في هذا الشهر أرغب في التطرق لموضوع " الدونية الأفريقية " الأمر الذي يجعل معظم أهلنا يعتقدون أن كل شخص آخر في العالم أفضل منا . قبل خمس سنوات ، قابلت رجلاً في مدينة أكرا كاد أن يجعل صدري ينفجر من الضحك عندما قال : " إذا خلق الله لحى للنساء السود ، سوف يجعلن لها وصلات " . لقد كان الرجل جاداً في حديثه . قال " أنظر للمرأة السوداء اليوم " . " فهي تضع وصلات لشعرها . و تضع وصلات لحواجب عينيها . و تضع وصلات لأظافر يديها و أظافر قدميها . الحمد لله ، أنه لم يعطهنّ لحى . كنّ سيجعلن لها وصلات أيضاً " مسكينة أيتها المرأة السوداء . هذا الأمر الذي أشار اليه الرجل هو ما يصفه الآخرون بـ " مركب النقص " وسط الأفارقة/ السود ، الشيء الذي يجعلنا نهرب من ذواتنا ، ومن النعم التي حبانا الله بها ، و نتبنّي صفات الشعوب الأخرى . وبالتالي ، إذا لم نقلد الأوربي ، نشعر بأننا لسنا بشراً كما بنبغي . وكل شيء أوربي أو أمريكي لا بد أن يكون أفضل من ما لدينا . وهكذا نجعل اسماءنا الأولي أوربية لنشعر بالفخر . والا سنعتقد بأننا بغيضون . أو إذا لم نرتدِ ملابس مثل الأوربي ، بدلة و ربطة عنق ، نشعر أننا لم نرتدِ الملابس بطريقة صحيحة . وفي معظم أفريقيا الجنوبية ، البدلة و ربطة العنق أصبحتا زيّاً قومياً ، مما يعطي الناس أحساساً زائفاُ بأهمية الذات . و الويل لك إذا لم ترتدِ تلك الملابس إذا كنت مسؤولاً في الحكومة أو حتى في القطاع الخاص بغض النظر عن درجة حرارة اليوم . تخيّل ، في درجة حرارة أفريقيا المعروفة 30 إلى 35 مئوية ، يجب عليك إرتداء بدلة و ربطة عنق لتشعر بالأهمية ، و الا لن يأخذك الناس على محمل الجد . وفي الواقع ، في بعض الدول الأفريقية لن تتمكن من مقابلة الرئيس بدون ارتداء البدلة و ربطة العنق . تخيّل ، لا يستطيع الأفريقي مقابلة رئيسه في قصر الحكم ، الشخص الذي صوت لصالحه ، بدون أن يرتدي زيّاً أوربياً . إنه الجنون ، إذا سألتني . وصلات تمشي على رِجليْن ورغم ذلك نجد أن المستوطنين الأوربين في أفريقيا الجنوبية و الذين كان ينبغي أن يكونوا مولعين بارتداء البدلة و ربطة العنق نجدهم يتفادون هذا النوع من الملابس . و إنّما يحبون القمصان البسيطة و السراويل القصيرة و ما تجلبه من تهوية . و بقبعاتهم على رؤوسهم ، ينذر المستوطنون أنفسهم لمزارعهم الضخمة و يجنون ملايين الدولارات بنهاية العام . أما الأفريقي فيحشر نفسه في بدلة و ربطة عنق ، بعيداً عن الهواء الطلق ، مستغرقاً في العمل المكتبي الممل ، و يجني تقريباً صفراً من الدولارات بنهاية العام . لذا لا عجب من أن نساءنا أصبحن وصلات متحركة . هل أرثى لهؤلاء النسوة ، وخاصة اللاتي أضفن تبيض البشرة لغيره من الهراء ؟ عليك أن تراهن . و كما قالت السيدة / تاتشر " أنا أقيّم الرجل في عشر ثواني ، و نادراً جداً ما أغير رأي " ، وأنا ، بافور ، عادة أقيّم المرأة في خمس ثواني اعتماداً على طول وصلاتها . نعم ، طول و حجم الشعر المستعار (الباروكة) ، طول و لون أظافر اليدين و الرجلين ، و طول حواجب العينين كلها تدل على ماذا في العقل و محتواه الحيوي . أحياناً بعض هؤلاء النسوة يبدين بصورة بشعة ، مثل الساحرات أو النسور ، بهذه الأظافر الطويلة .ولكن من يعيدهنّ لرشدهنّ ؟ وهنّ يعتقدن كلما تطول أظافرهنّ ، تزيد أناقتهنّ . ينبغي أن يرجعهنّ أحد إلى عقلهنّ . كتب آيي كوي أرماه ، الكاتب الغاني و المتخصص في علم المصريات في كتابه " الجميلات لم يولدن بعد " و الذي نشر في عام 1968 م " ليس هناك أسوأ من رؤية رجل أسود يسعى بكل طاقته ليكون شبحاً أسوداً لأوربي ...الرجل الأسود الذي يقضى حياته هارباً من نفسه إلى البياض ليس له قوة إذا لم يمنحها له السيد الأبيض " يمكنك أن تستبدل عبارة " المرأة السوداء " بـ " الرجل الأسود " في كتاب أرماه ، و سوف تصل لنفس النتيجة . إنّ فكرة أن الأفريقي أدنى من الأجناس الأخرى ، و بالذات الجنس الأبيض ، و أن علينا بالضرورة أن نتبنّى طرق و أساليب البيض حتى نبدو بشراً ، فكرة مختلقة لا يسندها التأريخ . نحن نعلم أن الأوربيين زرعوا هذه الفكرة في العقل الأفريقي أبّان عهد تجارة الرقيق و استعمارهم و حكمهم لأفريقيا . ولكن عندما بنى أسلافنا الأفارقة حضارات عظيمة و إهرامات ( ناطحات سحاب ذلك العصر) في مصر القديمة و في غيرها ، كان الأوربيون يعيشون في الكهوف ، لا يعرفون ما هي النافذة ! التأثير الحضاري لفترة امتدت 778 عاماً ، بين 711 م و 1492 م ، عبر الأفارقة ( الذين اعتنقوا الإسلام) من غرب أفريقيا و شمال غربها إلى أوربا لفتح إسبانيا ، و البرتقال ، وصقلية ، و كريت ، و جنوب فرنسا و معهم رفقائهم من شبة الجزيرة العربية ، و نقلوا إليها الحضارة و التعليم ، و الزراعة ، و الطب ، و التنوير العام لأوربا ككل . هؤلاء الأفارقة أطلق عليهم الأغريق اسم المغاربة وباللغة الإغريقية (Mauros) و أطلق عليهم الإنجليز (Moors) و أُطلقت عليهم أسماء مشابهة باللغات الأوربية الأخرى وكلها تعني " الناس السود أو السمر " . وهؤلاء الأفارقة بنوا مدناً وقصوراً عظيمة في إسبانيا والبرتغال وجلبوا التنوير إلى أوروبا، لدرجة أن مجتمع النخبة في أوروبا في تلك الفترة الذي يسمونها "عصورهم المظلمة"، خلّد المغاربة على شعاراتهم . وانطلاقاً من إسبانيا ، سيطر المغاربة على صقلية لمدة 200 عاماً و جزيرة كريت لمدة 125 عاماً . و استطاعوا ضم ليون ، و ماكون و شالون – سير- ساون في جنوب فرنسا في عام 729 م ، و في عام 846 م قاموا بفرض الحصار على مدينة روما . وفي عام 878 م استولوا على صقلية من النورمانديين ، و بعد عشرين عاماً ، سيطروا على جنوب إيطاليا بعد أن هزموا أوتو الثاني حاكم المانيا . لعل التعليم هو أعظم ما قدم المغاربة لأوربا العصور الوسطى . لقد أنشأوا مدارس كثيرة قامت بتدريس العلوم و فلسفات ذلك الوقت . و يكشف التاريخ أنه في أوج سلطة المغاربة ، جذبت إسبانيا (والتي أطلق عليها المغاربة اسم الأندلس ) العلماء من إنجلترا ، و فرنسا ، و المانيا ، و إيطاليا ، و بقية أوربا ، بالإضافة إلى أطراف العالم الإسلامي . وعَبْر المحيط الأطلسي ، خلّد سكان أمريكا الأصليون أيضاً الأفارقةَ الذين عبروا من غرب أفريقيا وأثّروا في الحضارات في جنوب ووسط أمريكا ، بأن صنعوا لهم تماثيل حجرية ضخمة تعرف اليوم باسم الرؤوس الضخمة . إذن من يقول أن الأفريقي أدنى من أي شخص ؟ نعم ، اليوم ، مع اضمحلال الحضارات الأفريقية ، فقد تخطتنا بقيةُ الأجناس في كثير من مناحي الحياة . هذه حقيقة لا يمكننا إنكارها . ولكن ذلك لا يجعلنا أدنى منهم . و لقرون طويلة ، بل لآلاف السنين ، كنا المركز و كان كل شيء يدور حولنا . إنّها حقيقة من حقائق الحياة عندما تسقط الحضارات ، يدخل الناس الذين بنوها في حالة انكسار ، تاركين الفرصة لبقية الناس أو الأجناس ليسبقونهم . ولكن ذلك لا يجعلهم أدنى من غيرهم . أسأل نفسك فقط ، أين أغريق الأمس ؟ أين رومان الأيام الخوالي ؟ أين أتراك الخلافة العثمانية ؟ ولكن كان هؤلاء بناة امبرطوريات عظيمة و حكام العالم . و لكم من يتذكر اليوم إمبراطوريات اليونان ، و الرومان أو العثمانيين ؟ ولكن ذلك لا يجعل أحفادهم أدنى من البريطانيين و الأمريكيين أصحاب الإمبراطوريات الحديثة أو المستمرة . هيا يا أفريقيا . نحن لسنا أدنى من أي شخص .لقد خلقنا الله متميزيين و حبانا بعبقرياتنا المتفردة ، وطعامنا ، و أساليبنا . و بالتالي ليس علينا أن نبيّض بشرتنا و نقلد الأوربي لنشعر بأننا بشر . و لا ينبغي علينا أن نُركّب وصلات أظافر طويلة مثل الساحرات و النسور لنشعر بالأناقة . وليس علينا أن نهرب من ذواتنا إلى البياض . فنحن بالفعل بشر كما نحن . إذن كن نفسك . فأنت أفريقي . و أنت متميّز . و كن واثقاً ببشرتك . عشْ و دع غيرك يعيش . هذه هي الحياة . * محرر حر في مجلة نيو أفريكان . المصدر : مجلة نيو أفريكان بتاريخ 15/8/2019 م و نشر المقال باسم Africa and the “inferioriy complex syndrome” https://newafricanmagazine.com/19535/https://newafricanmagazine.com/19535/
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
محمد حسن جبارة
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست