✍️ د. أحمد التيجاني سيد أحمد روما – نيروبي، يونيو ٢٠٢٥
قرأت بتمعّن مقال الدكتور عبدالله محمد آدم، "الخرطوم ليست بومبي الإيطالية... لكن أنقاضها قد تقتل بصمت!"، فوجدته أشبه ببلاغ طبي مرفق بصفّارة إنذار حضارية، يحذّر فيه من العودة المبكرة إلى مدينة مُغسّلة بالرماد والموت الكيميائي. مقال عميق، صادق، ومكتوب بماء العلم والضمير.
لكن دعوني – من زاوية موازية – أضيف: الخرطوم ليست بومبي فعلاً، لكن هذا البلد قد يحتاج إلى بركان أكبر، أعتى، وأعمق من فيزوف ذاته. بركان لا يُفجر الجبال، بل يُطيح بطبقات المسّاحين، والشعراء المدّعين، والمنظرين الذين "مقددنها" في كل شيء: في الوطنية، وفي الثورة، وفي الحكي، وفي الادعاء بأنهم وحدهم يعرفون خارطة الطريق للخلاص.
نعم، في السودان، صار كل من رصّ كلمتين فوق بعضهما "مفكّرًا استراتيجيًا". وكل من خطّ سطورًا متعثّرة في جريدة صفراء، "خبيرًا في الشأن الانتقالي". صار الحالم بالمنفى "فاعلًا"، والمتسلق إلى شاشة زووم "قائد رأي"، بينما الخرطوم – أم البلاد – تموت رويدًا بصمت لا تفقهه أبواق البلاغة.
يا سادة، لا يكفي أن تحذّرونا من "النترات" و"البوتريسين" و"الرصاص في الهواء"، إن لم تحذرونا أيضًا من سموم الطموح الأناني، وتراكم النفاق في طبقة "جنابو المعزول تيرابو"... تلك الطبقة الكنكانية التي تتقن الحريق كما تتقن الكلام وتفشل في الفعل.
لقد عرفنا الخرطوم قبل أن تصير "مدينة من جثث"، وعرفناها حين كانت "مدينة من أقنعة". الآن فقط، بعد أن سقط القناع، نعرف كم من الكذب كان يُمسك بها من أطرافها. ولذلك أقول: لا نحتاج فقط إلى فرق تطهير من المواد السامة، بل إلى تطهير الوعي. إلى بركان يجرف المساحين، والحالمين على حواف الهوامش، ويترك خلفه أرضًا صلبة يمكن أن تنبت فيها الحياة.
فلتؤجلوا العودة، نعم، كما قال عبدالله... لكن فلتؤجلوا أيضًا التصدر، والتصدر الكاذب، والكتابة على "اللا شيء".
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة