شهد شهر أغسطس ٢٠١٩م العديد من الانجازات تنفيذاً لأهداف ومطالب ثورة ديسمبر المجيدة، فتمّ توقيع الوثيقة الدستورية، وتمّ تسمية أعضاء المجلس السيادي بشقّيه المدني والعسكري، وحُلّ المجلس العسكري الانتقالي، كما تمّ تسمية رئيس الوزراء للمرحلة الانتقالية، الدكتور عبدالله حمدوك، وهو بدوره سيُكوِّن حكومته في غضون الأيام القادمة بالتشاور والتنسيق مع (قحت) ومع المجلس السيادي، وأدّى الجميع القسم أمام رئيس القضاء وأمام عدسات المصوّرين.
لا شك في أن هذه الخطوات مهمة وهي من مطلوبات الثورة والثوار. ولكن في اعتقادي أن المعارك الحقيقية لم تبدأْ بعد (وأن الغريق قدّام).
ولأن كل الأنظار ستتركّز على رئيس الوزراء الدكتور حمدوك وعلى حكومته التي سترى النور قريباً باعتبارها، أي الحكومة، الجهاز التنفيذي المفوَّض بموجب الوثيقة الدستورية بإدارة البلاد وتنفيذ متطلبات الثورة خلال المرحلة الانتقالية مِن تحقيقٍ للسلام، وتحسين الوضع الاقتصادي بما يخفف أعباء المعيشة على المواطن العادي وكذلك كنس آثار النظام البائد ومحاسبة المجرمين ..الخ، فإن حديثي سيتناول أبرز التحديات التي على الدكتور حمدوك وطاقمه مواجهتها بجَلد وطول بال وروح رياضية!
أقول ذلك وفي البال أنصار النظام البائد، الذين سيبدؤون عملهم المضاد الآن، فخلال الأشهر الأربعة الماضية كان هناك بعض الضّباب وكان هناك شد وجذب بين (قحت) والمجلس العسكري حول الكيفية التي ستُسلّم بها السلطة للمدنيين، ولكن بعد أنْ حُسِم الأمر بتكوين هياكل الحكم، باستثناء المجلس التشريعي، فإن فلول النظام البائد ستبدأ بالعمل المضاد في مختلف المواقع وخصوصاً في الميدان الاقتصادي، فطالما توافق العسكر مع قوى الحرية والتغيير في تكوين هياكل الحكم، فإن ذلك يعني البداية الحقيقية لفتح ملفات الانقاذ وبلاوي الانقاذ، أي بداية المواجهة الشرسة مع امبراطورية المؤتمر الوطني بامتداداتها السرطانية في أوجه الحياة المختلفة، لذا، يتوجّب على جميع المعنيين بإدارة المرحلة الانتقالية الاستعداد لنزال طويل وشائك.
ملف السلام على رأس أولويات الحكومة الانتقالية كما صرح رئيس الوزراء في أول ظهور له بعد أداء القسم في ٨/٢١/ ٢٠١٩م، وفي هذا الخصوص، أعتقد أنّ نجاح حكومة الدكتور حمدوك في ملف السلام وفي الملفات الأخرى يستلزم التنسيق والتفاهم مع المجلس السيادي، أو مع العسكريين بصورة أدق، نعم هناك الوثيقة الدستورية، ولكن سيحدث الكثير من التشابك والتداخل عند التنفيذ، فنأمل من الجميع، وخصوصاً الحكومة، التعاون والتكامل مع قيادات الجيش والقوات النظامية الأخرى في كل ما يخص الاتفاقيات المتوقّعة مع الحركات المسلحة، والجميع يدرك الصعوبات التي ستكتنف عودة اللاجئين والنازحين في ظل بروز واقع ديمغرافي جديد في الكثير من المواقع التي كانت مسرحاً للقتال في دارفور.
ونفس هذا التفاهم والتنسيق يظل مطلوباً بصورة ملحة في معالجة الحكومة لبعض الملفات الخارجية، كقضية قواتنا المشاركة في حرب اليمن، وكقضية (حلايب) على الحدود المصرية وكقضية (الفشقة) على الحدود الإثيوبية، فهي قضايا سياسية عسكرية، ومعالجتها تقتضي رؤية مشتركة مع الشق العسكري، نعم، كلّ الشعب مع عودة القوات من اليمن ومع عودة حلايب ومع عودة الفشقة، ولكن لا مناص من ترتيب الأولويات، ولا مناص من توحيد الرؤى مع أهل الاختصاص من القيادات العسكرية في مثل هذه الأمور.
أيضا من التحديات الكبيرة أمام حكومتنا الوليدة، الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تضرب البلاد، وكانت هي القشة التي قصمت ظهر (المخلوع) ونظامه البائد.
وكما صرح الدكتور حمدوك بأن البراغماتية ستكون مُجدية في التعامل مع الدول المانحة ذات التوجه الاشتراكي أو الرأسمالي، وأيضاً في التعامل مع منظمات الإقراض الدولية مع عدم التفريط في بعض الأساسيات كمجانية التعليم والعلاج لجميع فئات الشعب، ومع تفاؤل الجميع بهكذا تصريحات وبما ستنتهجه الحكومة من خطط وبرامج لمعالجة المُشكِل الاقتصاي، إلّا أنّ النجاح قد لا يكون كبيراً من حيث الحجم ومن حيث المدة التي ستستغرقها هذه المعالجات حتى موعد انعكاسها بصورة إيجابية في حياة الناس اليومية.
على سبيل المثال، هل ستتمكن حكومة الدكتور حمدوك مِن حل مشكلة التضخم ولو بصورة جزئية في سنتها الأولى؟ هل ستنتهي قطوعات الكهرباء؟ هل سيجد مزارعو مشروع الجزيرة وغيره من المشاريع الزراعية مدخلات الانتاج مِن تقاوى ومبيدات وري منتظم..الخ، لإنقاذ موسمهم الزراعي؟
هذه التساؤلاتُ في الحقيقة، لا تمثّل إلاّ جزءاً يسيراً مِن تساؤلات المواطنين في كافة قطاعات العمل، وقد مدّوا أعناقهم وصوّبوا أنظارهم نحو حكومة الفترة الانتقالية وهي تضع على أكتافها هذا الحِمْل الثقيل مِن آمال وتطلعات هذا الشعب العظيم.
عليه، لا ينبغي للحكومة الانتقالية أنْ تتفاجأْ إذا خرج الناس، بعد عدة أشهر من الآن، في مظاهرات عارمة ضد إخفاقها في إنجاز ما وعدت به الشعب!
نعم على حكومة الدكتور حمدوك توقُّع الأصعب، وعليها التحلِّي بروح رياضية عالية تجاه مثل هذه السيناريوهات.
أعتقد أنّ هياكل الحكم الخاصة بالفترة الانتقالية ستنجح في مهامها إذا ما عمِلت بروح الفريق الواحد، وإذا ما آمنت بأن العلاقة فيما بينها هي علاقة تكاملية لا تنافسية، وأن تلك العلاقة تهدف، في المقام الأول والأخير، إلى خدمة الوطن والمواطن، وإلى تنزيل آمال الثوار في الحرية والسلام والعدالة على أرض الواقع.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
طه داوود
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست