر يُشكِّل هاجساً رئيسياً في حياتهم ، فتراهم يهابون العين والحسد في كل زمان ومكان ويعملون على دفع ذلك الضرر بشتى الطرق الشرعية وغير الشرعية ، لتصبح تعاملات الآخرين معهم صعبة ومشوبة بكثير من العنت ، فالمتعامل معهم يتأذى من فرط جنوح علاقاتهم معه إلى نوع من التوجُّس والإضطراب جرَّاء هاجس الخوف من العين والحسد وما يمكن أن تودي إليه من مهالك أو خسائر في الأرواح والأموال وما غير ذلك مما يجعله أي المتعامل معهم واقعاً تحت طائلة الشك والإتهام الدائم ، غير أن إحساسي الشخصي تجاه الذين يبالغون في الخوف من العين والحسد لا ينفك أبداً عن تصور أساسي مفادهُ أن أولئك المتوجِّسون توجد في أعماقهم أشكال من النرجسية والإعجاب بالذات وإنجازاتها وممتلكاتها في كل إطار، فمن يخاف العين والحسد لمُجرَّد أنه إمتلك شيئاً جميلاً ، فهو في الأغلب لم يرى ما كان أجمل عند غيره ، ومن خاف العين لمكانةٍ في العمل أو مال نما وزاد ، فهو في رأيي بلغتنا الدارجية (عينو ما مليانه) ولم يرى أكداس المال والخيرات عند غيره من الناس ، وهكذا حتى الذين يخافون العين والحسد على ذرياتهم فهم لا يخلو جُرابهم من إغترار بما نُسب إلى أبناءهم من نجاح أو تفوُّق أو جمال بالقدر الذي يجعلهم لا يرون من هم أكثر إستزادةً في ذلك منهم ، الخوف المرضي من الحسد والعين بمعناه كإضطراب نفسي ، هو آفة تجعل صاحبها دائماً في صراع خفي مع مَن حوله من أقرباء وأصدقاء وزملاء عمل وجيران ، كما أن التطرُّف في هذا المنحي في أغلب الأحيان يجعل صاحبه غير قادر على تحديد بؤرة الفشل التي تودي بمشاريعه وطموحاته وأشيائه الجميلة إلى المهالك ، لأنه دائماً يمتلك الإجابة (أنا محسود .. أنا معيون) ، يطالبك المصابون بهذه المرض بإصرارو إلحاح كلما وقعت عينك على أشياءهم التي أحياناً قد تكون (عادية أو أق ) ، بأن تصرِّح بصوت عالٍ مسموع قائلاً (ماشاء الله) ، مع أنك إن كنت سوياً غالباً ما تقولها سراً بين الجوانح وفي أعماقك سرورو فرح بما حباه إياهم رب العالمين ، اللهم لا شماته .. اللهم لا حسد.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة