شهد القرن الماضي ثورات عديدة وحروب إستقلال وانقلابات عسكرية دامية، لقد كان قرنا مليئا بالأحداث، وفي عام 1979 ثورة أخرى انتصرت إلا أن هويتها وأسلوب قيادتها كان غريبا ومحيرا
عرف العالم الأمام الخميني لأول مرة في أواخر العام ١٩٧٨ عندما نفى إلى فرنسا بسبب معارضته للنظام الملكي في ايران ، من نوفيلا شاتو إحدى ضواحي العاصمة الفرنسية حظيت المعركة التي شنها الخميني ضد الشاه محمد رضا بهلوي وخطاباته اللاذعة ضد الولايات المتحدة الأمريكية بتغطية أعلامية عالمية لم يسبق لها نظير قدمته كواحد من أبرز ثوار القرن العشرين ، صوره ملأت الجرايد ومقدمات نشرات الأخبار . صور كانت غير مألوفة للملاين من الناس لا سيما في العالم الغربي ، بلحيته البيضاء وعمامته السوداء كان أشبح برجل خرج من رحم الزمن . من كتب التاريخ والقصص القديمة . كان كل شئ فيه مختلف وجديد وغير مألوف حتى أسمه _ روح الله _ والسؤال الذي تبادر إلى ذهن العديد من الساسة والصحفين إي نوع من الثوار كان الخميني ؟!
لم تكن الثورة الايرانية أنقلابا من نظام لقلب نظام او إنقلاب عسكري قاده مجموعة من العسكر بل كانت ثورة شعبية قادها طلبة العلوم الدينية بقيادة استاذهم الخميني الذي أعطى لثورتهم هويته الاسلامية لتصبح بذلك الثورة الوحيدة الاسلامية في القرن العشرين الذي كتب لها النصر ، وحتى ذلك التاريخ لم يملك العالم اي تجربة سابقة علي التعامل مع علماء الدين كرجال سياسة فيما كانت علامة الاستفهام الأكبر حول ماهي ايران الجديدة في عهد الخميني .
بعد ١٤ عام من النفي عاد الخميني وكان في أستقباله الملايين من الإيرانيين الذين تجمهرو خارج المطار وعلى أثر ملامسة عجلة طائرته مدرج المطار كانت ترسم البداية لفصل جديد من تاريخ إيران الحديث والنهاية لرحلة إستمرت ١٤ عام من النفي توزعت ما بين العراق وتركيا وفرنسا ، قدرت الوكالات العالمية حجم الوفود التي خرجت لإستقباله في ذلك اليوم بسبعة ملايين شخص افترشو الطرق والأشجار من مطار طهران وحتى مقبرة الشهداء ببهشت الزهراء وهناك القى الخميني كلمة فيها إشارة قوية للدور القادم لرجال الدين في السلطة السياسية ويعلن بأن السلطة من حق الولي الفقيه وليصبح بذلك الولى الفقيه الأول في إيران .
عاشت إيران حالة من الفوضى بعد فرار الشاه ، كانت المؤسسات الحكومية فارغة ، أجهزة الدولة معطلة تماما والشارع مضطرب والناس تترقب بقلق الخطوة القادمة بعد أن اتخذ الخميني من مدينة قم مقرا له ومن هناك أعطى بتعليماته بتكوين السلطتين التنفيذية والتشريعية فأمر بتكوين مجلس لشورى الثورة برئاسة الطلقاني وعضوية مرتضى مطهري ومحمد بهشتي وهاشم رفسنجاني ومهدي العراقي ومحمد مفتح إضافة لأبو الحسن بن صدر وقطب زادة وغيرهم .وبعدها تم تكوين حكومة مهمتها تنفيذ التشريعات الصادرة من شورى الثورة ووقع الإختيار لرئاستها على المهندس مهدي بازركان رئيس حزب نهضة حرية إيران وهو قيادي بارز في معارضة الشاه بهلوي وقد سجن لسنوات عدة في سجون نظام الشاه وعهد إليه بالإشراف على إعداد الدستور والاستفتاء وقام تشكيل حكومة بأغلبية من حزبه نهضة حرية إيران والجبهة الوطنية برئاسة كريم سنجابي. ولم يشمل في عضويته ايا من رجال الدين بأمر من الخميني. وسرعان ما اصتدم بازركان في مشاكل مع شورى الثورة ولم يكن التعاون قائم بينهما. وفي خضم ذلك بداء كل حزب وتنظيم إيراني يطرح ما لديه من أفكار لقيادة إيران بعد الثورة وأصبح الشارع يناقش اطروحات الشيوعية الماركسية والماوية ومرورا بالأفكار القومية المتأثرة بالكوبية والناصرية وبداء الصخب يعلوا.
شكلت احزاب تودة ونهضة حرية إيران والجبهة الوطنية أضافة لفدائي خلق والفرقان تكتلا كبيرا ومتنوعا واتفقوا على مواجهة إطروحات التيار الاسلامي ولكنهم إختلفوا على هوية النظام الجديد.
وفي المقابل لم يمكلك الاسلامين أي أطرا تنظيمية وهيكلية حزبية وكانوا تيارا شعبيا في مواجهة الأحزاب اليسارية والعلمانية.
نهضة حرية إيران طالبت بالجمهورية الديمقراطية والشيوعيون طرحوا حكومة الطبقة العاملة والبقية طالبت بحكومة المجتمع التوحيدي اللا طبقي جامعين بين التوحيد الاسلامي واللا طبقية الشيوعية. وفي المقابل طرح الإسلاميون مصطلح الحكومة الاسلامية وقاد أبرز الوجوه الاسلامية انذاك مطهري ومنتظري مناظرات تلفزيونية لشرح وجهة نظرهم. ومن ثم دعاء الخميني لإجراء استفتاء شعبي لتحديد هوية النظام المقبل وقدم بازركان إقتراحا على الجمهورية الاسلامية الديمقراطية فرفض الخميني وأصر على أن يتم الاستفتاء على الجمهورية الاسلامية فقط من دون أي أضافات أخرى.
بعد فرز الأصوات أعلنت اللجنة بأن أكثر من ٩٨% من الشعب الإيراني أختاروا الحكومة الاسلامية وفي أول أبريل من نفس العام أعلنت عن قيام الجمهورية الاسلامية الإيرانية. لم يخفف نتيجة الاستفتاء من صراع الإسلاميين مع الأجنحة العلمانية واليسارية ، وسرعان ما أحتدت الخلافات بين لجنة خبراء إعداد الدستور حول العديد من البنود والقوانين التي يتم تعديلها للتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية وأثار إعتماد تضمين نظرية ولاية الفقيه في الدستور الإيراني خلافات حادة بين خبراء تدوين الدستور وابدى كل من بازركان وابو الحسن بن صدر معارضة شديدة بإعتبارها دكتاتورية علمائية وتوسعت الخلافات بشكل أكبر مع إعتراض حزبى الجبهة الوطنية ونهضة حرية إيران على صياغة قانون القصاص المعروف بأسم القانون الجزائي واصدروا بيان لمعارضته ودعوا فيه الشعب للتظاهر ضد بنوده الذي وصفوه باللا إنساني وسرعان ما لقت استجابة من الكثير من الناس لتعم الفوضى مجددا في طهران. بعد إنجلاء الأزمة طالبت الأحزاب اليسارية والعلمانية بحل الجيش باعتباره من بقايا حكم الشاه ومعها تطورت الأحداث بأبتداء منظمة الفرقان لأعنف وأوسع اغتيال لقادة الثورة والمقربين من الخميني وتم تصفية أكثر من ٧٥% من قيادات الثورة بالاضافة إلى قيادات الجيش في عمليات منظمة ومتقنة ، بداية من رئيس أركان الجيش الجنرال قرني بالإضافة لمرتضى مطهري وصهر الخميني الشرقي والقاضي الطبطبائى والدكتور مفتح بالإضافة لمهدي العراقي وفيما بعد محمد بهشتي ومحمد على رجائي بينما نجى من الاغتيالات بعد محولات فاشلة كل هاشم رفسنجاني وصديقة على الخامنئي المرشد الإيراني الحالي .
وفي نفس العام قام عبد الرحيم قاسم زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني بالمطالبة بحكم ذاتي لاقليم الكرد وتبعتها منظمة عربستان مطالبة بإنفصال قوزستان وكذلك حزب الشعب المسلم بمنطقة أذربيجان وانتقلت العدوى للاقاليم التي تضم أقليات أثنية وعرقية مختلفة واذا بالثورة الإيرانية تواجه في سنتها الأولى حركات انفصالية عدة . أعطى الخميني تعليمات بتأسيس تنظيم شعبي مدرب ومسلح لحماية الثورة في ظل عدم الرغبة انذاك بالاعتماد على الجيش الذي لم تنته استبدال كبار ضباطه بكادر بشري جديد تثق فيه الثورة ولذلك أعلن عن تشكيل خلايا الحرس الثوري التى كانت أولى مهامها مواجهة الأزمات الداخلية وقد نجحت في ذلك ومنها استمر ككيان منفصل إلى يومنا هذا .
لم تكن الثورة الإيرانية تتم سنتها الأولى حتى وجدت نفسها أمام أزمة حكم حقيقية وخلال ٩ أشهر من اعلان الحكومة المؤقتة قدم رئيسها مهدي بازركان استقالته أكثر من مرة مدخلة البلاد في نفق مظلم. وكان هناك تخوف من أن تستقل أمريكا الخلافات بين الاسلاميين واللبراليين لتقوم بعملية إنقلاب تعيد إلى الازهان أنقلاب ١٩٥٣ الذي اطاح بحكومة مصدق وعاد بالشاه مرة أخرى إلى السلطة بتدبير من المخابرات الامركية بعد الحديث عن مؤامرة امريكية تعد ضد إيران وبموجبه تحرك مجموعة من طلاب جامعة طهران وتسللو إلى السفارة الأمريكية ليسيطر عليه وبعلنوا بأن جميع موظفي السفارة هم جواسيس ورهائن لدي الثورة.
طالب رئيس الحكومة مهدي بازركان ووزير خارجيته إبراهيم يزدي بأنتهاء احتلال السفارة واعادتها إلى الامركيين مهددين بتقديم استقالاتهم ولكن الخميني قبل استقالاتهم هذه المرة . وقام فيما بعد بإطلاق سراح الرهائن السود فقط والنساء من المحتجزين وخلقت هذه الخطوة ارباكا واسعا لحكومة كارتر. واكسبته شعبية لدي الامركيين السود. وبعدها رفض الخميني استقبال كل الوفود الدبلوماسية التي قدمت إلي طهران من أجل التوسط في إطلاق بقية الرهائن ما عداء موفد بابا الفاتيكان بولس الثاني. في فبراير من العام ١٩٨٨ لجائت واشنطن للخيار العسكري لاستعادة المحتجزين وأنطلقت سرب طائرات أمريكية ودخلت الأجواء الإيرانية من دون أن تكنشفها الرادارات وفشلت مهمتها جراء عاصفة مفاجئة ولتتحول بعد ذلك لفضيحة وضربة قاسية لإدارة كارتر واضطر بعدها لقبول حل سياسي لأنتهاء أزمة الرهائن فوضع الإيرانيون أربعة شروط لتسليم المحتجزين وهي الإفراج عن الأرصدة الإيرانية المجمدة وسحب جميع الدعاوي الأمريكية ضد إيران وتسليم ثروة الشاه السابق والتعهد بعدم التدخل في شؤن إيران الداخلية وتسلمها السفير الجزائري في واشنطن والمكلف بإدارة المصالح الإيرانية هناك بعد انقطاع العلاقات الدبلوماسية والذي قام أيضآ بدور الوساطة وأبلغ الإيرانيين بقبول الإدارة الأمريكية ولكن الخميني رفض إطلاق الرهائن حتى نهاية الانتخابات الأمريكية في نفس العام لكي يضمن عدم تمكن كارتر من الإستفادة من إطلاق المحتجزين انتخابيا وبالفعل سقط كارتر في وجه منافسه رونالد ريغان الذي أعلن في الإعلام بعد فوزه مباشرة عن استعادة المحتجزين وانتهاء فصل طويل في ملف العلاقات الإيرانية الأمريكية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة