مثل أمتى مثل المطر...

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-09-2024, 02:39 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2019م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-19-2020, 00:49 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مثل أمتى مثل المطر...

    11:49 PM January, 18 2020

    سودانيز اون لاين
    سيف اليزل برعي البدوي-
    مكتبتى
    رابط مختصر



    جاء في نصوص الكتاب والسنة ما يدل على أن هذه الامة أكمل الأمم وخير أمة أخرجت للناس، ونبيها خاتم النبيين لا نبي بعده، فجعل الله العلماء فيها كلما هلك عالم خلفه عالم، لئلا تطمس معالم الدين وتخفى أعلامه، وكانت القرون الثلاث الأولى هي خير القرون كما في الحديث (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) متفق عليه.

    فهذه الأمة لا ينقطع الخير منها أبداً، فلها دوام الخيرية، فخير الناس على الاطلاق هم قرن الصحابة لما امتازوا به من مزايا لا توجد في غيرهم، وذلك لأنهم شاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم رأوه وآمنوا به، فهم أفضل ممن آمن به ولم يره، وجاهدوا معه وناصروه، ودافعوا عنه بأنفسهم وأموالهم وهاجروا معه، ثم هم الذين تلقوا القرآن وتلقوا السنة، وتلقوا هذا الدين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بلغوه لمن بعدهم بأمانة وإخلاص.
    ومع هذه الخيرية التي امتاز بها قرن الصحابة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن الخير في هذه الأمة مستمر وباق إلى يوم القيامة، وقد شبَّهه بالمطر الذي ينزل في كل وقت وزمان، ولا يدرى أوله خير أم آخره.

    فعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ( مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره ؟ ) رواه الترمذي.

    فدل هذا الحديث في العموم على دوام خير هذه الأمة إلى قيام الساعة، وفيه شبَّه النبي صلى الله عليه وسلم نفعهم في الدين بنفع المطر في الزرع.
    واختلف أهل العلم في المراد بهذا التشبيه الذي ظاهره التردد في الخيرية بين السابقين والمتأخرين.
    فذهب ابن عبد البر رحمه الله إلى ظاهره فقال: لا يمتنع أن يكون في آخر الأمة من يفضل على بعض الصحابة رضي الله عنهم، وذهب آخرون إلى أنه ليس معناه التردد في فضل القرن الأول على الآخر، فإن القرن الأول هم المفضلون على سائر القرون بلا خلاف، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، وبيان شبههم بالمطر أن المطر ينبت الزرع في الأول، وينميه في الثاني، ولا يدرى أن نفعه في الأول أكثر أم في الثاني، وكذا القرن الأول مهدوا قواعد الشريعة وأساسها، والقرن الثاني حفظوها وعمروها وعملوا بمضمونها إلى قيام الساعة، فلا يدرى أن نفع القرن الأول في تمهيد أصل الشريعة أكثر أم نفع القرن الثاني في حفظها، والعمل بها، بل النفع موجود في كليهما من حيث إن أصل النفع في القرنين مشترك وهو دوام توفيقهما للعمل بمقتضى الشرع.
    وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أنه يكون في آخر الأمة من يقارب أولها حتى يشتبه على بعض الناس أيهما خير، كما يشتبه على بعض الناس طرفا الثوب مع القطع بأن الأول خير من الآخر ولهذا قال : لا يدرى.
    والمقصود أن هذا الحديث يحمل في ثناياه بشرى لأهل الايمان بأن الخير باق في هذه الأمة ما دامت السموات والأرض، وأن على المسلم أن يسعى لحمل هذا الخير ونشره بين أهله، حتى ينتفع به الناس كما تنتفع الأرض بماء المطر.
    -----------------------------------------------------------------------------
    استوقفتني قصة عامل محطة الوقود، للكاتب والمبدع. الدكتور/ خالد المنيف، وكثيرا ما يستوقفني إبداع هذا الكاتب.

    كان هناك عامل في محطة الوقود، دوما ما يثير إعجاب كل عملائه، حيث كان يتذكر اسم كل عميل ويناديه بمجرد دخوله المحطة.
    كان العديد من الناس يعتقدون أن هذا الشاب الصغير يملك ذاكرة مذهلة، ولكن ما كان يملكه هذا الشاب بالفعل هو الرغبة في خدمة العملاء، والميل إلى المبادرة.
    فعندما كان يأتي عميل جديد إلى المحطة كان العامل يسأله عن اسمه، ثم يكتب هذا الاسم على غطاء خزان البنزين في سيارته، وفي المرات التالية تصبح اللمسة الشخصية حين يتذكر العامل اسم العميل بمنتهى السهولة بمجرد فتح خزان الوقود في السيارة فقط!

    بإمكانك أيها القارئ الكريم أن تستشعر أثر ذلك الفعل البسيط، وكيف أن هذا العامل تمكن من أن يكسب ود الناس بمجرد البشاشة وتذكر الاسم، وهذا السلوك يعد ذوقا.
    والذوق كما يقول الدكتور/ خالد المنيف: " حالة من السمو والجمال يرتقي بها الإنسان صاحب الذوق إلى مرتبة عالية في سلم الإنسانية".

    وديننا الحنيف هو دين الذوق والإنسانية، فعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: " تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف" متفق عليه.
    وقال تعالى: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" (الحجرات 13).

    ومن الوسائل التي تقوي علاقة المسلم بأخيه: التبسم وطلاقة الوجه، وكما قال ابن عيينة –رحمه الله-: "البشاشة مصيدة القلوب"، وأوصى ابن عمر -رضي الله عنه- ابنه فقال: " بني إن البر شيء هين، وجه طليق وكلام لين"، فالابتسامة: عبادة وصدقة، قال عليه الصلاة والسلام: "تبسمك في وجه أخيك صدقة" (رواه الترمذي)، وقال عليه الصلاة والسلام: (إنكم لا تسعون الناس بأموالكم، ولكن ليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق) رواه مسلم.

    ذلك لأن الناس بفطرتهم يميلون إلى صاحب الوجه البشوش وينفرون دائمًا من صاحب الوجه العابس، فما أهونها من عبادة، وما أجمله من أثر يترك عند من يتلقاها، تطرد وساوس الشحناء، وتغسل أدران الضغينة، وتمسح جراح القطيعة، وبها تتألف القلوب، وعن جرير بن عبدالله -رضي الله عنه- قال: «ما حجبني النبي صلى الله عليه وسلم، ولا رآني إلا تبسم في وجهي» رواه البخاري.

    وهناك حكمة صينية تقول: (إن الرجل الذي لا يعرف كيف يبتسم لا ينبغي له أن يفتح متجرا)، ويؤكد ذلك ما تقوم به الشركات العالمية والمتقدمة من تدريب موظفيها على التعامل مع الزبائن والعملاء، حيث تكون الابتسامة على رأس تلك التدريبات، وهم بذلك يرجون ثواب الدنيا، فكيف بمن يتخلق هذا الخلق رجاء ثواب الدنيا والآخرة!

    فلنتعلم فن الابتسامة وذوقها، ولننشر فن طلاقة الوجه بيننا وفي مجتمعاتنا، وليكن أسلوبنا مفتاحنا الذي ندخل به قلوب البشر بلا استئذان، وليكن البصمة التي تُميزنا عن غيرنا، فما أجمل أن نكون سببًا في إدخال السعادة على القلوب.
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    المراجع:
    - قصة من كتاب موعد مع الحياة، للدكتور/ خالد المنيف، الطبعة الثالثة، سنة 2010
    - كتاب ذوقيات لأناقة الروح والسلوك، للدكتور/ خالد المنيف، الطبعة الأولى، سنة 2015
    --------------------------------------------------------------------------------------------------
    تأتي فريضة الزكاة لتمثل التطبيق العملي (المالي) المترجم للإيمان القلبي بالألفة التي هدى الله بها أمة المسلمين، فالأخوة في الدين لا يمكن تحققها في واقع الحياة إلا بالتشارك في المقوم المادي للحياة وهو المال، لذلك ففريضة الزكاة هي الركن الوحيد من أركان الإسلام الخمسة التي لا تتعلق بنفس المسلم أو أهليته العقلية، ولكنها تتعلق بماله فقط؛ فهي تجب حتى في أموال القصر والمجانين.

    فبعد أن ألّف الله بين قلوب المؤمنين بقوله تعالى: {... لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [سورة الأنفال: 63]، أمر الله تعالى نبيه – صلى الله عليه وسلم - بأن يأخذ الزكاة (أموال الفقراء والمساكين وبقية الأصناف الثمانية) من أوعيتها (أموال الأغنياء) ليردها إلى أهلها وهم الأصناف الثمانية الذين ذكرهم الله في كتابه؛ لذلك فالأخوة في الإسلام ليست مجرد أخوة عاطفية فقط، - كما هي في عصرنا هذا - بل هي أخوة تستوجب آثاراً مادية مالية ملزمة.
    من خلال النظر الدقيق المتمعن في معاني ومدلولات المصطلحات التشريعية لفريضة الزكاة، نجد أن هذه المصطلحات قد نسجت منظومة تشريعية إعجازية في توزيع الثروة بين الأغنياء والفقراء؛ منظومة لا تخطر على قلب بشر في حفظ كرامة ووقار الفقراء والمساكين؛ فآلية تطبيق فريضة الزكاة التي ترجع الحقوق المالية المتعلقة بذمم الأغنياء ابتداء إلى أصحابها الشرعيين مآلاً، بنيت على فلسفة إثبات الملاك الحقيقين لأموال الزكاة أولاً، ثم تحديد المسؤول الرئيسي عن تطبيق فريضة الزكاة ثانياً، وذلك لضمان وصول الأموال إلى أصحابها من الفقراء والمساكين ومصارفها الثمانية مع حفظ كرامتهم بصورة معجزة، وهو ما نفصله كالتالي:

    مصطلحات تشريعات الزكاة في الكتاب السنة:
    المتتبع للمصطلحات الواردة في الكتاب والسنة في تشريع فريضة الزكاة، يجدها محصورة في خمسة مصطلحات، تمثل مجتمعة آلية معجزة في التشريع من حيث الإقرار، وآلية معجزة في فلسفتها في آلية التطبيق، وفي الحفاظ على كرامة الفقراء والمساكين، فمصطلحات الزكاة في الكتاب والسنة لا تخرج عن المصطلحات الخمسة التالية: (حق، معلوم، آتوا، خذ، رد).
    فالمصطلح الأول وهو (الحق) يخاطب به الجميع كتشريع لإثبات الحق، وهو عين مال الزكاة.
    والمصطلح الثاني: (المعلوم) وهو لتحديد مقدار نسبة الحق، الذي يعرف به مقدار الزكاة، قال تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ} [سورة المعارج:24].
    والمصطلح الثالث: الإيتاء (آتوا) هو أمر من الله للأغنياء بأن يأتوا بمال الزكاة إلى السلطان المسلم، فالمخاطب به من جعلهم الله أوعية للزكاة وهم الأغنياء.
    والمصطلح الرابع هو: الأخذ في قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [سورة التوبة:103].
    والمصطلح الخامس هو: الرد، في قوله -صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: ((فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم)).
    والمصطلحات الثلاثة الأخيرة مجتمعة تمثل الآلية التشريعية لإقامة الزكاة، ويمكننا القول هذه المصطلحات الثلاثة (الإيتاء، والأخذ، والرد) تمثل أركان قيام فريضة الزكاة في وضعها الطبيعي، أي في حال قيام الأغنياء بإيتاء الزكاة طواعية إلى الحاكم المسلم تعبداً لله تعالى.
    أما في حال منع أو تقاعس الأغنياء عن إيتاء الزكاة، فإن الزكاة تقام على ركنين فقط، وهما: (الأخذ، والرد)، وذلك عندما يأخذ الحاكم أموال الزكاة من الأغنياء جبراً عنهم؛ لذلك فالمكلف الرئيسي في القيام بتطبيق فريضة الزكاة هو الحاكم المسلم؛ كونه مخاطباً بالركنين الأساسيين لإقامة فريضة الزكاة، وهما: (الأخذ، والرد)، الواردان في حديث سيدنا معاذ رضي الله عنه: ((تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم)) [متفق عليه]، وسنسلط الضوء على الإعجاز المقاصدي لكل مصطلح كما يلي:

    1) مصطلح الحق:
    قال تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ} [سورة المعارج:24]، ذكر القرطبي في تفسيره أنه يريد الزكاة المفروضة، لأنه وصَفَ الحق بأنه معلوم، وسوى الزكاة ليس بمعلوم، نقل ذلك عن قتادة وابن سيرين، وقد جعل الله تعالى هذا الحق فريضة ملزمة قطعية الثبوت والدلالة فهي أحد أركان الإسلام الخمسة، وحكمها الوجوب الملزم ولو جبراً، ويمثل هذا المصطلح (الحق) تشريعاً لإثبات حقوق الأصناف الثمانية في أموال الأغنياء من حيث إقرار التشريع ابتداءً، أي أن في أموال الأغنياء حقا لإخوتهم المسلمين ككيان وكأفراد، فالأغنياء مجرد أوعية للزكاة فقط، فقد ابتلاهم الله بالغنى، فجعلهم أوعية لرزقه سبحانه وتعالى ، فمن كرمه أنه خفف عليهم الابتلاء، عندما جعل جل ما ينزل في أوعيتهم من رزقه هو لهم، وهو ما نسبته سبعة وتسعون ونصف في المئة (97.5%)، أي تسعة وثلاثين دينارا من كل أربعين دينار، وما جعله الله في أوعيتهم لإخوانهم الفقراء والمساكين من المسلمين هو ربع العشر فقط، أي دينارا واحدا فقط من كل أربعون دينار، وهو ما نسبته اثنان ونصف في المئة (2.5%) .
    ومال الزكاة هو حق ثابت في ذمة الغني، وهو في حكم الأمانة من وجهة نظر الباحث، ولا يجوز له عدم الإيتاء به لأي سبب من الأسباب، أي أن هذا الحق لا يدخل ضمن حقوق الأغنياء، والأدلة ما يلي:
    - أن هذا الحق والذي يمثل نسبة من المال يبقى ديناً في ذمة الغني لا يسقط أبداً.
    - أنه يفسد ماله في الحياة الدنيا، ويكون ماله في الآخرة (شجاعا أقرع)، أي ثعبان عظيم، يطوقه يوم القيامة، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((ما من أحد لا يؤدي زكاة ماله إلا مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع، حتى يطوق عنقه ثم قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مصداقه من كتاب الله تعالى ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله الآية)).
    - أنه لا ينقص من مال الغني شيء فعلاً، بعد أن يؤتي الزكاة، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما نقصت صدقة من مال وما زاد رجلا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه)).
    - أن هذا الحق هو حق وملك ثابت لمستحقيه وهم الأصناف الثمانية المذكورون بالآية الكريمة، فهو يثبت لهم بمجرد اكتمال شروط الزكاة في مال الغني، كثبوت مال الإرث للورثة بمجرد وفاة المورث، ولا ينتقل الحق إلى ذمة ‌‌أي شخص لا طبيعي كشخص الحاكم ولا اعتباري كشخص الدولة، أو حتى بيت الزكاة نفسه، وسيتضح ذلك البيان الإعجازي في التشريع ومقاصده من خلال شرح مصطلح الرد.

    2) مصطلح (معلوم):
    قال تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ} [سورة المعارج 24]، وهذا المصطلح (معلوم) هو المحدد والمبين لمقدار الحق، فوجود الحق ابتداءً يقتضي ويستوجب معرفة مقدار هذا الحق، لأن طبيعة الوجوب الملزم تستوجب معرفة دقيقة لماهية الحق ابتداءً، فتحديد مقدار الحق بدقة، هو المبرر الشرعي للإلزام القضائي، والمقبول عقلاً وعرفاً في إجبار من عليه الحق أن يلتزم بأداء ذلك الحق، ومصطلح (معلوم) في الآية الكريمة هو مقدار مال الزكاة. يقول ابن العربي في تفسيره المسمى أحكام القرآن، في قوله تعالى : {والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم} والحق المعلوم هو الزكاة التي بين الشرع قدرها وجنسها ووقتها، فأما غيرها لمن يقول به فليس بمعلوم ; لأنه غير مقدر ولا مجنس ولا مؤقت.

    3) مصطلح الإيتاء (آتوا):
    قال تعالى {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [سورة البقرة:43، 83،110]، [سورة النساء:77]، [سورة النور:56]، [سورة المزمل: 20]، نجد أنه سبحانه وتعالى لم يكلف أو يأمر الأغنياء بإقامة الزكاة إقامة تامة، مثلما أمرهم وغيرهم بإقامة الصلاة، فالمعلوم أن الإقامة تعني تمام عمل الشيء من بدايته إلى نهايته، فإقامة الصلاة تبدأ بتكبيرة الإحرام وتنتهي بالسلام، وإقامة الزكاة تبدأ بالإيتاء أو الأخذ، أي يؤتوها لولي أمر المسلمين أو أن يأخذها منهم عنوة؛ حيث لا يتوقف إقامة الزكاة على انتظار الأغنياء إلى أن يأتوا بأموال زكاة، بل إن الحاكم مكلف أن يأخذها جبراً وعنوة منهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((.. من أعطاها مؤتجرا فله أجرها ومن منعها فإنا آخذوها وشطر إبله عزمة من عزمات ربنا تبارك وتعالى لا يحل لآل محمد منها شيء)).
    وهناك فرق بين الإيتاء وبين القيام، حيث أمر الله في كتابه العزيز أغنياء المسلمين بأمر الإيتاء بالزكاة إلى الحاكم فقط، ولم يأمرهم بأن يقيموها، فالقيام هو فعل الشيء كاملاً من بدايته إلى منتهاه، فالشخص المسلم أُمر بإقامة الصلاة مباشرة؛ لأنها حق الله القوي العزيز على عبادة الفقراء إليه؛ فإقامة الصلاة لا تولد علواً أو كبراً، لأن المكلف بالصلاة هو الأدنى الشخص المسلم تجاه الأعلى وهو الله سبحانه وتعالى، أما الزكاة فلم يأمر الله الأغنياء بالقيام بها، أي لم يأمرهم بدفعها إلى مستحقيها مباشرة، قال تعالى: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ } [سورة البقرة:43]؛ وذلك لعدة مقاصد، معنوية وحقوقية ومعرفية:

    - فالمقصد المعنوي المعجز، وكأنه الأهم؛ وهو أن تصل أموال الزكاة إلى مستحقيها دون منة أو أذى، لأن الأغنياء إذا أمروا بإقامة الزكاة على غرار أمرهم بإقامة الصلاة؛ ستكون أيديهم هي العليا وأيدي الفقراء ستكون السفلى، عندها سيزيد في نفوس الأغنياء الشعور بالكبر والعلو المعنوي على الفقراء، فتضاف إلى بيئة علوهم المادي - كونهم أغنياء – بيئة علو معنوية، وهذا الوضع سيعزز العلو في نفوس الأغنياء من جهة، وسيخلق المسكنة والشعور بالضعف والحاجة في نفوس الفقراء؛ فتحدث هوة معنوية بين الأغنياء والفقراء بالإضافة إلى الهوة المادية، وسيصح الغنى عزة والفقر مذلة، فينتفي الإحساس بشعور الأخوة في الدين بين المسلمين، بسبب زيادة التفاوت الطبقي، مما يؤدي إلى تحول المجتمع المسلم من مجتمع مبني على الأخوة التي أسسها النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، إلى مجتمع مبني على السيد والمسود؛ فالمشرع الحكيم لم يأمر الغني بإقامة الزكاة بنفسه حتى لا تهيئ للأغنياء بيئة الطغيان، التي قد تعتري أصحاب الأموال الطائلة، فكأن ذلك تحصيناً لهم من الوقوع في فتنة العلو والكبر ، وكذلك لم يأمر الله الفقراء بأن يطلبوا أموال الزكاة من الأغنياء؛ لنفس المقاصد المذكورة.
    - أما المقصد الحقوقي، فهو أن يعلم الغني أن يده على أموال الزكاة ليست يد تصرف حتى يتمكن من إقامة الزكاة بنفسه، فأموال الزكاة التي في ماله ليست ملكاً خاصاً به كبقيه أمواله، وإنما هو مجرد يد أمانة، تمثل أحد أوعية رزق الله في أرضه، فالله هو الرازق، والمال في الأصل هو مال الله، فكل رزق جعله الله في أيدي الأغنياء من عباده، يتضمن ما نسبته (ربع العشر/ 2.5%) وهو نسبة ما يملكه أصحاب بالأصناف الثمانية، تثبت ملكيتهم لها بمجرد ما يصبح الغني غنياً؛ والشاهد على أن أموال الزكاة ليست ملكاً للأغنياء هو أنها تأخذ منهم جبراً في الدنيا، وأن مانعي الزكاة تحول عليهم يوم القيامة إلى صفائح من نار يكوون بها حتى يُقضى بين العباد.

    - والمقصد المعرفي، يظهر كمتطلب لإيصال أموال الزكاة إلى أصحابها، وهو المعرفة التامة بمستحقي الزكاة من الأصناف الثمانية، ويعتبر شرط وجوب رد لإقامة الزكاة، وهذا الشرط يستحيل تحققه في حال قيام الغني بإقامة الزكاة بنفسه؛ لأن تحقق هذا الشرط يقتضي المعرفة التامة بأحوال أصحاب الزكاة (الأصناف الثمانية) وأيهم الأكثر استحقاقاً للنصيب الأكبر أو العكس، والفرد المسلم الغني كونه شخصاً عادياً يستحيل أن يعلم حالة عموم المسلمين حتى يتمكن من رد أموال الزكاة لأصحابها؛ لذلك أمره الله العليم بأن يقوم بخطوة أولى من إقامة الزكاة وهي الإيتاء تعبداً لله تعالى، بأن يأتي بمال الزكاة إلى من هو أعلم منه بحالة الأصناف الثمانية وهو الحاكم، لأن وظيفة الحاكم هي رعاية شؤون المسلمين، ومعرفة أحوالهم هي من متطلبات وظيفته؛ لذلك فالحاكم هو من يعلم مستحقي الزكاة بحكم وظيفته.

    4) مصطلح (الأخــذ):
    وهو الركن الأول من ركني إقامة الزكاة، قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [سورة التوبة:103]. وتفسير هذه الآية يتضح في التطبيق العملي لمرادها بقوله -صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: ((فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم)) وفي لفظ لمسلم: ((... فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم زكاة تؤخذ من أموالهم فترد على فقرائهم))، فالأخذ يمثل الأمر التنفيذي لجباية الزكاة، سواء كان بأخذها من الأغنياء طوعاً في حال إتيانهم بها تعبداً، أو أخذها منهم جبراً في حال تقاعسهم عن أدائها.

    5) مصطلح (الرد):
    وهو الركن الثاني من ركني إقامة الزكاة، وهو مكمن الإعجاز التشريعي الذي حفظت به كرامة الفقراء والمساكين، فقول النبي -صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: ((تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم)) وفي لفظ لمسلم: ((تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم)) يثبت إثباتاً لا يعتريه الشك أن (أموال الزكاة) هي في الأصل ملكٌ لأصحابها الشرعيين (الأصناف الثمانية)، جعلها الله في أيدي إخوتهم الأغنياء، وتمثل الحق الشرعي المالي لرابط الأخوة في الإسلام، على غرار الحقوق المالية التي أثبتتها الشريعة لرابط الأخوّة في النسب من خلال أحكام المواريث.

    ويتجلى الإعجاز في قوله صلى الله عليه وسلم: (وترد على فقرائهم)، في رواية البخاري، و(فترد في فقرائهم)، في رواية مسلم، فقوله - صلى الله عليه وسلم- (ترد على)، (وترد في)، لها عدة دلالات، منها: أن رد الشيء يدل على الملكية السابقة للشيء للشخص المردود إليه ذلك الشيء، بعكس العطاء مثلاً، فلو وضعنا مصطلح العطاء مكان مصطلح الرد، لدل ذلك على أن أصل ملكية الشيء تكون للمعطي، ولا تنتقل الملكية للمعطى إليه إلا بعد العطاء، ويدل على أن يد المعطي هي الأعلى، ويد الآخذ هي السفلى، وهذا بعكس مصطلح الرد الوارد في الحديث الصحيح، فبالإضافة إلى ثبوت ملكية أموال الزكاة للفقراء وبقية الأصناف الثمانية ابتداء، فإن الرد يدل على أن اليد التي تقوم برد أموال الزكاة إلى أصحابها (يد السلطان) ليست في وضع اليد العليا، التي تقتضي أن اليد المردود إليها تكون السفلى، بل بالعكس، فإن الرد يقتضي أن تكون يد السلطان هي يد الأجير، أو الوسيط، الذي وضع في منصب الحاكم ليرد الحقوق الشرعية إلى أصحابها، بل قد تكون الأيدي – أيدي الفقراء والمساكين- التي ترد إليها أموالها (أموال الزكاة) هي بمثابة اليد العليا، خاصة إذا كان الحكام يبايعون أو ينتخبون من قبل شعوبهم، فلسان حال الحاكم تقول للفقراء عندما يرد لهم أموالهم: هذه أموالكم التي فرضها الله لكم، أخذتها لكم من الأغنياء بقوة السلطان الذي منحتموني إياه بمبايعتكم أو بانتخابكم لي حاكماً لكم.
    والملاحظ أن الشخص المسلم الغني لم يؤمر بإقامة فريضة الزكاة، لأنها تتعلق بحقوق مالية لثمانية أصناف لا يستطيع معرفة من هو الأكثر حاجة لها منهم، وإنما كلف بإقامتها الذي يعلم بهم وحاجتهم بحكم مسؤوليته عنهم وهو الحاكم، فهو من كلفه - بل أمره - الله بذلك (الأخذ ابتداء، والرد انتهاءً).
    _________________
    المصدر: اليافعي، محمد، رسالة دكتوراه" الصندوق العالمي للزكاة، أسسه العقدية وآثاره الاقتصادية" جامعة محمد الخامس الرباط 2018م.
    ----------------------------------------------------------------------------------------------------
    مما يميز الإسلام عن بقية الأديان أنه دين الكمال ( عقيدة وشريعة ومكارم أخلاق)، عقيدة عمل قلبي بين المسلم وربه، وشريعة تنظم الحقوق الواجبة بين المسلمين من جهة وبينهم وبين غيرهم من جهة أخرى، ومكارم أخلاق تحث على الفضل والإيثار في القول والعمل، قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) (سورة المائدة:3)، فهو الدين الخاتم الذي ارتضاه الله لعباده إلى أن يرث الأرض ومن عليها.

    ومما يعكس كمال الإسلام ويجسد تمامه تنظيمه لأدق تفاصيل حياة الإنسان، روحية كانت أو حسية، بدءا بعلاقته بخالقه وانتهاء بنفسه ومجتمعه، فعلاقة الإنسان بربه تتجسد في الإيمان والعبادات، وعلاقته بنفسه ومجتمعه تتجسد بالمعاملات وحسن الخلق، وهذا يعني أن الاعتقاد والعمل بينهما تلازم لا ينفك أحدهما عن الآخر، فلا عقيدة صحيحة بدون عمل، كما أنه لا عمل يقبل إلا بعقيدة صحيحة، قال تعالى : (مَنْ عَمِلَ صالحا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوٰةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (سورة النحل: 97)، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنّما الأعْمَالُ بالنّيات، وإِنّمَا لِكل امْرِئٍ ما نَوَى).

    فالله – جل وعلا – بعث الرسل – عليهم الصلاة والسلام – بعقيدة يجب أن يؤمنوا بها، وبشريعة يجب أن يعملوا بها ويسيروا عليها. وهذا عام لجميع الرسل.

    فالإسلام عقيدة وشريعة ( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ ) (سورة آل عمران19)، فجميع الرسل والأنبياء بُعثوا بهذا الدين العظيم (الإسلام) ، بتوحيد الله وطاعته، وتعظيم أمره ونهيه، واتِّباع ما شرع، وترك ما نهى عنه، كلهم بعثوا بهذا قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) (سورة النحل: 36)، وقال تعالى : ( رُسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ) (سورة النساء: 165).

    إذن لا بد من الإيمان بمحمد – صلى الله عليه وسلم – واتباعه، فقد بعثه الله –جل وعلا – بعقيدة وشريعة، عقيدة لا بد من الإيمان بها في القلوب، بيَّنها في القرآن جل وعلا، في آيات كثيرة ، ومن تدبر القرآن عرف هذه العقيدة ( يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُم لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (سورة البقرة: 21)، ( وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) (سورة الذاريات: 56)، ( لَيْسَ البِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي البَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ البَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ ) (سورة البقرة: 177)، آيات كثيرة بيَّن فيها – عز وجل – ما شرعه لنبيه صلى الله عليه وسلم، وما بعثه به .

    والتّلازم بين العقيدة والشريعة ظاهر في عَقْد الإيمان وفي أصل الديانة؛ لأن الشهادتين - شهادتي أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله - كل منهما تفيد التلازم بين الاعتقاد والعمل، بين العقيدة الصحيحة وبين شرائع الإسلام، وكذلك فيما بين الشهادة الأولى والشهادة الثانية تلازم بين الاعتقاد والعمل والشريعة، فشهادة أن لا إله إلا الله معناها: لا معبود بحق إلا الله جل وعلا، وهذا النفي لأحقية معبود للعبادة غير الله جل وعلا يقتضي أن هناك عبادة، والعبادة لا تصح إلا بعقيدة بإخلاص وبتوحيد، والعبادات مختلفة، فدلّتنا كلمة التوحيد على الارتباط العظيم ما بين العقيدة والتوحيد وما بين الشرائع والعبادات، وكذلك شهادة أنّ محمدا رسول الله التي معناها أنك تقرّ وتوقن وتعلم وتخبر بأن محمدا بن عبد الله الهاشمي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو رسول الله وخاتم الأنبياء وخاتم المرسلين، ومقتضاها تصديقه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ فيما أخبر وطاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَم، فقولنا في مقتضاها تصديقه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ فيما أخبر هذا متصل بالاعتقاد، فكل ما أخبر الله جل وعلا به فواجب تصديقه؛ لأن الله سبحانه هو أصدق القائلين قال تعالى:(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا ۚ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا) (سورة النساء: 122)، ولا أحد يخبر عن الله جل وعلا وعن خلقه بأصدق من الله سبحانه وتعالى، كذلك نبيه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ يخبر بوحي من الحق جل وعلا، قال تعالى: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ )(سورة النجم: 3-4).

    ووجه تحقيق التلازم بين العقيدة والشريعة يكون من جهتين:
    الأولى: أن هذا الشمول جاء من الله سبحانه رحمة لعباده كما دلت عليه الآية الكريمة في قوله تعالى:( وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ )(سورة النحل: 89)، فأسماء الله وصفاته تقتضي أن يكون الدين شاملا.
    الثانية: أن الأحكام الفقهية التفصيلية والدقيقة ترتبط بالعقيدة: فمثلا الآية التي تثبت كمال الدين وشموله في قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (سورة المائدة: 3).

    فذكر الله جملة من التفصيلات لأحكام شرعية من جانبين هما: الأول: متعلق بالشريعة، والثاني: متعلق بالعقيدة، فالجانب المتعلق بالشريعة يبين أحكام ذبائح نجسة ضارة، وأنواع وأشكال الميتة: مرة بالضرب، وأخرى بالخنق، وثالثة بالسوط، ورابعة بالنطح في قوله: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ....) (سورة المائدة: 3)، وكذلك في الآية بيان لقاعدة فقهية، وهي: الضرورات تبيح المحظورات، وذلك في قوله تعالى:( ...فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )(سورة المائدة: 3).
    والجانب المتعلق بالعقيدة: نهى الله عن الشرك، بأن يعتقد الإنسان بغير الله بقولة تعالى: ( وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا )(سورة المائدة: 3).
    فالشريعة مرتبطة بالعقيدة بالعمل، من جهة أن العمل منشؤه العقيدة، وأن العقيدة تزيد بزيادة العمل وتنقص بنقصانه، فالاعتقاد أهله ليسوا في أصله سواء، وإنما يختلفون فيه بقدر ما في قلوبهم من اليقين الذي يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
    ولهذا كان من عقيدة أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح بما دلتهم عليه النصوص من الكتاب والسنة الكثيرة والمعروفة في مواضعها، كان من اعتقادهم أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، الإيمان بالله يزيد بالعمل وينقص بالعصيان أو بترك العمل الواجب.
    ---------------------------------------------------------------------------------------
    عندما يختار الناس عدم الإيمان بالله، فإنهم لا يؤمنون بعد ذلك بلا شيء، إنما يصبحون قادرين على الإيمان بأي شيء" (ينسب إلى جيلبرت كيث تشيسترتون).

    أدى التحول الدراماتيكي نحو الأسوأ في تطور الإنسانية والتقدم المذهل في العلوم والتكنولوجيا إلى إثارة جدال ساخن بين المفكرين والكتاب الكبار في القرن العشرين، والمناقشة حول تأثيرها العميق، على كل من الإنسان والبيئة؛ لا سيما فيما يتعلق الأمر بالدور الرئيسي الذي لعبه الغرب وما زال يلعبه، دورا مثيرا ومحفوفا بالمخاطر.

    من الواضح أنه لا ينبغي أن يكون هناك استهانة بالدور الذي لعبته التكنولوجيا الحديثة - التي نشأت معظمها في الغرب - والتي حققت نجاحات ملحوظة وقدمت خدمة إنسانية للبشرية ككل، في كل مجال من مجالات النشاط البشري تقريبًا.

    مما لا شك فيه، أن "المحرك التكنولوجي نفسه الذي منحنا أجهزة iPhone وخدمات البث قد قلص الفقر المدقع في العالم إلى النصف. نفس تسونامي من البيانات التي أحدثت الثورة في الطب، مع تطور الحديث، تصلنا الأخبار على مدار 24 ساعة في نفس اللحظة من حدوثها. نبصق ونحصل على تاريخنا الوراثي، ونضغط على زر ونصل إلى جميع المعارف الإنسانية، ونبحر في جميع أنحاء العالم على شاشة بحجم ست بوصات.

    وعلى منظور آخر، يمكن للمرء أيضا أن يرى هذا على أنه نعمة مختلطة، ويسأل نفسه عما إذا كان من غير الممكن، في خضم حياتنا الرقمية، أن يكون أحلك وأسرع انتصار لوادي السيليكون هو دمج التقنيات الشخصية التي تحسن كفاءتنا مع التقنيات الشخصية التي تغير إنسانيتنا؟ وما إذا كان لا يزال لدينا سيطرة على هذه الوتيرة السريعة للتطور بحيث نضمن نحن- والحواسيب الفائقة المستقبلية والقوية - توجيه البحث بطريقة نجني فوائد مذهلة ومستمرة من التقدم التكنولوجي مع تجنب المزالق المحتملة؟

    هكذا، وبفائدة أقل بكثير من الإدراك المتأخر من فرانكلين فوير والعديد من العلماء المعاصرين الآخرين، ولكن مع مزيد من التبصر، تناول الحائز على جائزة نوبل ألكسندر سولجينتسين هذا الموضوع ببلاغة في خطابه التاريخي الذي ألقاه أمام جمع غفير في جامعة هارفارد الأمريكية المرموقة عام 1978 - في وقت كانت فيه الحرب الباردة بين الشرق والغرب في ذروتها، وبعد أربعة أعوام فقط من ترحيله من الاتحاد السوفيتي الشيوعي آنذاك إلى الغرب. وأشار أن الدفاع عن الحقوق الفردية في المجتمعات الغربية قد وصل إلى أقصى درجاته بحيث جعل المجتمع ككل أعزل أمام بعض الأفراد، وتم منح الحرية التدميرية وغير المسؤولة مساحة لا حدود لها. ويؤكد أن هذا الميل من الحرية في اتجاه الشر "قد تحقق تدريجياً، لكنه من الواضح أنه ولد في المقام الأول من مفهوم إنساني وخيّر ينص على أنه لا يوجد شر ملازم للطبيعة البشرية. الكفاح من أجل كوكبنا، الجسدي والروحي، معركة ذات أبعاد كونية، ليس مسألة غامضة للمستقبل؛ ولقد بدأت بالفعل. بدأت قوات الشر هجومها. يمكنك أن تشعر بالضغط منها، ولكن الشاشات والمنشورات مليئة بالابتسامات والنظارات المندهشة. لماذا هذا الفرح؟

    سأل الفيلسوف الروسي بعد ذلك كيف نشأت هذه العلاقة غير المواتية للقوات، وكيف تراجع الغرب من مسيرته المنتصرة إلى مرضه (الحاضر)؟ أجاب بالقول إن الغرب وجد نفسه في مثل هذه الحالة ليس بسبب وجود تحولات قاتلة مفاجئة وفقدان في اتجاه تطورها، حيث أنه واصل التقدم اجتماعيًا وفقًا لنواياه المعلنة بمساعدة التقدم التكنولوجي الرائع. بدلاً من ذلك، الخطأ، حسب قوله، يجب أن يكون في الأساس، في أساس الفكر الإنساني في القرون الماضية. وكان يقصد على وجه التحديد النظرة الغربية السائدة للعالم والتي ولدت لأول مرة خلال عصر النهضة ووجدت تعبيرها السياسي منذ فترة التنوير، والتي "أصبحت أساسًا للحكم والعلوم الاجتماعية ويمكن تعريفها على أنها إنسانية عقلانية أو حكم ذاتي انساني: الحكم الذاتي المعلن والمنفذ للإنسان من أي قوة أعلى. يمكن أن يطلق عليه أيضًا مركزية الإنسان، حيث يُنظر إلى الإنسان على أنه مركز كل شيء موجود".

    ونتيجة لطريقة التفكير الجديدة هذه التي أدخلتها عصر النهضة، يقول سولجينتسين "إن الحضارة الغربية أصبحت تأسَّسُ على الاتجاه الخطير لعبادة الانسان واحتياجاته المادية"، وكل شيء ما عدا الرفاهية وتراكم البضائع المادية، من المتطلبات والخصائص الإنسانية ذات طبيعة عليا تبقى خارج نطاق اهتمام الدولة والنظم الاجتماعية، كما لو أن الحياة البشرية لم يكن لها أي معنى متفوق".

    ثم حذر الفائز بجائزة نوبل في الأدب من كارثة تلوح في الأفق والتي كانت مستمرة لبعض الوقت، وهذه هي كارثة الوعي الإنساني غير الروحي وغير الديني. وأوضح ذلك بقوله أنه أثناء المسيرة من عصر النهضة إلى أيامنا هذه، قمنا بإثراء تجاربنا، ولكنا "فقدنا مفهوم الكيان الأعلى الكامل الذي كان يقيد عواطفنا وعدم المسؤولية لدينا" فبالتالي فقط أدركنا أننا محرومون من أهم شيء لدينا: حياتنا الروحية ". ويوضح أنه في الشرق يتم تدمير حياتنا الروحية من خلال تعاملات ومكائد الحزب الحاكم. وفي الغرب، المصالح التجارية تخنق حياتنا الروحية. وبالتالي، فإن الانقسام في العالم "أقل فظاعة من تشبيه المرض الذي يصيب أعضائه الرئيسية".

    في ختام كلمته - التي لا تزال ذات صلة ملفتة للنظر اليوم، بصرف النظر عن حقائق انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991 وما تلاه من زوال الشيوعية - أدلى سولجينتسين بملاحظة أنه ان لم يكن العالم قد وصل الى نهايته، فقد اقترب من منعطف كبير في التاريخ "مساوٍ لأهمية التحول من العصور الوسطى إلى عصر النهضة"، وإذا أردنا إنقاذ الحياة من تدمير الذات، فيجب أن تكون هناك طفرة روحية، حيث يجب على البشر أن يرتقوا إلى نظرة جديدة لحياتهم الروحية، إلى "مستوى جديد من الحياة بحيث لن يتم لعن طبيعتنا المادية كما هو الحال في العصور الوسطى، ولكن الأهم من ذلك، لن يتم دس كائننا الروحي كما في العصر الحديث". وأكد أن هذا الصعود "سيكون مشابهًا للصعود إلى المرحلة الأنثروبولوجية التالية. لم يبق لأحد على وجه الأرض أي طريقة أخرى الا الطريقة التصاعدية (الارتقاء الروحي)".

    اليوم، ربما أكثر من أي وقت مضى، الإنسانية في خضم موجة من المد والجزر من التغيير. يعتقد سولجينتسين وبعض الكتّاب المبدعون والبارعون الآخرون - مثل يوفال نوح حراري وجوناه غولدبرغ وقبلهم جميعًا، الجزائري مالك بنابي – الحال الراهن هي عرض من أعراض الانتقال إلى المرحلة التالية في تاريخ البشرية.

    الآن، وبعد أن تم تشخيص ورطة البشرية الحالية، فإن السؤال الملح الذي يُطرح بإلحاح متزايد هو كيف يمكن للبشرية أن ترتفع إلى مستوى التحدي الكبير المتمثل في تقديم وصفة طبية لعلاج الأمراض متعددة الجوانب التي تهدد بقاءنا وفي نفس الوقت الانتقال بحكمة إلى الأمام في عالم معقد بشكل متزايد؟

    في كتابه الأخير، حراري يقدم ملاحظة وهو محق أن هناك اليوم حضارة واحدة فقط في العالم. ويوضح أنه قبل عشرة آلاف سنة كانت البشرية مقسمة إلى قبائل معزولة لا تعد ولا تحصى، ولكن مع مرور كل ألف عام، اندمجت هذه المجموعات الصغير في مجموعات أكبر، وتم تكون حضارات متميزة كبرى. بعد ذلك، وبشكل بارز في الأجيال الأخيرة، تم اندماج الحضارات القليلة المتبقية في حضارة عالمية واحدة. وعلى الرغم من استمرار "الانقسامات السياسية والعرقية والثقافية والاقتصادية، إنها لا تقوض الوحدة الأساسية".

    برفضه للأطروحة "المضللة" لـ "تصادم الحضارات"، هو يعتقد أن الجنس البشري بات يفقد ثقته في القصة الليبرالية التي هيمنت على السياسة العالمية في العقود الأخيرة، بالضبط عندما يواجه دمج التكنولوجيا الحيوية وتكنولوجيا المعلومات أكبر التحديات التي تواجهها البشرية من أي وقت مضى. حراري مقتنع بأن "أي قصة تسعى إلى الحصول على ولاء الإنسانية سيتم اختبارها قبل كل شيء في قدرتها على التعامل مع الثورتين في تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا الحيوية". وفقًا لذلك، يستنتج أنه "إذا كانت الليبرالية أو القومية أو الإسلام أو بعض العقائد الجديدة ترغب في تشكيل عالم عام 2050، فلن تحتاج فقط إلى فهم الذكاء الاصطناعي وخوارزميات البيانات الضخمة والهندسة الحيوية – ولكنها بحاجة أيضا إلى دمجها في سرد جديد ذات معنى".

    من جانبه، فإن جونا جولدبرج، بناء على الأبحاث والنظريات التي قام بها العشرات من علماء الاجتماع والمؤرخين والاقتصاديين، يعتبر الحالة في أمريكا والديمقراطيات الأخرى في خطر لأنهم فقدوا الرغبة في الدفاع عن القيم والمؤسسات التي تدعم الحريات والازدهار. ويقول إنه لكي يتجنب الغرب "الانتحار" ويبقى على قيد الحياة، يجب أن نجدد شعورنا بالامتنان لما قدمته لنا حضارتنا وأن نعيد اكتشاف مُثل وعادات القلب التي أخرجتنا من الوحل الدموي في الماضي، والا سنعود إلى الوحل مرة أخرى". وبعبارة أخرى، فهو يدعو إلى العودة إلى القيم الأساسية المحافظة.

    والأهم من ذلك، أن جولدبيرج يقدم ملاحظة مهمة تم التغاضي عنها "بشكل غريب" في جميع مراجعات الكتب تقريبًا، على الرغم من أنها تشكل الموضوع الرئيسي لاستنتاج الكتاب بعنوان "الرفض خيار"؛ أي هو "سواء كنت تؤمن بالله أم لا، فالحال اليوم هو أن فكرة الله تقلصت في المجتمع وفي قلوبنا". وقد أثر هذا بدوره إلى حد كبير على الأفراد والمجتمعات على حد سواء من تأثير "الخوف من الله"، وهو أن الله يراقبك حتى عندما لا يكون الآخرون كذلك. يمكن تبرير تماماً رؤية غولدبرغ لهذه الفكرة باعتبارها أعظم فحص لرغبة الإنسان الطبيعية في الاستسلام لمشاعر المرء وفعل ما يشعر به بالرضا أو حتى ما يشعر أنه "الصواب"؛ وعلى هذا النحو، فهي "أقوى قوة حضارية في تاريخ البشرية كله". هذا التطور السلبي، كما يوضح جولدبرج، يخلق فرصة لجميع أنواع الأفكار لتغمر فينا، ومن ثم الاتفاق على القول المأثور المعروف والمنسوب إلى جيلبرت كيث تشيسترتون: عندما يختار الناس عدم الإيمان بالله، فإنهم لا يؤمنون بعد ذلك بأي شيء، ثم يصبحون قادرين على الإيمان بأي شيء.

    الخيط المشترك والمتكرر في الأفكار الكبيرة أعلاه هو الاعتقاد بأن الحضارة بلا دين مصيرها النهاية. هذه حقيقة تاريخية مثبتة تم توثيقها على نطاق واسع؛ لذلك أنا على قناعة بأن العالم لا يزال منقسمًا، ولكن ليس بالضبط على غرار خطوط الحرب الباردة لسولجينتسين. لا شك أن القرن العشرين كان مهد ومقبرة جميع الأيديولوجيات. ومرة أخرى، يأخذ التاريخ منعطفًا غير متوقع: آخر ضحاياه، وآخرهم من الماويشيين الأيديولوجيين، هي الليبرالية الآن، التي لم يمض وقت طويل - بعد أن وجهت ضربة قاضية بنجاح لمنافسها الشيوعي - بدت كأنها سوف تدوم إلى الأبد.

    الانقسام اليوم هو بشكل أساسي هو انقسام بين المؤمنين وغير المؤمنين. إذا كان الأمر كذلك، فالسؤال الكبير الذي يجب طرحه هو أمر لا مفر منه: كيف يمكننا أن نجد أفضل السبل والوسائل للعيش معًا في سلام، من خلال التوفيق بين العلم والعقل والإيمان، وبالتالي سد الفجوة المتسعة بشكل خطير بين هذين المكونين في الحضارة العالمية الوحيدة التي توجد اليوم في عالم سريع التغير ومترابط بإحكام؟
    --------------------------------------------------------------------------------------------------------
    لا يخلو أي شخص من لحظات أخطأ أو يخطئ فيها، أساء أو يسيء فيها إلى أحد بكلمة أو تصرف أو حركة أو أي شيء، فينتج عنه مشاعر سلبية وحزن، وأحيانا خصومة بين الطرفين.
    فمن منا معصوم من الخطأ؟ فالمعصوم هو نبينا صلى الله عليه وسلم فقط، وغير ذلك فكلنا خطاؤون، كلنا نتعرض لمواقف تخرجنا من أطوارنا فنصب جام غضبنا على من حولنا من الأهل والأصدقاء، كلنا نتعرض لحالات نفسية تصدر عنها تصرفات تجرح الآخرين وتؤذيهم، كلنا نجرح مشاعر بعض من حولنا، ونتسبب في انكسار قلوبهم بقصد أو بدون قصد، كلنا نمر بلحظات استياء وعدم الرضا عن النفس، فنجلدها ونحمّلها أكثر مما تتحمل.
    إن أنفسنا التي بين جوانبنا، وكل من حولنا من الأهل والأقارب والأصدقاء والغرباء من قريب وبعيد، نحن مدينون لهم بالاعتذار! الاعتذار عن كل ما صدر منا بحقهم من خطأ أو تجريح أو إساءة أو تقصير.
    فالاعتذار من السلوكيات التي تسهل العلاقات الإنسانية وتقوي وتزيد من الروابط الاجتماعية، والاعتذار شجاعة ويعتبره البعض فضيلة لأنه يعبر عن الاعتراف بالحق، وهو ليس مجرد كلمة تقال بلا معنى، بل إنه إحساس بالخطأ ورغبة في إصلاح ما انكسر من العلاقة، والتخلص من شوائب ما تعلق بها من سوء التصرف.
    والاعتذار الصحيح هو الصريح السلس، الذي يحمل في طياته المودة والسلام وطلب المسامحة والعفو عن كل هفوة كانت سببا في حزن أو ألم للطرف الآخر.

    فما الاعتذار؟ وما أنواعه؟ وما أشكاله؟ وما فوائده؟ وما أبعاده؟ وما أثره على النفس؟
    الاعتذار هو الحجة التي تقدم لنفي ذنب أو تبريره، واعتذر: أي صار ذا عذر، واعتذر إليه: طلب قبول معذرته.

    إن الإسلام يدعو إلى الإصلاح والمحبة وتوطيد العلاقة بين الناس، قال تعالى:" إنما المؤمنون أخوة"، وهذه الأخوة تستدعي التسامح والترابط والتعاون بَعِيداً عن الضغينة والتنافس والحسد والحقد والغلو، ولأن الإنسان غير معصوم من الخطأ ويتصرف بما يشحن القلوب بالحزن والألم مما يؤدي إلى القطيعة، فعلى الإنسان الإسراع إلى سد فجوة الخلاف والخصام حتى لا تتسع، بكلمة اعتذار صادقة نابعة من القلب، راغبا في رضا الله تعالى ساعيا إلى تعزيز الرابطة الأخوية الإيمانية طامعا في الصفح والعفو ممن أخطأ في حقه.

    الاعتذار سلوك حضاري وخلق كريم، يهدم جدار الجفوة والكراهية ويقارب بين النفوس ويمحو عن القلوب مشاعر البغض والحقد والغضب، وينشر الحب والثقة والتواضع بين الناس، فهو جسر الوصل بين ما انقطع بسبب أخطائنا المقصودة كثيرا وغير المقصودة أحيانا، فيعيد مشاعر التسامح والرضا ويحيي روح التعاون والتماسك.
    الاعتذار لا ينم عن ضعف شخصية أو خوف أو مصلحة كما يعتقد صغار العقول وضيقو النفوس، إنما هو سلوك يحتاج من الفرد إلى شجاعة وقوة وعقل وإنسانية، صفات لا تصدر إلا من ذوي النفوس العظيمة والقلوب الصافية والعقول السديدة.

    الاعتذار علاج الخطأ في حق الآخرين: قد يكون الخطأ تجاه الله تعالى أو تجاه النفس أو تجاه الآخرين، وتصحيح الخطأ تجاه الله تعالى يكون بالإقلاع عن الخطأ أو المعصية والتوبة النصوحة منها والندم عليها وعدم الرجوع إليها، أما تجاه النفس فيكون التصحيح بالمحاسبة والمراجعة والمعاقبة وقمع النفس الأمارة بالسوء حتى تصبح نفسا مطمئنة، بينما تصحيح الخطأ تجاه الآخرين يكون بالاعتذار والتحلل من تبعات الخطأ.

    وللاعتذار أنواع متعددة، منها الاعتذار عن الخطأ أي طلب المسامحة عن الإساءة، ومنها الذي يعبر عن تبرير التصرف الذي أدى إلى شحن النفوس، ولا يقصد منه طلب العفو إنما فقط لبيان أسباب الخلاف، ومنها الاعتذار عن قلة الحيلة وعدم القدرة على المساعدة، والاعتذار بالنيابة عن طرف آخر، كاعتذار الأب الصالح عن تصرفات ابنه الطالح، أو اعتذار زوجة عن تصرفات زوجها، أو اعتذار الجار لجاره عن مشاغبات أبنائه وغيره من هذا النوع من الاعتذارات.
    وأشكال الاعتذار تختلف بالنسبة للناس: فمنهم -وهم الأغلب- من يعتذر لفظا بكلمة "آسف"، ومنهم من يعتذر بالفعل كأن يقوم بتقديم هدية تعبيرا عن أسفه وندمه على الخطأ الصادر منه، ومنهم من يتخذ من الكلام عن مشاعره وحبه للشخص وسيلة للاعتذار، ومنهم من يتخذ الوسائل الأخرى كالاحتضان أو المصافحة وغيره، وقد تكون هذه الطريقة أفضل بالنسبة للبعض، وكل هذه الوسائل ناجحة وموفقة في إعادة العلاقة بين الطرفين وكسر حاجز الجفاء والفراق.

    للاعتذار فوائد عديدة: حيث تؤدي إلى معرفة شخصية المعتذر له وما يقبله وما يرفضه من تصرفات، والاعتذار يريح المعتذر من عقدة الذنب ويحيي ضميره وينصره على النفس الأمارة بالسوء ويهزم الشيطان الذي يسعى لتوسيع الجفوة بين طرفي المشكلة، أيضا يؤدي إلى كسب ود الطرف الآخر واحترامه، فالاعتذار يصلح ما فسد من العلاقات بين الناس، والاعتراف بالخطأ من خلال الاعتذار طريق للتلاقي من جديد وكشف السوء وإزالة الخلاف والانتصار على الشيطان.

    والاعتذار صار عالميا لا يقتصر على الأفراد وتصرفاتهم، فقد صارت الدول تعتذر رسميا كما حدث من اعتذار فرنسا للجزائر عن المذابح التي وقعت في وقت الاحتلال الفرنسي، وكان اعتذارها رسميا أمام العالم، كما اعتذرت الحكومة اليابانية لفتيات الجيش الياباني اللاتي تم استغلالهن في إمتاع الجيش، وغيره الكثير.

    لقد أصبح العالم أكثر وعيا وتبصرا، ويعي معنى الاعتذار ويقدر الحياة بسلام وتسامح، ويعمل على تحجيم مسافات الخلاف والتشاحن بين الشعوب، ففي المجتمعات المتقدمة يعتبر الاعتذار جزء من ثقافتها الفكرية ومقوماتها، ينقلونه من جيل إلى آخر، ويغرسونه في أبنائهم، وقد جعلوا من الاعتذار وسيلة لتخفيف الأحكام القضائية، لأن المخطئ أو المتهم يعترف بجريمته ويطلب الصفح من الدولة والمجتمع والأفراد، وبالتالي وبسبب اعترافه يستحق تخفيف الحكم عنه.

    ورغم أن الاعتذار فضيلة وخلق عظيم ودليل تواضع ونبل إلا إننا يجب أن لا نضع أنفسنا في مواقف تلزمنا بالاعتذار، فالاعتذار اعتراف بالخطأ، وما أخطأنا إلا من تقصير في أفعالنا أو أقوالنا أو تفكيرنا، فعلينا الالتزام بكل سلوك سوي لا ننحرف عن جادته إلى الطرق المتفرعة مجهولة الهدف والوجهة، وعلينا التمسك بأوامر ونواهي شرعنا القويم الذي يرشدنا إلى أحسن الأخلاق وأفضل القيم وأسمى المبادئ فعلا وقولا وإيمانا وسلوكا وتفكيرا.

    وقد أوصانا النبي -صلى الله عليه وسلم - ثلاث وصايا عظيمة، ففي حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: عظني وأوجز -وفي رواية علمني وأوجز- فقال عليه الصلاة والسلام:" إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودع، ولا تكلم بكلام تعتذر منه غدا، واجمع الإياس مما في أيدي الناس" رواه أحمد والطبراني، هذه وصية عظيمة تدعونا إلى إمساك ألسنتنا عن الكلام الخطأ بكل أنواعه حتى لا نضطر إلى الاعتذار أما إذا وقع الخطأ فالاعتذار وطلب العفو واجب حتى لا يكون الطرف الآخر خصما لنا يوم الحساب.
    وورد في الحديث عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله أوصني، فقال: عليك بالإياس مما في أيدي الناس، و إياك والطمع فإنه الفقر الحاضر، وصل صلاتك وأنت مودع، وإياك وما تعتذر منه.(رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي)

    وأخيرا: لا يمكن أن نعيد الزمن ونتوقف عما بدر منا من أخطاء أو سلوكيات مسيئة أو محزنة أو مؤلمة للآخرين، لكننا نستطيع أن نمحو آثار تلك الأخطاء وعدم التمادي فيها بكلمة بسيطة صادقة تنبع من قلوبنا المحبة وألسنتنا الصادقة " أنا آسف"! كلمة اعتذار نرجو منها فتح صفحة جديدة في علاقتنا مع الآخرين.
    -----------------------------------------------------------------------------------
    لا شك أن العَمل الخيري ينبعُ من صميم الدين، باعتباره يسعى لتحقيقِ حاجات الناس بجلبِ المصالح ودرء المفاسد بما يحفظ الضرورات الخمس التّي اتفقت عليها جميع الشرائع السَّماوية وهي: حفظ الدِّين، وحفظ النَّفس، وحِفظ العقل، وحفظ النسل، وحفظ المال.
    والعملُ الخيري في الإسلام يولي اهتماما بالفردِ والأسرة والمجتمعِ، من خلال العمل على حل المشكلات المتزامنة مع الحروب والأزمات والملمَّات والكوارث الطّبيعة، وهذا ينتجُ عَنه مجتمع متكامل متحمل للمسؤولية مؤد للأمانة ومشارك في تنمية مجتمعه، محقق للتوازن في المصالح والعلاقات، مع التشبث بأسسِ وركائز مقاصد الشريعة الإسلامية.
    فالعمل الخيري أساسَ تحضر المجتمعاتِ ورقيها ومُشاركة فعلية واقعية في تنمية المجتمع وبه يتحققُ الإصلاح الأسري المجتمعي المرتقب وتحقيق المناطِ من الغاية الوجودية للإنسان.
    ولهذا فإن العمل الخيري يخضع لمجموعة من الأهداف والغايات الشرعية حتى يؤتي أكله وثماره المرجوة، وتنبثق هذه الغايات الشرعية من الشريعة الإسلامية الغراء ومن هذه الأهداف الرحبة ما يلي:

    1-ابتغاء مرضاة الله والأجر والثواب للفوز بالجنة لقوله تعالى: ( لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) (سورة النساء، الآية: 114)، وقوله تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) (سورة الإنسان، الآية: 8)، ولعظمة فعل الخير ربط المولى عز وجل بين الصلاة والصدقة في قوله تعالى: (فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ )(سورة المدثر، الآية: 41/44)
    إن العمل الخيري يقصد به وجه الله وابتغاء مرضاته، لا أن يكون الهدف منه غايات اجتماعية أو سياسية، أو غيرها من المرامي الدنيوية، وبذلك فمن يخلص النية ويبتغي مرضاة الله سبيلا يكون جزاؤه النعيم المضاعف، وجاءت هذه المعاني في سورة البقرة يقول المولى عز وجل:(مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)(سورة البقرة، الآية: 261) بينما توعد المولى عز وجل من يبتغي من عمله غير وجه الله ببطلان العمل وسوء المآل لقوله تعالى: (أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانَ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)(سورة البقرة، الآية : 264).

    2- تفعيل مبدأ التعاون على البر والتقوى وإشاعة الخير بين أطياف المجتمع، فلقد أمرت الشريعة الإسلامية بالتعاضد والتكافل والتعاون على البر والتقوى يقول المولى عز وجل: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)(سورة المائدة، الآية: 2) ، وأكد الهدي النبوي المبدأ نفسه فقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «تَرَى المُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى» رواه البخاري .
    وفي العمل الخيريّ يقول عماد الدين خليل: "تتعاضد وتتكامل أطراف المساحة كافة، ما بين الفردي، والجماعي، والتنظيمي، لكي تؤدي جميعا مهمتها في تيسير الحياة على هدي الإسلام، وتمكينها من مجابهة المعضلات والتحديات، بأكبر قدر من التماسك والمرونة في الوقت نفسه" . وفي التعاون بين أفراد الأمة في الخير والبر مقاصد أساسية للشريعة الغراء.
    كما حث الله عز وجل على الإنفاق لإشاعة التكافل الاجتماعي يقول المولى عز وجل:( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) ( سورة آل عمران، الآية: 92).

    3- الاستفادة من الطاقات الشابة، والقدرات البشرية، فالعمل الخيريّ تشكيلة من الطاقات والمهارات التي تتفاوت في قدراتها واتجاهاتها وآرائها وتسخيرها والاستفادة منها لخدمة المجتمع.

    4- خلق شباب ومجتمع يتربى على العطاء وإنكار الذات، تتحقق فيه معاني التكافل والتعاون ومبدأ الجسد الواحد، دون انتظار المقابل المادي .

    5- خلق صلة وصل، وردم الهوة بين الجهات الحكومية وأفراد المجتمع، لخدمة جوانب مختلفة سواء الخدمات العامة أو الاجتماعية أو الثقافية أو الاقتصادية.

    6- المحافظة على كرامة الفقراء والمحتاجين، إذ تُقدم للمحتاج وخصوصا المتعففين منهم المساعدة قبل الحاجة لسؤال الناس لقوله تعالى:( لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ)(سورة البقرة، الآية: 273) ، وجاء في تفسير هذه الآية في تفسير الطبري: "وأنهم إنما يعرفون بالسيما، زاد عباده إبانة لأمرهم، وحسن ثناء عليهم بنفي الشره والضراعة التي تكون في الملحين من السؤال عنهم" .
    والهدف الرئيسي من العمل الخيري في الإسلام "سد خلات المحتاجين، ورعاية المرضى، ونصرة المستضعفين، ومساعدة من يحتاج إلى تطوير قدراته الاقتصادية أو الاجتماعية، وإعانة من يريد تقوية ملكاته المعرفية أو التقنية" .

    6- تنمية الشعور بالمواطنة الحقة للشباب باكتسابهم شعور الانتماء لوطنهم ومجتمعاتهم، بتحمل المسؤوليات التي تساعد في التنمية، والمساهمة الجماعية في حل معضلة من معضلات المجتمع.

    8- خلق مجتمع عصامي بتنمية أفراده عن طريق التأهيل والإعداد، والمساعدة على الاعتماد على النفس ومحاولة تجاوز المحن والأوضاع الصعبة، وخلق مجتمع قادر على تجاوز الصعاب بالاعتماد على النفس واختيار الحلول المناسبة.

    9- نشر الرحمة والرأفة بين أفراد المجتمع المسلم، لقوله الرسول صلى الله عليه وسلم: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ» رواه أبو داود، والعمل الخيري في الإسلام لا يعتني بالإنسان فقط بل الحيوان يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : «فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ» رواه البخاري

    ولهذه الأهداف اهتم الإسلام اهتماما جليا بالجانب الاجتماعي من خلال مجموعة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والآثار والوقائع التاريخية، التي تقرر أن المؤمن الحقيقي هو الذي تظهر آثار إسلامه وتقواه في حياته الاجتماعية وذلك بمد العون للمحتاجين والفقراء ومساعدة المعوزين والقيام بما يجب اتجاه إخوانهم المسلمين وغيرهم ممن يجمعهم لواء مبدأ الإنسانية لقوله تعالى: ( أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ)(سورة الماعون، الآية: 3) .
    ولعل الهدف الأسمى في نظري هو تحقيق إشاعة الخير ونشر مبدأ التكافل والتضامن الاجتماعي وقيم التسامح والتعاون بين أفراد المجتمع، مما يؤثر إيجابا بالمحافظة على القيم الدينية الإسلامية، والأخلاق المرضية لتنمية المجتمعات والأمة جمعاء.
    islamweb








                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de