( سبحــــان الله ) هـــــــؤلاء ليســــوا بهـــــــؤلاء !!
من غرائب الأحوال بدولة السودان أن هؤلاء الذين ينتفضون ويثورون ويخوضون تلك المواجهات ويقدمون تلك التضحيات الجسيمة في الأرواح ليسوا بهؤلاء الذين يحكمون البلاد كل مرة بعد تلك الانتفاضات !!. عند الضرورة وعند المحك تملأ الساحات السودانية بهؤلاء الأبطال أبناء السودان الأوفياء ،، فئات شابة مخلصة قد تعودت أن تناضل وتكافح وتواجه الرصاص بتلك الصدور العارية ،، ثم فئات أخرى من أبناء السودان تعودت أن تتسلق الأكتاف وتنتهز السانحة كل مرة لتفوز بالقصعة ،، وهي تلك الفئات التي تظل نائمة وفي نهاية المطاف تسيطر على مقاليد الأمور والأحوال وتحكم البلاد !!،، وشتان شتان بين تلك الفئات والفئات في كافة الصفات والمواصفات !!،، والناظر المتعمق في الأحوال بدولة السودان يكتشف تلك التناقضات العجيبة بين تلك الفئات والفئات ،، ففي تلك المواكب والمظاهرات والمواجهات كالعادة تتجلى تلك الوجوه الشابة النيرة الوضاحة التي تمثل كافة الملامح السودانية ،، وهي تلك الملامح التي تمثل كافة أصول وعرقيات ومكونات المجتمع السوداني ،، وجوه فاضلة وبريئة لا تحمل الأحقاد في جوفها ،، أبناء من الشرق والغرب والشمال والجنوب والوسط ،، يلتقي الجميع عند لحظات الضرورة في تلك المواجهات والمظاهرات بمنتهى المودة والإخاء والعناق والوفاق ،، الكبار والصغار ،، الشباب والشابات ،، الفتية والفتيات ،، الصبية والصبيان والأطفال الأبرياء ،، ولا توجد بينهم إطلاقاُ تلك العلامات والإشارات التي توحي بالفوارق والعرقيات والأصول والجنسيات ،، صورة أخوية صادقة عميقة تجسد كافة أطياف الملامح السودانية ،، ووقفة تعاضديه أخوية قوية عظيمة تجلب دموع الأفراح في الأحداق ،، ولوحة فريدة رائعة تطرب لها قلوب وأفئدة أبناء السودان المخلصين والمحبين لهذا الوطن الكبير في الأعماق ،، وتلك اللوحة الفريدة الرائعة تمثل دائماً أبناء السودان حين يلتقون في لحظات الشدة والمحنة ،، و هؤلاء الأبناء الشباب يتفاخر بهم الآباء والكبار والأجداد ويقولون : ( هؤلاء هم فلذات أكبادنا !! ) ,, وبحق وحقيقة فإن هؤلاء الشباب والشابات يشرفون الآباء والأجداد عند لحظات المحن والشدائد ،، ويمثلون طوق النجاة عند الحاجة والضرورة ،، وقد استحقوا تلك الإشادة والتمجيد في كل الانتفاضات التي مرت بالبلاد ،، حيث كالعادة يلتقون معاً في مودة وإخاء ،، يهتفون معاً ،، ويقاومون معاً لحظات المواجهات والتصدي ،، ويجلسون معاً في لحظات المرح والهدوء ،، ويتهامسون معاً في لحظات التخطيط والمناورات ،، ويثقون في نوايا ومقاصد بعضهم البعض وكأنهم يعرفون بعضهم البعض منذ عشرات السنوات ،، وعندما تشتد لحظات العنف والضرب والصدام في ميادين المواجهات يتقدم الشباب السوداني ليحمي ويتقي الأخوات المناضلات الفاضلات بالجوار ،، وبنفس القدر تتجلى تلك الشهامة والرجولة على هؤلاء عندما يصاب أو يقع أحد من المناضلين جريحاً على الأرض ،، حيث يتهافت الجميع للنجدة والإسعاف فوراً ،، وإذا حكم القدر واستشهد أحد الرفاق في لحظات الكفاح والنضال والمواجهات فحينها تجري دموع الأحزان والآلام في أحداق الجميع ،، وبالمختصر المفيد فإن ذلك المراقب الحصيف الذي يشاهد تلك اللحظات الملحمية العميقة الرائعة للشعب السوداني يكاد يجزم ويقسم بالله صادقاً بأنه لا يوجد شعب فوق وجه الأرض شعب يماثل الشعب السوداني في معاني الإخاء والمودة والتضحيات .
ولكن مع الأسف الشديد فإن تلك اللوحة الملحمية الرائعة لا تعرف الديمومة والاستمرارية ،، حيث تختفي تلك المظاهر الأخوية القوية فجأة عن الأوضاع والممارسات السودانية ،، لتحل محلها لوحة أخرى كئيبة سوداء كالحة بكل القياسات ،، حيث تدخل البلاد كالعادة في تلك الدوامة من البكاء والنحيب ،، وكل مرة بعد تلك الانتفاضات البطولية تختفي تلك الوجوه النضالية البريئة الطاهرة لتحل محلها تلك الوجوه الكئيبة النكدة المنكدة ,, وهي تلك الوجوه التي تمثل الوبال والويلات والحسرات في مسار هذه البلاد منذ فجر الاستقلال ،، وجوه لا تعرف إطلاقاً تلك المعاني العميقة للإخاء والمودة ،، ولا تعرف إطلاقاً غير تلك الخلافات والاختلافات والمناوشات والمناكفات السياسية البغيضة الفارغة ،، وفي ظلال تلك الأجواء والأحوال الكالحة السوداء تعودت دولة السودان أن تواصل مشوارها لسنوات وسنوات .
الحادبون من أبناء السودان دائماَ وأبداً يسألون في حيرة ودهشة : ( لماذا تختفي كل مرة تلك اللوحة الملحمية الجميلة الرائعة التي تمثل كافة أبناء السودان كل مرة لتحل محلها تلك الوجوه الكالحة التي تجهل كلياً معاني الإخاء والمودة ؟؟ .. ولماذا لا يكون هؤلاء أبناء السودان الذين يتواجدون في ساحات النضال والمواجهات والمظاهرات هم نفس الأبناء الذين يتواجدون في ساحات الحكم وإدارة البلاد ؟؟ ) ,, وتلك الصورة المتناقضة المعهودة كل مرة بدولة السودان منذ استقلال البلاد تؤكد مائة في المائة بأن هنالك مجموعتان بشريتان تتحكمان في مصير هذه البلاد ،، المجموعة الأولى تتمثل في تلك الفئة البشرية البريئة الفاضلة التي تضحي دائماَ وأبداً من أجل هذا الوطن ومن أجل الآخرين ،، وتلك الفئة تمثل الأبرياء بالفطرة من أبناء السودان ،، وهي تلك الفئة البريئة القانعة التي لا تطمع إطلاقاً في كراسي الحكم بالبلاد في يوم من الأيام ،، ولا تحمل إطلاقاً تلك الأحقاد في أعماق النفوس .. والمجموعة الثانية تتمثل في تلك الفئة البشرية التي تعادل الذئاب في قبائح الصفات ،، ومن المؤسف حقاً أن تلك الفئة الفاسدة المفسدة هي التي تتحكم دائماً وأبداً في مصير هذه البلاد المنكوبة ،، وهي فئة بشرية طوال حياتها لا تعرف غير المنازعات والمناوشات والخلافات والاقتتال .. وتمثل ذلك الجانب الأسود في مكونات المجتمع السوداني .. حيث أن تواجدها في الساحات السودانية كان ومازال يمثل السبب الأساسي في عدم تقدم البلاد نحو الأمام .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة