بمنتهى الأريحية البعض من أبناء السودان يتكئ على جنبه ويرتشف جرعة من الشاي أو القهوة ثم يقول ويؤلف من رأسه كيف يشاء !!.. وهو يرى الأمور في الحياة بتلك النظرة السودانية الضحلة العقيمة .. وفي تلك الجلسة المريحة يظن نفسه صاحب العبقرية في نشر أفكار الخيال !.. وهو مستعد بالطبع أن يجادل في كل أركان السياسة !.. ودون أي خجل أو استحياء يرى نفسه أعرف وأفهم من ذلك السياسي ( تشرشل ) الإنجليزي !! ..
كالعادة منذ ستين عاماُ فهؤلاء البسطاء من الناس يعالجون تلك القضايا الشائكة وتلك الأزمات المتلاحقة بنوع من المقترحات السخيفة .. فهؤلاء لا توجد في قواميسهم تلك المعيقات والصعوبات التي تحتاج للجهود والأموال والمقدرات .. ويرون أن كل معضلة من المعضلات أو قضية من القضايا الشائكة يمكن حلها ومعالجتها بمجرد تلك الحروف والثرثرة !.. فئات من البشر أبتلى الله السودان بهم في الماضي وفي الحاضر .. جماعات من البشر طوال حياتها تحرث في الهواء .. وتزرع في الهواء ،، وتسقي في الهواء ،، ثم تحصد في الهواء !!.. والشعوب من حولهم تخطط بجدية ،، وتدرس بجدية ،، وتغامر بجدية ،، وتعمل وتكد بجدية .. وتنطلق بجدية نحو الأمام .. وهؤلاء في السودان يفصلون ويخيطون بتلك الألسن دون أن يقرنوا الأقوال بالأفعال .. وتلك الصورة النمطية تضحك الناس في كل أرجاء السودان .. حين يشمر أحدهم كمه ويضع ( سفة الصعوط ) في فمه وبعد ذلك يستعدل ليقدم الحلول تلو الحلول والمقترحات تلو المقترحات بمقدار عقله !! .. وتلك الحلول والمقترحات عادةً في جوهرها تكون مستحيلة بذلك القدر !!.. حيث تلك الحلول التي تحتاج للكثير والكثير من الأموال والمقدرات .. ورغم ذلك نراه يستنكر الأمر بشدة ويقول : ( هل الأمر يحتاج لتلك الجوطة والتعقيدات الفارغة ؟؟ ) .. ويردف قائلاُ لماذا كل تلك الهيصة والبيصة والأمر لا يحتاج ؟؟ .. يقول ذلك وكأنه يمتلك أموال قارون في خزانة الدولة !.. والدراما يزداد عجباُ حين يقوم أحدهم من رقدته ويستعدل في جلسته ليقول بمنتهى البساطة والبراءة : ( لماذا لا توفر الدولة مئات الآلاف والآلاف من تلك الحافلات لفك أزمة المواصلات في البلاد ؟؟ ) .. ويقول آخر بنفس القدر : ( لماذا لا توفر الدولة ذلك القمح بتلك الكميات التي تغطي حاجة الناس بالسودان وفي نفس الوقت تغطي حاجة التهريب لخارج البلاد ؟؟ ) .. ويقول آخر بمنتهى البراءة : ( لماذا لا توفر الدولة حاجة الناس من اللحوم والأسماك والفواكه بذلك القدر الرخيص ؟؟ ) .. ويقول آخر بمنتهى البراءة : ( لماذا لا تدعم الحكومة السودانية كافة تلك السلع الضرورية لحياة الإنسان في البلاد ؟؟ ،،، ولماذا هي لا توفر تلك السلع بالقدر الذي يغطي حاجة الناس ويفيض ؟؟ ) .. ويقول أخر بنفس تلك الصورة الأحلامية : ( لماذا لا تقوم الدولة ببناء ذلك المطار الجديد المقترح فوراُ ودون أي تأخير وانتظار ؟؟ ) .. ويقول آخر بمنتهى الأريحية : ( لماذا لا تقوم الحكومة بإكمال كبري الدباستين الذي تأخر إنجازه لعشرات وعشرات السنين ؟؟ ).. ويقول آخر بمنتهى السهولة : ( لماذا لا تقوم الحكومة بإعداد وتجهيز مجاري الأمطار بطريقة أسمنتية مستديمة في كافة أرجاء البلاد قبل قدوم مواسم الأمطار ؟؟ ) .. ويقول آخر بنفس القدر : ( لماذا لا تقوم الحكومة بتمديد تلك المصارف والمجاري الصحية الضرورية في كل مدن وقرى السودان ؟؟ ) .. ويقول آخر : ( لماذا لا تقوم الحكومة بتنظيف المدن السودانية من تلك النفايات المتراكمة في الطرقات والأسواق والأحياء ؟؟ ) .. ويقول آخر بمنتهى البساطة : ( لماذا لا توفر الحكومة السودانية تلك البراميل للنفايات في كل مدن السودان بالقدر الذي يغطي متطلبات كافة الأحياء ؟؟ ) .. ويقول آخر بمنتهى السهولة : ( لماذا لا تجلب الحكومة الآلاف والآلاف من تلك العربات الضخمة لتنقل تلك النفايات من براميل الأحياء إلى أماكن الحرائق ؟؟ ) .. ويقول آخر : ( لماذا لا تقوم الحكومة بإعادة ترميم وتجديد تلك الشوارع المتهالكة في كافة أرجاء ومدن السودان ؟؟ ) .. وهكذا فإن هؤلاء يجيدون القول باللسان ولا يتقيدون بمقدرات الميزانيات !. ولسان حال العقلاء من الناس يقول لأمثال هؤلاء : ( منين يا حسرة ؟؟؟؟؟ ) .. والمثل يقول : ( العين بصيرة واليد قصيرة !! ) .. وتلك العلة قد أهلكت السودان كثيراُ .. حيث قلة المخططين والباحثين النابغين العقلاء أهل الكفاءات .. وحيث كثرة أهل الألسن الثرثارة في الفارغة .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة