+ بنـاءُ الإنسانِ السوداني الجديد منذ توليه وزارة المالية ، وفى أكثر من مناسبة، أعربَ الرئيس جبريل ابراهيم عن رغبته فى إستنساخ التجربة اليابانية ، وإعادة بناء المواطن السوداني على نهج عصرى يتواكب مع الطفرات الاقتصادية والتنموية التى تحدث دولياً ، لإقامة مشروعات قومية توفر فرص عمل للشباب وتكافح غول البطالة ، وبالتالي تهزم شبح الفقر ، وتسحق مرفعين المرض المُصاحب للفقر . ولا شك أن ما يحدث الآن فى السودان من تغيير إيجابى بعد الثلاثينية الظلماء سوف يُسهم، على المدى البعيد، فى خلق أجيال جديدة ناضجة وفاعلة تبني الحدادي مدادي من جديد . ُ في مؤتمر باريس برهن الرئيس جبريل ابراهيم انه يقوم بدوره فى بناء الوطن الجديد، وبالتالي فإن علينا نحن المواطنين ان نكمل دوره ، ونجتهد فى بناء المواطن الجديد ، الذى يليق بهذا الوطن، حتى نصل إلى الشخصية الوازنة التى تستحق حمل اسم الحدادي مدادي العريق . حصل الرئيس جبريل ابراهيم على الدكتوارة في الاقتصاد من جامعات اليابان ، وتوغل في دراسة وتدبر الثقافة اليابانية ، التي وجدها تنبني على آيتين من آيات الذكر الحكيم . الآية الاولى هي الآية 13 في سورة الاحقاف : إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . الإستقامة في الجوهر والمحتوي هي الاخلاق . يكنكش الياباني حسب تربيته وثقافته في ان يكون مستقيماً في نفسه وتجاه الآخر ... يحترم الآخر ولا يظلمه ، ويقول له حُسناً ، ويبتسم في وجهه، ويساعد المحتاج منه حتى بشق تمرة . نعم ... هذا ما يفعله الياباني ، بل هو مغروس في حمضه النووي منذ ولادته : DNA الآية الثانية هي الآية 25 في سورة الحديد : لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ... ارسل سبحانه وتعالى رسله ( منهم من قصصنا عليك ، ومنهم من لم نقصص عليك ) لسبب واحد وحصري وهو لكي لا يظلم الانسان اخاه الانسان ، ويعامله بالقسط والعدل ويقول له حُسناً ، ويبتسم في وجهه، ويساعد المحتاج منه حتى بشق تمرة . وهذا ما يفعله الياباني ، بل هو مغروس في حمضه النووي منذ ولادته : DNA ولهذا وغيره من اسباب ولكن اهمها تركيز الياباني على الاخلاق واحترام الآخر ، صار الناس يعرفون دولة اليابان ب : ( كوكب اليابان ) . وكان اليابان خارج المجرات الانسانية ، بل تستنسخ دولة المدينة ، كما جاء في الآية 9 في سورة الحشر : وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . تعال لي بجاي يا حبيب وإستمع للدكتورة ناعوت وهي تتغزل في الانسان الياباني : + ليس فقط لأن الانسان الياباني هو الأكثر تطورًا فى البرمجيات والتكنولوجيا والصناعات الدقيقة على مستوى العالم، + ولا لأنه الأكثر نظامًا فى شوارعه ومبانيه وزنقاته ، + وليس فقط لأن أبناءه هم الأكثر انضباطًا فى المواعيد ، والأكثر تقديسًا للعمل والأوغل إتقانًا له، وأحسنوا إن الله يحب المحسنين . الاحسان هنا الاتقان في العمل . + وليس وحسب لأنهم الشعب الأكثر احترامًا للعقل والأشرق ابتسامًا فى الوجه، + وليس لأن قنبلتين أمريكيتين ذريتين قصفتا جبينه، أعقبهما احتلالٌ أمريكى رذيل، لم يتحرر منه اليابان إلا عام ١٩٥٢، ليخرج من القصف والاحتلال أقوى وأصلب وأشد إصرارًا على النهوض، ليس قفزًا ولا وثبًا بزانة جعفر محمد علي بخيت ، بل طيران صاروخى، ليغدو القوة الاقتصادية والصناعية الأولى فى العالم.. + ليس فقط لكل ما سبق من معجزات نسميه : «كوكب اليابان»، بل يكمن السرُّ فى كلمة واحدة هى: «الأخلاق». قال احمد شوقي : إنما الأمم الأخلاق ما بقيت ... فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا. الأخلاق ببساطة : هي مجموعة الأفعال و الأقوال الحميدة التي تهدف إلى بناء مجتمع إنساني فاضل ، و هي عنوان الشعوب ، و أساس كل حضارة راقية ؛ لأنها دائماً تغير الواقع الحالي إلى الأفضل . الرقي بالأخلاق هي رسالة الأنبياء من آدم حتى النبي الخاتم محمد صلى الله عليه و سلم ، كما جاء في الآية 25 في سورة الحديد . يقول النبي صلى الله عليه و سلم : " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " . إختزل المعصوم رسالته كلها جميعها في إتمام مكارم الاخلاق . وبالتالي فتجد في اليابان الاسلام ، صحيح الاسلام وهو الاخلاق ، وإن كنت تفتقد المسلمين . وعندنا تجد المسلمين من امثال كرتي 99 ، ونافع اشباح ، وعلي كتائب ظل ، ولا تجد الإسلام اي الاخلاق . نعم ... تجد في اليابان الاسلام اي الاخلاق . فهذا شعبٌ يتعلم الأخلاق اي الاسلام فى طفولته قبل تعلّم المشى والكلام والقراءة والكتابة. الأخلاق هى متلازمة الحضارة والتحضُّر والرقى والمجتمع السوىّ. الأخلاق هى فنُّ مراقبة الآخر. ليست «مراقبة الآخر» كما نفعل عندنا ، أن نقتحم خصوصياته، فننتقد ما يلبس، وندس أنوفنا فى حياته الشخصية، وكم ورث عن أبيه، وكم أنفق فى العرس، وكم مرة حج وصلى وصام؟ «مراقبة الآخر» تعنى فى الأدبيات اليابانية: العمل على راحة «الآخر»، والاجتهاد فى تكريس شعوره بالأمن والراحة. قال حكيم ياباني : أعظم ما فى بلادى هو «الوعى بالآخر». + فى اليابان، يتصرفُ الناسُ وهم يحملون «الآخرين» فى عقولهم، بدلًا من التفكير فقط فى أنفسهم. + فى اليابان بوسعك النوم فى حافلة مزدحمة ، لأن الآخرين هادئون لا يثرثرون بصوت عالٍ. + فى اليابان تستطيع أن تستمتع بالشوارع النظيفة، لأن الناس لن يلقوا بمخلفاتهم فى الطرقات. + فى اليابان بوسعك أن تشعر بأنك «مَلك»؛ لأن الناس سيقدمون لك الخدمات مع ابتسامة وانحناءة تبجيل. ثقافة «الاحترام» تخلق حالًا مدهشة من أجواء الأمان من حولك، تلك التى تؤدى إلى معجزات اليوم الحديثة. هل تصدق ، فى مقهى مزدحم فى اليابان، بوسعك أن تترك هاتفك أو حاسوبك على الطاولة، ولن تجد من يسرقه ، كما يسرق الناس السحسوحات من امام ابواب المساجد عندنا . بوسعك أن تترك دراجتك بالخارج دون جنزير يشدّ وثاقها، وسوف تجدها فى ذات المكان حين تعود إليها. فقط فى اليابان سترى موتوسيكلات واقفة على الرصيف، والموتور دائر جاهز للسير، ولا أحد يفكر فى أن يستغل الفرصة. حينما تُنشئ مجتمعًا يفكر فيه الناس بالآخرين، ستكون الحياة أفضل «لكل» الناس. إنه الدرس الذى يجب على كل العالم أن يتعلموه من اليابان: «احترام الآخر». «احترام الآخر» هو سر معجزة اليابان التى نتمنى أن تغدو سرَّ معجزة السودان الجديد. أن يحرص المواطن السوداني على راحة وسلامة ورفاهية «الآخر». أن يعرفَ المواطن حق الآخر ويقدمه قبل أن يطالب بحقه الخاص. وذاك قمة الذكاء. لأنك حين تقدمُ واجبَك تجاه الآخرين، فإنك تضمن «حقَّك» الشخصى، الذى يقدمه لك الآخر كواجب. «الحقُّ» و«الواجب» معًا يغدوان: «واحدًا صحيحًا» لا تنفصمُ عُراه، وليسا فعلين منفصلين: يتمّان معًا أو يختلفان فيفترقان. الحضارةُ هى الأخلاق، واحترام الآخر. خليك مع الدكتور جبريل ابراهيم ... وتوكل على الله . فجاة ... رن جرس المنبه ، فقمت من النوم ، وانا اتحسر على إنقطاع حلم جميل .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
ثروت قاسم
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست