د. مدى الفاتح .. صاحب مقالات رصينة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-09-2024, 12:09 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2019م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-05-2020, 05:23 PM

حيدر حسن ميرغني
<aحيدر حسن ميرغني
تاريخ التسجيل: 04-19-2005
مجموع المشاركات: 25102

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
د. مدى الفاتح .. صاحب مقالات رصينة

    04:23 PM February, 05 2020

    سودانيز اون لاين
    حيدر حسن ميرغني-Colombo -Srilanka
    مكتبتى
    رابط مختصر



    تروتسكي أو الثورة حين تأكل آباءها
    د. مدى الفاتح
    بعد موت رفيقه فلاديمير لينين عام 1924 وصعود ستالين، لم يكن أمام ليون تروتسكي الذي كان من أهم المساهمين في الثورة الروسية، وفي تأسيس «الجيش الأحمر» خيارات كثيرة، أو كانت أمامه خيارات تقود جميعها إلى النتيجة ذاتها، فإما أن يجاهر بآرائه الرافضة لمنهج ستالين في الحكم، وحينها عليه أن ينتظر مصيراً لا يقل سوءاً عن مصير أي معارض آخر، أو أن يعتبر أنه ليس بالإمكان أفضل مما كان فيسكت أو ينضوي مع الداعمين لكن بدون ضمان كامل بالسلامة.
    كان تروتسكي معروفاً بثقته بنفسه وآرائه الحادة، كما كان معروفاً بنقده المتواصل لهرم السلطة، الذي كان جزءاً منه. كان ذلك واضحاً من قبل تولي ستالين مقاليد الحكم، بل يمكن القول إن الاعتداد بالرأي ظل صفة ملازمة له طوال حياته، حتى أن بعض المؤرخين ذهب للقول إن تروتسكي، وبما توفر له من اطلاع واسع، كان مشاكساً منذ أيام المدرسة، فلم يكن يقبل ببساطة، المسلمات التي يلقيها المعلمون، بل كثيراً ما كان يحاجج ويجادل. لاحقًا وحين بدأ حياته الثورية كان يميل إلى الاتجاهات الأكثر راديكالية رافضاً بشدة أي تنازل أو أي حل توافقي، فكان مع التغيير الشامل، «البلشفية»، مقابل «المنشفية» التي كان أصحابها يدعون للعمل المتدرج والتطبيقات الناعمة للاشتراكية التي قد تتصالح مع النظام القائم، أملاً في تحقيق غاياتها على مدى زمني أبعد، لكن بمجمل خسائر أقل.
    ساهم تروتسكي الذي دافع عن الرؤية الثورية بشكل مستميت، في تقوية موقف البلاشفة الذين كان لينين على رأسهم، خلال مؤتمر الاشتراكيين التاريخي في لندن عام 1903. جمعت البلشفية والمنفى الإنكليزي بين الرجلين، لكن تروتسكي ظل محتفظاً باستقلاله واعتداده برأيه، رغم كل شيء، ما فسر حدوث لحظات توتر بين الرجلين كادت تقود، لولا وجود الاحترام المتبادل، لانقطاع العلاقة بينهما.
    الأزمة مع ستالين كانت أكبر وأكثر تعقيداً، فلم يكن بينهما التقدير ذاته الذي كان يجمع تروتسكي بلينين. بالنسبة لتروتسكي كان ستالين مفتقراً للذكاء السياسي والكاريزما، وبالنسبة لستالين كان تروتسكي مثالاً للمثقف المغرور، الذي لا يحد طموحاته سقف، ما يشكل خطورة فعلية على كرسي الحكم.
    مع استلام ستالين السلطة كانت قد برزت حركة تململ وسط الجماهير، بسبب الإحباط الذي عاشته مع التطبيق العملي للمبادئ الشيوعية. المال والثروة لم يكن يبدو أنهما في طريقهما إلى الشيوع، أما الحزب الحاكم الذي طالما بشّر في خطبه النارية البليغة بتخفيف آلام المسحوقين، ورفع الظلم عن العمال، وإنهاء الطبقات بشكل نهائي، فقد انتهى الأمر بقياداته إلى أن تتحول بشكل تدريجي إلى طبقة معزولة عن الشعب، منشغلة بمحاصصاتها السياسية، وامتيازاتها الاجتماعية، التي من أهمها امتلاك حصانة ضد كل نقد. من أجل حسم حالات التململ، لجأ ستالين لسياسة القمع والتنكيل. اتبع ذلك مع الجماهير، وداخل حزبه، الذي بدأت تتكون فيه خلية معارضة، خاصة بين الدائرة الضيقة التي ظلت تحيط بتروتسكي. سيتفرغ ستالين لمواجهة هذه الخلية المتنامية، وسيشهد الحزب خلال العشرينيات والثلاثينيات، حملات متواصلة من أجل «تطهيره» من الخونة.
    مصير تروتسكي كان المنفى والفصل من الحزب الشيوعي عام 1926. ستالين استغل الحالات المتناثرة من الخلاف بين لينين وتروتسكي من أجل القول إن الأخير كان كارهًا للزعيم المؤسس منذ البداية. في لحظة ما سيجد تروتسكي نفسه خارج الجغرافيا، ففي داخل الأراضي السوفييتية لم يعد ذلك الزعيم المحترم، أما في «العالم الحر» فكان ما يزال المفكر الشيوعي الخطر، الذي قاد ثورة أممية. نُفي تروتسكي إلى ألما ٱتا، ورغم أن هذه المدينة كانت بعيدة حقاً ومنفى حقيقياً، إلا أن نشاطه الفكري الذي اعتاد على المنافي منذ عمر مبكر لم يتوقف. خارج المنفى كان الوضع الاقتصادي والمعيشي للناس يزداد سوءاً، وكانت الطبقة الفقيرة التي بشرتها الأطروحات الماركسية بالخلاص، تزداد فقراً وبؤساً، الأمر الذي بلغ حد النقص الحاد في الحبوب والمجاعة الفعلية، التي خلفت ملايين الضحايا.
    عوضاً عن السعي لإيجاد حلول ناجعة، تابع ستالين سياسته القمعية، محذراً من «مؤامرة كبرى». طال القمع تروتسكي الذي سيجد نفسه قرب الحدود التركية، بادئاً رحلة انتقال عبر القارة الأوروبية سوف تستمر بضع سنوات، قبل أن يضيق الأوروبيون به ليستقر به المقام في المكسيك. لم يكن أمام تروتسكي الكثير ليفعله في منافيه تلك، بخلاف مقابلة الناشطين والكتابة. هناك وضع كتابه «الثورة المشوهة» الذي حاول فيه شرح أفكاره والدفاع عن نفسه، مقابل الدعاية الستالينية، التي كانت تصفه بالمارق والخائن، كما كتب سيرته الذاتية التي ركز فيها على أفكاره ونضالاته. لكن الكتاب الأبرز، ربما يكون «تاريخ الثورة الروسية» الذي يحوي تحليلاً للصعود الشيوعي، وتحذيراً من عوامل الانهيار في الوقت ذاته. أهم ما في الكتاب ربما يكون إعادة الاعتبار لدور الجماهير كبطل رئيس ومحرك فعلي للأحداث، فالجماهير هي من وضعت تروتسكي ورفاقه في المقدمة، ولولاها لما كانت ثورة. لم تسلم مؤلفات تروتسكي من التناقض المنهجي، فهذا الحديث عن الجماهير لم يمنعه من الاستفاضة في ذكر دور لينين في تثوير الحزب البلشفي، وتحفيزه للعب دوره التاريخي، كما لم يمنعه كذلك من الحديث عن شخصه، كما في مذكراته التي وضعها عام 1935، والتي قال فيها إنه «لو لم يكن لينين في بطرسبورغ، أو لم أكن هناك، لما وقعت ثورة أكتوبر، ولمنعت قيادة الحزب البلشفي اندلاعها».
    قد يكون «تاريخ الثورة» محل نظر من ناحية الدقة التاريخية والموضوعية المنهجية، لكنه بلا شك كتاب مهم، حينما يتعلق الأمر بشهادة أحد أهم المساهمين في الأحداث، التي كانت ما تزال ساخنة وقت كتابته (بداية الثلاثينات). يمكن القول أيضا إن أهمية الكتاب تتجاوز نطاق الاهتمام بالخصوصية الروسية لما يمكن تعميمه على كثير من الحالات الثورية. على سبيل المثال يقول تروتسكي في مقدمته: «ولا تندفع الجماهير إلى الثورة وفق مخطط جاهز للتحويل الاجتماعي، ولكنها تندفع بسبب إحساسها المرير بعدم قدرتها على تحمل النظام القديم فترة أطول». هذا هو ما حدث تماماً إبان الثورة الروسية، فالجماهير لم تكن قد عبّرت بأي شكل عن اقتناعها الكامل بالأيديولوجية الشيوعية، أو بأفكار لينين أو ماركس، فكل ما كانت تطمح إليه هو إنهاء الحكم الملكي.
    في خضم الفترة الانتقالية التي تلت سقوط القيصر، أدرك لينين أن الانتخابات لن تمنحه ما يريد وأن الجماهير التي يعوّل عليها قد تخذله، وهو ما جعله يلجأ للانقلاب الذي كان سهلاً بسبب استمرار الضائقة المعيشية. في المكسيك كان تروتسكي يعلم أن حياته مهددة، وأن غريمه لن يكتفي بأنه صار منفياً. ستالين الذي قام بملاحقة وقتل عدد كبير من عائلة تروتسكي، كما يفعل دائماً وفق قانون «عائلات خونة الوطن»، لم يكن ليترك معارضه الأهم بدون عقاب. النهاية التراجيدية لم تتأخر، لتنجح عملية الاغتيال، رغم الحراسة المشددة على مقر السكن عام 1940. «يبدو أن ستالين قد نجح هذه المرة»، قال تروتسكي المضرج بدمائه في مشهد سقوطه الأخير.
    كاتب سوداني








                  

02-05-2020, 05:32 PM

حيدر حسن ميرغني
<aحيدر حسن ميرغني
تاريخ التسجيل: 04-19-2005
مجموع المشاركات: 25102

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. مدى الفاتح .. صاحب مقالات رصينة (Re: حيدر حسن ميرغني)

    الخرطوم: مطعم «أبجيقة» مقابل كنتاكي
    د. مدى الفاتح
    يعتبر تأثير دخول ثقافة مطاعم الوجبات السريعة إلى المجتمعات العربية من الموضوعات التي لم تحظ بالعناية الكافية، حيث يتعامل أغلب الناس ببساطة مع الموضوع، معتبرين أن هذه المطاعم ما هي إلا مجرد أماكن جديدة لتقديم الطعام.
    لكنّ باحثي علوم الاجتماع، خاصة نقاد النيوليبرالية في كثير من المجتمعات التي وجدت نفسها في مواجهة طريقة حياة وغذاء غريبة، كانوا ينظرون للأمر بعين مختلفة. كان هذا النوع من المطاعم بالنسبة إليهم أكثر من مجرد خيار غذائي، فقد كانوا يرون أنه يندرج تحت إطار تكريس النمط الموحد للسلوك الإنساني، أو ما كانت تسميه مدرسة فرانكفورت الفلسفية «بتشيؤ» الإنسان، أي تحوله إلى ترس وأداة في يد مجتمع بيروقراطي يجبره على أن يفقد إنسانيته، وأن يحول عقله إلى «عقل أداتي» خالٍ من الإبداع، وهو ما يخلق في نهاية المطاف مجموعة من الأشخاص المتماثلين، أو بحسب التسمية التي أطلقها الفيلسوف الأمريكي ألماني الأصل هيربرت ميركيوز: الإنسان ذو البعد الواحد.
    يمكن أن نضرب هنا مثلاً بمقاهي «ستاربكس» الشهيرة، فهذه السلسلة من المقاهي التي تنتشر في عدد كبير من أركان العالم مقدمة القهوة بطريقة حداثية، لكن متماثلة في جميع محلاتها التجارية، صارت تنافس في كثير من البلدان الثقافات المحلية. ستاربكس التي أصبحت مرغوبة بالنسبة للكثيرين، بسبب مذاقها الجديد وحجمها المختلف، وحرصها على تقديم خدمات جديدة كتوفير الإنترنت المجاني مثلاً، أصبحت هي البديل عن المقاهي التقليدية التي كان يجتمع حولها الناس. أكثر من ذلك فإن ستاربكس صارت الخيار الأفضل للزوار والسائحين، الذين عوضاً عن أن يقوموا بتذوق القهوة والمشروبات المحلية، والجلوس في أماكن تقليدية، أصبح كثير منهم يفضل أن يتناول المشروب الذي اعتاد عليه، والذي هو في متناول اليد في كل مكان.
    محمد تركي الربيعو كان قد ناقش موضوع مقاهي ستاربكس في إحدى مقالاته، رابطاً إياها بمصير الطبقة الوسطى، استناداً إلى كتاب الباحثة الفرنسية إليزابيث لونغنيز الذي يفصح عنوانه عن مضمونه «أزمة الطبقة الوسطى في المشرق العربي»، كما استشهد الربيعو، بحديث بيير بورديو عن «الانشقاق الطبقي»، وهو التعبير الذي استوحاه عالم الاجتماع الفرنسي من حديث كارل ماركس ورفيقه فريدريك إنجلز عن الطبقة المهيمنة على الثورة الفرنسية في كتابهما «الأيديولوجية الألمانية».
    هل يمكن أن تقود هذه المطاعم والمقاهي الحداثية إلى انشقاق طبقي فعلاً؟ إن ذلك يعتمد على المكان بكل تأكيد، ففي مجتمعات الرفاه والوفرة، حيث يكون كل شيء في متناول اليد، قد لا يكون أثر ذلك واقعاً، لكن في العالم الثالث، حيث يدلل التردد على مثل هذه الأماكن على الانتماء إلى المجتمع البورجوازي فإن الأمر يبدو مختلفاً.
    ربما تكون الخرطوم مثالاً جيداً هنا، فهذه المدينة التي تشهد أزمة اقتصادية خانقة، وندرة في السلع الأساسية، تستعد للانضمام للمدن والحواضر التي تحوي فروعاً لمطاعم الوجبات السريعة ذات النمط الأمريكي. عدّ البعض هذا نوعاً من الانفتاح الذي يبشّر ببدء علاقة جديدة مع العالم، لكن المشكلة كانت أن مثل هذه المطاعم ليست متاحة لجميع الناس، فسعر القطعة الواحدة من «بيتزا هت» قد يساوي سعر وجبة شعبية كافية لجميع أفراد العائلة، وهي المفارقة التي يتوقع أن تتكرر مع وجبات ماكدونالدز وكنتاكي وغيرهما.
    قدم الربيعو في مقاله « مقاهي ستاربكس وعربات فول» قراءة موازية لما سبق أن وضعته الهولندية أندي كونينغ تحت عنوان «كافيه لاتيه وسلطة القيصر في مقاهي القاهرة الراقية». كانت كونينغ تسعى إلى تحليل ظاهرة المقاهي الجديدة في المدينة، وكيف أن هذه المقاهي أزاحت «القهاوي» التقليدية بالتوازي مع العملية الجارية لإزاحة ما كان معروفاً بالطبقة الوسطى، من قبل طبقة جديدة أطلقت عليها اسم «الطبقة الوسطى العليا». تتميز هذه المطاعم والمشارب الجديدة باستخدام اللغة الأجنبية (كافيه لاتيه) والأسماء الغامضة التي قد لا يدرك الكثيرون أصلها، بدلاً مما كان معتاداً ومفهوماً، وبهذا يتكون نوع من الحجز الثقافي بين من يفهم هذه الأسماء الجديدة، وهو دليل زائف على الرقي، ومن هو جاهل بها.
    التقسيم الطبقي قد لا يبدو مقنعاً، خاصة أن هذه الطبقات، إن وجدت، فهي في تحرك مستمر، ففي بعض عقود الرفاه يمكن ملاحظة أن أعضاء من المستويات الفقيرة، أو الدنيا، انتقلوا إلى مستويات أعلى فتغيرت نظرتهم للمجتمع وطريقة استهلاكهم، وفقاً لهذا الترقي، بالمقابل، تقود الأزمات الاقتصادية وما يرتبط بها من تضخم وعجز إلى انزياح من نوع آخر، يدفع أفراداً من الطبقات العليا بالتدريج، وأحياناً بسرعة، إلى مراتب دنيا تجعلهم يعيدون تعريف احتياجاتهم وأولوياتهم، وهو ما سيساهم في تحويل بعض ما كان ضرورياً بالنسبة إليهم وأمراً لا غنى عنه، إلى مجرد كماليات.
    أفراد الطبقات الدنيا سوف يتعاملون مع هذه المطاعم الجديدة بشكل مختلف، حيث سيرى الأفراد الأصيلون في هذه الطبقة أن الذهاب إلى تلك الأماكن غير مهم، أو قد يكون ممكناً في مرة منفردة كنوع من التغيير المشابه للخروج في نزهة مكلفة، في حين سيقود الحنين الأعداد الكبيرة من الواصلين حديثاً إلى هذه الطبقة، من الذين تمت إزاحتهم قسراً من الطبقات العليا إلى التردد على هذه المطاعم بين الحين والحين، لإثبات أنهم ما يزالون جزءاً من ذلك العالم البهيج. البعض، وهذا من الأمور العابرة للطبقات، حاول أن يضفي على حالة الفرح السطحية بافتتاح هذه المطاعم بعداً سياسياً، ورغم أنه لا توجد دلائل واضحة على أي ارتباط سياسي، إلا أن أولئك كانوا يعتبرون أن في وجود مثل هذه الأماكن ذات الطابع الأمريكي مؤشراً على قرب رفع اسم السودان من لائحة الإرهاب، وعلى أن إلغاء العقوبات الأمريكية المفروضة منذ سنوات صار أمراً وشيكاً. لامتلاك نظرة أكثر عمقاً حول العلاقة بين الطعام والهوية ربما يجب الاطلاع على كتاب سامي زبيدة وريتشارد تابر «مذاق الزعتر: ثقافات الطهي في الشرق الأوسط» الذي يأخذ القارئ في سياحة ثقافية وتاريخية إلى ما وراء الأطباق الشهيرة في المنطقة مثبتاً كيف كانت هذه الأطباق التي نتعامل معها بعفوية اليوم نتاجاً لكثير من عمليات التلاقح والامتزاج الحضاري.
    في السودان استقبلت مجموعة من الشباب الناشطين، الإعلان عن قرب افتتاح فرع لمطعم كنتاكي في الخرطوم بتشكك، معتبرين أن ذلك لن يساهم بأي شكل في خلق ترقٍ حضاري، بقدر ما سوف يساهم في تكريس حالة التغريب والتذويب، التي تتهدد الهوية السودانية. كرد فعل أعلنت هذه المجموعة عن قرب افتتاح مطعمها الخاص بالاشتراك مع مجموعة مفتوحة من المساهمين. المطعم الذي أطلق عليه اسم «أبجيقة» (كلمة شبابية بمعنى الإنسان البسيط) سوف يكون أقرب للتعاونية التي لا تهدف للربح. سيقدم هذا المطعم الوجبات الشعبية والأصيلة حصراً، وسيكون موقعه قريباً أو مقابلاً لمطعم كنتاكي. لا يتوقع أن يشكّل مشروع «أبجيقة» أي تهديد تجاري جاد للمطاعم الحداثية، لأنه ببساطة يخاطب في إعلاناته جمهوراً مختلفاً، لكن السؤال عما إذا كنا نشهد «انشقاقاً طبقياً» داخل الطبقة الوسطى، أو عما إذا كانت هناك بالفعل طبقة وسطى قابلة للانشقاق ما يزال مطروحاً.
                  

02-05-2020, 05:38 PM

حيدر حسن ميرغني
<aحيدر حسن ميرغني
تاريخ التسجيل: 04-19-2005
مجموع المشاركات: 25102

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. مدى الفاتح .. صاحب مقالات رصينة (Re: حيدر حسن ميرغني)

    إعادة التفكير في التاريخ والهوية السودانية
    السودان بلد شاسع المساحة وهو يظل، رغم انفصال أجزاء كبيرة عنه، عقب استقلال دولة جنوب السودان، أحد الدول الأكبر مساحة على المستويين الإقليمي والدولي. هذه المساحة الكبيرة فرضت كثيراً من الاشتباك التاريخي، الذي أثر بدوره على الجغرافيا وعلى المجتمع السوداني، لدرجة القول إن كثيراً من المشكلات السياسية والاجتماعية والثقافية التي يعانيها هذا البلد اليوم، إنما هي انعكاس لتعقيدات متفاقمة يضرب بعضها بجذوره في التاريخ.
    ربما يكون الشرق ومشكلاته ذات الطابع السوسيوسياسي، التي تنفجر بين كل حين وآخر مخلفة الكثير من الضحايا والأضرار، أحد الأمثلة على الارتباط بين ثلاثي الثقافة والاجتماع والسياسة، ورغم الاختلاف في درجة الخطورة والتفاقم، إلا أن «المسألة الشرقية» تحمل تشابهاً كبيراً مع أزمة دارفور، التي اندلعت في غرب السودان، والتي ظلت تحتل لسنوات طويلة صدارة الاهتمام العالمي، بسبب ما جسدته من وضع كارثي، وما كان يظهر للمتابعين من عجز رسمي وشعبي على احتوائها.
    إلا أن المثال الأكثر تراجيدية من كل ذلك كان الأزمة الجنوبية التي تجاوزت نتائجها وتداعياتها العدد الكبير للضحايا، والتكلفة الضخمة للخسائر الناتجة عن الحرب الأهلية، الممتدة لتصل حد انفصال الإقليم الجنوبي وتحوله لدولة جديدة منفصلة ذات علاقة لا تخلو من حساسية تجاه الدولة الأم.
    الجنوب لا يشكل فقط المثال الأكثر تراجيدية، بل يشكل كذلك المثال الأكثر تعبيراً لما يمكن أن يقود إليه انسداد الأفق السياسي، المبني على الجهل بجذور المشكلات التي تشكل الحرب والتعقيدات السياسية، مجرد واجهة من واجهاتها. هذا الجهل هو الذي قاد السياسيين للبحث عن علاجات مخففة للألم، ولكنها ليست فاعلة وجذرية. علاجات من قبيل السعي لتقاسم السلطة والثروة مع مواطني الجنوب، أو كمنح السياسيين والمقاتلين السابقين، حصصاً مميزة في مقاعد التشكيلات الإدارية والتنفيذية. كان من حجج الانفصاليين قولهم، إن مواطني الجنوب كانوا على الدوام جيراناً غرباء لا تحظى هويتهم بالتقدير الكافي، فلا أحد يأبه لثقافتهم أو لغتهم أو تاريخهم، بقدر ما يكتفي معظم الآخرين بترديد تخيلاته عنهم، وتكريس بعض الصور النمطية السطحية عن مجتمعهم. ربما لا تكون تلك حجة منافية للواقع بشكل تام، فعلى المستوى الشخصي أعرف عدداً من الذين تمكنوا من التقاط بعض الكلمات من لغة الدينكا، أحد أهم لغات الجنوب، لكنني لا أعرف متخصصاً كانت لغات الجنوب هي تخصصه الرئيس. أكثر من ذلك فإن كليات الآداب الوطنية، بما فيها كلية الآداب العريقة بجامعة الخرطوم، يمكنها أن تحتوي على أقسام لأهم اللغات العالمية، لكن بدون أن تحتوي على قسم واحد في تخصص اللغات السودانية، ومن المفارقة هنا أن تكون لغة الدينكا من اللغات التي تدرس في بعض الجامعات الأمريكية، في حين لا يكون لها مكان، لا في السودان القديم الموحد الذي شكلت لغة رئيسة من لغاته، ولا في السودان الجديد، الذي انفصل سياسياً لكنه لم ينفصل جغرافياً عن جيرانه الجنوبيين.
    لم يكن تدريس اللغات السودانية المحلية في الجامعات الأمريكية أو الغربية مجرد ترف أكاديمي فرضه توفر الموارد، كما يظن البعض، ولكن تلك الدول أدركت أهمية اللغات والثقافات الشعبية، وعرفت أنه لا غنى عنها من أجل فهم طبيعة المجتمعات وطريقة تفكيرها. بالمقابل فإن عندنا من يظل يصف، بشكل منافٍ للمنطق وللعلم، الدينكا وغيرها من اللغات الجنوبية ولغات أخرى في الشرق والغرب والشمال، بأنها لهجات، فبالنسبة لأولئك فإن اللغة السودانية الوحيدة هي اللغة العربية، وما سواها مجرد «رطانات» وهي كلمة تستخدم في الغالب للتقليل من شأن اللغة المقصودة.
    ظل الإقليم الجنوبي منذ التحاقه المتأخر بالسودان إقليماً زائداً، كما ظل مواطنوه يعيشون على هامش الهوية السودانية التي ساهمت التجربة المهدية الإسلامية في تشكيلها، ورغم أنه كثيراً ما يلقى باللوم على البريطانيين لفصلهم بين الشمال والجنوب، عبر سياسات قاسية وغير إنسانية، إلا أن القارئ للأحداث، ربما يكتشف أن تلك السياسة، رغم تكريسها للعزلة الشعورية بين الشمال والجنوب، إلا أنها لم تكن السبب الوحيد وراء تلك العزلة، كما أنه لا يمكن تحميل الاستعمار فاتورة الأخطاء التي حدثت بعد الاستقلال، التي جعلت الجنوبيين يشعرون بأنهم يعيشون على الهامش السياسي والاجتماعي والثقافي، رغم ما كانوا يأخذون من حصص سياسية، ورغم نجاح أعداد منهم في الترقي إلى هرم السلم الاجتماعي، حيث لم يكن كل ذلك بالنسبة لأكثرهم إلا بمثابة الاستثناء الذي يؤكد القاعدة. المثال الجنوبي مجرد مثال معبر، كما قلنا، لكنه ليس بأي حال المثال الوحيد، ففي المناهج المدرسية، وأيضاً في وسائل الإعلام المختلفة، كان هناك على الدوام تركيز على أحداث دون أخرى، ونقاط دون غيرها، وإذا أضفنا إلى هذه الانتقائية عوامل أخرى ترقى للتشويه والتزوير، بحجة الحفاظ على التاريخ كشيء مشرّف خلاب، فإن بإمكاننا أن نستوعب حجم المشكلة.
    التاريخ كتاب مفتوح تهدف دراسته للتعرف ليس فقط على أوقات الصعود والفتوحات، ولكن أيضاً على لحظات الضعف والفشل والخذلان، بما يساعد على تجاوزها، والعمل على عدم تكرار الأخطاء ذاتها. هذا الفهم هو الذي قاد الدول الأوروبية مثلاً للتذكير في كل سانحة بمآسي الحروب العالمية، حتى تظل مشاهد الدمار والجوع والألم عالقة في الأذهان، وهو الذي يجعلهم يهتمون بالمتاحف التي تتناول حقباً مختلفة ليست كلها حقب نمو وصعود، فثمة متحف لتوثيق طرق التعذيب، وثمة متحف آخر لتوثيق قصص العبودية، وأعمال السخرة وغيرها مما هو معروف لكل زائر. التجهيل بالتاريخ يمكن استشعار أثره بردة فعل الشباب السوداني على الاهتمام العالمي المتصاعد، خلال الأعوام الأخيرة بالحضارة السودانية القديمة في شمال السودان، حيث بدا وكأن الشباب المتحمس الذي لم تتح لأغلبه فرصة زيارة تلك المناطق، يكتشف لأول مرة أن هناك مملكة قديمة في شمال السودان وآثار جديرة بالمشاهدة، والأهم: الكثير من الأهرامات التي تستحق الاهتمام والترويج.
    الأمر لا يتعلق فقط بكل ما ذكرناه أو بحالات ثقافية معينة على حدود السودان الشاسعة، ولكن بإمكان ذلك أن ينسحب على حقبة مهمة من تاريخ السودان الحديث كالحقبة المهدية، فالأكيد أننا نتعامل مع هذه الحقبة بسطحية بدون أن نشجع باحثينا على كشف أسرارها واقتحام أسوارها، إما بسبب الخشية من اعتماد أولئك الباحثين على المراجع التي كتبت بواسطة «الأعداء» أو بسبب أن نبش هذه الوقائع سوف يقود بالضرورة لفتح النقاش حول الأخطاء التي ارتكبت خلال فترة حكم الدولة المهدية، بل ربما يقود للتشكيك في الفكرة المهدية ذاتها، وللحكمة وراء جميع الصراعات التي خاضتها. على سبيل المثال، كانت المناهج المدرسية تحكي عن أسباب الثورة المهدية قائلة، إنها كانت ردة فعل على جور الحكام العثمانيين وإثقالهم كاهل المواطنين بالضرائب وهو خطاب متماهٍ مع الحملة الرائجة ضد السلطنة العثمانية التي امتدت آثارها منذ المساعي الأولى لبعض الكيانات للانفصال عن السلطنة وحتى اليوم، لكن السؤال هو: هل كان العثمانيون يحكمون السودان فعلياً، وإذا كانوا يفعلون فكيف كانت معركة الخرطوم الفاصلة بين جند المهدي والقائد البريطاني غوردون؟ وسؤال آخر مفتوح: هل كانت الفترة المهدية خالية من الجور والقهر؟
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de