أن المقال الذي نشره رئيس مجلس السيادة و القائد العام للجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان في جريدة " وول استريت جورنال" يعتبر نقلة إعلامية كبيرة، ليس في ساحة المعارك العسكرية، أنما في العملية السياسية، و تعتبر واحدة من أدوات لفت الانتباه في الشارع السياسي في المجتمع الأمريكي و الغربي، خاصة أن الجريدة التي تنشر في نيويورك هي جريدة تقرأ في كل الأوساط السياسية العالمية.. مقال البرهان؛ أحتوى على عدد من القضايا المتعلقة بالسودان كدولة، و أيضا بقضية الحرب الدائرة في السودان و الإشارة للداعمين للميليشيا... و في هذا المقال سوف اقف أمام أهم القضايا التي تناولها الخطاب، باعتباره يعد محاولة لاختراق إعلامي يخاطب النخبة الإمريكية المؤثرة في القرار، و في نفس الوقت المراقبة لعمل المبعوثيين الأمريكيين فيما يتعلق بالعلاقات الدولية... و المقال فكرة سياسية إعلامية سوف تنقل القضية من بعدها الشعاري الذي يعتمد على نقل الأخبار من الوسائط الاجتماعية، إلي فتح قنوات مباشرة مع الحكومة في السودان... المقال يعد خطوة برجماتية لتحقيق مصالح بهدف كسب المعركة من الجانبين العسكري و السياسي.. طرح البرهان عددا من القضايا التي تمثل جوهر المشكل وفقا لتسلسل الأجندة التي يرتكز إليها.. بدأها بتعريف عن السودان و جذور المشكلة و التي أدت للحرب، و أكد أن القيادة و الشعب السوداني يسعون لوقفها.. و أشار أن الميليشيا و حسب الوثائق الدولية و الصحفية و المنظمات كمية الجرائم التي ارتكبتها ضد المواطنين و مؤسسات الدولة.. و أن الأدلة الأمريكية وحدها أشارت إلي عشرة ألاف قتلوا و يساوي خمسة أضعاف ما قتل في حادثة 11 سبتمبر في نيويورك... ثم أنتقل المقال لكي يبين أن استمرار الحرب بسبب الدعم العسكري الذي تتلقاه من الخارج و معروف الجهة الداعمة و الإدارة الأمريكية علي دراية بها.. هذه القضايا تتعلق بالحرب أسبابها و الداعمين لها.. أنتقل البرهان في مقاله من التعريف إلي التوصيف و الطلب البرجماتي، و هي تعد نقلة كبيرة في كيفية التعامل مع الجوانب المشجعة للإهتمام بالمقال، و جعله في دائرة الضو.. عندما يتحدث المقال عن ضرورة الاهتمام بالمصالح الأمريكية مرتبطة بالاستقرار في مجرى البحر الأحمر و سواحله.. و تأمين المصالح الأمريكية في هذه المنطقة و منطقة الساحل الأفريقي.. مصحوبة بلفت الانتباه إلي دور الشركات الأمريكية في إعادة الإعمار، مادام هناك إعمار لابد من محاسبة الذين ارتكبوا الدمار لكي يدفعوا تكاليف الإعمار و هي تشجيع لإدارة ترامب أن تساعد في التحصيل على التكاليف... تتمحور أيضا البرجماتية؛ عندما يشير المقال إلي إجماع السودانيين أن ترامب رجل صريح و واضح، و عنده القدرة على المواجهة و الجرأة.. ثم يأتي ربطها بالشكر و الإشادة بحديث ترامب مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في واشنطن، و أيضا الإشادة بحديث وزير خارجيته ماركو روبييوفي كندا، و الإشارة هنا تفرضها توازن بإهمال الإشارة إلي مستشار الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط و أفريقيا مسعد بوليس، و الإشارة تؤكد الهوة التي خلقها مسعد بتبنيه الرؤية الإماراتية لوقف الحرب في السودان.. التي افقدت الثقة فيه.. الإشارة إلي الانضمام إلي الاتفاقات الإبراهيمية، هي مجرد تذكير بحادث كان الهدف منه هو تقريب المسافات، و أيضا هي إشارة لكي تدحض مقولات الإمارات التي تحاول أن تتهم الحكومة بأنها تقع في حضن الإسلاميين و عناصر النظام السابق.. و التي يروج لها في أمريكا و الغرب.. و منها ينتقل إلي التصور بعد الحرب.. أن الحكومة و الجيش لا تقف عند النصر العسكري على الميليشيا، أنما عندها لتصور لسودان ما بعد الحرب يثمثل في التحول الديمقراطي و سيادة القانون و حقوق المواطنين، أيضا مع الإلتزام الكامل بالحكم المدني.. و هي كلها خطوط عامة لكنها تفتح مسارات لحوارات هادئة مع أمريكا و الغرب بعيدا عن التشنجات.. فالمقال يمثل طفرة في العمل الإعلامي بهدف التواصل مع آهل الرأي في تلك المجتمعات... عندما وقف البرهان مخاطبا القيادات العسكرية في الجيش من رتبة اللواء و ما فوقها، كان الخطاب موجها للشعب السوداني.. و يعتبر الرؤية العامة لمسار الحرب و التأكيد على أن لا يكون هناك أثرا للميليشيا بعد الحرب في الساحتين العسكرية و السياسية، و ليس هناك سلطة تسلم دون أنتخابات، أي أن الشعب وحده هو الجهة المناط بها اختيار العناصر التي تحكمه.. الآن مقال البرهان موجه لآهل الرأي و القرار في أمريكا و الغرب باعتبار أن جريدة " وول استريت جورنال" هي جريدة أمريكية عالمية مقروءة لكل النخب السياسية في العالم.. و تتكامل الرسالتين للداخل و الخارج بهدف خلق رأى عام داخلي مساند لها، و عالمي يتعامل معها بموضوعية بعيدا عن الخداع و التهرجات غير المنضبطة.. أن المقال بالضرورة سوف يفتح منافذ متعددة لكتابة مقالات أخرى، من قبل البرهان نفسه و من رئيس الوزراء و وزير الخارجية و غيرهم من آهل القرار. و انطلاقا من الأرضية و الأجندة التي مضمنة في مقال البرهان.. و مثل هذه النقلة في صحف عالمية سوف تغلق العديد من الثغرات التي كانت توصل معلومات مغلوطة.. و تنقل الخطاب السياسي حتى داخل السودان إلي أفق أوسع مما كان عليه.. السودان محتاج إلي حوارات جادة تؤسس على الأفكار، و ليس الشعارات التصادمية التي لا تحتوي على مضامين سياسية مفيدة غير تخريب النسيج الاجتماعي و حدة الخطابات فارغة المضمون.. نسأل الله حسن البصيرة..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة