هلال وظلال القهر في السودان ما بقى حالة نفسية عابرة ولا إحساس بيمشي ويجي القهر بقى أسلوب حياة لكن الحرب جات وأضافت ليه طبقة جديدة من الوجع بقت الحياة غير طبيعية وبقينا نعيش بنظام الطوارئ جوة أرواحنا قبل ما يكون في الشوارع. زمان كنا بنعرف القهر في دواوين الحكومة وفي المكاتب وفي الحراسات وفي الإدارات وفي المدارس الليلة بقينا نعرفو بصوت الرصاص برائحة البارود بشكل البيوت المهدمة وبوجوه الناس الاتغيرت. الحرب ما كسرت المدن بس كسرت الإنسان السوداني من جوة. في زمن الحرب الخوف بقى تفاصيل يومنا الخوف ما بقى لحظة بقى رفيق دائم نصحى ونحن أول سؤال في راسنا أها الليلة الضرب وين والمات منو ..؟ والاتعوق منو ... هل راح يستمر الضرب ولا راح يقل..؟ يا ربي الحرب دي بتقيف متين ..؟هل حنلقى موية ..؟ هل حنرجع البيت سالمين ..؟ الأم بقت تحسب عدد أولادها كل مرة يطلعوا فيها برا البيت والأب بقى يخبي خوفو عشان اولادو ما ينهاروا قدامو والطفل بقى يعرف صوت المدفع قبل ما يعرف صوت اللعب والبيوت سكنتها العفاريت وميدان الكورة بقى مقابر. بقينا شعب كامل ما عايش بس دايش وخايف. النزوح في السودان ما كان رحيل عادي النزوح كان اقتلاع وشيل من الجذور ناس كانت عندها بيوت وذكريات وجيران وأحباب ومحلات صغيرة ومساجد قريبة فجأة بقوا قاعدين في مدارس وفي خيام وفي مراكز إيواء وفي شوارع غريبة ومدن بعيدة. فقدنا (أرضنا الخضراء) وفي بلدان اللجوء أخذنا نبحث عن (الكرت الصفراء). الزول البطلع ما بشيل هدومو بس بشيل حتة من روحو وكل ما يبعد يحس إنو بيفقد نفسو شوية شوية. قهر النزوح ما في الجوع بس في الإحساس الدائم إنك ما في مكانك إنك غريب بلاد غريب أهل. داخل البيوت كان في معارك صامتة حتى البيوت البعيدة من الرصاص ما سلمت من الحرب الحرب دخلت جوة الغرف دخلت جوة القلوب الأصوات بقت واطية والضحكات بقت قليلة والونية بقت نادرة والخوف بقى حاضر في كل تفاصيل الحياة. الطفل ما بقى يسأل (حنمشي وين ..؟) بقى يسأل (حنرجع تاني متين ..؟). والأم بقت دموعها متحجرة وفي حالة دعاء دائم والأب بقى يشرب المر في صمت ويبتسم قدام أولادو. دي حرب صامتة ما بتظهر في الأخبار لكنها شغالة ليل نهار. بنتوجع وجع ما عندو صوت.. في ناس اتكسرت من غير ما يسمع بيها زول.. في زول فقد بيتو وشغلو وراسمالو وساكت.. في أم فقدت ولدها وساكتة.. في شاب عمرو ضاع ومستقبلو مظلم وساكت الكل في وجع ساكن لكن خطير. الناس دي ما بتصرخ بس بتصبر لحدي ما جواها يتكسر أكتر من اللازم. نحنا ما ضعاف نحنا متقهرين والإنسان المقهور في السودان ما ضعيف هو زول شاف كتير وسمع كتير وخسر كتير لكن جوة كل التعب دا لسه في جمرة صغيرة جمرة أمل ونقطة ضو ورغم الحرب بتلقى الناس بتساعد بعض ورغم الجوع بتلقى زول بقسم اللقمة ورغم الخوف بتلقى زول بفتح بيتو لغريب دي روح السودان الحقيقية ولسه ما ماتت. ما في ظلام بدون نهاية والحرب ما راح تدوم والقهر ما راح يعيش ويعشعش فينا للأبد والموجوعين مهما طال وجعهم يوم ما راح ينهضوا.. يمكن ما بكرة ولا قريب لكن اليوم البترجع فيهو الكرامة حيجي. ونحن مهما انكسرنا لسه واقفين.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة