السودان اليوم بلحظة تتجاوز كل ما عرفنا من أزمات وهي ليست حرباً عادية، ولا صراعاً على السلطة بين فصيلين، بل تدميراً ممنهجاً لآخر ما تبقى من أعمدة الدولة ما يحدث الآن هو انزلاق كامل نحو نقطة اللاعودة، في ظل إنكار رسمي، وصمت سياسي، وغياب تام لأي قيادة تمتلك الشجاعة لإيقاف النزيف الجيش يفقد قوته… والدولة تفقد سيادتها الحقيقة الصادمة التي يحاول البعض دفنها تحت ركام الخطابات هي أن الجيش السوداني خسر ما يقارب سُدس قوته القتالية، وتراجع عن مساحات واسعة من البلاد. لم يعد الأمر “إعادة انتشار” أو “تكتيكات مؤقتة” بل انهيار بطيء ومؤكد لمنظومة دفاعية كانت تمثل رمز بقاء الدولة
كل يوم يتأخر فيه قرار وقف القتال هو خسارة جديدة للجيش -خسارة جنود، مواقع، سلاح، وقدرة على المقاومة أما الترويج لفكرة “الحسم العسكري” فهو لم يعد سوى خداع جماهيري لا يخدم إلا إطالة الحرب ورفع كلفتها البشرية والاقتصادية مسرح الغرب يحسم المعركة… مهما أنكر البعض دارفور وغرب كردفان ليستا مجرد مناطق بعيدة، بل المسرح الذي يحدد مصير الدولة هذه ليست بيئة قابلة للحسم العسكري، ولا أرضاً يمكن السيطرة عليها بالشعارات, كل قائد عسكري يعرف أن هذه المناطق متشابكة قبلياً؛ صعبة جغرافياً؛ تمتلك فيها قوات الدعم السريع حواضن اجتماعية حقيقية؛ وتُمثّل فيها أي عملية عسكرية واسعة مغامرة خاسرة التاريخ نفسه يقول ذلك -منذ عقود، لم يتمكن الجيش من القضاء على مجموعات أصغر بكثير من الدعم السريع، فكيف يمكنه استئصال قوة تملك الانتشار والموارد والمعرفة الأرضية؟ الوهم الأكبر- أن الحرب ستنتج دولة أقوى هذا الوهم يكرر تجربة دول انهارت لأنها رفضت الاعتراف بقوة خصومها الحرب لن تبني جيشاً، ولن تعيد هيبة الدولة، ولن تعيد العاصمة الحرب ستنتج شيئاً واحداً فقط: سودان مقسّم، مفكك، فاقد السيادة المستفيد الوحيد من استمرار النزاع هو أمراء الحرب، وتجار السلاح، وشبكات المصالح التي تعيش على الخراب القيادة السياسية والعسكرية أمام لحظة الحقيقة اليوم، إما تُظهر القيادة شجاعة الاعتراف بالواقع،أو تتحمل مسؤولية الانهيار أمام التاريخ إن الحديث عن “استمرار القتال حتى النصر” لم يعد خطاباً وطنياً، وبل هو مقامرة بمصير شعب بأكمله والصمت عن هذا الواقع جريمة سياسية والترويج للأوهام خيانة وطنية واستخدام الجيش كأداة في حسابات سياسية ضيقة هو الطريق الأسرع لدفن الدولة السودانية
*الحل الوحيد في دمج القوى وبناء جيش جديد لا مفر من هذا الاستنتاج -السودان لن يستعيد عافيته إلا عبر حل سياسي شامل، يقوم على دمج قوات الدعم السريع ضمن عملية إصلاح أمني حقيقية، إعادة بناء الجيش على أسس مهنية لا سياسية، وضمان مساءلة كل من تورط في انتهاكات وصياغة عقد اجتماعي جديد يمنع عودة الحرب مرة أخرى ليس حباً في الدعم السريع، ولا تقليلاً من الجيش، بل لأن هذا هو الخيار الوحيد لمنع سقوط الدولة الوقت ينفد… والانهيار يقترب بقاء السودان اليوم لم يعد مضموناً الدولة لا تنهار في لحظة، بل تتآكل تدريجياً، تماماً كما يحدث الآن وكل دقيقة تستمر فيها هذه الحرب تُقرب البلاد من مصير ليبيا أو الصومال أو جنوب السودان
لن ينقذ السودان خطاب “الصمود”، ولا منشورات الفيسبوك، ولا بث الشائعات، ولا انتظار “معركة الحسم” التي لن تأتي. الذي ينقذ السودان اليوم هو قرار شجاع -وقف الحرب، الاعتراف بالواقع، وبناء دولة جديدة بدلاً من دفن القديمة السودان أكبر من الجيش والدعم السريع السودان أكبر من قادته الحاليين. السودان أكبر من كل أوهام “النصر” السودان بلد يستحق الحياة… لكن لا أحد سيحيا إذا استمر هذا الانتحار الجماعي.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة