في السودان، حيث تتصاعد الأزمات، تتردد كلمات تحمل أبعادًا سياسية واستراتيجية عميقة. تصريحات رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، من منطقة "ود النورة" بولاية الجزيرة ليست مجرد بيانات عسكرية، بل تمثل رؤية فلسفية لتشكيل مستقبل الوطن. إنها دعوة لتحديد المسار نحو فجر جديد، و رد على المشككين الذين يرون أن الدولة تخلت عن الفاشر وتجري تسويات سياسية في الغرف المغلقة بعيدًا عن أعين الشركاء والشعب السوداني.
تحدث البرهان بوضوح عن "العهد" الذي يدعونا إليه: "مواصلة دحر مليشيا الدعم السريع والمرتزقة، وتطهير كل شبر من دارفور وكردفان وأي شبر من أرض الوطن". تعكس هذه الرؤية، المنبثقة من مكان شهد أحداثًا أليمة وانتهاك لحق الانسان ، إصرارًا على إنهاء ما أسماه "التمرد والعدوان الغاشم". إنها دعوة صريحة لـ "استئصال التمرد"، وترسيخ لفكرة أن نهاية الحرب لن تتحقق إلا بـ "القضاء على آخر متمرد".
من هذا المنبر، تنطلق رسالة واضحة مفادها أن "وضع السلاح" لن يتم إلا عبر "استئصال التمرد"، مما يعكس نهجًا يضع "الأمن والاستقرار الشامل" كغاية قصوى لا تتحقق إلا من خلال "القضاء على كافة أشكال التمرد عملاءها بالداخل والخارج "، و"تطهير البلاد من دنسها". أي حديث آخر في هذا السياق يُنظر إليه كـ "تكهنات" بلا صلة بالواقع.
ومع ذلك، تثير هذه الرؤية تساؤلات حول الحاجة للاستئصال كحل للصراعات. هل يمكن أن يؤسس "الاستئصال" سلامًا مستدامًا، أم أنه سيزرع بذورًا لصراعات جديدة؟ السعي نحو "إرساء الأمن والاستقرار الشامل" هدف نبيل، لكن الوسائل المستخدمة قد تحمل في طياتها فلسفة الصراع بين البناء والهدم.
هل ستقود هذه الرؤية إلى سودان موحد وآمن، حيث يعيش الجميع في كنف المواطنة المتساوية؟ أم أن نهج "الاستئصال" قد يعمق الجراح ويخلق اضطرابات جديدة؟
تظل الكلمات المنطوقة من "ود النورة" بمثابة خارطة طريق تشير إلى وجهة معينة. المستقبل وحده قادر على أن يكشف ما إذا كانت هذه الطريق ستقود إلى خلاص، أم إلى متاهة مجددة. المؤكد أن السودان يقف الآن عند مفترق طرق حاسم، وأن القرارات المتخذة اليوم ستحدد معالم غدٍ جديد.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة