لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا البيت لا يبنى الا له عمد ولا عماد إذا لم ترسي أوتاد فان تجمع أوتادا وأعمدة يوما فقد بلغوا الأمر الذي كادوا
الأفوه بن مالك الأودي .... شاعر جاهلي
بقلم: حسن أبو زينب عمر حكى الدبلوماسي وشاعر (الاكتوبريات) وأكبر مؤسسيي تيار الغابة والصحراء محمد المكي محجوب ذات مرة أنه كان يشارك في أحد المؤتمرات الدولية التي عقدت في العاصمة الأوغندية (كمبالا) بحضور منظمات دولية وحشد من الشركات العالمية .. هدف المشاركة كان الترويج لفرص الاستثمار الزراعي في السودان) ولكن وأثناء انهماكه في كلمته أمام المؤتمر العالمي فوجئ ببرقية عاجلة من الخرطوم تطلب منه حث المؤتمرين على تقديم إغاثة الى السودان الذي يحمل لقب (سلة غذاء العالم) ..يقول صاحب رائعة (بعض الرحيق أنا والبرتقالة أنت) أن مشاعرا من الغضب والاحباط هاجت فيه وهو يتلقى البرقية وكأنه تلقى صفعة من الذل والاهانة مصدرها بلد يطلب إغاثة عاجلة وفواكهه البرية يمكن أن تغذي العالم ..هذه المشاعر تجتاح أي زائر لأسواق مدن الخليج حاملا في رأسه هموم السودان وحالما بأن تكون بلاده رقما في هذا العالم الذي نحن جزء منه بإمكانياتنا ومواردنا المهولة وموقعنا الاستراتيجي الأقرب الى أكبر أسواق العالم استهلاكا . (2) أنا لا أتحدث عن السلع والمنتجات والمصنوعات التي (تزغلل) العيون في تلك الأسواق الأنيقة الراقية ساطعة الأنوار مبهرة التكييف فهذه لا تعنينا في شيء ولكن الذي يهمني هو المجال الذي يمكن أن نبدع فيه وهو الخضر والفاكهة بحثا عن أي دور أو مساهمة لنا ولكن مصيرك العودة محبطا من الغنيمة بالإياب .. الفلفل الأخضر هذا قادم من سريلانكا والبامية من الهند والبطيخ من اليمن والدجاج اللاحم مصدره البرازيل وكلها من واق الواق لكن وحدها تظل قصة الدجاج البرازيلي ملحمة تستحق الذكر فلبعد المسافة بين السعودية في آسيا والبرازيل في أمريكا الجنوبية التي تقدر بعشرة آلاف كيلومتر ولضخامة الإنتاج يتم التصدير عبر البواخر التي تقطع المسافة في شهرين فان البرازيل تشحن الباخرة بالبيض الذي يتم تسليط أضواء درجة حرارة معينة عليه للفقس أثناء الرحلة الطويلة وبعدها يتم تغذية هذه (الكتاكيت) التي تتحول الى دجاجة مكتملة على مشارف السعودية فيتم ذبحها وتنظيفها وحفظها في كراتين مكتوب عليها .. Product of Brazil هكذا يعمل العالم الذي يمتلك إرادة وتقوده رؤية وكلاهما مفقودتان في السودان. فضيحة كبرى أن نكون الغائب الحاضر ..أنا لا أتحدث الآن عن الوطن الذي ينزلق نحو هاوية الضياع بسبب طاحونة الحرب اللعينة التي كالمنبت لا أرضا شقت ولا ظهرا أبقت . (3) ليست هذه دعوة للبكاء على الحروب العبثية والارادات الغائبة والصراعات المجنونة فدعوا البكاء فقد كرهت الأ دمعا كما يقول كامل الشناوي ..أنا أتحدث هنا عن الأكثر ايلاما وهو ان العدو المتربص بنا نحن السودانيون هو جزء من تكويننا البنائي بل هو خلية من مكونات ذراتنا نتوارثها جيلا بعد جيل ..نحن نضيع الفرص الثمينة .. نهيل عليها التراب ثم نبكي على الغبار المنبعث ..ندمر البناء الذي شيدناه بأيدينا وليس من عدو خارجي جاء لغزو البلاد ثم نشق الجيوب ونلطم الخدود على الأطلال . المثل الإنجليزي يقول You reap what you sow تحصد ما زرعته. كانت هناك صناعات لازالت عالقة بالذاكرة منها مصنع نسيج كوستي والدويم وشندي ومصنع ألبان بابنوسة ومصنع تعليب الخضر والفاكهة بكريمة ومصنع النسيج السوداني ومصنع كرتون أروما ومصانع عبدو ربه للغزل والاطارات ومصانع حجار للسجائر. كل هذا يهون أمام ألغاز عصية على الفهم لمنشآت مكتملة البناء تقف الآن شامخة رغم انها ماتت سريريا قبل سنوات. واليكم قائمة مشروعات الألغاز. (4) يتصدرها هنا مصنع للصلصة في منطقة طوكر تم تشييده للاستفادة من القيمة المضافة للطماطم الذي يزرع بكميات كبيرة ..هذا المصنع عمل لمدة لا تتجاوز الشهرين أو الثلاثة وبعدها توقف لماذا ؟ لم تتبرع حتى الآن أية جهة لوضع النقط فوق الحروف .. ولكن كل هذا يهون أمام حالة ميناء (هيدوب) 15 كيلو جنوب سواكن المخصص لتصدير الخضر والفاكهة والثروة الحيوانية فقد تم تشييده على أحدث ما يكون وتم افتتاحه (وليس في الامكان أحسن مما كان) من قبل عدة وزراء ومسؤولي الغرفة التجارية في احتفال رسمي ولكنه متوقف بل لم يبدأ العمل لماذا؟ أيضا لم يتبرع أحد بإجابة. (5) هناك عمارات عالية شيدها محمد طاهر ايلا في بورتسودان أحدها تطل على البحر في منطقة ديم سواكن وحولها سور كبير ولعدم استخدامها نشطت فيها عوامل التعرية فقد تهشمت بعض نوافذها الزجاجية والعمارة الثانية تقع بالقرب من مستشفى بورتسودان شمال وزارة التربية والتعليم مطلة على الشارع الرئيسي وهي لن تستغل والدليل أنها خاوية حتى الآن ومستقبلها في عالم الغيب ..وهناك بنايات مبعثرة في الخلاء العريض أطلقوا عليها القرى النموذجية لاستقرار العرب الرحل ولم يستقر الرحل بل لم يستقر السودان . هذه المشاهد العبثية القميئة لن تكتمل الا بإضافة مهزلة اسمها تصدير الثروة الحيوانية فكثيرا ما تتعرض هذه الحيوانات الى حالات نفوق فهي فحينما لا تجد الماء الذي ينبغي توفيره تركض نحو البحر القريب وتتجرع المياه المالحة فتأتي النهاية المحزنة والخسارة الكبرى. (6) ثالثة الأثافي هي تصدير المواشي دون توفر الشروط الصحية المطلوبة وهي التطعيم لكل راس باستخدام عقاقير عالمية معينة ويبدو ان جهات التصدير أو تجار المواشي يقومون بتطعيم بعض الرؤوس ويتركون الأخرى للحظ بمنطق (ياغرق ياجيت حازما) ..في ميناء جدة الإسلامي تبدأ الاختبارات الدقيقة فاذا تم اكتشاف حيوان غير مستوفي الشروط يتم إعادة كل الباخرة وقد حدث ذلك عشرات المرات ولم يعتبر أحد ولم يتعظ . أسألكم بالله الذي خلقكم أي درس نخرج منه إذا فقد ماسك الجمر الإحساس؟ الخيبات كبيرة والقدرات معطلة والوضع السياسي منزوي خلف الحروب ولكن الذي نعيشه هو تحصيل حاصل للفوضى والسبهللية وعدم امتلاك البصيرة النافذة وغياب الخلفيات المنهجية التي تساعد في اكتشاف الحل والخلاصة أن الذي أمامنا هو ما حذر منه امام قريتنا (كليناييب) ذات مرة (تلعبون الميسر وتعبون الخمر وترتكبون الفواحش وتسرقون المال الحرام وتأكلون السحت وتحلمون بدخول الجنة؟).
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
حسن ابوزينب عمر
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست