لعبة الجزرة المعلقة، هي التي مورست منذ الاستقلال، لكي يفتح السياسيون اللا مبدئيون أفواههم دوما في محاولة لالتقامها..بعضهم ينجح وكثير منهم يفشلون. مورست اللعبة بكثافة في عهد الكيزان، فكم من مرة عُلقت الجزرة للمعارضة فشاركوا الحكومة وكم من مرة سحبت منهم فعادوا للمعارضة..دستور ٢٠٠٥ وافقت عليه جميع الأحزاب، ووافقوا جميعهم على اتفاقية فصل الحنوب، ووافقوا جميعهم على الحصول على مقاعد في البرلمان الكيزاني الوهمي، وأصبحوا بدورهم برلمانيين وهميين. وفي عام ٢٠١٨ وافقوا جميعهم على تمديد الحكم للبشير حتى ٢٠٢٠ وإقامة انتخابات، الدقير وابراهيم الشيخ جاءوا بعيال حناكيش واجروا مناظرة تهريجية انتهت بالموافقة على المشاركة في انتخابات عشرين عشرين، الشيوعيون في انتخابات المحامين شاركوا كلهم وفتحوا أفواههم للجزرة وفشلوا واخذوا يجرجرون اذيال الخيبة، البشير دعا للحوار الوطني الوهمي وعلق لهم الجزرة ففتحوا أفواههم وتهافتوا لالتقامها، وفي ٢٠١٠ حدث نفس الشيء، وكل حكومات السودان كانت تعلق الجزرة للقياديين السياسيين فيفتحوا أفواههم ولا أحد منهم يقول (لا)، في اثناء الاعتصام: دعا العسكر لمؤتمر سياسي، وعلقوا الجزرة، فهرع إليها الأرزقية وأخذوا يتقافزون وأفواههم مفتوحة لالتقامها، واليوم حمدوك (برضوا) علق لهم جزرته، فهرعوا إلا قليلا، ومن (تحت لتحت)، تم اتفاق مع أهل الشرق (البحر) للوقوف مع اهل الشمال (النهر) ووعدوا اهل الشرق بالمناصب (الجزرة المعلقة) فتهافتوا ولن ينالوا شيئا. لا يلدغ الكافر من جحر مرتين دعك من المؤمن، ولكن هؤلاء يلدغون آلاف المرات كما قال منعم منصور، ليس لأنهم أغبياء ولكن لأنهم طماعون، والأساس الذي يعتمد عليه أي نصاب هو تطميع ضحيته، ونحن (ناسنا) جاهزون (وما بتقولش لأ) كما قال عادل إمام وهو يقبل الممثلة في المسرح عشرات القُبل. والقبلة في المسرح رمز لما هو أكبر منها. لماذا هذا الشعب لا يملك مبادئ؟ هذا سؤال حيرني. هل هذا ذكاء أم غباء؟ في الدول الأخرى يموت الناس من أجل مبادئهم ويَقتلون من أجلها، لكن هنا؟ يكفي أن تعلق الجزرة ليصبح الشيوعي رأسمالياً والإسلامي لصاً والبعثي صهيونياً، والمهمش مستشملاً؟ أعتقد أن السبب هو حداثة العهد بمفهوم الدولة بعناصرها الثلاثة (إقليم، شعب، سلطة ذات سيادة). إن هؤلاء في الواقع لا يمثلون شعباً بل مجموعات لم تتمكن حتى الآن من تجاوز عقليتها القروية، ولذلك لا يمكن أن يكون هناك شعور بالسيادة مما ينفي الإقليم كعنصر ثان، وبما أن الشعور بالسيادة ذاته منتف، فلا يمكن أن نقول بأن هناك سلطة ذات سيادة، بل عصابات بخلفيات عرقية قروية تحاول التشبث بأسلحة سطوها على الثروة. ومن هنا يمكننا أن نقول بأنه في الواقع (لا توجد دولة). في ظل هذه الحقيقة تكون الجزرة هي أخف وسائل الاسترزاق، بدلاً عن الانقلابات والتمردات المكلفة والتي قد تكلف تعليق عشرات المجازفين على المشانق (عايزنها باردة). وبما أننا في لا دولة فمن الصعب أن تنال مأكلتك بدون مخاطرة. بل ستظل تفتح فمك وتغلقه كلما علقوا لك الجزرة او سحبوها منك أو رفعوها لأعلى كلما قفزت لتلقمها بفيك البخر.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة