على ظهر الجمل The Camel's Back أحداث وشخصيات في تاريخ الفاشر منذ عهد السلطان عبدالرحمن الرشيد ١/٢
ليس هذا وقت للكتابة ولكن !! من طبائع الأيام التحول من حال إلى حال ، وهي حبلي بالكثير من المشاهد والمواقف ، المفرحة حينا، والمؤلمة المحزنة أحيانا ، والمميتة أحايين أخري ، أيام تتداول ، أسأل الله العلي العظيم أن يعم الأمان والسلام ربوع السودان ، ويحفظ الفاشر وأهلها الذين مازالوا بداخلها ، وهذه ملامح من تاريخ الفاشر . لم تكن الفاشر عاصمة لسلطنات الداجو والتنجر و الفور قبل السلطان عبدالرحمن بن أحمد بكر الملقب باليتيم والعادل والرشيد (١٧٨٧-١٨٠١) ، لكنها صارت عاصمة في عهده ، كان السلاطين قبله يديرون حكوماتهم من جبل مرة من (فواشرهم) طرة وشوبا وقرلي وأبو عسل والريل وإختار السلطان عبدالرحمن الرشيد (الفاشر الكبير) في عام ١٧٩٢م عند رهد تندلتي ، الواقعة على رابيتين عظيمتين يعلوان (٢٣٥٠) قدما عن سطح البحر يخترقهما وادي تندلتي الذي عرضه نحو (٤٠٠ ياردة) ، يخرج من جبال الفاشر الشمالية (١). لقبيلة الأسرة (بفتح الألف وكسر السين وفتح الراء ) حق في أرض الفاشر ، لذا إفتدي منها السلطان عبدالرحمن أحمد بكر هذه الأرض ب(٤٠) رأس من الإبل و (٤٠) رأس من البقر ، (٤٠) رأس من الماعز و (٤٠) بخسة (برميل صغير) من العسل ومثلها من السمن (٢) بالإضافة إلى (٧٠) جملا ينقلوا بها الماء (٣) وقيل أن القبيلة تنازلت طواعية عن تندلتي (الفاشر) دون مقابل ، إختيرت الفاشر لموقعها المتميز و نصائح مستشاري السلطان عبدالرحمن ، الفقية الإمام عبدالرحمن كاكوم الملقب بالضويمر ، والفقية الإمام مالك بن علي بن يوسف الفوتاوي . أسس السلطان عبدالرحمن الفاشر عاصمة لأمبراطورية مترامية الأطراف إذ كانت كردفان تحكم حكما مركزيا من الفاشر يتميز مقدومها بسلطات واسعة بتفويض من السلطان بالفاشر ، وكانت منارة للعلم ، وقال المؤرخ محمد عبدالرحيم إن الفاشر في طورها الأول غاضة بأفاضل العلماء و الأغنياء حتى كانوا يقولون : من لم يحفظ إبن عاشر لا يقدل (يمشي) في الفاشر ، ومن الفقهاء الذين قابلهم التونسي بالفاشر وكوبي حسن ود عووضه والفقيه محمد كريتيم والشريف سرور بن أبي الجود والفقيه نور الأنصاري وقاضي القضاة الفقيه عزالدين الجامعي وغيرهم . والفاشر لها تاريخ تليد وماضي عريق ، ومواقف قوية وشامخة ، و كانت ذات علاقات متميزة مع الدول ، وتشهد الأيام أن السلطان عبدالرحمن خاطب من مدينة الفاشر في١٨٩٢م السلطان العثماني الأعظم ، مولي ملوك العرب والعجم ، ملك البرين والبحرين خادم الحرمين الشريفين ، سلطان الروم ومصر والعراقين مولانا سليم الثالث بن السلطان مصطفى بن السلطان أحمد في الإستانة العلية ( تركيا )... ومع الخطاب أرسل له هدية عظيمة مكونة من سن الفيل وريش النعام وبعض الطيور المغردة وصغار الأسود والنمور وغيرها ، فأرسل إليه جلالة السلطان كتابا شكره فيه على هديته وأطلق عليه لقب (الرشيد) وهو الإسم الذي سار على السلطان عبدالرحمن وكذلك على المدينة . (٤) من أيام الفاشر زيارة السائح الإنجليزي وليم جورج براون لها في يوليو ١٧٩٣م بعد عام من إنشاءها ، و قد إستعد لهذه الرحلة بشراءه لخمسة جمال من أسيوط ، أعانته في سفره عبر درب الأربعين ، بدأ الرحلة في يوم ٢٥ مايو ١٧٩٣م ، وبعد أن وصل دارفور مكث ثلاث سنوات حتى ١٧٩٦م جمع فيها الكثير من المعلومات والخرائط (٤). وبعد عشر سنوات من زيارة براون وصل الفاشر محمد بن عمر بن سليمان التونسي في عام ١٨٠٣م ، و سلك نفس خط سير براون ( درب الأربعين) رفقه الخبير فرج الله ، وفي الطريق علموا بوفاة السلطان عبدالرحمن ، ودخل محمد الفاشر وقد وجدها بلد تموج بالساكن ويرتج بالقاطن ، ما بين راكب وماشي ، جالس وغاشي ، طبول ترعد ، وخيول تركض ، وقد سبق محمد إلى الفاشر والده عمر بن سليمان التونسي ، ومحمد التونسي هذا قدم للعالم مرجعا مهما ألا وهو كتاب : ( تشحيذ الأذهان بسيرة بلاد العرب والسودان ). من أيام الفاشر ذلك التواصل الذي تم بين السلطان عبدالرحمن الرشيد و الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت ، وقد أرسل السلطان خطابا مهنئا فيه الإمبراطور بإنتصاره على المماليك في مصر ، وكان فرحا بهذا النصر لأن المماليك كانوا يقطعون الطريق وينهبون تجارة دارفور مع مصر في حركتها عبر درب الأربعين ، وجاء في خطابه لنابليون بونابرت : من سلطان دارفور السلطان عبدالرحمن الرشيد ، إلى سلطان الجيوش الفرنساوية المعظم ، ألف سلام ،....نعلمكم أن خبر إنتصاراتكم على المماليك وصل إلينا فتلقيناه بغاية السرور وقد أخبرنا أحد الأفرنج الذين إعتنقوا الإسلام بحسن معاملتكم للأجانب فأرسلنا كتابنا هذا مع مندوبنا خبير القافلة يوسف الجلابي وكلفناه أن يؤكد لكم صدق مودتنا التى نسأل دوامها.. ، وقد رد عليه نابليون في سنة ١٧٩٩م : بسم الله الرحمن الرحيم ، لا إله إلا الله ، إلى السلطان عبدالرحمن سلطان دارفور ، تناولت كتابكم وفهمت فحواه و أعلموا أن قافلتكم قد وصلت ، والآن طلبي إليكم أن ترسلوا إلينا مع أول قافلة ألفي عبد من العبيد الأشداء المتجاوزين سن السادسة عشر من العمر إذ مرادي أن أبتاعهم لنفسي،....... وعندما أطلع السلطان عبدالرحمن علي رد نابليون وطلبه ، جمع مستشاريه ، ومنهم الشيخ مالك ، رفضوا ذلك الطلب ، إتفقوا على الرد بشكل لطيف ومهذب ، وكون السلطان عبدالرحمن وفدا رفيع المستوى من بينهم إبن السلطان وحملهم هدايا قيمة من منتجات دارفور مكونة من سن الفيل وريش النعام وجلود الأسود والنمور (حمر مستنفرة) حمير الوادي وجلود الغزلان المخططة والمبرقشة إضافة إلى المنتجات الزراعية والغابية من صمغ وسمسم وفول سوداني ونبق ولالوب وقنقليس ومن المصنوعات اليدوية مثل بيض النعام المجلد بالزخارف والألوان والبراتيل وغيرها ، مع خطاب رقيق أعتذر فيه بأن طلب معاليه مجاب ولكن لاحقا لبعض الأسباب ، وقبل العذر وشكر السلطان علي هداياه (٥). ومن أيام الفاشر تلك المؤامرة التى قادها أحمد الزانتي وهو مواطن أوربي من جزيرة (زانتي) الواقعة بالقرب من سواحل اليونان ، وكانوا إخوة ثلاثة إشتهروا بإسم ( أخوان جايتا Gaeta ) وقد إعتنقوا الإسلام بمصر ، وعرفوا بأسماء إبراهيم وحسين وأحمد ، والأخير أشهرهم وهو الذي أقنع مراد بك حاكم مصر بوجوب الإستيلاء على دارفور وإستثمار مناجم الذهب في ذلك القطر ، وقد شد أحمد الرحال مع حاشية كبيرة حاملا معه أطيب التمنيات من مراد بك إلى سلطان دارفور عبدالرحمن ، ولكن مراد بك إنهزم أمام نابليون بونابرت ، وضاع حكمه ورغم ذلك واصل أحمد مسيرته لتنفيذ حلمه ، فقد تآمر على السلطان عبدالرحمن ، كانت خطته تعتمد على ضرب قصر السلطان بالمدفع لقتل السلطان ، ومن بعدها المناداة بنفسه سلطانا على دارفور ، غير أن المحاولة باءت بالفشل ، تم قتله وعدد من الذين كانوا معه (٦) ، وعرف أحمد الزانتي بإسم زوانه (زانونا) كاشف . ومن أيام الفاشر فترة حكم السلطان محمد الفضل بن عبدالرحمن الرشيد (١٨٠١- ١٨٣٩م) ، الذي كان يلقب بقمر السلاطين ، وهو الذي رد على الخطاب الذي أرسله محمد علي باشا إليه بالفاشر في عام ١٨٣٠م يدعوه فيه إلى التسليم بعد أن دان له السودان منذ إنتصار الدفتردار على المقدوم مسلم الذي إستشهد يوم ١٦ أغسطس ١٨٢١م وهو التابع سلطان دارفور ، و ألحق إليه محمد الفضل جيشا آخر بقيادة ابولكيلك نازل الدفتردار في نواحي سودري لكنه إنهزم واستشهد ابولكيلك ، (٤) كان رد السلطان محمد الفضل لمحمد علي باشا بخطاب ناري شديد اللهجة : .. نحن ندين بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.....أما علمت أن دارفور محروسه محمية ، بسيوف قطع هندية ، وخيول جرداء دهمية ، وعليها كهولة وشبان ، يسرعون إلى الهيجاء بكرة وعشية ، أما علمت أن عندنا العباد والزهاد والأقطاب والأولياء الصالحين من ظهرت لهم الكرامات في وقتنا هذا وهم بيننا يدفعون شر ناركم فتصير رمادا ، ويرجع الملك إلى أهله ويكفي من بعد ذلك والله يكفي شر الظالمين ،(٤) كان رد السلطان محمد الفضل القوي و الجرئ الذي خطه الفقيه حسين ود عماري خريج الأزهر الشريف جعل محمد علي باشا يتراجع ويصرف النظر عن غزو دارفور. من أيام الفاشر فترة حكم السلطان محمد حسين بن محمد الفضل (١٨٣٩ - ١٨٧٤م ) ، التي كانت معاصره لحكام مصر الخديوي سعيد باشا (١٨٥٤- ١٨٦٣م) والخديوي إسماعيل باشا (١٨٦٣م - ١٨٧٩م) وقد كانت علاقتهما طيبة وبادلهما الهدايا والمكاتبات ، يهدي إليهما من تحف دارفور وهما يهديان إليه النفيس من تحف مصر وقد أرسل إليه سعيد باشا مركبة برأسين من جياد الخيل ، وخيما ، وتحفا ، وأهدي إليه إسماعيل باشا شالات كشمير ، وسروج ذهب ، وسبح كهرمان ، وخرز سوميت وغيرها (٤) ومن رسل تلك العلاقات الدبلوماسية رجل الدين الرحالة الجزائري محمد مختار الشنقيطي الذي أشتهر ب(ود اللية) يقال إن سلطان دارفور وظفه وكيلا له في القاهرة ليعمل مبعوثا بين السلطان والحكومة العثمانية وحمل في عام ١٨٥٨م هدايا من سعيد باشا الي السلطان ( ٧ ) ، كما توسط السلطان محمد حسين وأقنع الخديوي سعيد في أن يهب منحه لعلي قرآني النقشبندي وقد إستجاب سعيد. من أيام الفاشر وصول الطبيب الألماني الرحالة جوستاف ناختيال إليها في يوم ٩ مارس ١٨٧٤م ، باحثا في تاريخ دارفور ، قضى فترة إقامته بحي الجلابة بالفاشر، وقد حمله سلطان وداي هدية للسلطان عبارة عن فرس (حصان) ، ومن مشاهداته أنه حضر إنتقال السلطان حسين للإقامة في قصره الجديد جنوب المدينة ، الذي شيده بنفسه وأسماه تمباسي (٣). وقد أصدر ناختيال كتاب (رحلة إلى وداي ودارفور). حينما فقد السلطان محمد حسين بصره عام ١٨٥٦م ، أشرك أخته الميرم زمزم في الحكم معه في بادرة نادرة ، كما قام بتسليح جيشه بالأسلحة النارية حيث جلب معلمين عسكريين من تونس (٧) فكان أول من إستعملها في جيش دارفور ، وقد كان إعتماد السلاطين قبله على السيوف والحراب والدرق والسكاكين والنشاب. من أيام الفاشر إرسال السلطان محمد حسين جيشا تحت قيادة الشرتاي عبدالله والوزير خليل ضد مجموعة من العرب المصريين الذين أغاروا على شمال دارفور وألقيا القبض على قائدهم عمر المصري الذي أعاده السلطان بكل سماح إلى مصر مما أثر هذا التصرف الكريم في محمد سعيد باشا بحيث انه أرسل هدايا إلى السلطان (٧) من أيام الفاشر زيارة العالم الرحالة التونسي محمد زين العابدين لها ، بعدما أنهي دراسته في جامعة الأزهر ، و زار سنار ووداي وقضى عشر سنوات ، وبعدها عاد إلي تونس مثل محمد بن عمر التونسي وله مخطوطة (كتاب السودان) (٧) تولي السلطان ابراهيم بن محمد حسين الشهير بإبراهيم قرض الحكم ( ١٨٧٤ - ١٨٧٥م ) ، و رغم قصر فترته إلا أنه أضاف لمدينة الفاشر معلما جديدا ببناءه منزلا سلطانيا (رئاسيا) فخما قائما علي شاطئ خور تندلتي الشمالي ، كان قمة في الروعة ، وتميزت كل منازله بأنها مبنية من الطوب الأحمر كما أن كل غرف منزله وقاعاته مكسوه جدرانها وسقوفها بالجوخ الملون (٣). من معالم الفاشر في تلك الفترة جامعان جامع بناه السلطان عبدالرحمن عند بنائه الفاشر فحسنه السلاطين الذين خلفوه ، وهو يقع في القسم الشمالي من المدينة ، والجامع الآخر شيدته أخت السلطان حسين في القسم الجنوبي من الفاشر ، وفي عهد السلطان إبراهيم كان هناك جامع فخيم إمامه وخطيبه الشيخ الطيب محمدين يخرج إليه السلطان بموكب حافل كل يوم جمعة لأداء صلاة الظهر . تميزت الفاشر بسمعة طيبة في الأرجاء كافة ، بفضل إهتمام السلاطين وإلتزامهم بإرسال المحمل الشريف ، وصرة الحرمين إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة ، جاء في رسالة من السلطان إبراهيم قرض (١٨٧٣م -١٨٧٤م ) إلى الشريف عبدالله شريف مكة : (من أمير دولة الفور السلطان إبراهيم إلى حضرة الشريف عبدالله ، واصل إليكم الحاج إدريس وصحبته ثلاثة ألف ريال ، يصل حضرتكم وما بقى يصير بتصريفه ، مع إرسالنا أغوات لخدمة الحرمين الشريفين ، و(الأغوات) يقومون بأعمال صيانة المسجد الحرام وإغلاق الأبواب ، وإنزال القناديل (السراريج) ، وغسلها وإشعالها وتثبيتها في مواقعها والتجول بها ليلا بعد صلاة العشاء ، وكذلك فتح أبواب المسجد النبوي والروضة المطهرة والحجرة الشريفة كل يوم جمعة (٨). حالة السلطنة التجارية في الفاشر كانت تتفوق على الكثير من البلدان ، فقد ذكر الرحالة الطبيب خوستاف ناختيال عند زيارته للفاشر ، أن ثروة بعض التجار في الفاشر مثل الخبير محمد إمام حمزة تفوق بكثير ثروات التجار المسلمين في مصر وحتى في جدة ، والخبير محمد له نشاط واسع مع شقيقه حمزة وقد تعين الأول رئيسا لمجلس الفاشر ، كما دعاه غردون للخرطوم فعينه رئيسا لمحكمة الإستئناف عام ١٨٧٧م (٧). وأضاف ناختيال أن في دارفور توجد الأقمشة الأوربية التى تحاك منها أجود الملبوسات القطنية والحريرية كما يستخدم المخمل في صناعة الجلاليب والقمصان ، وتوشي أطرافها بالحرير ويرتدي عظماء الرجال والعلماء فوق ملابسهم العادية القفطان ، ويلبسون الطواقي المكية (٣) فقد كانت منطقة ( كوبي ) العاصمة التجارية ، الواقعة على مسافة (٣٥) ميلا شمال غرب الفاشر ، هي الميناء والسوق التجاري للسلطنة الرابط بينها وبين أسيوط المصرية ، وملتقي قوافل أفريقيا التجارية من الشرق والغرب والشمال . من أيام الفاشر إحتفالات تجليد النحاس المسمى ( المنصورة ) الذي غنمه جيش الفور بقيادة السلطان تيراب من العبدلاب ، وتكون هذه المناسبة مرة في كل سنة ويحتفلون بتجليده إحتفالا عظيما يجتمع إليه موظفو البلاد وأعيانها وأهلها فيأتون بثور وخروف أبلقين ينتقونها من قطيع يربونه في جبل مرة لهذه الغاية ويذبحونهما و يجلدون بجلديهما نحاس المنصورة ، وتوجد سبعة نحاسات بالفاشر ولها ملك خاص يسمى ملك النحاس في أيام السلطان محمد حسين هو سعد النور تبن وخلفه إبنه تبن أيام على دينار (٩) ، تحمل النحاسات في سبع جمال أيام العرضة في مقدمتها نحاس المنصورة ثم البيضاء التى غنموها من آدم سلطان وداي ثم نحاسات الفور الخمسة القديمة (٤) من أيام الفاشر دخول الزبير باشا رحمة منصور بجيشه إليها ، بعد معركة (منواشي) الشهيرة التى أستشهد فيها السلطان إبراهيم بن محمد حسين ( إبراهيم قرض ) ، وهو الذي خرج من عاصمة سلطنته الفاشر مدافعا عنها في نحو (٣٠) ألف جندي و(٨) مدافع ، وأشار إبراهيم فوزي باشا في كتابه السودان (بين يدي غوردون وكتشنر) : أنه لما هاجم جنود الزبير السلطان إبراهيم هو وجماعة من بطانته وآل بيته كان ممسكا بيده سيفا حتى دخل وسط جنود الزبير وهو يصيح أين سيدكم الزبير ؟ وهجم السلطان ومن معه ، وأشتبك القتال بالسيوف والحراب وكان الزبير يرى السلطان يجول في وسط المعمعة ويقاتل كأنه الأسد ولكن لم يكن إلا القليل حتى سقط شهيدا هو ومن معه من الفرسان في يوم ١٤ رمضان ١٢٩١هجرية / ٢٥ أكتوبر ١٨٧٤م ، وقد أجريت مراسم سلطانية لتكفينه بالأنسجة الفاخرة وتم دفنه في جامع منواشي بإحتفال عظيم إجلالا لمقامه وإقرارا ببسالته ، ثم تم دفن الشهداء ، وتم العفو عن جميع الأسري ، وبعد إستراحة (٤) أيام في قرية منواشي سار الزبير وجيشه نحو الفاشر فدخلها في يوم ٢٣ رمضان سنة ١٢٩١هجرية الموافق ٣ نوفمبر ١٨٧٤م قبل طلوع الشمس ، لم يجد سوي التجار وبعض العلماء ، وأستولوا عليها ، ونهبوا ما فيها حتى كانت الريالات مبعثرة على وجه الأرض والطرقات مملوءة منها ، وبعد أيام عاد الأهالي (٣) ، وجاء إسماعيل باشا أيوب حكمدار عموم السودان بجيشه إلى الفاشر فدخلها يوم ١١ نوفمبر سنة ١٨٧٤م ونال هو الآخر مع جيشه حظا كبيرا من الغنيمة و كان قد إستقبله الزبير وأطلق له (١٠٠) طلقة مدفع ترحيبا به وسلمه إدارة المدينة وأعلن إسماعيل باشا أيوب حينئذ في الفاشر مرسومه بتأمين أهالي دارفور على حياتهم وممتلكاتهم فتقاطر الناس عليه معلنين الولاء والطاعة ، وشيد إسماعيل حصن منيع للعسكر على التلة الغربية من الفاشر فبني سورا مربعا متينا من الطوب ، وأقام في أركانه الأربعة أبراجا على كل ركن برجا جعل فيها المدافع ، وحفر من وراء السور خندقا بلغ عمقه (١٥) قدم ، وأحاط الخندق بزريبة من الشوك وبني من داخل السور ديوانا للحكومة ومنزلا للحاكم وقشلاقا (ثكنه) ، ثم أمر فعمرت سوق كبيرة في الفاشر وعاد الناس إلي أشغالهم ، وقد ولي إسماعيل على الفاشر حسن باشا حلمي المشهور بالجويسر حاكما على دارفور وعاد إلى الخرطوم (٤) . من زوار الفاشر لويس لوران دوكوريه أو (حاج عبدالحميد بك) رحالة فرنسي إعتنق الإسلام وأدى فريضة الحج (٧) إستقبلت الفاشر البعثة الإستكشافية التى تحت قيادة الاميرالاي بيردي purdy يعاونه عدد من ضباط الجيش المصري ومعهم الطبيب البريطاني ديفيد كوي ١٨٧٥م لكشف الطرق المؤدية إلى دارفور وإيجاد أثر لخط سكة حديدية مقترح من الدبة إلى الفاشر ، وحفر الآبار اللازمة لتموين قوافل التجارة ، وقام الضابط المصري محمود صبري برسم خريطة لشمال دارفور ، ورسم عمر رشدي باشا التركي خرائط جغرافية لهيئة الأركان العامة ، إنضم إليهم يوهان غابريال فند عالم النبات الألماني الذي صحب بعثات مسح بقيادة ر. ا. كولستون بك ، وه. ح.. براون بك إلى دارفور لكنه توفي في الفاشر ١٨٧٦م (٧) . وكان برفقتهم الجندي الأمريكي هنري جوسلي براوت المتخرج من جامعة متشجان ١٨٧١م وقد تسلم القيادة بعد إعفاء كولستون وقاد الحملة إلى دارفور واعد تقارير شملت صور طبوغرافية وحسابات فلكية (٧) من الذين عملوا في الفاشر الضابط الطبيب رئيس الإدارة الطبية بدارفور السويسري يوهانس زربوشن عام ١٨٧٩م. و من أيام الفاشر حملة الإنقاذ التى طلبها مدير الفاشر حسن باشا حلمي من الخرطوم بعد أن حاصره جيش الأمير هارون الرشيد بن سيف الدين بن محمد الفضل في ثورته التي طالب فيها بعرش أجداده ، بعد مبايعه أهل دارفور له سلطانا عليهم أوائل عام ١٨٧٧م ، وقد حاصروا حاميات الفاشر ودارا وكلكل وكبكابية ، وحصار الفاشر كان بقيادة الملك سعد كبير البرتي ، والمقدوم آدم مقدوم الشمال ، فهاجماها مرتين ، ووصلت حملة الإنقاذ برئاسة عبدالرازق حقي باشا الذي جاء بجيش جرار لفك الحصار المضروب على الفاشر الكبير في ١٨٧٧م فتصدي له الثوار في منطقة (بروش) لكنه إنتصر عليهم ، وتقدم نحو الفاشر فرفع عنها الحصار بعد أن ضيق عليها جيش هارون الرشيد الخناق ، وقفل عنها المنافذ وضاقت حياة الناس وكادت أن تسقط لولا النجدة من عبدالرازق وقمعة للثورة ، وفي تلك الأيام وصل الفاشر مسرعا غردون باشا مدير عموم السودان ليساعد في إخماد ثورة هارون وقام ببعض الإجراءات منها الرفق في تحصيل الضرائب كان مع غردون بساطي بك وياوره إبراهيم أغا وأربعة كتاب (٧). في أوائل عام ١٨٧٩م عاد الأمير هارون الرشيد للثورة فعاد غردون باشا إلى الفاشر للمرة الثانية ، وعين مسديقليا الإيطالي مديرا عليها . من أيام الفاشر وصول السير رودلف كارل فون سلاطين باشا مدير دارا يرافقه الدكتور زوريخين المفتش الصحي إليها فترة ج. ب. مسديقليا بك الإيطالي مديرا عليها ، وبعد فترة وجيزة أقال الحاكم العام محمد رؤوف باشا مسديقليا ، وعين مكانه الميرالاي على بك شريف مديرا على الفاشر من الذين عملوا بالفاشر الجندي والمصور الإيطالي فرانسيس جرمنيكو بيترو املياني الذي ألحق بالبعثة الجيولوجية ونقل إلى دارفور وقام بمساعدة مسديقليا ١٨٧٨م بعد تعيينه وعمل مامورا ل(كوبي) ومديرا ل(دارا)، وتوفي في منطقة (شكا) (٧) من سكان الفاشر مصطفى محمد المغربي التاجر ومتعهد الهجن التونسي الذي كان يمتلك قافلة من (١٠٠) بعير تقوم سنويا بزيارة عبر الصحراء من تونس إلى دارفور، إستقر في الفاشر بعد ١٨٨١م ، وتبع المهدية لدي سقوط الأبيض ، كان أول من أدخل طاحونة قمح تعمل بالبخار في السودان (٧) من أيام الفاشر فترة وجود غوتفريد روت ناظر المدرسة السويسري الذي أثنى عليه رئيس الوزراء البريطاني دبليو لإكتشافه عددا من الرقيق مهربين من دارفور عن طريق درب الأربعين لبيعهم في مصر وعينته الحكومة مفتشا لمكافحه الإسترقاق ، مرض وتوفي في الفاشر ١٨٨٣م (٧) من الأقدار كلف سلاطين باشا مدير دارفور محمد خالد بك زقل بحمل خطاب للمهدي يعلن فيه إسلامه ، وبعد سقوط شيكان عاد محمد خالد زقل معينا من قبل المهدي مديرا لعموم دارفور ، إستلم دارا أولا من سلاطين باشا عام ١٨٨٤م ، ومن ثم توجه نحو الفاشر. من أيام الفاشر وصول الحاج عبدالله الكحال التاجر الشامي المشهور في خان الخليلي بمصر وكان يأتي بتجارته إلى الفاشر بطريق الأربعين ، ذهب إلى المهدي بالرهد وبايعه فسماه المهدي أميرا على بلاد الشام (٤) ومن أيام الفاشر المشهودة يوم أن دافع عنها مديرها وقمندان حاميتها الضابط المصري سيد بك جمعة ، فبعد إنتصار المهدي في شيكان هب للثورة على الفاشر أهل الدار من حضر وبادية فإجتمع الملك حسب الله ملك زغاوة ، والسلطان جدوه سلطان ميما ، والشيخ حسب الله من الماهرية ، وكوع النمر من الزيادية ونزلوا في وادي بيره يريدون حصار الفاشر فذهب إليهم سيد بك جمعة وضربهم وشتت شملهم ثم عادوا وتجمعوا عند السلطان جدوه وحاصروا الفاشر من كل الجهات ، وأحرقوا المنازل المجاورة للإستحكام ورماهم بنار حامية من المدافع و البنادق وردهم على أعقابهم ولم يحضر أحد بعد ذلك إلا محمد خالد زقل الذي سبقه خطاب سلاطين لمدير الفاشر سيد جمعة ليسلم الفاشر لمحمد خالد زقل والدخول في طاعة المهدي ، لكنه رفض بعد ما علم بما فعله محمد خالد زقل بحاميه دارا وما عامل به الضباط والنهب والسلب وأنواع التعذيب وقد قرر الإستمرار في المقاومة والدفاع عن الفاشر . جاء محمد خالد زقل بجيش جرار يقدر ب(٣٠) ألف من المشاة و(٣) آلاف من الجهادية و(١٠٠٠) فارس ومعه مدافع وصواريخ وجميع الأسلحة التى أنفذها معه المهدى ، والتي غنمها من الحاميات التى سقطت بيد المهدية ، وهجم على الفاشر ليأخذها عنوة فقابلته ببسالة عظيمة وألزمته التقهقر بخسائر جمة بعد أن اطلق جيش سيد (١٠٠٠) قنبلة عدا الرصاص فهزمه إلى وادي بيره حيث أقام (١٨) يوما، وإستطاعت حامية الفاشر الثبات أمام الحصار ، قام جيش زقل بحصار الفاشر الذي قاده عمر محمد خير ترحوه الشايقي وقاموا بسد وردم الآبار التى تستقي منها الحامية وأصبحت الفاشر بلا ماء فشرع سيد فى حفر بئر داخل الإستحكامات أوصلوها إلى عمق (٦٠) قامة ولم يظفروا بالماء ، ودام القتال (٨) أيام متوالية حتى صار العساكر يموتون عطشا وعقدوا مجلسا من ضباط الحامية للنظر في رأي يكون فيه نجاتهم ، ولم يروا بدا من التسليم ، وكتبوا إلى زقل يوم الأحد ١٣ يناير ١٨٨٤م بما وصلوا إليه ، وفي اليوم الثاني ١٤ يناير ١٨٨٤م فتحوا الأبواب ليدخل جيش المهدية الفاشر بقيادة محمد خالد زقل وهم يصادرون الأموال والأمتعة ، ويستجوبون جميع الضباط والسناجق والأعيان ليدلوهم على أموالهم ومن أنكر عذبوه حتى إعترف أو مات ، فقد ضربوا الصاغ حماده أفندي حتى فاضت روحه ، وقبضوا على سعيد أغا الفولي ، وإبراهيم أغا برل ولما لم يعترفا بأموالهم شرعوا في ضربهما بالسياط فطلبا مهلة ريثما يذهبان ويحضران المال فذهب كل منهما إلى منزله وإنتحر (٤)، وخشي إبراهيم نجلاوي التعذيب فقام من نفسه بقتل زوجته ثم أخاه وأنتحر ، تم نهب أموال الرجال وسبي النساء ، وقبض على سيد بك جمعة وأصبح محمد خالد زقل مديرا لدارفور بديلا لسلاطين باشا . (١١) وفي منتصف شهر يونيو ١٨٨٤م ، غادر سلاطين وسيد بك جمعة وتاجر يوناني كان بالفاشر يدعي ديمتري زيجادة ومعهم حرس مؤلف من عشرة رجال إلى الأبيض لملاقاة المهدي (١١). وبعد فترة إستدعي الخليفة عبدالله الأمير محمد خالد زقل إلى ام درمان ، وعند مغادرته إلى بارا قام بتكليف الأمير يوسف إبن السلطان ابراهيم قرض ليكون مديرا على دارفور . من أيام الفاشر فترة حكم عثمان آدم الشهير بعثمان جانو الذي سار نحو الفاشر على رأس جيش عظيم ، وكتب إلى الأمير يوسف يدعوه إلى الطاعة وتسليم الفاشر ولما لم يجب زحف بجيشه عليه فخرج الأمير يوسف بجميع أنصاره وألتقاه في وادي بيره قرب الفاشر وإقتتلا إقتتالا شديدا فلم تكن ساعة حتى إنهزم الأمير يوسف وجيشه ، وقتل ليوسف أخوان هما ناصر وعباس ، ودخل عثمان جانو الفاشر يوم ٢٥ يناير ١٨٨٨م. بعد عامين خرج عثمان جانو قاصدا سلطنة وداي لمحاربتها ، لكنه مرض في الطريق فحملوه على عنقريب إلى الفاشر فمات بعد وصوله بقليل في يوم الجمعة ٢٦ سبتمبر ١٨٩٠م . من أيام الفاشر وبعد موت عثمان جانو تم إستدعاء الأمير عبدالقادر ود دليل ليكون أميرا مكلفا بالفاشر في عام ١٨٩٠م ، وأستمر حتى وصول الأمير محمود ود أحمد الذي أرسله الخليفة عاملا على الغرب مكان عثمان آدم (جانو) ، وقد وصل الفاشر في يوم الإثنين ٢٦ يناير ١٨٩١م (٤). في يوم ٦ سبتمبر ١٨٩٦م عاد محمود إلى ام درمان بعد أن إستدعاه الخليفة وولي على الفاشر الأمير أمبدي الرضى . من الذين قضوا أعواما في الفاشر معلما للدين الشيخ محمد البدوي نقد ، الذي تلقى تعليمه في الأزهر ، وعينه الخليفة عبدالله بامدرمان قاضي إسلام في مكان حسين إبراهيم ود الزهرا ١٨٩٥م ، كما عينه الإنجليز رئيسا لمجلس الأعيان الدينيين ، و توجد قبته في حي الموردة بامدرمان (٧) من أيام الفاشر بدء حلقات القرآن الكريم في خلوة الشيخ أبوزيد على محمد عثمان عام ١٨٩٧م وإنتظام الحيران فيها وخلاوي الإمام عبدالماجد ابراهيم و الفكي سليمان احمد يوسف والشيخ عبدالله البنجاوي ومحمد سيدي محمد وغيرها. ومن أيام الفاشر التى خلدها التاريخ يوم دخول السلطان على دينار إليها يرافقه أكثر من (٥٣) من قادة دارفور وأبنائها وأصدقائه بعد واقعة أمدرمان (كرري) عام ١٨٩٨م منهم الأمير قمرالدين البرتاوي والفقية أمين الفلاني وتقدم إلى كجمر فأقام فيها (٨) أيام إلى أن تكامل الفارون من أهل دارفور وسار بهم إلى الفاشر ، (٤) وكان سلطان دارفور وقتئذ حسين محمد عجيب المشهور ب(أبو كودة) ، من الأيام التى سجلتها دفاتر الفاشر ميلاد السيد ستانسلاوس عبدالله بيساو عام ١٩٠٣م بها ، و لاحقا أصبح من زعماء جنوب السودان ، وتعلم بالإرساليات وعمل إداريا عام ١٩٣٧م (٨) من الذين زاروا الفاشر أمير المهدية محمد عثمان أبوقرجة وقد شق طريقه من الرجاف مع الأمير محمد خالد زقل ، وغادرها لكن زقل قتل في الفاشر . من شخصيات الفاشر الشيخ محمد طاهر أبوصفيطة مؤسس زاوية السنوسية التى بنيت عام ١٩٠٣م ومؤسس مسجد الفيزان بالفاشر ومن الداعمين للشيخ عمر المختار في حربه ضد الطليان ، والد طاهر و(حمد ومنصور ومحمد صالح ويونس وإسماعيل ويوسف وعلى ومحمد ، ولهم جميعا إسهامات في مختلف المجالات ، كما يوجد عدد من الليبيين الذين سكنوا الفاشر . ومن أيام التاريخ التي لا تنساها الفاشر هي تلك التي دخل فيها الجيش الإنجليزي المصري غازيا دارفور وعاصمتها الفاشر ، بعد أن أستجاب السلطان على دينار لخطاب الخلافة العثمانية الذي حث فيه المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بحمل السلاح ، ومساندة دولة الخلافة في مواجهة الحلفاء وكان حلفها يضم تركيا وألمانيا والنمسا والمجر ، وقد أفتت بأن الجهاد فرض عين على كافة المسلمين ، ووقفه السلطان على دينار مع الخليفة العثماني شكلت تهديدا صريحا لمصالح بريطانيا في السودان إذ سرعان ما أعلنت الحرب على السلطان على دينار الذي من جانبه أعلن الجهاد على حكومة السودان ، وقد نشرت القيادة العامة للجيش الإنجليزي المصري في ٢٣ مارس ١٩١٥م بلاغا رسميا جاء فيه : بالنظر إلي تحدي السلطان على دينار الحكومة علنا في سلطتها ، إستحسن أن يزحف الجند إلى حدود دارفور وأن تحشد في النهود قوة مختلطة مؤلفة من جميع الأسلحة في الجيش المصري يقودها الليفتنت فيليب جيمس فاندلير كلي بك قومندان الخيالة المصرية (١٢) وفي هذه الأيام وبعد مرور مائة عام وثمانية ، يعيد التاريخ نفسه ، لكنه بشكل مختلف ، وتعيش الفاشر أصعب أيام في تاريخها ، حصار مفروض وموت لأبنائها الأبرياء عند كل ساعة ، ودمار للممتلكات والمؤسسات ، نزوح ، خوف ، جوع ، مصير مجهول ، نسأل الله اللطف والأمان ، هذه الحالة الصعبة تذكر بما جري في تلك الفترة من عام ١٩١٦م ، من أحداث جسام عاشها الأجداد ، وقد سطروا أعظم التضحيات ، وذاكرة الأيام تروى بعض تفاصيل تلك الحملة الإنجليزية المصرية ، وعنوان هذا الموضوع : (على ظهر الجمل) هو عنوان كتاب ألفه المستر (ريجنالد ديفز) ، أحد الإداريين البريطانيين الذين رافقوا الحملة الإنجليزية المصرية ، وقد كانت وسيلة الحركة والتنقل الوحيدة هي الجمال و الخيول والبغال والحمير (الدواب) ، ونشرت جريدة كردفان على صفحاتها في شهر يونيو ١٩٥٨م ، كتاب (على ظهر الجمل) في حلقات (١٣) ، هذه الحملة الإنجليزية المصرية ، كتب عنها عدد من الذين رافقوها ، مذكرات و كتب ، ومن بين هؤلاء اللواء المصري على موسي و البكباشي المصري حسن قنديل ، والضابط المصري عبدالحميد حسن الهنداوي بالإضافة لآخرين شاركوا وحضروا وعاصروا تلك المعارك من أهل دارفور . و المستر ريجنالد ديفز مؤلف كتاب (على ظهر الجمل) كان موظفا بحكومة السودان لمدة (٢٤) عاما ، وكان أول معتمد لدار مساليت. جاء ريجنالد ديفز إلي السودان بعد أن تقدم للعمل في مصر، لكن نصحه أستاذ له بالعمل في السودان لأن الخدمة المدنية في السودان كانت أفضل منها في مصر ، وأي بريطاني يريد العمل في السودان ، عقب هذا الإختيار عليه أن يمضي سنة كاملة في جامعة كامبردج يدرس فيها اللغة العربية وعلم الأجناس وطب المناطق الحارة والإسعافات الأوليه على حسابه الخاص كشأن كل بريطاني يختار للعمل في السودان ، وقد سهل الأمر بعد ذلك فخففت مدة الدراسة من سنة إلى ثلاثة أشهر وعلى حساب حكومة السودان ، وقد أمضي المستر ريجنالد ديفز سنته كاملة في كامبردج. في أغسطس عام ١٩١٥م تم نقل ريجنالد ديفز ليعمل مساعد مفتش للنهود ، ومنذ عام ١٩١٥م بدأت الحكومة تستعد لتجريد حملة علي دارفور ، لإمتناع السلطان على دينار عن دفع الجزية السنوية ، و إنضمامه إلى أعداء بريطانيا في الحرب العالمية الكبري الأولى . وللتجهيز لهذه الحملة أضيفت مسؤليات جديدة إلى مفتش مركز النهود ومساعده ، وقد وضع على عاتق المستر رينجالد مسئولية إمداد حملة فتح دارفور بالماء طيلة الطريق من النهود إلى الفاشر ، وهي مسافة تبلغ (٣٠٠) ميل ، لم تكن هنالك آبار ماء ، ولكن الأهالي المستوطنين في القرى يعتمدون في حصولهم على الماء من شجر التبلدي ، لعبت أشجار التبلدي دورا رئيسيا في حملة دارفور ، فقد قامت الحكومة بشراء و إستئجار عددا كبيرا من هذه الأشجار من أصحابها الأهالي على طول الطريق من النهود للفاشر لتمد الجيش الزاحف بالماء ، وعندما تحركت الحملة من النهود بقيادة الأميرالاي (كيلي) في مارس ١٩١٦م كان هنالك عده آلاف جالون ماء في إنتظارهم، وتوجد بين النهود والفاشر (٢٠) محطة لأماكن المياة ، وأول ما يهتم به المسافر الماء قبل الغذاء ، ويعتمد كثيرا من سكان تلك الفيافي على ماء البطيخ في شربهم وعمل غذائهم بما يخزنونه من البطيخ . بعد التجهيزات الضرورية للحملة ومنها الماء صدر الأمر بتحرك الحملة من الخرطوم بحري يوم ٢٧ فبراير ١٩١٦م ، بقطار الساعة التاسعة مساء ، نحو مدينة الأبيض عاصمة كردفان التى وصلتها عند الساعة الثامنة من صباح يوم ٢٩ فبراير ١٩١٦م ، ومن الأبيض تحركت الساعة الثالثة بعد ظهر يوم ٢٩ فبراير ، ووصلوا النهود عاصمة المركز يوم ٧ مارس ١٩١٦م الساعة التاسعة صباحا. كان تعداد الحملة نحو (2000) ألفي جندي من المشاة والهجانة السودانيين ، ومدفعجية مصريين ، ومن الضباط المصريين المرافقين للحملة اليوزباشي على إسلام أفندي ، والملازم أول حسن أفندي حسني الزيدي ، والملازم أول حسن أفندي حلمي ، والملازم أول حسن قنديل أفندي ، و الملازم أول محفوظ أفندي ندا ، واليوزباشي محمود أفندي زكي رشاد وقليل من البريطانيين حاملي مدافع المكسيم ، وإنضمت إليهم طائرة أو طائرتان في المرحلة الأخيرة من المعركة. أما هيئة قيادة حملة دارفور فقد تكونت من قائد الحملة الليفتنت الكولونيل (كيلي بك Kelly) قومندان الخيالة المصرية وقومندان عام التجريدة والسواري والبيادة الراكبة ، والقائمقام (ليتل Littlee) الرئيس الأول لأركان حرب التجريدة ، الصاغول أغاسي (محمود أفندي حافظ) مساعد أركان حرب التجريدة ، والقائمقام (إسبنكس بك Spinkss) قومندان طوبجية التجريدة أو الحدود الغربية ، والقائمقام (هدلستون بك Hudleston) ، والقائمقام (كمنس Cammins) حكيمباشي القوة ، والقائمقام (هني Henny) مدير الأشغال العسكرية ، والقائمقام (جيلز Giles) قومندان عموم الحملة (٤) بلوكات ، والقائمقام (ورسلي) مساعد مدير عام التعيينات ، وتشونسي هيوستيجاند بك وكرافن هويل ووكر (قنصل بريطاني أدى الخدمة العسكرية في هذه الحملة) ، و أ. د. سار سفيلد هول مساعد ضابط السياسة والمخابرات الذي إحتفظ ببندقية السلطان على وأعادتها إبنته كارول عبر سفارة السودان بلندن في عام ١٩٨٥م . ومن الذين كانوا ضمن الحملة بشير بك كمبال الذي كان ميرالاي في الجيش المصري ، وأحمد فرح قدح الدم بصفته مستشارا في شئون غرب أفريقيا ، وأحمد والدته بنت السلطان ابراهيم قرض . ومن الأشياء التي رواها الضابط المصري الملازم أول يومئذ (اللواء) بعد ذلك على موسى الذي كان نائب مأمور مركز أم روابه بشرق الأبيض ، أنه تم إنتدابه أركان حرب حملة النقل ، وقد تركزت مهمته في عملية النقل بالجمال (أسطول النقل) ، تكونت القوة التي تحت إشرافه من (٤٠٠٠) عامل ، و (٩٠٠٠) جمل ، مع بعض الضباط والجنود لعمل الحراسة أثناء السير بين الأبيض والنهود ثم الفاشر لنقل المؤن والذخيرة والمياة ، وكل القوة لمسافة (٣٠) يومآ بين الأبيض ودارفور (١٤). تكونت القوة المحاربة من وحدات الفرسان والهجانة والمدفعية وفرقة العرب الشرقية وفرقة العرب الغربية ثم الأورطة العاشرة والثالثة عشرة والرابعة عشر السودانية والرابعة المصرية . ولكن الشئ الغريب داخل الحملة كان هنالك تململ و رأي آخر عند الضباط المسلمين ، ومنهم الضابط على موسى ، وقد بدأوا يصرحون بعدم رضاهم عن هذه الحملة أمام الجنود ، ومن بين هؤلاء الضباط الذين يجهرون بالقول الملازم أول محمد عبدالموجود من فرقة الهجانة ، وكذا اليوزباشي محمود ماضي في فرقة العرب الشرقية وهذه الفرقة تتكون من عربان بني عامر أهالي كسلا والقضارف ، والجميع متدينون ويتصفون بترديد الأغاني والتواشيح الدينية والآيات القرآنية ، بالإضافة إليهم الملازم عبدالرحمن العريفي نائب مأمور مركز النهود الذي كانت له صلة برجال السلطان على دينار الذين يترددون على النهود للتجارة . (١٥) صدر أمر إلى الملازم أول محمد عبدالموجود بنقله إلى الخرطوم لخلاف بينه والضابط الإنجليزي البكباشي (ماكلين) قومندان البلوك ، للمعاملة السيئة التي كان يعامله بها ، وهنا إقترح الضباط الذين لم يكونوا مقتنعين محاربة السلطان على دينار ، على الضابط محمد عبدالموجود القيام إلى دارفور للتنسيق مع السلطان على دينار ضد الإنجليز ، ولأنه من أصحاب الرأي على عدم مهاجمة السلطان على دينار ، فقد إستجاب وتطوع و قبل بالمهمة ، وأعطاه الضابط على موسى خريطة تفصيلية عن دارفور وأخذ التعليمات اللازمة ، وبوصلة ونظارة ميدان وساعة ، وجمل لإستعماله وخادم يرافقه في سفره ، وبعد أن تحرك في سرية تامة ، لكن حظه العاثر وهو في طريقه صادفه أمباشي ونفر دورية بوليس قسم النهود ، وقد أفهم الأمباشي عدم موافقة الضباط محاربة على دينار المسلم وأنه قائم للإتصال به ، وطلب منهما أن ينضموا إليه فأمتنع الأومباشي وأراد أن يقبض عليه وشهر في وجهه السلاح مهددا بقتله إلا أن عبدالموجود أسرع وقتل الأومباشي ففر الجندي زميله وكذا خادم عبدالموجود ، وسار الملازم محمد عبدالموجود إلى الفاشر وحيدا ، يدفعه الحماس والإيمان بضرورة طرد القوات الأجنبية من السودان ومصر ، والتخلص من العدو المشترك الذي يسعى أن يحارب المسلم شقيقه المسلم . (١٦) وعاد الجندي للنهود وأبلغ قيادته بالحادث ، وفي الحال قبض على اليوزباشي محمود رياض الذي كان أحد الضباط ، ونقل إلى الخرطوم ومنها إلى القاهرة ثم إلى قشلاق قصر النيل ، وسجن به حتى سنة ١٩٢٠م ، وطلب إلى الملازم الثاني محمود أبو المجد من الطوبجية القيام فورا إلى الخرطوم لإحضار فصيلة مدفعية للإنضمام إلى القوة بالنهود ، وقام وعند وصوله الخرطوم قبض عليه وترحل إلى القاهرة حيث أودع سجن قصر النيل. كانت خطة الضباط عبر مندوبهم عبدالموجود إخطار السلطان على دينار أنهم غير راضين وليس لديهم رغبة في أن تسفك دماء بريئة من المسلمين ، كان هدف الضباط المصريين تدبير أمر إنضمام قواتهم لقوات على دينار ساعة بدء الهجوم ، وهناك إشارة اتفقوا عليها ، ومن بعدها يتم القضاء على الضباط الإنجليز الموجودين ضمن الحملة ، ثم يتم الإعلان بجميع المديريات للقبض على الإنجليز بكل مديرية ، وإحتجازهم رهائن حتى تجلوا بريطانيا عن القطرين المصري والسوداني ، هذه كانت خطة الضباط المصريين . بعد أن علمت قيادة حملة دارفور بتحرك الضابط محمد عبدالموجود إلى الفاشر ، قررت قيام القوات غربا إلى دارفور لغزوها دون تأخير خشية من حدوث مفاجأة من السلطان على دينار بعد وصول عبدالموجود إليه ، لهذا عجلت الحملة بالسفر. تحركت القوة من النهود يوم ١٦ مارس ١٩١٦م الساعة الثالثة بعد الظهر ، وقد مرت بحلة ( الدم جمد ) ثم بلدة ( ود بندة ) التى تعتبر آخر حدود السودان الإنجليزي المصري (حدود كردفان ودارفور) .. وصلت الحملة إلى ( أم شنقا ) يوم ٢٠ مارس ١٩١٦م ، وظهرت لهم كشافة سواري جيش السلطان على دينار ، بقيادة الخليل ود كروم ، قابلتهم بنار ولوا الأدبار ، ثم عادوا ثانية طردوا كذلك . منطقة ( أم شنقا ) كانت في عام ١٨٧٤م مكان معسكر الجيش المصري التركي عند سقوط سلطنة دارفور في عهد الخديوي إسماعيل بقيادة الزبير باشا رحمة وإسماعيل باشا أيوب . و في هذه المرة أيضا كانت منطقة ( أم شنقا ) مكان التعيينات للحملة الإنجليزية المصرية وترد إليها وتتجمع المؤونة والعلائف و( العلائق ) ، وقد قيل أن السلطان على دينار أرسل لهم الملك مصطفى جلغام للتفاوض لكنه شعر بخطورة قوتهم وعاد وأخبر السلطان (١٧) . واصلت الحملة سيرها ولم تصادف القوة أيه مقاومة إلا في آبار جبل ( الحلة ) يوم ٢٩ أبريل ١٩١٦م ، ومن بعده تحركت الحملة إلى منطقة ( اللقد ) ، و إحتلت الحملة في طريقها (بروش) يوم ١١ مايو ١٩١٦م ، و ( أم زريدة ) ، و ( أم كدادة ) التى وصلتها و وجدوا فيها مقاومة من قبل رجال السلطان على دينار بقيادة الملك محمود الدادنقاوي . تزامنا مع سير الحملة وفي يوم ١٢ مايو ١٩١٦م تفاجأ أهل الفاشر بمخلوق غريب يطير فوق رؤسهم ، لم يصدقوا أعينهم ، لقد كانت إحدى طائرات إستطلاع الجيش الغازي التى حلقت حول مدينة الفاشر وألقت من الجو منشورات تتضمن النصح للأهالي بأن يغادروا منطقة الإجراءات الحربية ، وهذه هي المرة الأولى في تاريخ الفاشر ودارفور يشاهدون طائرة في السماء ، لقد كانت مثار حديث الناس وزادتهم خوفا ورعبا وإندهاشا . في ذات الأثناء واصلت الحملة طريقها وتحركت من أم كدادة يوم ١٣ مايو ١٩١٦م ، نحو بلدة ( أبيض جليدات) التى وصلوها اليوم التالي ، والمسافة بينها وأم كدادة (٢٥) ميلا تقريبا ، ومكثوا بعض الأيام ثم تحركوا ، لم تتوقف مناوشات جيش السلطان طوال سير الحملة ، وبعد ( أبيض جليدات ) التى تحركوا منها يوم ١٦ مايو ١٩١٦م ، ظهرت لهم كشافة من رجال السلطان ، قتلت الحملة منهم (٢) وجرحت (٢) ، وأسرت (٢) ومعهم ( ١٦) جملا ، ونتيجة لأن الطريق القريب المؤدي إلى الفاشر فيه الكثير من المتاريس وجيش السلطان ، إتخذت الحملة الطريق الآخر نحو مليط عن طريق جبل كرمدادي والكومة ، وقد قيل أن الجيش الإنجليزي المصري في تحركه عبر ذلك الطريق إستعان ببعض أفراد من قبيلة البرتي مجبرين فقد كانوا مجنزرين بالحديد ومتقدمين الحملة ليدلوهم على منطقة مليط ، وفي يوم ١٨ مايو إحتل الغزاة قرية مليط التى تبعد (٣٧) ميلا من الفاشر، التي وجدوا فيها الناس قد تجمعوا في دار الملك آدم تميم بشارة يهتفون ضد الترك ويدعون لمقاومتهم ويطلقون الأسلحة النارية ، وجاءت الطائرة إلى مليط و ألقت بثلاثة قنابل ، إنفجرت واحدة في بيت الملك آدم تميم وقتلت إبنه عباس ، وجرحت أخت الملك زينب تميم التى توفيت متأثره بجراحها ، ولم تنفجر القنبلتان ، تفاجأ أهل مليط بظهور الطائرة وأصوات القنابل ، مشهد مرعب إنها المرة الأولى في تاريخ مليط . بعدها إكتمل وصول قوات الغزو إلى مليط وعسكروا للراحة وتسريح ( الجمال) وسقيها وعلفها ، وغنمت الحملة من منطقة مليط ما يربو على (١٠٠٠) جمل ، و (١٠٠٠) رأس من الضأن . (١٥) وفي فجر يوم ٢١ مايو ١٩١٦م ، إستأنفت الحملة الزحف نحو عاصمة دارفور مرورا بآبار تقرن وقوز أبو ، و قطعوا خلالها (١٨) ميلا، باتوا في الطريق ثم ساروا الساعة (٦) صباح يوم ٢٢ مايو ١٩١٦ ، بدون أي مقاومة إلى أن إقتربوا من قرية برنجية التى تبعد نحو (١٢) ميلا شمال الفاشر ، ووصلوها عند الساعة الحادية عشر والنصف صباحا ، وأبلغتهم كشافتهم بوجود حشود لقوات السلطان على دينار قرب الفاشر ، وما أن حطوا رحالهم للراحة ، حتى فوجئوا بهجوم من قوات السلطان على دينار من الأمام ومن الجانبين الأيمن والأيسر بقوات مؤلفة من ( ٤٠٠٠ ) أربعة آلاف جندي يحملون بنادق رومنتجون القديمة ، و أعادت القوات الهجوم مرة أخرى بشجاعة فائقة ولكنها فشلت في إختراق حصار الجيش الغازي ، وظهرت الطائرة تساند الغزاة إلا أن قوات السلطان كانت ثابتة لم ترعبهم ، بل أطلقت علي الطائرة النار من قلاع خشب (مضادات) كانت منصوبة ، وإشتبك الطرفان حتى الساعة الثانية والنصف بعد الظهر ، وإنجلت تلك المعركة حامية الوطيس عن هزيمة رجال السلطان على دينار ، قتل من قوات الجيش الإنجليزي المصري وجرح (١٩) ، ومن جيش السلطان إستشهد خيره الرجال منهم قائد القوات رمضان على عمر(بره) ، ونائبه سليمان أب رشمة ، وسالم أبوحوه ، وصالح مدس ، وأبو قرشي ، ونمر أحمد ، وإبراهيم ود هارون ، والفيل الأصم (الأطرش) ، وحميدي وعدد من الذين قدموا أروع أنواع البطولة وإستبسلوا في الزود عن السلطنة وهاجموا بضرورة رغم شدة المدافع والبنادق ، ولشجاعتهم وإندفاعهم فقد وقعوا على بعد خطوات من صف نيران الإنجليز . تقهقرت قوات السلطان الباسلة إلى الفاشر ، بعد أن تركت نحو (٨٠٠) شهيد وهو ما يعادل ربع القوة في ميدان المعركة ، وجميعهم من نخبة أمراء وقادة وزعماء ورموز وشيوخ وشباب وأعيان دارفور بمختلف قبائلهم . قوات جيش السلطان كان شعارهم : يا (قبر) يا (نصر) ، وقد أخذ كل واحد منهم كفنه معه ، وكان القادة و الزعماء قد إتفقوا جميعا في مجلس شوري السلطان وأقسموا على المصحف الشريف بأن لا يعودوا إلي السلطان إلا النصر مكلل على رؤوسهم أو يموتوا فداءا له ، كانوا قد إستعدوا للموت بمهرجان عظيم وفق مراسيم أشبه بإحتفالات وكرنفالات الأعراس ، زينوا بالجرتق وخضبوا بالحناء ، ووضع على جباههم الهلال كالعرسان ، ووضعت الجبائر في اليدين من الفضة لكل وزراء السلطان ، وأولهم قائد الجيش رمضان بره الذي لبس سوارا من الذهب الإبريز محلي بالماس َالزمرد ، وإجتمعت النساء في وداع الجيش وهن يطلقن الزغاريد ، وأنشدن المغنيات منهن (صافيات) : غنيت ليك يا النم يا الأسد الولدو ما بندم ده الدابي النوايبه سم الليلة يا مطر البخات الجات غنت ليك ( سريتي) و(صافيات) كما غنت عائشة البنيتو و المغنية الشاكلية لجيش السلطان علي دينار وقادته . والفاشر منذ تحرك الحملة من الخرطوم وهي في تأهب وأستعداد لها ، الجميع يتناقلون أخبار العدو حتى سيلي ، وكانت مقولة : ترك (بضم التاء) جو في سيلي.. التى قالها َمندوب السلطان الذي أرسله لمعرفة أخبار الإنجليز أصبحت على كل لسان ، دليل على متابعة الناس لتلك الحملة وإعلانا لحالة الإستنفار القصوى . سمي مكان المعركة بموقعة برنجية نسبة إلى قرية برنجية ، وعرفت الموقعة أيضآ بإسم ( سيلي ) لكثرة سيلان الدم (الدم جري كالسيل ) . من جانب آخر فقد تفأجأ الضباط المصريين من هجوم قوات السلطان على دينار عليهم خلافا لخطتهم ، وكانوا في إنتظار الإشارة التى كلفوا بها عبدالموجود لتبليغها للسلطان على دينار ، وقد علموا بعد ذلك بأن السلطان على دينار لم يستجب لطلبات محمد عبدالموجود لأن مستشاريه ومنهم بشير ود نصر ( من أهالى حلفاية الملوك بالخرطوم بحري ووالد اللواء في الجيش السوداني حسن بشير نصر عضو مجلس قيادة ثورة ١٨ نوفمبر ١٩٥٨ ثورة عبود ) ، قد حذروه من الإستجابة لطلبات ذلك الضابط المصري ، فأمتثل لنصيحه مستشاريه ولم يوافق على طلبات عبدالموجود الذي أعطاهم فكرة حفر المتاريس وقام بتدريب جيش السلطان عليها ، لكنهم شكوا في أمره وأعتبروه جاسوس وإعتذر له السلطان على دينار وقال له : (ياولدي) أنه آسف لعدم الموافقة على رأيه ثم أعطاه جمل وطلب إليه السفر شمالا إلى ليبيا لمقابلة أحمد إدريس السنوسي بمدينة ( الكفرة ) ، وإخطاره بالغزو للمساعدة ، وقد سافر محمد عبدالموجود منفردا في قلب الصحراء ، وأنقطعت أخباره ، وقامت دورية بعد إحتلال الفاشر سميت (٢٧-أ) ، وعرفت الحملة الأساسية لفتح دارفور بالدورية رقم (٢٧) ، وقد وصلت الدورية منطقة قبيلة (البديات) شمال غرب دارفور ، وبإحدي القرى علمت الدورية بأن الملازم محمد عبدالموجود توفي بها ودفن ، وتم تسليم قائد الدورية سرج جمله ، ونظارته وساعة يده ، وحلته ، وباقي ملابسه ، وإنتهي بذلك كل ما كان يحلم به الضباط المصريين (١٥). كانت سلطنة دارفور محاطه بسياج أمني قوي وكل من يدخل أراضيها فهو مراقب ، و الحظ العاثر أوقع بعضهم ، بل فقدوا أرواحهم ، ومنهم التاجر إسرائيل داود بنيامين المولود في بغداد الذي قدم إلى السودان وأسس عملا تجاريا وأصبح تاجر أقمشة مشهور ، زار دارفور عام ١٩١٥م قبل إندلاع الحرب ، وإعتقلته سلطات السلطنة ، وتم قتله في الفاشر بعد إتهامه بالتجسس . من (برنجية) أو (سيلي) واصلت الحملة السير نحو الفاشر عند الساعة الرابعة مساء يوم ٢٢ مايو ١٩١٦م حتى الساعة السادسة والنصف ثم نزلوا للمبيت ، ولم تتركهم قوات السلطان فقد قامت بمهاجمتهم في تمام الساعة الثالثة من صبيحة يوم ٢٣ مايو ١٩١٦م ، بقوة قدرت ب (٣٠٠-٨٠٠) ما بين فارس وراجل ، وكان الترامي بالبنادق فيها شديدا جدا حتى صد الفرسان و تفرقوا راجعين ، ولم تجد الحملة بعد ذلك سوي مقاومة واحدة خفيفة لقوة من السواري عند الساعة السابعة والنصف صباحا فهزمتهم ، و تقدموا نحو الفاشر ليدخلوها في تمام الساعة الحادية عشر والنصف يوم الإثنين ٢٣ مايو ١٩١٦م ، في منظر حزين وبعد دخول قوات الجيش الإنجليزي المصري الفاشر قامت بتفتيش جميع المساكن وتم جمع السلاح الذي بأيدي الأهالي . تراجع السلطان ليعتصم بجبل مرة ريثما يستعيد قدرته على مواصلة الجهاد ضد أعدائه في ذات اليوم إلى ناحيه الجنوب الغربي متحصنا في جبل مرة مقر مدافن أجداده ، وأثناء تقهقره تابعته طائرات الحملة وتبادل الجانبان النار وأصيب الملازم مارشال جولان برصاصه في ساقه من القوة التابعة للسلطان التى ضربت الطائرة . توقفت الحملة و أنشأت نقطة مراقبة لرصد حركات السلطان ، فوضعت فصيلة من الهجانة بقيادة الصاغ هدلستون (حاكم السودان فيما بعد) ومعه المستر جيلني المفتش المدني بالفاشر . كان هدلستون كما يقول ريجنالد ديفز قد تبرم من وقوفه موقف المراقب طويلا في الوقت الذي يسترد فيه السلطان معنوياته في جبل مرة وبإنتهاء فصل الخريف ، وفي فجر شهر نوفمبر ١٩١٦م وبدون إذن من القائد العام الذي لم يوافق على مقترحات هدلستون بمهاجمة السلطان ، قرر لوحده التحرك فقاد فرقته إلى هجوم خاطف على معسكر السلطان ، كان هدلستون يمتطي حصانه بينما كانت الفرقة تركب البغال ، ولحق بالسلطان في صباح يوم ١٧ نوفمبر ١٩١٦م بالقرب من جبل جوبي ، وفي أثناء أداء السلطان على دينار لصلاة الفجر هجم عليه بضرب الرصاص حتى أستشهد السلطان ومعه إبنه عباس وإبنه عمر ، و أصيب إبنه محمد الفضل بجراح ، و روي السلطان على دينار بدمائه الأرض الطاهرة ودفن في نفس الموقع مع أولاده بالقرب من منطقة فورقو ، وكان مع السلطان في تلك اللحظات رزق الله محمد ، وحسن الرباطابي أحد الذين تربوا في بيت السلطان (١٩). وكان هذا التصرف الفردي من الاميرالاي هدلستون قد وجد الإستهجان وأغضب كبار رجال الخرطوم وعلى رأسهم حاكم السودان السير ونجت باشا ، وصدرت الأوامر بإبعاد هدلستون عن الخدمة بالجيش فورا ، وإعادته إلى بلاده وحرمانه من الخدمة بالجيش المصري ، لكنه منح نيشان الخدمة الممتازة . بإحتلال دارفور أضيف الي السودان مساحة تعادل مساحة فرنسا ، واصبح قصر السلطان سكنا لمدير مديرية دارفور توارثه الذين حكموا دارفور من الإنجليز والسودانيين ، وفي عام ١٩٧٦م قرر الرئيس جعفر نميري تحويله إلى متحف . َوبإستشهاد السلطان على دينار إنتهت حقبة عظيمة كان فيها السلطان الشهيد على دينار آخر سلاطين الفور ، ذو صلات بالحجاز ومصر واليمن وتركيا وألمانيا وكانت المغنية (صافيات) تغني : أهل الشام واليمن سمعوا بيك يا سلطان الزمن وقدم خدمات جليلة لحجاج بيت الله الحرام والحرمين الشريفين ، فقد تعهد المحمل الشريف والصرة بالرعاية والإهتمام بتجهيزه من مدينة الفاشر ، و شهدت له آبار (على) التى حفرها بين مكة والمدينة حبه للأراضي المقدسة ، وقد كتب الصحفي السعودي د.عبدالرحمن بن صالح العشماوي : أن الدراسات التاريخية أكدت أن أبيار علي ( ميقات ذي الحنيفة) يقصد بها علي بن دينار سلطان دارفور بالسودان و هو من قام بحفرها ليشرب منها الحجاج عام ١٣١٥ للهجرة ، وجدد مسجد ذي الحنيفة ، وقام بتعمير هذا المكان فنسبه الناس إليه ، وهو الذي لما تأخرت كسوة الكعبة من جهه مصر أقام في عاصمة دارفور الفاشر مصنعا لكسوه الكعبة المشرفة (٢٠) ، من أيام الفاشر الخالدة أيام تجهيز وإرسال المحمل لأرض الحرمين الشريفين حيث تقام الإحتفالات ويتجمع أهل دارفور في الفاشر لوداع المحمل والحجاج ، وللسلطان على دينار تاريخ ناصع في ذلك فهو الذي أرسل المحمل والصرة في عام ١٩٠٢م ، وأرسل وفدا إلى الحجاز وبعث برفقة ذلك الوفد الدارفوري السلطاني (٢٠٠٠) ريال مجيدي ، (١٠٠٠) منها يوزع في مكة على الفقراء وخدم البيت الحرام ، و(١٠٠٠) الأخري تقسم في المدينة علي نفس الأساس . وأرسل المحمل في العام ١٩٠٣م ، وكان قائده وأميره الملك المكرم صالح علي ، و من ضمن أفراد القافلة المرسلة إبن حاكم سلطنة وداي المجاورة و حجاج من دارفور ، و في عام ١٩٠٤م تم إرسال المحمل لكن تم نهبه في الطريق قبل أن يصل إلى مكة ، وقد نصحه سلاطين باشا بعدم بعث المحمل سنويا للظروف الأمنية ولم يرسل في ١٩٠٥م ، وأرسل فى عام ١٩٠٦م تحت إمرة محمد الشيخ السيماوي الركابي وفي صحبته (٣٠٠) حاج وصرة تحتوي على (١٠٠) ونصف قنطار سن فيل ، (١٧) مربوع ريش نعام ، (٣٠) رطل ريش نعام اسود ، و(٣٤) رطل ريش ربدة، تباع في أم درمان أو عرضها في الحجاز حسب الأسعار وعائداتها توزع حسب مصارفها ، وفي عام ١٩٠٩م تم إرسال المحمل ورفقته بعثة حجاج دارفور والدول المجاورة ، وفي ١٥ سبتمبر ١٩١٣م تم إرسال المحمل تحت معيه محمد الشيخ السيماوي يرافقه الحجاج والحرس ، وقد جاء في وثيقة تركية : هذه المرة قام حاكم دارفور حضرة السلطان على دينار بتجهيز وترتيب محمل ، حيث وصل هو وإبن عمه مع مائة من الحجاج إلى سواكن وسوف يحظون بالمعاونة اللازمة لدي وصولهم إلى جدة وقد وردت برقية مشتركة من أمارة مكة المكرمة وولاية الحجاز الجليلتين بذات الموضوع (٢١) ، و المؤسف حقا أن هذا المحمل كان آخر محمل تودعه مدينة الفاشر ولم يستطيع أحد من بعده أن يواصل مسيرة سلاطين دارفور نحو الأراضي الشريفة . للفاشر أيام وتاريخ حافل على ظهور الجمال والخيول والبغال لم تنقطع زيارات الفقهاء والعلماء والتجار والمدراء ، منهم هيودرومَند بيرسون باشا المساح البريطاني واللواء في الجيش المصري الذي عين في ١٩٠٥م مديرا للمساحة بالسودان حتى وفاته ١٩٢٢م ، وعمل مندوبا في اللجنة الإنجليزية الفرنسية التى كانت تقوم بترسيم الحدود بين دارفور ووداي سقط مريضا وتوفي في أم دافوق (٧) من أيام الفاشر الزاهية الخالدة يوم إفتتح المستر سافيل مدير دارفور والقائمقام ماكمايكل وإسماعيل الأزهري الكبير قاضي دارفور أول مدرسة أولية (إبتدائية) بدارفور (مدرسة الفاشر المزدوجة) في يوم ١٩ مارس ١٩١٧م، كان مديرها الأول الأستاذ محمد فضل ابوقرجة ومن أوائل الطلبة على وعبدالقادر وزكريا القاضي إدريس عبدالله و على واحمد ومحمد السناري وعثمان علم الدين ويوسف كوكو و إسحق إبراهيم حاج كويس الذي أصبح لاحقا مديرا للمدرسة والأستاذ عبدالرحمن زكريا على دينار ، وسبيل آدم يعقوب ومصطفى السناري والأمين كشكوش ومن طلابها الرائد أبوالقاسم محمد ابراهيم وعبدالله شاشاتى وعدد كبير من أبناء الفاشر ودارفور (٢). من أيام الفاشر وصول التاجر الخواجة والمقاول ينى مرسكيس عام ١٩١٧م وهو الذي قام بتشييد جميع مكاتب الجيش بدارفور ومكاتب الحكومة بالفاشر وكتم والجنينة ونيالا وزالنجي وجامع الفاشر العتيق والمجلس البلدي بالفاشر ومطاري الفاشر والجنينة والمدرسة الأميرية الفاشر، ولد إبنه بسكالى ينى مرسيكس بالفاشر وصار أحد أبناءها . من أيام الفاشر وصول الرحالة المصري محمد حسنين باشا الذي كان ممتطيا جواده (حصانه) الذي يطلق عليه (بركة) ، ورجال قافلته إلى الفاشر يوم ١٩ يونيو ١٩٢٣م على ظهر جمالهم التى ظهر عليها الهزال و النحافة وهي التي قطعت الصحراء الكبرى ، دخلوا الفاشر و إستقبلهم المستر ديبوي مدير دارفور على جواده ومعه بعض الموظفين والإنجليز ، المستر ديبوي إستضافهم بداره بالكرم الدارفوري والإنجليزي ، ولا تنسي القافلة تفضل البكباشي (أوداس) الإنجليزي ، الذي تعهد الجمال المنهوكة بالرعاية فأطعمها وعالج جرحاها ولقد وجدت القافلة شيئاً كثيرا من كرم المدينة من مصريين وإنجليز ومن وجهائها ، وللرحالة كتاب (رحلة في الصحراء) . (٢٢) من أيام الفاشر وفي نفس العام ١٩٢٣م أواخر شهر ديسمبر وصل الرحالة السوداني عثمان وفريقه علي ظهور الجمال و إستقبلهم مواطنوها إستقبالا حارا كان في مقدمتهم الأساتذة زين العابدين صالح مأمور الفاشر، ومدير المديرية المستر ديبوي ، وميرغني حمزة باشمهندس المديرية ، والشيخ محمد فضل مفتش مدارس المديرية ، والأميرالاي الأمين حميدة ، والقاضي إدريس ، ورأس التجار الشيخ بابكر كرم الله (٢٣). من أيام الفاشر الإحتفال الذي أقامته المدينة للمؤرخ محمد عبدالرحيم الذي تقاعد إلى المعاش بمدينة الفاشر في فبراير ١٩٣٤م (٢٤) وهو من الجيل الذي طاف البلاد على ظهور الجمال والجياد وكتب في يوم الأربعاء ٧ ديسمبر ١٩٣٢م يوجد بمدينة الفاشر رهط من ذوي العلم والكياسه الذين كانوا أقوى دعائم سلطنة الفور الأستاذ إدريس القاضي قاضي السلطنة ، والشيخ محمد السناري كاتب سر السلطان ، والشيخ عبدالماجد إمام مسجد الفاشر. من أيام الفاشر تعيين محمد محمود علي الدادينجاوي رئيسا لمحكمة الفاشر ١٩٣٥م وقد توفي أثناء تأديته الحج ودفن بالأراضي المقدسة ١٩٤٤م ، وإستلم منه الرآية الملك رحمه الله ، والدهما محمود لقب ملك وكان جدهما على بك الدادنجاوي معلما خاصا للسلطان إبراهيم قرض (٧). من أيام الفاشر السعيدة إفتتاح أول مدرسة للبنات في دارفور عام ١٩٣٧م. في عام ١٩٤٠م أقامت كتيبة من الجيش الأمريكي بالفاشر ، كان منهم الضابط الأمريكي (رزوين) الذى يتحصل يوميآ على بيانات حالة الطقس من مدير مكتب الإرصاد بمطار الفاشر تاج الدين الجيلاني وكانت إلطائرات الأمريكية تجوب سماء أفريقيا فالحرب العالمية لم تخمد نارها بعد ، ويوجد هناك مسار طيران من غرب أفريقيا يتمركز في اكرا بغانا ويمر بالفاشر ليواصل إلى شمال أفريقيا (٢٥) من أيام الفاشر إجتماع أهلها في يوم التعليم في أبريل ١٩٤٢م وتبرعهم بمبلغ (١٠٤٠) جنيها ، أعلى رقم في السودان مما جعل المركز العام لمؤتمر الخريجين يرسل برقية إلى رجالات الفاشر :(وقفتم في الطليعة بفضل تعاونكم الصادق وعزمكم القوي ، حيا الله أهل الفاشر الأسخياء) و من الذين تبرعوا في ذاك اليوم خواجات الفاشر المستر وانجلسن ، المستر لذني ، توفيق توتونجي ، فؤاد وأنور دلالة ، قرقوري مماكوس ، مجلع دميان ، ينى مرسيكس ، جورج حبيب شاشاتى ، مدام جورج شاشاتى ، صبحي عرجان ، إلياس شاشاتى ، يعقوب درمنجيان ، ميشيل كلزي ، سامي دلال ، بسكالى مرسيكس يوليفيوونزونس ، عجيب أزرق ، جورج وميشيل كرزون، رياض توما، باخوم توما، باسيلي اندريوبتس، بطرس توجاكس، وسيلة أكرمناكس، ينى كتراس، استراتي افتوسيميس، جورج حسون، ميشيل ديك، سمعان صباغ ، كما تبرع أعيان وتجار وموظفي وعمال الفاشر . ومن أيام الفاشر إفتتاح المعهد العلمي يوم السبت ٢٨/١٠/ ١٩٤٤م وناظره الأول محمد احمد سوار تاج العروس . من ايام الفاشر الزاهية يوم إفتتاح مدرسة الفاشر الأهلية الوسطى عام ١٩٤٥م التى أنشأت بفضل تبرع أهل الفاشر الذين جمعوا في ساعة واحدة (٦) آلاف جنية مصري. شهدت الفاشر إندلاع أول مظاهرات في عام ١٩٤٨م ، تم إعتقال (٤٢) شخصا كانت ضد قيام الجمعية التشريعية السودانية . من أيام الفاشر النداء الذي أرسله المستر ن. و. د. هندرسون مدير دارفور، وقاضي المديرية الشرعي فضيلة الشيخ مجذوب مالك في شهر مارس ١٩٥١م ، للاكتتاب لترميم مقبرة الملوك وجامعها الأثري ، المقبرة التى تضم سلاطين دارفور سليمان سولونق وثمانية سلاطين من الأحد عشر الذين أتوا من بعده ، مدفونون في المقبرة الملوكية بجبل مرة . من ملاحم الفاشر البطولية ما شهده عام ١٩٥٢م لكن ليس على ظهور الدواب ، بل على الأرجل فقد كانت مظاهرات حرق العلم البريطاني التى بدأت شرارتها بعد وصول أربعة طلاب منتدبين من الجمعية العمومية لأبناء دارفور بمصر وهم : يوسف محمد نور عالم ، وأبوالقاسم الحاج محمد ، وعبدالرحمن محمد حسن طويل ، ومحمد أحمد آدم كنين . مصر في الفاشر عند زيارة الصاغ صلاح سالم وحسين ذوالفقار صبري لها في يوم الخميس ٢٨ أبريل ١٩٥٤م وهما يدعوان للوحدة مع مصر (٦٧). كان الجمهور يسير على الأرجل وظهور الدواب والصاغ وصحبه على ظهر عربة الحاج أحمد حسين عبدالرحمن مكي (أحمد البدوي) اللاندروفر يحيون الجماهير (٢٦) من أيام الفاشر الغريبة و العجيبة عام ١٩٥٥م ، عندما جلس بوليس الفاشر يستمع إلى شهادة جن مسلم عمره (٢٠٧٠) عاما ، إسمه (جدو جدو) في جريمة إنتحار زوج حدثت في إحدى القرى قرب الفاشر . (٢٧).
هذه ملامح من مدينة (الفاشر الكبير) ، فاشر السلطان ، أبوزكريا واداب العاصي نسأل الله تعالي أن يحفظها وأهلها ، ويرحم الموتى ، ويشفي الجرحى ويجمع شمل الأهل ، ويعود الأمن والسلام والإستقرار .
المصادر : ١/ محمد مهري كركوي ، رحلة مصر والسودان ، مطبعة الهلال بالفجالة مصر ، ١٩١٤م ص ٢٣٨. ٢/ الأستاذ جبريل عبدالله ، من تاريخ مدينة الفاشر ، ص ٥٦. ٣/ ناختيال ص ٢٠٩ ، ٤/ نعوم شقير ص ٦٤، ،،٩١٦ ١٧٠،١٧٢،١٨٣،١٨٦،٢٩٠،٢٣٨،٢٩٤،٤٠٣،٤٠٨،٤٠٩، ٥/ مالك الزاكي صالح، الانتباهة ٢٤/٧/٢٠١٣ ٦/ حبيب جاماني ، المغامرون الأجانب في مصر في أوائل القرن العشرين ، مجلة الهلال، العدد ٩، ١/٧/١٩٣٤م ، ص ١١٠٠. ٧/ريتشارد هيل ، معجم تراجم أعلام السودان، ص ٤٥٥،٣٠٠،١٩١،٢٩٤،٣٥١،،٤٣٦ ٨/ محمد آدم عبدالرحمن حامد ، محمل وصرة السلطان على دينار إلى الحرمين الشريفين ١٩٠٠-١٩١٦م مجلة الزيتونة الدولية ، العدد الثالث ٣٠/١١/٢٠٢٢ ص ٢٩٩. ٩/ ابراهيم فوزي ، السودان بين يدي غردون وكتشنر، ص١٣٧، ١٥٩ ١٠/ هولت، المهدية في السودان، ص ١٥٤،٨٨ ١١/ سلاطين باشا ، السيف والنار في السودان، ص ١١٥، ١١٨ ١٢/ مجلة الهلال ، أبريل ١٩١٥م ١٣/ صحيفة كردفان ، يونيو ١٩٥٨م ١٤/ د.محمد المعتصم ، أضواء جديدة على حرب دارفور سنة ١٩١٦م من ذكريات اللواء على موسى ، المجلة التاريخية المصرية. ١٥/ البكباشي حسن قنديل ، فتح دارفور سنة ١٩١٦م ونبذة من تاريخ سلطانها على دينار. ١٦/ مقابلة تلفزيونية مع الحاج رزق الله محمد أحد العساكر الملازمين لعلي دينار ، ١٧/ مقابلة شخصية مع سليمان محمد إسحق الجمعة ٢٣ رمضان ١٣١٣ /مارس ١٩٩٤م عمره ٩٠ عاما . ١٨/ عون الشريف، موسوعة القبائل والأنساب ص ١٠٩٣،١٠٧٠. ٢٠/ جريدة الجزيرة، ٥/٧/٢٠٠٩ العدد ١٣٤٢٩ عمود (دفقة قلم) : دارفور المؤمنة و مجلة بصائر، عبدالرحمن صالح العشماوي . ٢١/ مجلة الزيتونة العدد الثالث. ٢٢/ أحمد محمد حسنين باشا ، في صحراء ليبيا ، ص ٢٢٧. ٢٣/ صحيفة العلم أبريل - مايو ١٩٥٥م ٢٤/ محمد عبدالرحيم ، العروبة في السودان ٢٥/ د. كامل إبراهيم حسين ، النيمة (٢) خواطر وذكريات عن أهل الفن بشمبات ٢٦/ الأستاذ عبدالرحمن ابراهيم كنين ٢٧/ صحيفة العلم ١٩٥٥م.
د. محمد جبريل عبدالله ٣١ يوليو ٢٠٢٤م .. الرياض ٠٠٢٤٩٩١٨٢٢٥٢٨٧-٠٠٩٦٦٥٨٦٧٨٢٤٢ واتساب [email protected]
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة