فليأخذ الرئيس عصاه وليرحل-بقلم التجاني عبد القادر حامد

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 06:41 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2019م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-08-2019, 06:58 PM

زهير عثمان حمد
<aزهير عثمان حمد
تاريخ التسجيل: 08-07-2006
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
فليأخذ الرئيس عصاه وليرحل-بقلم التجاني عبد القادر حامد

    05:58 PM February, 08 2019

    سودانيز اون لاين
    زهير عثمان حمد-السودان الخرطوم
    مكتبتى
    رابط مختصر




    كثير منا قد سمع بالمذكرة التي رفعها في عام 1998 عشرة من قيادات المؤتمر الوطني الحاكم في السودان وقادت الى انشقاق شهير في صفوف الحركة الإسلامية السودانية (فعرفت منذئذ بمذكرة العشرة). لم تكن المذكرة متجهة لتقليص صلاحيات الرئيس البشير، وإنما كانت موجهة لتقليص الصلاحيات "الواسعة" التي كان يتمتع بها آنذاك الأمين العام للحركة الإسلامية، الدكتور الترابي (رحمه الله). وقد استطاع أصحاب المذكرة أن يصلوا لأهدافهم بسهولة، ليس لأن مجلس الشورى قد اقتنع بمنطقهم وحسب، أو لأن الأمين العام قد أخذ على حين غرة، ولكن لأن الرئيس كان يدعم وبقوة خط المذكرة، والتي اطلع على مضامينها سلفا. ولذلك، وما أن خرج الأمين العام مغاضبا ليُكوّن حزبا مستقلا، إلا وقد برز الرئيس مغايظا، ليس ليملأ الفراغ القيادي ريثما يتم اختيار قيادة جديدة للحركة الإسلامية، وإنما ليعمل (ومعه آخرون)
    وبصورة متدرجة على إلغاء الدور السياسي للحركة الاسلامية تماما، وحصر وظيفتها في صلاة الجنائز والعيدين والافطار الجماعي والمشاركة في المهرجانات. ثم، وبدعوى توحيد القيادة، صار الرئيس يجمع في كفه بين قيادة القوات المسلحة والأجهزة الأمنية ورئاسة الحكومة ورئاسة الحزب الجديد الذي أنشأ على أنقاض الحركة الاسلامية؛ وهي صلاحيات فاقت الصلاحيات التي كان يتمتع بها الأمين العام أضعافا مضاعفة. وهذا كما ترى تجميع للسلطة يناقض مذكرة العشرة، نصا وروحا، ويسير في اتجاه الانفراد بالسلطة الذي صار الجميع يحصدون ثماره المرة. كان المتوقع، قبل الهبة الشعبية الراهنة أو على اثرها، أن يشعر أصحاب المذكرة، وجميعهم أحياء، بوخز في الضمير فيرفعوا أصواتهم بالاحتجاج، ويقولوا للرئيس، كما قالوا للأمين العام من قبل، لقد تجاوزت الحدود. ولكن لم يقل أحد منهم شيئا وهم يرون الرئيس الذي صنعوه بمذكرتهم يسارع في الاستبداد، ويبالغ في الظلم الفساد، ويتخذ له بطانة من دونهم، ويحتجب عنهم فلا يسمح لأحدهم بالدخول الا على مضض. غير انى لا استغرب هذا، فمن أعان ظالما سلطه الله عليه، كما جاء في الأثر. الغريب هو أن "المؤتمر الشعبي" الذي أسسه الدكتور الترابي احتجاجا واعتراضا على ديكتاتورية الرئيس البشير قد انضوى هو الآخر تحت جوقة الرئيس، فنال بذلك، أي المؤتمر الشعبي، مستشارية ووزارتين أو ثلاثة، وصار من ثم يتحدث في مؤتمراته الصحفية بلسان، وفى لقاءاته الداخلية بلسان. يترحم على شهداء الثورة ويستمر في أروقة النظام كأن شيئا لم يكن، وكأنه لا يسمع أنين الأسر التي حصد أبناءها رصاص النظام، وكأنه لايري المئات من شبابه الخلص ينسلخون من تحته وينخرطون في صفوف الثورة.
    أما وقد اختفى من اختفى وصمت من صمت (لأسباب لا فائدة في البحث عنها) فأمانة القلم توجب علينا نحن أن نقول للرئيس خذ عصاك وارحل، اليوم قبل غد، وذلك:
    (أولا) ليس خوفا على صحة الرئيس ولكن خوفا على صحة الوطن وسلامته من جراء العلل المتطاولة التي أصابت كلا من الحزب والدولة والحركة الإسلامية التي أتت بهما معا. علة حزب تحول من تجمع شعبي مرن إلى جوقة انتهازية تقتات من المال العام وتحتمى بالرئيس ويحتمى، يقومان ويقعان معا؛ وعلة دولة أضحت مؤسساتها، على علاتها، تضع ما يطلبه الحزب ورئيسه فوق ما يطلبه الوطن، وعلة حركة إسلامية رسالية أتت بهم جميعا، رئيسا ودولة وحزبا، فاذا بها تستدرج وبصورة ناعمة لتكون أداة صغيرة من أدوات الدولة والحزب اللذين خرجا من صلبها، ثم ليسحب منها، وبصورة ناعمة أيضا، كل "المخزون الأخلاقي" الذى كان يمدها بالقوة، وليصادر منها "المنظار" الذى كان يعينها على الرؤية، فتعطلت تماما عن التفكير وعن الحركة وذلك في وقت صارت فيه الحاجة الى فكر سديد وخلق قويم أكبر بكثير من الحاجة الى الهتاف بالشعار والتهديد بالحديد والنار. لقد آن الأوان لأن يأخذ السيد الرئيس عصاه ويرحل قبل فوات الأوان، تاركا للشعب أن يختار حكومته، وتاركا للحزب أن يخوض معاركه، وتاركا الحركة الاسلامية أن تحدد مسارها ومصيرها كما تشاء. لقد شهد التاريخ الحديث ظهور زعماء عرفوا بالآباء المؤسسين، مثل ماو في الصين وغاندي في الهند وعبد الناصر في مصر، وكانت لكل منهم نظرية (صالحة أو غير صالحة) في الثورة والدولة والحزب وفى كيفية التحول الاجتماعي، وكان كل واحد منهم يرى نفسه معلما "ملهما"، وكانت جماهيرهم تحبهم وترى أن وجودهم في القيادة ضروري لبقاء النظرية ولتعليم الآخرين. ولكن الرئيس البشير لم يكن أبا مؤسسا للحركة الاسلامية (هذا إذا صدقنا أنه كان عضوا فيها)، كما أنه ليس فيلسوفا ذا "نظرية" معلومة في الدولة أو الحزب او الاقتصاد حتى يقال إن وجوده في القيادة ضروري لتطبيق تلك النظرية، أو لتعليم الآخرين. فماذا سيخسر الإسلام أو السودان إذا رحل؟
    ونقول للرئيس خذ عصاك وارحل
    (ثانيا):ليس فقط لأن الفساد قد بلغ في عهده درجة غير مسبوقة، ولكن لأن الرئيس (والفريق المرافق له) قد مكث قرابة ثلث قرن من الزمان وهو يرى الفساد يتسع ويستشرى أمام عينيه ولا يفعل شيئا، بل ويرى بعض وزرائه وخلصائه يعملون في السمسرة ويبرمون الصفقات ولا يفعل شيئا، ويرى أركان نظامه "يجنبون" المال العام، مادين ألسنتهم لوزارة المالية وللبنك المركزي، مما جعل البعض يذهب للقول، محقا، بأن ما نسميه "فسادا" هو في الواقع سياسة مدروسة تهدف لتصنيع شريحة اجتماعية ثرية، تكون حاملا اجتماعيا واقتصاديا للنظام، تحميها الأجهزة الأمنية والنظام القضائي، مع افقار متعمد للشباب وركلهم الى هامش الحياة، ومع ترك الشرائح الاجتماعية المستضعفة لصندوق الزكاة؛ الصندوق الذى يتباهى القائمون عليه بتوزيع وجبات "لإفطار الصائم" وأخرى "لفرحة العيد". أما من يقول بغير هذا، فعليه أن استطاع أن يلقى نظرة في قوائم العطاءات وخرائط العقارات وأسهم الشركات وسلفيات المصارف وايرادات الذهب والنفط وأسماء الموردين.
    ونقول للرئيس خذ عصاك وارحل
    (ثالثا) لأننا لم نعد نؤمن بمقولة أن الرئيس هو "صمام الامان"، وأن الشعب يحبه، وأن الوطن بدونه سيتلاشى، وأن الناس بدونه سيأكل بعضهم بعضا. لم نعد نؤمن بهذا لأن ما رأيناه في عهده من اضطراب أمنى، واقتتال أهلي، ونزوح جماعي، وتدخل دولي، يفوق كل تصور. لم نعد نؤمن بأن الرئيس هو "صمام الأمان" لأن أجهزته الأمنية هي التي تجوب الشوارع لتخيف وتختطف وتقتل. لم نعد نؤمن بأن الرئيس هو صمام الأمان بعد ما رأينا أجهزته الأمنية تمتهن كرامة المحتجزين لديها، تشتمهم بأقذع الألفاظ، وتلهب أجسادهم بالسياط، وتقتل بعضهم قتلا خارج القانون، معتمدة في كل ذلك على الغطاء القانوني والدعم المالي الذي يوفره لها سيادة الرئيس. لم نعد نصدق بأن الرئيس هو صمام الأمان بينما هو في الواقع لا يملك "رؤية" للسلام ولا يملك "قدرة" على الحرب، وليس لديه خطة للاقتصاد، وليس له رصيد من الصدق، ولا تملك حكومته الا السياط والغاز المسيل للدموع. إن ما نخشاه في مثل هذه الحالة اليائسة التي تتملكه أن يقوم، وقد أعيته الحيل، باستخدام الورقة الدينية، فيضخ المزيد من الشعارات الدينية، والتعبئة الجهادية، فيترتب على ذلك أن يشبع الجياع ضربا، ويدخل البلاد في دوامة جديدة من الاقتتال والحروب الأهلية. وخشيتنا من ذلك تعود الى أن مثل هذه الورقة التكتيكية قد استخدمت من قبل، أستخدمها الرئيس المخلوع النميري، فما رأينا إلا الكرباج والقنابل المسيلة للدموع، وما حصدنا الا السراب. فليأخذ السيد الرئيس عصاه وليرحل، فان للسودان وللإسلام رب يحميهما.
    وليأخذ الرئيس عصاه وليرحل
    (رابعا) ليس فقط لأن الرئيس (والفريق المرافق له) قد مكث ثلاثين عاما في سدة الحكم، أو لأن هناك طوابيرا من الشباب ينتظرون حظهم في القيادة، أو لأن هناك "ربيعا" سودانيا في ناصية الطريق، ولكن لأن الرئيس علاوة على هذا قد صار في حكم "الأسير" الذى ذهب فقهاء المسلمين من قبل للقول بإسقاط الشرعية عنه باعتبار أنه لم يعد حرا في تصرفاته. يقول أحدهم: " فان صار مأسورا في يد عدو قاهر لا يقدر على الخلاص منه، منع ذلك من عقد الامامة له لعجزه عن النظر في أمور المسلمين؛ سواء كان ذلك العدو مسلما باغيا أو كافرا، وللأمة فسحة في اختيار من عداه من ذوى القدرة". لقد كان الفقهاء الأوائل يتحدثون بالطبع عن الأسر الحسي، إذ لم تظهر لديهم صور من الأسر "المعنوي" الذي صرنا نراه في العصر الحديث، حيث تستطيع الدول الكبرى ووكلاؤها الإقليميون أن يصنعوا من أخطاء الرؤساء وجرائمهم طوقا يحاصرونهم به، وبعبعا يخيفونهم من خلاله، فيصبح الرئيس بذلك أسيرا وعرضة للابتزاز، وتصبح المصالح العليا للوطن عرضة للمساومة والمقايضة (لاحظ مثلا حالة الرئيس الحريري أو الرئيس الهادي عبد ربه وما يفعل بهما) إذ لن يجد رئيس من هذه الشاكلة مخرجا غير أن يجعل أمنه الشخصي نقطة محورية تدور حولها كل سياسات الدولة وعلاقاتها، ثم يلوذ بأفراد أسرته وأصدقائه المقربين. ولا يخفى على من يراقب الرحلات الخارجية التي يقوم بها الرئيس، والصفقات التي يحاول ابرامها، والتحالفات التي يحاول نسجها أو نقضها، أن يدرك أن "المصير الشخصي" للرئيس، سواء بقي في الحكم أو خرج منه، وسواء بقي في السودان أو خرج منه، قد صار هو المحدد الأساسي لسياسات الدولة ولتحركات الرئاسة. مما يعنى أن مصير الوطن قد صار رهينا بمصير شخص. ألا فليسقط الأشخاص وليبق الوطن. ولا قوة الا بالله








                  

02-08-2019, 10:04 PM

Kostawi
<aKostawi
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 39979

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فليأخذ الرئيس عصاه وليرحل-بقلم التجاني عب (Re: زهير عثمان حمد)

                  

02-08-2019, 10:54 PM

Mohamed Doudi
<aMohamed Doudi
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 3871

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فليأخذ الرئيس عصاه وليرحل-بقلم التجاني عب (Re: Kostawi)

    كثير منا قد سمع بالمذكرة التي رفعها في عام 1998 عشرة من قيادات المؤتمر الوطني الحاكم في السودان وقادت الى انشقاق شهير في صفوف الحركة الإسلامية السودانية (فعرفت منذئذ بمذكرة العشرة). لم تكن المذكرة متجهة لتقليص صلاحيات الرئيس البشير، وإنما كانت موجهة لتقليص الصلاحيات "الواسعة" التي كان يتمتع بها آنذاك الأمين العام للحركة الإسلامية، الدكتور الترابي (رحمه الله). وقد استطاع أصحاب المذكرة أن يصلوا لأهدافهم بسهولة، ليس لأن مجلس الشورى قد اقتنع بمنطقهم وحسب، أو لأن الأمين العام قد أخذ على حين غرة، ولكن لأن الرئيس كان يدعم وبقوة خط المذكرة، والتي اطلع على مضامينها سلفا. ولذلك، وما أن خرج الأمين العام مغاضبا ليُكوّن حزبا مستقلا، إلا وقد برز الرئيس مغايظا، ليس ليملأ الفراغ القيادي ريثما يتم اختيار قيادة جديدة للحركة الإسلامية، وإنما ليعمل (ومعه آخرون) وبصورة متدرجة على إلغاء الدور السياسي للحركة الاسلامية تماما، وحصر وظيفتها في صلاة الجنائز والعيدين والافطار الجماعي والمشاركة في المهرجانات. ثم، وبدعوى توحيد القيادة، صار الرئيس يجمع في كفه بين قيادة القوات المسلحة والأجهزة الأمنية ورئاسة الحكومة ورئاسة الحزب الجديد الذي أنشأ على أنقاض الحركة الاسلامية؛ وهي صلاحيات فاقت الصلاحيات التي كان يتمتع بها الأمين العام أضعافا مضاعفة. وهذا كما ترى تجميع للسلطة يناقض مذكرة العشرة، نصا وروحا، ويسير في اتجاه الانفراد بالسلطة الذي صار الجميع يحصدون ثماره المرة. كان المتوقع، قبل الهبة الشعبية الراهنة أو على اثرها، أن يشعر أصحاب المذكرة، وجميعهم أحياء، بوخز في الضمير فيرفعوا أصواتهم بالاحتجاج، ويقولوا للرئيس، كما قالوا للأمين العام من قبل، لقد تجاوزت الحدود. ولكن لم يقل أحد منهم شيئا وهم يرون الرئيس الذي صنعوه بمذكرتهم يسارع في الاستبداد، ويبالغ في الظلم الفساد، ويتخذ له بطانة من دونهم، ويحتجب عنهم فلا يسمح لأحدهم بالدخول الا على مضض. غير انى لا استغرب هذا، فمن أعان ظالما سلطه الله عليه، كما جاء في الأثر. الغريب هو أن "المؤتمر الشعبي" الذي أسسه الدكتور الترابي احتجاجا واعتراضا على ديكتاتورية الرئيس البشير قد انضوى هو الآخر تحت جوقة الرئيس، فنال بذلك، أي المؤتمر الشعبي، مستشارية ووزارتين أو ثلاثة، وصار من ثم يتحدث في مؤتمراته الصحفية بلسان، وفى لقاءاته الداخلية بلسان. يترحم على شهداء الثورة ويستمر في أروقة النظام كأن شيئا لم يكن، وكأنه لا يسمع أنين الأسر التي حصد أبناءها رصاص النظام، وكأنه لايري المئات من شبابه الخلص ينسلخون من تحته وينخرطون في صفوف الثورة. أما وقد اختفى من اختفى وصمت من صمت (لأسباب لا فائدة في البحث عنها) فأمانة القلم توجب علينا نحن أن نقول للرئيس خذ عصاك وارحل، اليوم قبل غد، وذلك: (أولا) ليس خوفا على صحة الرئيس ولكن خوفا على صحة الوطن وسلامته من جراء العلل المتطاولة التي أصابت كلا من الحزب والدولة والحركة الإسلامية التي أتت بهما معا. علة حزب تحول من تجمع شعبي مرن إلى جوقة انتهازية تقتات من المال العام وتحتمى بالرئيس ويحتمى، يقومان ويقعان معا؛ وعلة دولة أضحت مؤسساتها، على علاتها، تضع ما يطلبه الحزب ورئيسه فوق ما يطلبه الوطن، وعلة حركة إسلامية رسالية أتت بهم جميعا، رئيسا ودولة وحزبا، فاذا بها تستدرج وبصورة ناعمة لتكون أداة صغيرة من أدوات الدولة والحزب اللذين خرجا من صلبها، ثم ليسحب منها، وبصورة ناعمة أيضا، كل "المخزون الأخلاقي" الذى كان يمدها بالقوة، وليصادر منها "المنظار" الذى كان يعينها على الرؤية، فتعطلت تماما عن التفكير وعن الحركة وذلك في وقت صارت فيه الحاجة الى فكر سديد وخلق قويم أكبر بكثير من الحاجة الى الهتاف بالشعار والتهديد بالحديد والنار. لقد آن الأوان لأن يأخذ السيد الرئيس عصاه ويرحل قبل فوات الأوان، تاركا للشعب أن يختار حكومته، وتاركا للحزب أن يخوض معاركه، وتاركا الحركة الاسلامية أن تحدد مسارها ومصيرها كما تشاء. لقد شهد التاريخ الحديث ظهور زعماء عرفوا بالآباء المؤسسين، مثل ماو في الصين وغاندي في الهند وعبد الناصر في مصر، وكانت لكل منهم نظرية (صالحة أو غير صالحة) في الثورة والدولة والحزب وفى كيفية التحول الاجتماعي، وكان كل واحد منهم يرى نفسه معلما "ملهما"، وكانت جماهيرهم تحبهم وترى أن وجودهم في القيادة ضروري لبقاء النظرية ولتعليم الآخرين. ولكن الرئيس البشير لم يكن أبا مؤسسا للحركة الاسلامية (هذا إذا صدقنا أنه كان عضوا فيها)، كما أنه ليس فيلسوفا ذا "نظرية" معلومة في الدولة أو الحزب او الاقتصاد حتى يقال إن وجوده في القيادة ضروري لتطبيق تلك النظرية، أو لتعليم الآخرين. فماذا سيخسر الإسلام أو السودان إذا رحل؟ ونقول للرئيس خذ عصاك وارحل (ثانيا):ليس فقط لأن الفساد قد بلغ في عهده درجة غير مسبوقة، ولكن لأن الرئيس (والفريق المرافق له) قد مكث قرابة ثلث قرن من الزمان وهو يرى الفساد يتسع ويستشرى أمام عينيه ولا يفعل شيئا، بل ويرى بعض وزرائه وخلصائه يعملون في السمسرة ويبرمون الصفقات ولا يفعل شيئا، ويرى أركان نظامه "يجنبون" المال العام، مادين ألسنتهم لوزارة المالية وللبنك المركزي، مما جعل البعض يذهب للقول، محقا، بأن ما نسميه "فسادا" هو في الواقع سياسة مدروسة تهدف لتصنيع شريحة اجتماعية ثرية، تكون حاملا اجتماعيا واقتصاديا للنظام، تحميها الأجهزة الأمنية والنظام القضائي، مع افقار متعمد للشباب وركلهم الى هامش الحياة، ومع ترك الشرائح الاجتماعية المستضعفة لصندوق الزكاة؛ الصندوق الذى يتباهى القائمون عليه بتوزيع وجبات "لإفطار الصائم" وأخرى "لفرحة العيد". أما من يقول بغير هذا، فعليه أن استطاع أن يلقى نظرة في قوائم العطاءات وخرائط العقارات وأسهم الشركات وسلفيات المصارف وايرادات الذهب والنفط وأسماء الموردين. ونقول للرئيس خذ عصاك وارحل (ثالثا) لأننا لم نعد نؤمن بمقولة أن الرئيس هو "صمام الامان"، وأن الشعب يحبه، وأن الوطن بدونه سيتلاشى، وأن الناس بدونه سيأكل بعضهم بعضا. لم نعد نؤمن بهذا لأن ما رأيناه في عهده من اضطراب أمنى، واقتتال أهلي، ونزوح جماعي، وتدخل دولي، يفوق كل تصور. لم نعد نؤمن بأن الرئيس هو "صمام الأمان" لأن أجهزته الأمنية هي التي تجوب الشوارع لتخيف وتختطف وتقتل. لم نعد نؤمن بأن الرئيس هو صمام الأمان بعد ما رأينا أجهزته الأمنية تمتهن كرامة المحتجزين لديها، تشتمهم بأقذع الألفاظ، وتلهب أجسادهم بالسياط، وتقتل بعضهم قتلا خارج القانون، معتمدة في كل ذلك على الغطاء القانوني والدعم المالي الذي يوفره لها سيادة الرئيس. لم نعد نصدق بأن الرئيس هو صمام الأمان بينما هو في الواقع لا يملك "رؤية" للسلام ولا يملك "قدرة" على الحرب، وليس لديه خطة للاقتصاد، وليس له رصيد من الصدق، ولا تملك حكومته الا السياط والغاز المسيل للدموع. إن ما نخشاه في مثل هذه الحالة اليائسة التي تتملكه أن يقوم، وقد أعيته الحيل، باستخدام الورقة الدينية، فيضخ المزيد من الشعارات الدينية، والتعبئة الجهادية، فيترتب على ذلك أن يشبع الجياع ضربا، ويدخل البلاد في دوامة جديدة من الاقتتال والحروب الأهلية. وخشيتنا من ذلك تعود الى أن مثل هذه الورقة التكتيكية قد استخدمت من قبل، أستخدمها الرئيس المخلوع النميري، فما رأينا إلا الكرباج والقنابل المسيلة للدموع، وما حصدنا الا السراب. فليأخذ السيد الرئيس عصاه وليرحل، فان للسودان وللإسلام رب يحميهما. وليأخذ الرئيس عصاه وليرحل (رابعا) ليس فقط لأن الرئيس (والفريق المرافق له) قد مكث ثلاثين عاما في سدة الحكم، أو لأن هناك طوابيرا من الشباب ينتظرون حظهم في القيادة، أو لأن هناك "ربيعا" سودانيا في ناصية الطريق، ولكن لأن الرئيس علاوة على هذا قد صار في حكم "الأسير" الذى ذهب فقهاء المسلمين من قبل للقول بإسقاط الشرعية عنه باعتبار أنه لم يعد حرا في تصرفاته. يقول أحدهم: " فان صار مأسورا في يد عدو قاهر لا يقدر على الخلاص منه، منع ذلك من عقد الامامة له لعجزه عن النظر في أمور المسلمين؛ سواء كان ذلك العدو مسلما باغيا أو كافرا، وللأمة فسحة في اختيار من عداه من ذوى القدرة". لقد كان الفقهاء الأوائل يتحدثون بالطبع عن الأسر الحسي، إذ لم تظهر لديهم صور من الأسر "المعنوي" الذي صرنا نراه في العصر الحديث، حيث تستطيع الدول الكبرى ووكلاؤها الإقليميون أن يصنعوا من أخطاء الرؤساء وجرائمهم طوقا يحاصرونهم به، وبعبعا يخيفونهم من خلاله، فيصبح الرئيس بذلك أسيرا وعرضة للابتزاز، وتصبح المصالح العليا للوطن عرضة للمساومة والمقايضة (لاحظ مثلا حالة الرئيس الحريري أو الرئيس الهادي عبد ربه وما يفعل بهما) إذ لن يجد رئيس من هذه الشاكلة مخرجا غير أن يجعل أمنه الشخصي نقطة محورية تدور حولها كل سياسات الدولة وعلاقاتها، ثم يلوذ بأفراد أسرته وأصدقائه المقربين. ولا يخفى على من يراقب الرحلات الخارجية التي يقوم بها الرئيس، والصفقات التي يحاول ابرامها، والتحالفات التي يحاول نسجها أو نقضها، أن يدرك أن "المصير الشخصي" للرئيس، سواء بقي في الحكم أو خرج منه، وسواء بقي في السودان أو خرج منه، قد صار هو المحدد الأساسي لسياسات الدولة ولتحركات الرئاسة. مما يعنى أن مصير الوطن قد صار رهينا بمصير شخص. ألا فليسقط الأشخاص وليبق الوطن. ولا قوة الا بالله

    Hats off Dr. Eltigani Abdulgadir
                  

02-09-2019, 01:11 AM

عبد الصمد محمد
<aعبد الصمد محمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2004
مجموع المشاركات: 1402

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فليأخذ الرئيس عصاه وليرحل-بقلم التجاني عب (Re: زهير عثمان حمد)

    التجاني عبدالقادر لولا أخاف المبالغة أكبر دماغ سوداني الآن
    مشكلته الوحيدة التي تخسف به الأرض أنه لا زال مؤمناً بجدوى الأسلام السياسي ولو في جلباب ديموقراطي
    ما أحمده له أنه فعل مثل حسن مكي والطيب زين العابدين بمفارقته سفينة الكيزان في سنواتها الأولى حتى قبل انشقاقهم على الترابي
    كان الكيزان يسمونه خليفة الترابي
                  

02-09-2019, 01:53 AM

Mohamed Doudi
<aMohamed Doudi
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 3871

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فليأخذ الرئيس عصاه وليرحل-بقلم التجاني عب (Re: عبد الصمد محمد)

    ما أحمده له أنه فعل مثل حسن مكي والطيب زين العابدين بمفارقته سفينة الكيزان في سنواتها الأولى حتى قبل انشقاقهم على الترابي كان الكيزان يسمونه خليفة الترابي
    التجانى وداؤد يحى بولاد وابن عمر واخرون ظلموا ظلم الحسن والحسين من قبل تنظيمهم
    ولكن يحمد للتجانى كما ذكرت لم يشارك فقط بل ترك لهم الجمل بما حمل وهاجر فى الارض الله الواسعه متجها شرقا لماليزيا
    فلم تستفيد جامعه الخرطوم من ابتعاثه على نفقتها ولم يستفيد الطلاب من علمه وعقله النقدى
    اختلف معه فكريا ولكنه مفكرا مثله مثل الطيب زين العابدين
                  

02-09-2019, 08:29 AM

هاشم الحسن
<aهاشم الحسن
تاريخ التسجيل: 04-07-2004
مجموع المشاركات: 1428

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فليأخذ الرئيس عصاه وليرحل-بقلم التجاني عب (Re: Mohamed Doudi)

    مقال محترم حقا،
    ورجل صاحب رأي يحترم عقله
    قبل أن يحترم عقول الآخرين،
    يكتب من موقفه المعروف لدى الجميع؛
    قريبا من أصل دعاواهم الفكرية،
    ولكنه بعيد جدا عن الإيهام والتدليس..
                  

02-09-2019, 10:44 AM

عمر التاج
<aعمر التاج
تاريخ التسجيل: 02-08-2008
مجموع المشاركات: 3428

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فليأخذ الرئيس عصاه وليرحل-بقلم التجاني عب (Re: هاشم الحسن)

    د. التجاني عبد القادر فعلا عقلية فكرية جبارة
    عندما جاءت به الحركة الإسلامية بدايات الإنقاذ
    ليكون أحد كتاب ما يعرف بسلسلة رسائل البعث الحضاري
    كانت كتاباته مختلفة تماما، وضع فيها نهاية الطريق الذي يسلكه هؤلاء
    وحذر الناس من مغبة الحكم الشمولي الذي فرضه الترابي عليهم
    غير انهم أوقفوه ، وتركوا المجال لأمين والمحبوب والترابي
    قبل أن يستبعد الترابي ثم يعود ليحدث بنفس ما حدث به التجاني
    وهو عندما يكتب اليوم فانه ينطلق من ذات المنصة التي حذر منها من قبل .
                  

02-13-2019, 05:49 AM

Khalid Abbas

تاريخ التسجيل: 12-16-2017
مجموع المشاركات: 1993

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فليأخذ الرئيس عصاه وليرحل-بقلم التجاني عب (Re: زهير عثمان حمد)

    تسقط بس
                  

02-13-2019, 09:07 AM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36987

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فليأخذ الرئيس عصاه وليرحل-بقلم التجاني عب (Re: Khalid Abbas)

    هذا عهر اكاديمي
    هل العيب في البشير ام فكر الاخوان المسلمين الترابي الرخيص الذتى جلبه للسودان وجريه مع نميري ومع البشير ومستمر حتي الان
    هؤلاء الدكاترة الذين يسمون نفسهم اسلاميين مازومين فعلا وظاهرة في عبدالوهاب الافندي
    كان ينصح الاخوان المسلمين يقول ليهم مشروعكم في فشل في كل العالم ومش السودان وبس وزحو للقوى الديمقراطية الحقيقية والدينية التي تعبر عن السودان
                  

02-13-2019, 12:22 PM

عمر دفع الله
<aعمر دفع الله
تاريخ التسجيل: 05-20-2005
مجموع المشاركات: 6353

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فليأخذ الرئيس عصاه وليرحل-بقلم التجاني عب (Re: adil amin)

    يا دكتور التجانى عبدالقادر
    ان نقد التجربة لجهة التطبيق هو نوع من ذر الرماد على العيون
    فأمراضكم تكمن في الفكرة ولو لم تكن الفكرة هشة وعصية على التطبيق
    لما اختطف منكم الدولة والتنظيم معا اصحاب العقول الخاوية من امثال البشير ونافع وعلى عثمان .
    لا تتحدث عن صناعة الدكتور ، بل تحدث عن بوار الفكرة التى مهدت الطريق امام الدكتاتور .
    مثل هذا النقد يصلح في الصحف الحائطية في الجامعات ويتناسب مع عقول الطلاب ولا يشبه المفكرين
    يا مهندس ( التأصيل ) في وزارة التعليم والبحث العلمى . أليس كذلك ؟
                  

02-13-2019, 01:57 PM

اسماعيل عبد الله محمد
<aاسماعيل عبد الله محمد
تاريخ التسجيل: 08-26-2007
مجموع المشاركات: 2816

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فليأخذ الرئيس عصاه وليرحل-بقلم التجاني عب (Re: عمر دفع الله)

    Quote: جهاد الإسلاميين "المستنير" للتضحية بالبشير
    صلاح شعيب

    ما يزال الإسلاميون داخل السلطة، وخارجها، يحاولون خداع أنفسهم، أو الناس. فالمؤتمر الشعبي ببساطة لم يلتقط إشارات الشباب الثائر، ويحاول تخريج مبادرة للحفاظ على بنية المكتسبات الإسلاموية. وربما التقط الشعبي هتافات صاخبة ضد الكيزان، ولكنه يتذاكى لخداع الرأي العام. ولعل هذه مشكلة عويصة تتعلق بالصدق مع الشعب لم يقيض الله للإسلاميين مجالا للانفكاك منها. ذلك رغم توفر العبر على كل قارعة طريق سوداني. فَهَم يفترضون الغباء في كل لحظة عند الشعب، وبالتالي يتحايلون عليه، ولا يتصورون أنه ذكي بالقدر اللائق، ويحتاج إلى قدر من الاحترام لوعيه.
    أما على مستوى الإسلاميين المهمشين، والثائرين غبنا ضد هيمنة زملائهم - لا ضد المقدمات التي هدمت المشروع الحضاري - فالأمر فادح. فالدكتور التيجاني عبد القادر أستاذ العلوم السياسية استخدم ذات عقلية البشير. فالاثنان اجتهدا بغير هدى لاصطناع كبش فداء. فلو أن البشير يرمي اللوم على تطبيقات النظام العام كسبب للأزمة، فإن التيجاني يرمي اللوم عليه هو، ومعاونيه فقط، وليس على أصول فكر الحركة الإسلامية. بل حاول الأستاذ الجامعي الإشارة إلى أن البشير ليس عضوا أصيلا ضمن جماعته.
    لقد لاحظنا في الفترة الماضية أن إعلاميي قناة الجزيرة أمثال أحمد منصور، وفيصل القاسم، وقريشان، وفوزي بشرى، يؤكدون على مهاجمة البشير مع غض الطرف عن أصول فكرة الإخوان المسلمين التي دمرت إمكانيات البلاد. وهو ذَا اخانا التيجاني الذي يذهب مكرها مذهب الإخوان المسلمين الدوليين المدعوم من قطر. وهذا المذهب تقوم استراتيجيته على التضحية بالبشير ككبش فداء للحركة الإسلامية، و لا بأس من رميه في مزبلة التاريخ مع عدد قليل من الإسلاميين لتبرئة الإسلام السياسي من مأساة السودان.
    والتيجاني يذهب أكثر من ذلك ليرى أن البشير سعى لتصنيع شريحة اجتماعية تخلقت في الثلاثين عاما بينما تقول الوقائع إن غالبية هذه الحاضنة من الجبهجية المتبنين لفكر الإخوان المسلمين. والسؤال حقا هل أتاح الإسلاميون لشريحة غيرهم الثراء الحرام؟ ألم يرثوا جهاز الدولة، وهم وحدهم الذين هيمنوا على القطاع الخاص؟ هل كانوا كريمين بهذه الدرجة مع هذه "الشريحة"، ومقابل ماذا؟
    صحيح أن كل ما قاله التيجاني عن البشير يجانبه الصواب. ولكن الدكتور تفادى الاعتراف بأن البشير ليس فردا، وإنما مؤسسة كاملة الدسم. فالذين فصلوا له الاستبداد فصلوه على مقاسات الحركة الإسلامية أولا. وهي الحركة التي بدأت حكمها بالبطش، لا الرحمة، كما يدرك التيجاني الذي هو أقدر الناس معرفة عند المقاربة بين الاستبداد الذي نظر له الكواكبي وبين نظرية العقد الاجتماعي لجون لوك. ويعلم أن كل خطوة مشاها البشير في الثلاثين عاما الماضية كتبت بمباركة من غالبية قادة الحركة الإسلامية، والتيجاني نفسه لم يعترض على استبداد البشير إلا بعد عشرة أعوام تقريبا، وفِي هذه السنين نفذ البشير كل ما رسم له من نظريات أسلمة المجتمع والدولة معا.
    فالذي سن الدستور ليس هو البشير، والذي شرع للاقتصاد ليس هو البشير، والذي قنّن سياسة "المؤتمر العربي - الاسلامي" ليس هو البشير، والذي أسس، وطبق، قوانين الأمن ليس هو البشير. أما نهج قضاته، ووزراء عدله، فأجازته جيوب الحل والعقد للحركة الإسلامية التي حلت محل الدولة. لم يكن البشير منظرا حتى يمارس هذا التقعيد الدستوري والتنفيذي للدولة، فدوره كان دور فرد إسلاموي يساهم بنصيبه ضمن الآلاف من الكوادر القيادية؟
    ولعل التيجاني يعلم أن قوائم الصالح العام كانت بمباركة الإسلاميين قبل انشقاقهم. وكان التيجاني حينها نافذا، ويوظف تأهيله العلمي ليفلسف أفكارا حول ما ينبغي أن يكون عليه تمكين الحكم إسلاميا، ولَم ينبس ببنت شفة حول الظلم الذي وقع على عائلي الأسر، ولَم يخرج لنا بنظرية حول مسؤولية الحاكم المسلم عن رعاياه المفصولين المسلمين، وغير المسلمين.
    ولعل التيجاني كان مباركا بالصمت حين تم تمرير الدبلوماسية الرسالية التي تعادي روسيا وأمريكا في آن واحد ولَم يعترض بمقال يتيم، وهو العالم السياسي الذي يعرف مغبة توجيه العداء للمعسكرين في آن واحد على معاش المجتمع. الأسوأ من ذلك أن التيجاني ربما سمع بتطهير القوات المسلحة، وتقصير الدخول للكلية الحربية على الطلبة الإسلاميين، ولكنه سكت ابتهاجا، ومرضاة للمولى، عز وجل.
    إن البشير عبر كل هذه السياسات التي اضطلعت بها الحركة الإسلامية كان أراجوزا لها. ينفذ ما تريده، إذ يستمد أرضيته من هذا الجيش الجرار من الإسلاميين الذين يشكلون الآن الدولة العميقة، ويعاونهم شغيلة تحت الطلب. وهل كان بإمكان البشير وحده أن يهبط بالسودان إلى أسفل سافلين إن لم تحمه جوقة من مئات الوزراء الإسلاميين، والآلاف المؤلفة من كوادر الحركة التاريخيين، والذين ورثوا جهاز الدولة، وما ثاروا عليه حتى يستعيدوا ما يسمى فاعلية الحركة الاسلامية.
    يكاد أحدنا يتصور أن الإسلاميين، وهم بهذا التكتيك المخادع، سيواجهون دائما مشكلة عضوية في تأملهم العقلاني عند أي استدبار سياسي. ذلك كونهم يراهنون دائماً على الغش السياسي حتى بعد أن أوردهم موارد هذا الهلاك الأخلاقي، والذي من خلاله ضاعت فرص استقرار، ونماء البلاد.
    إن التيجاني في مقاله المعنون "فليحمل الرئيس عصاه ويرحل" كان حريصا أن يغشنا - لا أن ينورنا - بأن الأمر كله معلق على البشير فحسب. ولعل المتابع لكتاباته يرى أنه يحاول دائماً ترسيخ فشل المشروع الحضاري على الدائرة الضيقة حول البشير، ولكنه يتجاوز التعميق في التحليل السياسي الذي يدرسه لطلبته، ويشرف عبره على أجيال جديدة تقدم أطروحات في الماجستير والدكتوراة حول هذا العلم الحيوي.
    فأستاذ مثله ترجو منه الأجيال الفهم المستنير، والأكاديميا الحريصة على التفكير النقدي. ولهذا كان مطلوبا منه أن يشرح لنا ركائز المحيط الفكري الذي يتحرك فيه الطاغية البشير، وكيف أن رجلا بهذا التهور كان هو خيار الحركة الإسلامية الأوحد. وعندئذ كان العشم في شجاعة الإسلاميين التصحيحيين لتحمل مسؤوليتهم في الإتيان به بدلا من التملص منه.
    إن قول كثير من الإسلاميين بأن الحركة الإسلامية تم حلها، وتعطلت فاعليتها بعد الانقلاب يمثل نفاقا عظيما، وغشا حامضا. فما الذي يحوج الإسلاميين لهيكلية الحركة إذا استطاعوا جميعا الذوبان في هياكل الدولة، وصاروا يرسمون موجهاتها، ويطبقون سياساتهم على "دائرة المليم". ألم يستعنوا بوعاء الدولة الواسع الثري بديلا لوعائهم الحزبي الضيق؟. والسؤال الآخر هو إلى أي مدى كان الحصاد كبيرا لقاعدة الحركة..أهو عندما كانوا خارج السلطة أما بعدها؟ ثم لماذا يحرصون إذن على ما يسمونه مكتسبات الحركة الإسلامية في التمكين إذا هي فعلا كانت معطلة، وغير فاعلة طوال هذه السنوات؟!
    وما الذي اكتسبته عضوية الحركة ماديا بعد حلها وصيرورتها إلى دولة في مقارنة بعضوية حزب الأمة والاتحادي والشيوعي مثلا؟
    هنا تكون المقارنة. ولكن أن يتشبث الإسلاميون بخداع مكرر عن غياب فاعلية حركتهم الهيكلية - وفِي ذات الوقت يتهيكلون شخوصا فاعلين داخل اجهزة الدولة بهذه الأغلبية الساحقة - فهذا يسمى عوار التدين نفسه. فليحمل الإسلاميون مشروعهم الاستبدادي السمات وليرحلوا.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de