عاش لبنان حرب اهلية طاحنة إستمرت لأكثر من خمسة عشر عام، قضت علي الاخضر، و اليابس.
اجتاحت إسرائيل جنوب لبنان في العام 1982 بمبدأ الدفاع عن النفس، و حماية امنها، و ظلت بقية الاراضي اللبنانية تحت وطأة المليشيات، و وصاية المخابرات السورية.
خرج لبنان من الحرب الاهلية بإتفاق الطائف، و يُعتبر احد اقبح المنتجات العربية التي كرست للتقسيم، و الصراع السياسي، ليصبح لبنان فائض جغرافي تتصارع فيه قوى إقليمية، و دولية علي حساب مصالح الشعب اللبناني.
قسم إتفاق الطائف السلطة علي الطوائف، اعطى السنة رئاسة الوزراء، و الشيعة رئاسة السلطة التشريعية، و المسيحيين رئاسة الجمهورية، و بين هذه الطوائف الرئيسية، لوردات، و جماعات، و فرق صغيرة افرزتها الحرب الاهلية، و لها نصيب في المقاعد، و الإمتيازات.
إستشرى الفساد حيث اصبحت الوظائف العامة تخضع للصراع السياسي، و من وجد الدعم تولى المناصب العسكرية، و الامنية، او المدنية، و بذلك غابت الشفافية، و تلاشى مبدأ المحاسبة عن المسؤولية، فالكل يمتلك الحصانة ضد القانون.
في خضم هذا الصراع غابت الدولة بشكل تام لتصبح نفوذ المليشيات، و الطوائف اقوى من سلطة الدولة، فظل الفساد هو العنوان.
تقاسم السلطة لوردات الحرب، و ظل لبنان اسيراً لهذه المافيات لثلاثة عقود، بسبب الطائف العرجاء، التي اجلت الحرب، و الدمار فقط، و الآن وقت الحصاد بعد ثلاثة عقود.
قبل هذا الإنفجار الكارثي، و الذي يُعتبر رصاصة الرحمة، وصل لبنان إلي حافة الإنهيار الكامل.
للأسف دخلت الايادي العربية في الشأن السوداني لتجعل منه لبنان آخر، فكانت الوثيقة الدستورية كأول مولود بعد ثورة ديسمبر العظيمة يحمل جينات الطائف علي ارض النيلين. و حرب اليمن هي حصان الرهان الخاسر و إن طال الزمن.
كرست طائف السودان" الوثيقة الدستورية" إلي تقاسم السلطة، و الإعتراف بمليشات الدعم السريع كقوة رسمية موازية للجيش، بدل النظر في معالجة الوضع الشاذ ضمن قوات مسلحة موحدة تحفظ امن وسلامة البلاد.
شئنا ام ابينا مليشيات الدعم السريع افرزتها الحرب في دارفور، و هي مظهر من مظاهرها، و تظل ارض المعركة الحقيقية لهذه المليشيات هي دارفور، لإعتبارات الصراع القبلي حول الهوية، و الحواكير، و المستوطنين الجدد.
نبهنا مبكراً في حال غياب الدولة لصالح المليشيات، و لعب اي دور سياسي بإسم هذه المليشيات علي المستوي القومي قبل الحلول المتوافق عليها، و إقرار السلام الشامل، و المستدام، ستزيد من وتيرة الصراع في دارفور، و كل اقاليم السودان، و ستفتح شهية الجميع لطالما الإستقطاب القبلي و القوة هي الاداة لفرض النفوذ.
الآن الجميع عاجز في مواجهة الفساد لإختلال اجهزة الدولة، و اصبحت مراكز القوى، و مجموعات المصالح هي التي تقف وراء الوظائف سياسية كانت او إدارية، و العسكرية، و الامنية.
الدليل..
في آخر خطاب لقائد مليشيات الدعم السريع، و نائب رئيس مجلس السيادة، حميدتي، صرح بوجود مافيات، و فساد، و للأسف يعرفها، و يعرف اطرافها، و لا يمتلك الجرأة لتسمية اشخاص، او تحديد هذه الجهات، و يطلب من الإعلام الكشف عنها، في مشهد عبثي، لدي الرجل لغة واحدة في كل خطاباته وهو يستجدي الزمن لكشف المستور، و إحقاق الحق، و هو علي سدة الحكم.
اصبح المشهد مُقرف عندما يشتكي ثاني رجل في الدولة ضعفه، و قلة حيلته في مواجهة الفساد، و وضع حد للتدهور المريع في كل الاصعدة الامنية، و الإقتصادية، و حالة السيولة في كل اقاليم البلاد.
نعم دور الصحافة كشف الفساد، و التنبيه، و النقد، ليتحسس المسؤول الارض تحت قدميه، و يعمل بآليات القوة، و القانون، للإصلاح، و المحاسبة. الغريب في الامر يريد الرجل الإحتماء بالإعلام، و الصحافة.
نحن امام مشهد دليله القاطع هو ضعف الدولة، و غيابها و عجزها التام عن اداء مهامها، و واجباتها تجاه مواطنيها، لطالما المسؤول عاجز، و يبدو كسيحاً.
عندما يشتكي رئيس الدولة، و نائبه علي الملأ من رسائل التهديد بالقتل، و التصفية، و لا يُقدم احد للمحاكم، فماذا تبقى من امن، و امان للمواطن.
عندما يستحي المسؤول من المسؤولية، كما ذكر الفريق كباشي، فماذا تبقى من إسم الدولة التي هم سادتها، و حملة لواءها؟
سيكون السودان فائض جغرافي شئنا ام ابينا، لطالما الإنتاج السياسي فيه تحكمه صراعات المصالح، و مراكز القوى، و تقاطعات المحاور، و لعب اجهزة المخابرات الإقليمية، و الدولية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة