لطالما خلد التاريخ أسماء أولئك المثقفين والمصلحين الاجتماعيين الذين أحدثوا تغييراً و انقلابا في اللحظات الفارقة من تاريخ شعوبهم وتاريخ الإنسانية بأسرها اولئك الذين لم يغريهم الترغيب ولم يثنيهم الترهيب عن اتخاذ الموقف الصحيح من اجل مصلحة الوطن مهما بلغت الكلفة . و لا أعتقد أننا واجهنا كشعب في تاريخ بلدنا لحظة أكبر حرجا مما نعيشه اليوم في خضم هذه الحرب العبثية اللعينة . تلك الحرب التي اندلعت فجأة وكأنها قيام الساعة و تحولت مع مرور الأيام إلى كرة ثلج تتدحرج بشكل جنوني لا نعرف إلى أين ستقودنا، و لا حتى متى ستستمر. لكن ما نعرفه يقينًا هو أنها تزداد كل يوم تعقيدًا وحجمًا وتأخذ بنا نحو مستقبل مجهول. في هذا السياق الحرج من تاريخ بلدنا المغلوب على أمره . كنا نأمل أن يكون للمثقف السوداني دور أكبر من التفرج والانتظار، أو الانعزال في مناطق الأمان أو الانحياز لأحد أطراف الصراع ومساندته في استمرار هذه الحرب اللعينة . كنا نتمنى أن يتبنى المثقف السوداني موقفا وطني و إيجابي يسعى فيه لوقف الحرب كأولوية و جلب السلام كضرورة و مدخل أساسي لحل الأزمة والعبور بالبلاد إلى بر الأمان .كان المفترض من المثقف السوداني أن يُمارس كل ضغط ممكن على الأطراف المتحاربة لأجل أن تعلي صوت العقل و توقف إطلاق النار و تنخرط في مفاوضات سلام تضع حدًا لهذه الحرب العبثية . و قد ظلت مغازلة السلطة للمثقف السوداني بالاغراء هي الوسيلة التي دوما ما ينكشف بها جوهره امام الشعب حيث يتهاوى معها قناع الزيف الذي يخفي وجه الحقيقي . مظهرة مدى عمق الأزمة التي يعيشها المثقف السوداني في مواجهة السلطة. ويعتبر الدكتور كامل إدريس تجسيدًا لأزمة المثقف السوداني مع السلطة حيث يسطع نجمه و يعلو اسمه بين النخب والمثقفين السودانيين الذين شهدتهم مسيرة شعبنا منذ الاستقلال وما قبله. أولئك الذين طالما سعوا لتجميل وجه السلطة القبيح عن طريق إضافة المساحيق وألوان كي يشرعنون وجودها أمام الشعب و المجتمع الدولي . مثبتين ولاءهم لها بنفخ أوداجها الضامرة بمشاريع فاشلة تحت ذريعة الإصلاح من الداخل في محاولة يائسة منهم لتبرير سلوكياتهم الانتهازية التي تتنافى مع الحقيقة . وقد أثبت التاريخ مراراً أن تلك الشخصيات الانتهازية لا يمكنها أبداً تغيير الحقيقة المعروفة للشعب مهما بذلوا من جهود التضليل . فلا السلطة اكتسبت شيئاً من الجمال الذي خفف قبحها امام الشعب ، ولا المثقف السوداني استطاع المحافظة على ورقة التوت التي تستر سوأته من السقوط طويلا ، فسرعان ما تتكشف الحقيقة و تسقط ورقة التوت و يسقط معها المثقف الذي يبدوعارياً من المبادئ مفضوحا بعار دوره المخزي في شرعنة السلطة . و ستظل صورة الدكتور كامل إدريس وهو يبشر الشعب السوداني بحكومة تكنوقراط قائمة على الكفاءة والقدرات العلمية رافعا كتابه كمشروع أمل لانتشال السودان من ازمته, عالقة في ذاكرة الشعب السوداني تشهد على تمظهر ازمة المثقف السوداني مع السلطة . حيث ان الأمل الذي بشر به الدكتور كامل ادريس الشعب السوداني تكسر على جداران رغبة السلطة في إرضاء حلفائها وأمراء الحرب من الحركات المسلحة و كتائب الاسلاميين . و كأن الدكتور كامل إدريس لم يقرأ كتاب التاريخ و لم يستمع إلى الحكاوي التي لا تزال تتردد في مجالس المدينة . فالسلطة التي تقربت إليه ذراعا فباع من اجلها كل شئ حتى ماء وجهه، و جاءها مهرولا على أمل أن يصبح فيها رئيساً لمجلس وزراء كامل السلطة . خذلته و بددت عشمه و جعلته ناقصا بعد ان سقط في براثن فخها و وجد نفسه متنازعا بين رغبات مناوي وانتهازية جبريل وغبينة أبونمو و شتائم شيبة ضرار التي بات يبثها في الاسافير ليل نهار بينما تلاحقه صرخات الثكالى ولعنات النازحين . وهو لا يزال سارحا في حلمه الجميل يبشر الشعب بالامل و يدبج الوسائط بصوره المائلة كحاله المايل وانسان الفاشر لا يستطيع قضاء حاجته في أمان .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة