في السودان، يبدو أن السياسة ليست علماً ولا ممارسة، بل برنامج ونسة طويل تُبث حلقاته على الهواء مباشرة. السياسيون عندنا يتحدثون أكثر مما يتنفسون، والمحللون يفسرون ما لا يُفسَّر، ثم يختلفون في تفسير تفسيرهم… وفي النهاية كل يوم البلد ماشة إلي الاسوء .
السياسي السوداني إذا جلس أمام المايكروفون ، يفتح دفتر الكلام الكبير: يبدأ بـ "يا جماعة، نحن في مرحلة دقيقة" ثم يعرّج على "الوضع الإقليمي"، وبعدها يسافر بك في رحلة عن "التوازنات الدولية" و"المشهد العالمي"، كأنه وزير خارجية الأمم المتحدة. لكنه حين يفرغ من الفلسفة، تكتشف أن هدفه ليس له هدف.
أما المحلل السياسي السوداني، فهو كائن أسطوري. تجده في القنوات، متأبطاً نظارات سميكة، يهز رأسه بحركة واثقة، ويبدأ الجملة الشهيرة الوضع معقد للغاية ، ثم يشرع في تفكيك المعقد ليتحول إلى أكثر تعقيداً. يسأله المذيع: الحل شنو؟
فيرد بثقة: "الحل في التوافق الوطني الشامل".
لكن إذا رجعت له بعد سنة، تلقاه برضو بيقول: "الحل في التوافق الوطني الشامل".
الحقيقة أن بين السياسي والمحلل عندنا فرق بسيط: الأول يبيعك الوهم نقداً، والثاني يشرحه ليك بالتقسيط المريح.
المضحك أن الاثنين متفقين في شيء واحد: أن البلد مليانة مشاكل… لكنهم مختلفين في شيء تاني: منو السبب؟ كل واحد يرفع أصبعه ناحية الآخر، وكأننا في لعبة "المسؤولية طاشة".
وفي النهاية، الشعب السوداني واقف يتفرج، يتساءل:
هل نحن محتاجين لمزيد من الفلسفة والضجيج؟ أم محتاجين زول بسيط يقول: "يا جماعة، خلونا نجعل مصلحة السودان فوق الجميع ونترك كثرة الكلام والعنصرية من أجل بناء دولة محترمة وبعد داك نجي نتفلسف"؟
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة