تحدثت كثيرا عن العالمانية وهي ترجمتها الصحيحة كما ذكرت في مقالات سابقة. أنظر: العالمانية بقلم د.أمل الكردفانيالعالمانية بقلم د.أمل الكردفاني وأسئلة طرحتها أيضاً على السيد عبد العزيز الحلو:
وتحدثت عن نقاط عديدة أيضاً، نشر بعضها في بعض المواقع الهامة مثل موقع بوابة الحركات الإسلامية: https://www.islamist-movements.com/47179https://www.islamist-movements.com/47179 وقديما تناولت في مقالات مختلفة، ذلك الفهم المتوهم عن العالمانية.. لذلك لا اجد جديداً يمكنني تقديمه سوى مناقشة المسألة بشكل أكثر عمومية:
ذكرت سابقاً أنني شخصياً منشغل بالحقيقة، وأقصد بها الحقيقة المجردة، وهذه بادئة مهمة لمن يتحدثون بدوافع عاطفية تجاه القضايا. فالتجرد وحده هو الذي يمكنه أن يجعلك تستكشف العالم المضمرة اسراره في تلافيف الصراخ الدوغمائي المستمر. إنني أؤكد -بناء- على كل ما توصلت إليه وفق ذلك التجرد إلى الآتي: ١- لا يمكن أبداً الجمع بين الإسلام والعلمانية، فالإسلام (كاليهودية تماماً) دين ودولة أي انه سياسي بلا منازع. وبالتالي فهو لا يقبل العلمنة هو ذاته كالمسيحية. إن أغلب الدول الاوروبية اليوم دول دينية وبعضها بدساتير تنص بوضوح على أنها مسيحية (كاثوليكية، او بروتستانتية او مشيخية..الخ). ومع ذلك فهنا علينا أن ننظر لوضعها ليس على اساس عالمانيتها، بل على اساس علمنة الدين المسيحي. لقد قامت أوروبا بعلمنة المسيحية، أي أنها خفضت من مستوى قواعدها التأسيسية لتتماشى مع واقع سياسي منفتح. ٢- الإسلام واليهودية دينان لا يقبلان أبداً ذلك التخفيض، فالمسيحية أساساً تأسست على يد بولس الرسول وليس المسيح نفسه، وكانت رسائل بولس أكثر قوة من ظهور يسوع. لقد أنشأ بولس الكنائس ووضع الضوابط والطقوس، في حين أن المسيح نفسه كان رافضاً لتلك البيروقراطية التي ناصبها العداء بقوة، حينما وجدها متكرسة في الكنيس اليهودي. ٣- إذا كان الإسلام غير قابل للعلمنة، فهو بالتالي لا يمكن أن يتقارب مع العالمانية. فإما أن يكون إسلام أو علمانية، وعلى الشعب السوداني أن يحسم أمره على ذلك الأساس. وليس بالجمل العاطفية. ٤- يعتبر أي مفهوم (مادي أو غيبي) آيدولوجيا عندما يتم تبنيه كحقيقة مطلقة. وعلى هذا الأساس فالشيوعية والبعثية والليبرالية لا تختلف كثيراً عن الإسلام كآيدولوجيا غيبية..وفي ظل الشيوعية كان هناك انعدام كامل للدموقراطية، وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان، وهذا واضح في الصين وكوبا والإتحاد السوفيتي سابقاً. نفس الأمر في الدول التي تبنت الآيدولوجيا البعثية، كما في العراق وغيرها. ولا اختلاف في ذلك عند بعض الدول التي تبنت العالمانية كآيدولوجيا مثل تونس وغيرها. ولا اختلاف حتى بالنسبة للإيدولوجيا الليبرالية الكلاسيكية كما حدث في العهد المكارثي بالولايات المتحدة الأمريكية. إن كل آيدولوجيا يمكن أن تكون سلاحاً ضد حقوق الإنسان. ومع ذلك فلا أحد يقول برفض وجود شعارات شيوعية أو بعثية أو ليبرالية أو عالمانية..الخ. كما أنه ليس بالضرورة أن ترتبط الآيدولوجيات بالتقدم الاقتصادي، فقد تكون هناك عالمانية في دول منهارة اقتصاديا ودين في دول متقدمة اقتصادياً والنماذج كثيرة في ظل الأنظمة الشيوعية العالمانية السابقة. لذلك، فاعود وأقول، بأن المسألة لا يمكن حسمها على أساس نفعي محض. إنما ستُحسم على أساس عاطفي محض. وعلى هذا الأساس، فإن الاتفاق الإطاري الذي تم بين الحلو والجيش ليس فقط لا قيمة له، بل هو يعمق الشقاق المجتمعي، ويكرس لحضور العسكر في المشهد. وهذا ما كنا نخاف أن يحدث، عندما يتم تبني قضايا جدلية قبل حدوث انتخابات تحسم موقف الشعب من المسألة بحسب صناديق الإقتراع أو حتى بناء على استفتاء جماهيري عام، تسبقه دعاية إعلامية ومناظرات موسعة من الأطراف المتنازعة. لا يملك الجيش ولا حمدوك أن يتخذوا قرارات ذات طابع دستوري بهذا الشكل. لا مسألة العالمانية ولا حتى مسألة الهوية (عربية افريقية). فهذه مسائل محلها الحوار القومي الجامع، والإتفاق الدستوري العام. إن ما يحدث الآن هو مراكمات للأخطاء مما سيصعِّب الموقف مستقبلاً أمام أي توافق دموقراطي. وكل القرارات بما فيها التطبيع مع إسرائيل، قرارات خاطئة، ليس على مستواها الموضوعي، بل على مستواها الإجرائي. فأنا لا أضع تقييما لصحتها أو خطئها..بل لصحة أو خطأ اتخاذها في هذا الوقت وبهذا الأسلوب المنافي للأسس الدستورية والدموقراطية السليمة. لا يمكن فرض الأمر الواقع على الشعب، لو كان ذلك بالإمكان، لما سقط الكيزان بعد ثلاثين سنة من مقاومتهم، وهم الذين حاولوا بشتى الطرق فرض الأمر الواقع على الشعب. ولذلك اعتقد أن القيادات الراهنة لم تتعلم الدرس بعد.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة