القابلة علي أمانيك! لا ، ليس هكذا القابلة في عرفات..ممكن، كل عام وانتم بخير، امنيات الصحة والعافية.. جيد، اما امنيات الدنيا.. فهذا فيه نظر.
الحاجّة اشترت السراميك! وبقي يومان او ثلاثة لاستدعاء الصنايعي، كانت تتطلع لرؤية ارضية حوش المنزل بدون تراب او غبار، لكن عزرائيل يأتي احيانا في ازمان غريبة، لم تر الحاجة المنظر الذي كانت تحلم به، ابليس مع أولاده يحتفلون وهم يستعرضون تقرير اليوم، يقول احدهم غررت بفلانة حتي نسيت الموت! ركّزت مع الدنيا! ركّزت مع السيراميك! ينبسط الشياطين ويفرحون لهذا النجاح الكبير، يشمتون في هذا البني آدم، الذي جعل الشيطان يفي بوعده في اغواء البشر، اظن انها أكبر شماتة يمكن ان يتعرض لها الشخص طوال تاريخه. قد ذكر القرآن قوله عن بني آدم: (ولاضلنهم ولامنينهم) [النساء:119] فهو يمنّي الناس بالدنيا وينسيهم الآخرة، الحاجّة غرقت في امنيات الدنيا، ونسيت الآخرة.
ولكن هل نبطّل احلام وأماني؟ حتي لا نشمّت فينا ابليس، فابليس يحب ان تُقبض أرواحنا ونحن متشبسين بالدنيا حتي آخر نفس، اذكر ايضا رجل اراد ايضا ان يغير البوابة القديمة بأخري جديدة، وايضا حضّر كل شيئ، احضر بابا كبيرا فخما باهظ الثمن، الباب به فايبر لا يحجب الضوء ولكن يحجب ما سواه. ولكن الموت ايضا لم يمهله حتي يراه منصوبا، قصص كثيرة مماثلة، شخص علي وشك السفر، وآخر علي وشك الزواج، او علي وشك الانتقال الي منزل جديد، وآخر خرج في زيارة لفلان وفلان فمات عند اولهم.
الناس بالطبع يذكرون للميت المحاسن فقط، لا احد يقول لك ان المرحوم كان شديد الجري وراء الدنيا، كان جاريا وراء البيوت، الأراضي، السيارات، التجارة، السفر، البزنس ...الخ، ولكن كلما تدنو من اهل مرحوم تكتشف ان الموت قطع عليه احلاما وخططا، وكفي به اثما، وهذا الأثم يقع فيه دعاة وفقهاء اليوم مثلما يقع فيه العوام.
منذ زمن بعيد ظل هذا الأمر يأخذ اهتمامي، وكل ما اذهب الي عزاء احاول ان استفسر عن مشاريع المراحيم، ثم صار الأمر مثل الهاجس، حتي انني في المقابر امر علي اكبر عدد من الشواهد، وأقرأ الأسماء، وأحاول ان اتخيل، هل ضرب عزرائل فجأة، وهل قطع للميت احلاما وخططا، أم أن المرحوم كان يتوقع الموت ويعمل لما بعده، دائما كنت اصل الي نتائج محبطة، هذا من واقع ما نسمعه ونشاهده حولنا، كنت أتوقع ان اسمع شيئا مختلفا، مثلا ان فلان شعر بدنو أجله فتبرع بما يملك من مال وعقارات ونحوه، سمعنا في السابق عن امثال هؤلاء، بعضهم اوقف لله امولا ضخمة وعقارات كبيرة، وتري ابناءه وأحفاده لا يملكون شيئا، لكن هذه النماذج كانت قليلة جدا، والآن لا توجد أصلا، لماذا؟!! مع ان الموت كثر، لأن اسبابه كثرت، أمراض كثيرة جدا تؤدي الي الموت دون امهال، حوادث حركة، جوائح مرضية، كوارث بيئية، و .. و..
فلننظر هذا الأمر في سيرة الرسول (ص): عن عقبة بن الحارث رضي الله عنه قال: (صَلَّيْتُ وراء النبي (ص) بالمدينة العصر، فسلَّم ثم قام مسرعاً، فتخطَّى رقاب الناس، إلى بعضِ حُجَرِ نسائه، ففَزِعَ الناس من سرعته! فخرج عليهم، فرأى أنهم عَجِبوا مِن سُرْعته فقال: ذَكَرْتُ شيئاً من تِبْرٍ (ذهب أو فضة) عندنا، فكَرِهْتُ أن يَحْبسني، فأمرتُ بقِسْمَته) رواه البخاري.
وعن جابر بن عبدالله: إنَّ أخوَفَ ما أتخوَّفُ على أُمَّتي الهوى وطولُ الأمَلِ، فأمّا الهوى فيصُدُّ عن الحقِّ، وأمّا طولُ الأمَلِ فيُنسِي الآخرةَ، وهذه الدُّنْيا مرتحلةٌ ذاهبةٌ، وهذه الآخرةُ مرتحلةٌ قادمةٌ، ولكلِّ واحدةٍ منهما بَنونَ، فإنِ استَطعتُم أنْ تكونوا مِن بني الآخِرةِ ولا تكونوا مِن بني الدُّنْيا فافعَلوا. رواه البيهقي.
الرسول (ص) كان يمضي عليه الشهر والشهران ولا توقد في بيته نار، وعندما مات لم يكن لديه ولا فلس، بل وجدوه قد رهن درعه في كذا صاع من الشعير، والصحابة ساروا في ذات المنهج وذات الطريق، ولذلك نجوا من شماتة ابليس فيهم، اللهم لا تشمت بنا عدونا هذه الشماتة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة