- الدول الحديثة الاستقلال تواجه بالطبع تحديات متنوعة، منها ما هو داخلي يتمثل في بناء مؤسسات دولة متكاملة تسهم في إرساء دولة متوازنة مستقرة وقوية، ومنها ما هو خارجي يتمثل في الأطماع الخارجية وبناء علاقات متزنة مع دول الجوار والمؤسسات الدولية. وبما أن الدولة الوليدة تكون في طور البناء، فإنها تعجز عن بناء مؤسساتها في ظل تدخلات دول الجوار أو المحيط الإقليمي والدولي، وحين يضاف إلى ذلك غياب الرغبة في بناء حكم رشيد من قبل قادة تلك الدول، تتفاقم مشاكل الدولة وتتعثر، وينعكس ذلك في قوتها ووحدتها وتطورها ومعاناة شعبها، كما في حالتنا الإرترية. - إن الأطماع الإثيوبية المتوارثة تجاه إرتريا تعد مهددًا تاريخيًا، ولا يزال ذلك الهاجس الأكبر لاستقرارها وتحديًا حقيقيًا لمستقبلها. ولعل التصريحات الإثيوبية الأخيرة الصادرة عن رأس الدولة الإثيوبية تمثل تهديدًا صريحًا للدولة الإرترية وانتهاكًا خطيرًا لسيادتها، وخرقًا واضحًا للقوانين والنظم. فادعاء رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أحقيةَ إثيوبيا في امتلاك منفذ بحري في السواحل الإرترية واعتبار ذلك قضية استراتيجية، يعد رغبة جنونية تفتقد لأي سند شرعي أو قانوني أو تاريخي، خاصة وأن إرتريا دولة نالت استقلالها باستفتاء شعبي أشرفت عليه الأمم المتحدة. - إن خطوة إقامة قوات بحرية لدولة حبيسة مثل إثيوبيا تعد خطوة أولى نحو إعلان حرب، وهي تمثل تهديدًا صريحًا وواضحًا ليس لإرتريا فحسب، بل لكل الدول المطلة على البحر الأحمر، وتهديدًا لأمن وسلامة الملاحة البحرية. وهي خطوة تصعيدية ذات أغراض متعددة، أولها زرع حالة من عدم الاستقرار في المنطقة، ومحاولة يائسة لممارسة الابتزاز لدول الجوار مثل إرتريا، والصومال، وجيبوتي. وهو ما ينبغي رفضه والعمل بصورة موحدة ضد هذا المسلك الذي يتنافى مع القانون الدولي والإقليمي. - إن إثيوبيا دولة طامعة، وهذا معروف في سجلات التاريخ، إذ قوضت استقلال الشعب الإرتري ونيله استقلاله عام 1962م، ودخلت الأراضي السودانية في مناطق الفشقة الحدودية، كما دخلت الصومال تحت ذرائع متعددة، منها بالطبع السعي إلى منفذ بحري والاستيلاء على أراض الغير . وبالتالي فإن إثيوبيا تمثل تهديدًا لدول الجوار، وفي مقدمتها إرتريا ذات التعداد السكاني المحدود والموارد الطبيعية الضخمة والساحل البحري الطويل الممتد لأكثر من ألف كيلومتر، وهو ما يسيل له لعاب القادة في أديس أبابا الذين يحلمون بالوصول إلى منفذ بحريّ بشتى الوسائل والسبل. إن الأطماع الإثيوبية كانت وستظل قائمة، وهو ما يجب دراسته من قبل النخب الإرترية والعمل على تعريته قانونيًا في المنابر الدولية، وخلق تحالفات استراتيجية مع دول الجوار والدول المشاطئة للبحر الأحمر كـمصر والسعودية والسودان، وإنشاء قوة ردع داخلية، واتخاذ سياسات بعيدة المدى تحدد كيفية التعامل مع إثيوبيا. - إن النظام الإرتري، اختلفنا معه أو اتفقنا، نجح في إدارة ملفاته الخارجية لمواجهة الأطماع الإثيوبية وخلق علاقات وتحالفات خارجية متينة، أهمها التحالف القوي مع دولة مصر وتوقيعه على اتفاقية دفاع مشترك معها، وموقفه من الحرب في السودان، وعلاقاته الاستراتيجية مع دولة الصومال، وهي خطوات تعزز مكانة إرتريا كدولة قادرة على مواجهة الأطماع. كما استطاع النظام الإرتري استغلال حالة الخلاف الداخلي في إثيوبيا، إذ استعاد علاقته مع حلفاء الأمس في إقليم تغراي الإثيوبي، ودشّن مشروع (طمدوا)، الغرض منه إقامة علاقة دبلوماسية مع المكونات الإثيوبية الواقعة على حدود الدولة الإرترية من الجانب الإثيوبي من قوميتي التغراي والعفر، ويعد ذلك تأمينا للحدود الإرترية من أي اعتداء من الحكومة المركزية اديس ابابا. - إن على النظام الإرتري مسؤوليةَ إصلاح الدولة وبناء مؤسسات تراعي حقوق المواطن وتتيح مساحة لحرية الرأي والرأيالآخر، وإن الإخفاق في مراعاة أبسط المعايير قد يعرض البلاد لذرائع التدخل وزيادة الأطماع الخارجية. وأن المهددات والأطماع الإثيوبية ينبغي مواجهتها ببناء جبهة داخلية متماسكة، ولن يتحقق ذلك إلا بإطلاق الحريات، وفك القبضة الحديدية التي تدار بها إرتريا، وإطلاق سراح المعتقلين. - فالمهددات التي تواجهها إرتريا تستدعي التعامل بمرونة، واتخاذ سياسات اقتصادية منفتحة، وبناء مؤسسات تشريعية وتنفيذية تمثل كافة مكونات الشعب وتتخذ قراراتها المصيرية. وإن صيانة الاستقلال وتحصينه وحماية البلاد تبدأ ببناء دولة ناجحة يتمتع مواطنوها بقدرٍ معقول من الحقوق والكرامة. إن وسم الدولة بالفاشلة يمثل ذريعة للتدخل بشكلٍ أو بآخر، فهل ينتبه حكام أسمرا لحساسية المرحلة، أم سيستمرون في حكم البلاد بالنهج القديم الذي ضاق به المواطن ذرعًا فاتخذ المنافي وطنًا له؟!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة