في قلب دارفور، حيث تتعالى صرخة الألم من مدينة الفاشر، نشهد معركة صمود تتحول إلى شهادة حية على الوجود الإنساني أمام قسوة الحصار. منذ أربعة أشهر، الفاشر تعيش تحت وطأة حصار مليشيات الدعم السريع، بينما تسطر القوات المسلحة والقوات المشتركة والمقاومة الشعبية أروع قصص التضحية، صامدون رغم انقطاع كل أشكال الدعم اللوجستي، مثلما يتجمل طائر العندليب بزهور الربيع بعد عاصفة.
لقد أصبح الموت البطيء الذي يخيم على أهل الفاشر وباءً حقيقياً، حيث تعاني المدينة من نقص في الأدوية والغذاء والكساء، وحتى الجازولين الضروري لتشغيل محطات المياه أصبح شحيحاً، وكأن جزاء صمودهم هو الموت البطيء بلا أي صوت ينادي لإنقاذهم.
في ضوء هذه المأساة، يتجلى عجز السلطة المركزية في توفير البدائل لفك الحصار، وهو عجز يطرح تساؤلات فلسفية عن دور الدولة في حماية رعاياها. كيف يمكن لدولة أن تقف متفرجة أمام معاناة أهلها في مدينة محاصرة؟ ولماذا يفضل المجتمع الدولي، رغم كثرة التقارير والندوات، الصمت المطبق كأنهم يستمتعون بمشاهدة عرض تراجيديا بلا نهاية؟
إنهم يقدمون لنا شعارات جميلة، لكننا نحتاج إلى أفعال ملموسة على الأرض. الشعب هناك لا يريد فقط تعبيرات ترفع المعنويات، بل يريد تغييراً حقيقياً يشعر به في حياته اليومية.
بمنظور استراتيجي، لا يمكن أن يكون هناك حل سليم سوى ذلك القتال البري الذي يفتح خطوط الإمداد والنجاة لأهل الفاشر. أي تأخير يعني سرعة الانهيار، وهو ما سيرسم خارطة جديدة لمستقبل الصراع وسيفاقم معاناة دارفور. بعد “تحرير” الخرطوم وولاية الجزيرة، القوات المتاحة كفيلة بإحداث اختراق فعلي ينقذ المدينة ويحقق لها الأمان.
إلى متى سنظل ندين ونشجب دون اتخاذ خطوات فعالة لإنقاذ مواطنينا من بطش المليشيات التي تمثل تهديداً مستمراً؟ نحن نردد “كلنا دارفور” أو “كلنا الفاشر”، فلتكن هذه الكلمات دعوة فعّالة نحو العمل والتضحية لإعادة هذه المدينة إلى حضن الوطن.
إن الطريق واضح ومفروش بالإرادة إذا توفرت العزيمة من الدولة لتحقيق ذلك. الفاشر ليست مجرد مدينة محاصرة، بل هي رمز للصمود وشاهد على تضحيات هائلة. إنها “الفاشر شنب الأسد”، التي تنادي الأمة: هل ستلبي هذه الصرخة الوجودية أم سنكتب في صفحات التاريخ عن صمتنا وعجزنا؟
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة