ألواح من درس القرَّاي فيما وراء لوحة مايكلنجلو (١-٤)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 12:13 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-21-2021, 00:46 AM

هاشم الحسن
<aهاشم الحسن
تاريخ التسجيل: 04-07-2004
مجموع المشاركات: 1428

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ألواح من درس القرَّاي فيما وراء لوحة مايكلنجلو (١-٤)

    ألواح من درس القرَّاي فيما وراء لوحة مايكلنجلو (١-٤)

    لوح من عبء الثورة بالغزوات الدونكيخوتية.
    هاشم الحسن

    **كتبت هذا المقال، من ثلاثة أجزاء، قبل تقديم الدكتور عمر القرَّاي لاستقالته. أذعت بعضه عن أخطاء وردت في كتاب التاريخ للصف السادس، ثم توقفت عن نشر بقية الأجزاء ولئلا تندرج، على اختلاف المنطلق والموقع، بضمن الحملة التي كانت ولا تزال تشنها جيوش الردة والظلام على الثورة، وبالذات عبر ثغرة المناهج لا غيرها. أفكار المقال تطورت عبر مناقشات جرت بيني والأصدقاء ولا تزال تدور فحفزتني إلى هذا النشر الكامل - ولو متأخرا لا يوكب ولكنه سيفيد لتوثيق الموقف - بعد إجراء بعض التعديل على المكتوب ليعكس فرق الوقت منذ مطالبتي، المسببة بالحيثيات كما وردت في المقال، باستقالة د.القرّاي، وحتى مبادرته بتقديمها وما حدث منذها.

    *كتب د.الواثق كمير مقاله، المعنون (د.عمر القرّاي: ثلاث مُلاحظات على مؤتمره الصحفي!!) والمنشور على أكثر من موقع الكتروني، تعليقا على ماجاء في المؤتمر الصحفي الذي عقده مدير المركز القومي للمناهج، الدكتور عمر القرَّاي للحديث عن (قضية) لوحة مايكلنجلو التي استخدمت في كتاب التاريخ للصف السادس الابتدائي. اختتم د.الواثق مقاله بهذين السؤالين المباشرين الصريحين: "هل بلّغت هذه اللوحة "المبتورة" رسالة المركز القومي للمناهج في التبصير السليم بالفنون في عصر النهضة؟ وابتداءً، ما الداعي للدخول في مِثل هذه المآزق؟". انطلاقا منهما وعلى محور هذين السؤالين ستدور بقية هذا المقال عن الإشكالية التعليمية والسياسية والمفهومية التي شابت أداء وتنفيذ الدكتور عمر القرَّاي لمهمته كمدير للمركز القومي للمناهج.

    *لأول ما تم تعيينه مديرا للمناهج فقد استبشرنا خيرا بمعرفة ومواقف د.القرَّاي أن تخدم البلاد في استعادة وتصفية عرين التربية والتعليم من مخططات المشروع الإسلاموي للاستيلاء على العقل السوداني إلى كهوف وعيهم الظلامي. بوقتها فقد هاجمته قوى الردة بذريعة متهافتة بانتمائه المذهبي ومواقفه السياسية وخشية منه ومن موقفه أكيد العداء لها فكريا وسياسيا. حينها فقد استمتنا جميعا في الدفاع عن د.القرَّاي وعن تكليفه التكنوقراطي، وليس عن محازبة أو أخوة مذهبية أو تنزيها شخصيا، بل زودا عن حياض الثورة ومعانيها، وعن حقه وحق الكافة في أي الوظيفة العامة. جاء موقفنا وسيظل انحيازا لجوهر المشروع السياسي المدني الديمقراطي وما رجوناه للتعليم، مهنيا ومتطورا وخالصا لوجه الإصلاح والتغيير.

    *ومع إن قضية اللوحة هي كالعين من العاصفة التي عصفت بالمجال السياسي والإعلامي ثم لم تنتهي بتقديم الدكتور القرَّاي لاستقالته المسببة بعد قرار رئيس الوزراء بتجميد العمل بالمناهج الجديدة الصادرة عن المركز القومي للمناهج، وهو القرار الذي جاء مكلفا سياسيا من حيث هو استجابة انهزامية متأخرة في الترتيب والمظهر للضغوط الصادرة عن جماعات سياسية ودينية بالأساس، وليس عن عملية مراجعة وتقويم مؤسسي مبكرة. إلا أن المشكلة الحقيقية ليست في مجرد عرض اللوحة (خلق آدم) كما أثارت جماعات من المتدينين ومن ساسة الدين، بل تكمن المشكلة في الدواعي والسياق الذي حضرت به اللوحة إلى المشهدين؛ المنهجي من جهة، والعام السياسي من كل الجهات. فالذي لا يحتاج لمزيد قول ولا عليه غلاط هو إن لوحة الفنان مايكلنجلو عمل فني ذو قيمة كبرى في تاريخ الفنون ولحاضرها، ولكن هذا سيصح وفقط لو إن اللوحة قد شوهدت أو درست في سياقها الطبيعي معرفيا وجماليا. فهل سيجب أن أثق، أو يثق غيري، في أن هذا السياق السوداني الأخير (درس التاريخ للصف السادس) هو الأنسب ضرورة لترد فيه مثل هذه اللوحة بالذات من بين آلاف اللوحات المعبرة عن عصر النهضة؟ لا يجب علي ولا يكفي لثقتي أن د.القرَّاي أو لجنته قد رأيا ذلك حسنا على مرأى من عدو متربص لزلة أو احتمالها.

    *كان واضحا أن حضور اللوحة في هذا المشهد المنهجي المدرسي سيشكل مزيدا بهذا التناقض الواضح بين كون السادة خبراء المناهج (افتراضا) قد اعتبروها الأنسب من بين الآلاف غيرها لتمثيل عصر النهضة في واعية تلاميذ الصف السادس، ثم اضطروا (حياء) إلى تشويهها والاعتداء عليها فنيا حين قاموا بإخفاء نصفها (العورة) مع ما في ذلك من تجاوز فني ومساءلات أدبية! وستكثر المشاكل ضغثا تعليميا عندما يعرّف الكتاب المقرر هذه اللوحة باسمها (لوحة خلق آدم) مما سيستوجب عليه أن يشرح للتلاميذ السياق الديني والثقافي الذي سمح برسم (الخالق) والملائكة والأنبياء والقديسين على سقف الكنيسة الأهم بعاصمة العقيدة الكاثوليكية. هذا الشرح سيصبح ضرورة لا محيص عنها لأن المضامين المباشرة والخفية في هذا الرسم ستتعارض مع عقائد راسخة عند غالب المجتمع السوداني المسلم عن التصوير الفني لكافة المقدس. وكذلك لأن تفاصيل تلك المضامين ليست متاحة مسبقا في معرفة التلاميذ ولا حتى في علوم المدرسة الأخرى. أما لو وجهوا بشرح تلك السياقات التي تحيط باللوحة، كما اقترح وزير التربية والتعليم لاحقا، فإن ذلك سيخرج بالدرس عن كونه درسا عن التاريخ ليصبح دروسا في علم الأديان المقارن واللاهوت والعقائد والفلسفة وعلم الاجتماع وتاريخ الفنون كما لمساقات التخصص الجامعي وما بعدها (سواء في أم درمان الإسلامية أو السوربون). وبالطبع فمثل هذه الدروس الأخيرة ليست من مقصد المنهج للصف السادس الابتدائي. هنا تبرز الورطة كالتي تحسبا لمثلها فإن قصيدة ذات أهمية فنية وتاريخية ولغوية كبيرة كقصيدة النابغة عن المتجردة ستظل خارجا عن مناهج اللغة والشعر فيما قبل الدرس الجامعي. وليس فقط لأنها قصيدة إباحية جدا، بل كذلك لأن شرحها سيحتم الخروج عن مقصود مقررات اللغة المدرسية وعن محدوديتها، وهو بالضبط ما سيفعله شرح سياقات لوحة (خلق آدم) بهذا الدرس التاريخي، في حال توفر لذلك المدرسون الأكفاء المتعاطفون، وهيهات!

    *وهكذا سيفرض سؤال الأولويات نفسه؛ هل كانت تلك اللوحة أولوية تربوية حتى إذا لم يتأكد واضعو المنهج من وفرة المدرسين بتأهيل كالمدرس المتفهم المفترض بأعلاه؟ وهو احتمال ضعيف جدا. وأما الأكيد فهو وجود آلاف المدرسين من المتشككين مسبقا في نوايا المنهج، بل ربما كانوا جنودا لتصورات مختلفة تماما وسياسات مضادة للتغيير ومتربصة به. وهل هي فعلا أولوية ديمقراطية ملحة للمجتمع أن يتسامح بهذا القدر او ذاك مع كافة مظاهر للدين والتدين أخرى حتى ولو تعارضت مع أصول في دينهم ومعتاد تدينهم خاصة مع غياب التحولات والاستعدادات الفكرية والاجتماعية والسياسية التي تجعل هذا المجتمع قادرا على استيعاب تلك المظاهر الدينية المختلفة والتسامح مع الاختلاف فيها ومع تعبيراتها الفنية ودلالتها الثقافية؟ وهل كانت أولوية سياسية قصوى طالما ستكسب من ضجيجها الثورة المضادة وتتعطل بذلك مهام مباشرة للمرحلة هي أولى وأشد إلحاحا؟

    *إن مهمة تغيير وتطوير مناهج التربية، التي وضعها النظام المخلوع لخدمة نظامه - كما مضي - بالقهر المعرفي، ولفائدة مستقبل مشروعه الشمولي للمدى الطويل، ستظل مهمة ضرورية جدا وحاسمة في التحولات الوطنية المرجوة. ذلك بداية من حذف كل ما يعبر حصرا عن أيدلوجية الاسلامويين الخاصة، وليس انتهاء بإزالة كافة معيقات العملية التعليمية الصحيحة وتطوير المناهج لتواكب أفضل نظريات التربية ومتطلبات العصر الموصى بها علميا. ذاك هو التفويض الأساس لوزارة التربية والتعليم والمركز القومي للمناهج في المرحلة السياسية الراهنة بمعطياتها وموازين قواها. وهكذا الحال والتوقعات، فما كان حريا ولا متوقعا أن تستبدل تلك المناهج الغابرة بمناهج هي الأخرى مثيرة للجدل بل ومستعلية بالسلطة حذو الحافر كما وطأتنا حوافر المتأسلمين الشموليين. أو لتشغب على المهمة ذاتها وعلى مبدأ التفويض وأمانته السياسية. كيف كنا سنتوقع من مقاربة مهنية محترفة أن تنتج لنا مقررات، ككتاب التاريخ للصف السادس وآخر للغة العربية، مكتظة بالأخطاء اللغوية والمعرفية وبأكثر من خطيئة وطنية. والأسوأ، متخمة بالتسريبات الأيدولوجية المختلف عليها، قد تسربت فيها ومنها بطريقة لا يمكن أن تسمح بها حوارات فنية وعلمية خبيرة ومتسعة ولا لجان للخبراء إلا لو خضعت مثل هذه الأطر الفنية لسلطة الإدارة وتدخلها المباشر فغابت وغاب أثرها. الأنكى هو أن ثمة افتراض بوجوب القبول بمثل ذلك الهرج المنهجي أو السكوت عليه لمجرد الزعم بأنه منهج مضاد لمنهج الكيزان ويكفي. بالطبع لن يكفي ولن يمكن إنكار مردوده السلبي على العملية السياسية ضدا على الثورة!

    *وعليه، بآخرة الهرج، وقبلها من متابعة الحضور الإعلامي لدكتور القرَّاي، فقد أصبحت شديد التوجس وعلى قلق سياسي عظيم في كل مرة يعتلي فيها الدكتور صهوة المنابر الإعلامية سالطا لسانه ومسعّرا لمعاركه التي لا تنتهي. هذه المعارك التي تبدأ من إعتداد الدكتور المفرط برأيه ولدرجة الدوغمائية حتى ولو ضعف فيها منطقه، ولا تنتهي في طريقته الشهيرة لمناظرة ومقارعة الناقدين له، والتي دائما ما تتسم بالتحدي الشخصي حد (المطالعة للخلا) وبالهزؤ من الخصوم على ملأ. مثل هذه الأمور تجعل من يستمع إليه يشعر وكأن الدكتور القرَّاي وبدلا عن خدمة الدولة الجديدة من موقعه تنكوقراطيا كمدير للمناهج، فكأنما يستخدم منابر الدولة ويسخر سطوتها، والمناهج نفسها، وكل شيء متاح، ولكن ليس لاستعادة الموضوعية والتوازن والمهنية في شغل المناهج، بل لخدمة أفكاره ورؤاه الخاصة، أيا ما كانت أفكاره وبغض البصر عن الاتفاق والاختلاف معها، وهل هي فعلا التعبير الأصوب عن توجهات الثورة وتوافقاتها. ومع ذلك فهذا ليس منتهى المتاعب أو هو الإشكال الأكبر. بل فقط ليستدعي المزيد من إشكاليات هي أبعد أهمية وخطرا، ستأتي الإشارة إليها.

    *بتكاثر الأخطاء والعزة بإثمها فقد استحالت الحملة على مدير مركز المناهج إلى حملة شعواء شاملة على الثورة كلها. والمناهج المدرسية أمست هي الثغرة المشرعة بالهرج على ريح الهزيمة. وبداية، بذريعة ليست كلها مختلقة كما تبين لاحقا، من انتماءات د.القرَّاي الفكرية والسياسية، وحتى الآن، فقد تجاوزت الحملة من ظفرها بمعركة اللوحة الفنية إلى استغلال تفاصيل أخرى في المقررات والمناهج لإلحاق المزيد من الهزائم بالحكومة المدنية وبالثورة، وحتما فستظل هذه الحملات نشطة تنتقل من كتاب إلى غيره ومن منهج الى الذي بعده وهكذا دواليك ما كان قد استمر د.القرَّاي مديرا أو استمرت طريقته في التعامل مع المناهج والناقدين من الخصوم والحادبين. مع كل تلك الأهداف السهلة نوفرها لهم ويستهدفها طابور الردة الزاحف من كافة الجبهات، فلا يستغربن أحدنا لو غدا رأينا البرهان أو بوقا له يخرج معرِّضا ب القرَّاي وبمناهج (الجماعة ديل) أعداء الدين! فعلها مستشار دقلو!

    *المعارك الفكرية لن تنقضي ولا الوقت المتاح لها سينفد حتى ينتهي العالم. وأما المعارك السياسية فلها مواقيتها المفروضة التي لا يصح تفويتها؛ وبداهة فلن يمكنك المضي قدما في مشروعك السياسي المدني الديمقراطي لهزيمة مشاريع الإسلامويين والشموليين ومخططات متكاثرة ومتعاظمة للردة على الثورة، بينما أنت توفر لهم مثل هذه المنصات الرخيصة، يتدثرون لها بثوب الدفاع عن العقيدة بعدما هم عن قريب ولا يزال يتمرغون في وحل فعائلهم السياسية وعلى دنس من جرائمهم ورجس أصابوه بمنكر فعائلهم، وفضلا من الله علينا بالثورة ظل ينفر عنهم غالب المجتمع ويحمينا من الانخداع لهم باسم الدين أو الوطنيات الجوفاء. فكيف إذن ولماذا الآن وبالأمس وربما غدا - لو كان استمر في منصبه - سيتبرع لهم د.القرَّاي بالفرصة تلو الفرصة للصعود على منصات الخطاب والعاطفة الدينية، ولماذا يوفر لهم الذخائر لتلقيم اسلحتهم المفضلة، وما باله يغزل لهم وينسج في قماشة قناعهم الأثير كحماة لدين المجتمع؟

    *الدكتور عمر القرَّاي في منصبه مديرا للمركز القومي للمناهج ربما يكون (كان) مثالا على الرجل المناسب في المكان غير المناسب. الناشط السياسي والمبشر الرسولي بالأفكار في محل التكنوقراط منفذ السياسات الحكومية الواضحة (غيبتها كانت سببا فيما حدث). وقد كان يجب عليه أن يستقيل (استقال) من منصبه، أو أن يعفى عن مسؤوليته ويقال عنها باكرا. لا عزة هنا بالإثم السياسي ولا حياء في الثورة. ما نعرفه عن مقدامية الدكتور وعن صداميته واقتحاميته وشجاعته في الصدح بالرأي كما يرى، هي مزية قد تجعله مطلوبا بشدة في أكثر من ثغر للثورة يحتاجه وأنسب لطريقته؛ كمتحدث باسم مجلس السيادة ربما، أو ناطقا لمجلس الوزراء أو لمركزية (ق.ح. ت) حيث صار الصمت والسكوت المدني وتجنب المواجهات نوعا من طقس (العبور) المقدس. أو ربما سيناسب في الإذاعة والتلفزيون وغيرهما من منصات (النصيحة البتقطع المصارين). وأما في موقعه الحالى فتلك الصفات قد أصبحت وصفة للكارثة السياسية بما تفتح من ثغرات واسعة في تحصينات الثورة فتتسلل منها جحافل الردة والأعداء، بل بسوء التقدير من جهتنا، فهي تسير في طابور نصرها.

    *إذن، من ناحية سياسية مباشرة فإنني (كنت) قد أصبحت مقتنعا بأن المعارك الخاصة للمدير (السابق) للمناهج والبحث التربوي بوزارة التربية والتعليم (المناهج) د.عمر القرَّاي، قد أمست خصما وعبئا على استحقاقات الفترة الانتقالية. وذلك ببساطة لأنها معارك دونكيخوتية بما هي ليست ضد الخطر الصريح المتربص أولا، ولا هي في محلها أو وقتها المناسب ثانيا. وفي ذلك فهي مثلها ومثل الموالسة السياسية الانتهازية لمركزية قوى إعلان الحرية والتغيير وبعض مكونات الحكومة مع طموحات العسكريين. إذ تلك الأخرى فأيضا ليست في محلها ولا وقتها. لا يمكن للسياسة القاصدة تعبيرا عن هذه الثورة، في فترة انتقالية مضطربة يحتاج فيها الانتقال الديمقراطي الى قدر كبير من الدعم الشعبي، لا يمكنها أن تتجاهل أولويات الصراع أو أن تعتمد على فرض التصورات الفكرية الخاصة حتى ولو كانت مثالية، وذلك قبلما توفرت لها الأرضية التوافقية الواسعة راهنا، أو الديمقراطية ثم القابلية الاجتماعية التي تسمح بذلك.

    *على المستوى النظري المجرد اللاواقعي، فإنني أعلم بأن ما ذكرت أعلاه، وما سيلي بناء عليه، قد لا يبدو موقفا (ثوريا مثاليا) ولن يرضى عنه كثير من المتحفزين لمنازلة ومواجهة خطاب الابتزاز العاطفي بالدين كالذي كم أثقل عواتقهم وعاتق الحراك السياسي والاجتماعي في هذا البلد. وأعرف أنه قد لا يتناسب مع تصورات بعضنا لكيفية التصدي ومقاومة هذا الابتزاز وهزيمته في المعطى السياسي الراهن، وهو في ظني صراع طويل وشاق وأشد تعقيدا من الصراع مع العسكريين الشركاء ومع دعمهم السريع.
    ومع ذلك فالحق أولى؛ فإنني لا أرى صوابا ثوريا في استمرار الدفاع عن د.القرَّاي والتمترس العنيد للإبقاء عليه في منصبه (فيما قبل الاستقالة)، أو اعتبار استقالته لو حدثت (تقدم بها مشكورا) هي نهاية المطاف للفعل الثوري. ولا أجدني في مزاج التواطؤ السياسي بالصمت على مثل نهج الدكتور، أو مجبر على التجاوز عن أخطاء لجانه المفترضة. هذا ليس بضرورة ثورية ولا سياسية، ولا هو مما سيخدم تلك التصورات المثالية نفسها، إن لم يضر بها في المدى القصير جدا ناهيك عن الطويلة.
    وكذلك فلست، في هذا المنعطف السياسي بالذات، معنيا بحصر جهدي لمقاومة المعلوم من مظاهر الهجمة على القرَّاي باسم الدين، بقدر ما يعنيني مجابهة خبيئتها السياسية، ومقارعة الخطر السياسي على الثورة وعلى مسيرتها الذي يهددنا من تكرار هذا الهجوم بأسباب كأداء الدكتور القرَّاي شخصيا الذي هو السبب في هذه الهجمات الأخيرة وهدفها المعلن.
    وعلى أية حال فلا أريد لموقفي أن يكون (مثاليا) أو متعاليا على الواقع، بل ومن كل بد أريده موقفا سياسيا براغماتيا بالمعنى الإيجابي للبراغماتية وليس المعنى الانتهازي. وبالضروة موقفا واضحا وليس مخفيا. وهذا في تصوري مما تستوجبه أولويات المرحلة السياسية وما تفرضه الواقعية. الأهم فالمهم. والآن فالأهم بالنسبة لي ولكثر غيري هو العبور المنتصر بالفترة الانتقالية إلى شط الدولة المدنية وبر الديمقراطية الآمن. ذلك سيعني أولوية تسخين الصراع مع الشركاء المتربصين وتحييد الخطاب الديني أن يستخدم ضد الثورة، أي بتجميد الصراع السياسي (وليس الفكري والتبشيري) على تصوراتنا لأشكال التدين (وليس السياسة بالدين) وعلى موقف الدولة منها إلى وقته المتاح أبدا، وبأدواته الفكرية مما تتيحه الديمقراطية. سوى هذا فقفز على المراحل وتفويت لمواقيت السياسة والثورة.

    (عدل بواسطة هاشم الحسن on 01-21-2021, 00:53 AM)
























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de