خونة اللجنة الأمنية يبحثون عن خونة تكنوقراط يسيِّرون معهم دولاب الدولة إلى أجلٍ غير مُسمَّى.
مقدمة
لا وألف لا. ليست هذه المرة أيَّتُها النخب عسكريةً كنتِ أم مدنية، وعلى أجسادنا يا سعادة مجرمَيْ الحرب البرهان والتشادي حميدتي (يا غريب يلاَّ لى بلدك).
حيثيات
1- نقولها للمرة الألف: الثورة أخلاق. فلن نأخذ ما لا نستحق تحت أىِّ شرعية أيديولوجية، ولن ندع استحقاقاتنا كمواطنين مدنيين لأيِّ جهة تتآمر علينا؛ مدنية كانت أو عسكرية، داخلية كانت أم خارجية. وذات الأخلاق، وهى سودانية بحتة، تمنعنا من أن نقف مكتوفي الأيدي إزاء أىِّ تآمر لِلَجنة البرهان الأمنية ضد الوطن وأبنائه.
وبالتالي سنقف في وجه هذه اللجنة ومن سيُشايعها من الداخل (من ذاقوا لُعاعة الخليج التافهة في الأيام الفائتة) ومن دول الجوار الإقليمي الذين لا يرقُبون فينا وفي وطننا إلاَّ وذِمَّة.
2- سيدخل انقلاب لجنة البرهان الأمنية طوره الثاني حين يجرؤ على تجاوز قوى الحرية والتغيير (التي اعترف بها مسبقاً كمسئول رئيس عن الحراك الثوري واعتصامه)، ويفتح الباب كما يزعم للتكنوقراط القابلين لمشاركته هذا الجرم السياسي الفادح. ومن المتوقع أن يلبِّي هذا النداء الشقاقي شرائح رأس المال المهيمنة التي لا ترغب بطبيعة الحال في الديمقراطية (ما نالته بالديكتاتورية لم تنله بالديمقرطية)، وشرائح البورجوازية الصغيرة المتطلِّعة للسلطة والثروة خاصةً التي أطعمهما حلف "السعودية - الأمارات – مصر" لُعاعةَ الإرضاخ لمخططاتهم الجهنَّمية في المنطقة.
3- لم تنتبه لجنة البرهان الأمنية المغيبة بسحت الأخوانويين في الداخل، ورِشى الخليجيين من الخارج إلى خطورة زج السودان في هذا المعمعان الإقليمى الشياطني. فالمسألة ليست حرباً ضد الحرمين الشريفين كما يتصورها أصحاب التسطيح العالي (ولو كان الأمر كذلك لعبر السودانيون بحر المالح من غير مشورة اللجنة الأمنية ليفتدوا بأنفسهم الحرمين الشريفين)، بل يجب أن تُفهم المسألة في إطار دورة نموذج التطور الرأسمالي الذى تشكِّل الحروب فيه المحور السرمدي لإحداث تشكيلات اقتصادية اجتماعية جديدة حول العالم (كساد/تناقص أرباح – حرب – تسوية اقتصادية جبرية – ثمَّ كساد/تناقص أرباح – ثم حرب من جديد).
4- في السابق كانت السعودية وجيرانها يتَّقون الدخول في الحروب الرأسمالية بالدِّلوف إلى الحروب بالوكالة أو التسوية (كما في النموذج أعلاه) أو الإثنين معاً. فمثلاً الحرب العراقية الإيرانية في نهاية سبعينات القرن الفائت هى حرب رأسمالية بين أمريكا وروسيا، ولكن المتقاتلين فيها هم العرب والفرس. وفي إطار الجانب العربي كانت السعودية تدفع المال والعراق يدفع الرجال. ويتكرَّر ذات المشهد في الحرب الرأسمالية المسماه بحرب الخليج الأولي حينما غزا المرحوم صدام حسين الكويت، والحرب علي الإرهاب؛ إذْ كانت الحرب فيهما جوية بامتياز ودافع فاتورتيهما هى دول الخليج بأكملها خاصة السعودية، والذين يموتون – أسفُنا عليهم - هم العراقيون والسوريون وبعضٌ من دول الجوار.
ولما كانت الحرب سلعة كما يقول ميشيل فوكو، فأحياناً التسوية وحدها قد لا تفي بدرء كساد وتناقص أرباح الغرب الرأسمالي كما في النموذج أعلاه. ولهذا السبب دفعت الرأسمالية العالمية السعودية للدخول في حرب فيزيائية مباشرة في اليمن لمقاتلة (إيران التي تقاتل بالوكالة لأول مرة عن طريق) الحوثيين؛ وهى أول حرب تخوضها السعودية بشكل مباشر ومن غير وكالة في المنطقة. وهى حرب مقصود بها على أىِّ حال استنزاف الخليج العربي والفارسي (إيران) الغنيَّيْن بالموارد. وتتسارع الخُطى هذه الأيام – لا قدَّر الله - لإشعال النظام الرأسمالي حرباً شعواء مباشِرة على إيران وبفواتير خليجية أيضاً.
كان الخليجيون يتوقعون أن تكون حرب اليمن حرباً خاطفة ولكنَّها فعلياً ليست كذلك. وذلك ببساطة لأنَّ إدارة هذه الحرب ليست بأيديهم، بل بأيدى الرأسمالية العالمية؛ وهذا ما يؤكد أنَّها حربٌ رأسماليةٌ بامتياز. فالآن استطال أمدُ هذه الحرب، والسعوديون من السماء والجنود اليمنيون من على الأرض غير قادرين على مواجه إيران في شخص الحوثي.
من الحقائق التي تلمسها في التعامل مع السعوديين (خاصةً وعموم العرب) هيَ اعتقادهم بأنَّهم إثنيَّاً خيرُ أمةٍ أُخرِجَت للنَّاس، ولذلك يجب أن يذود عنهم الآخرون متي ما طُلِبَ منهم ذلك (قالت إحدى الفتيات السعوديات ذات تغريدة في سياق حرب اليمن: "السعودي يساوي ألفاً فيما سواه"). ويحدث هذا من غير أن يعي المعتقد/ة بطبيعة الحال أنَّ العرب هم أُولى السُّلالات المستنسلة طفرةً من بلاد السودان بمعناه الكوشي (https://topdocumentaryfilms.com/human-family-tree/)،https://topdocumentaryfilms.com/human-family-tree/)، وأنَّ خطاب الخيرية هنا ليس مرتبطاً بالمفهوم الإثني، بل بمفهوم الأمة التي فيها من تكلم العربية فهو عربي. ولعلَّ من نفذ إلى هذا المفهوم هم القوميون العرب أكثر من غيرهم بين جميع سكان الجزيرة العربية.
وعلى العموم أطلقت السعودية تناديها على الأمة العربية والإسلامية، ولكنَّ الكثير من الدول قد أحجم عن تلبية هذا النداء لأنَّهم يعلمون أنَّ الحربَ ليست بحربٍ دينية، بل هى حرب رأسمالية، وكان من الممكن تفاديها لو لا أنَّ جلالة الملك سلمان قد أُخِذَ على حين غرة. بل والصحيح هنا أنَّ بعض الحروب الرأسمالية لا يُمكن تفاديها إذا كان العائد من الحرب أعلى من العائد من التسوية والجنوح للسلم.
في هذا الإطار، لبَّتْ النداء الدول الفاشلة التى تبحث عن معالجات بقائها داخلياً بالتقافز بين الأحلاف كما فعلت دولة الساقط البشير ومن لفَّ لفَّها. فصار هذا المسترخِص لدمِ شعبه يزج بالمغضوبِ عليهم من ضباط وجنود القوات المسلحة إلى حرب اليمن ليفنوا هناك؛ ولا بأس أن يكون ذلك لقاء حفنة من الدولارات. ثمَّ صار يُتْبِعُهُم بالعناصر الدارفورية التي من الممكن أن تصبحَ فيما بعد رافدِاً للحركات المسلحة الدارفورية ضده؛ وبالتالي أصبح يزج بأطفال دارفور في حرب اليمن. ولقد استخدم لذلك النُّخب التافهة من القوات المسلحة كمن يسمى نفسه بربِّ الفور، وربيبه من غير العسكريين الحميرلاى حميدتي.
فالآن السعودية وحِلفها لا يُريدون البشير ولا يُريدون إخوانوييه. ولا يريدون تجمع المهنيين الذي صرَّحَ بالعودة الفورية للجنود السودانيين من اليمن حال ولادة الدولة المدنية. ولكنَّهم يُريدون من يُبقي الجنود السودانيين في اليمن فِداءاً للسعوديِّ الذي يساوى ألفاً فيما سواه (فيكونون في خطوط النيران الأمامية والسعودي وراءهم، ويكسحون الألغام ليمشي السعودي بعدهم) . ولا غروَ أنْ صار هذا الحلف يُقدِّم الرِّشى تِلو الرِّشى لمن يقبل أن يخون الدَّمَّ السوداني فانبرت لهم لجنة البرهان الأمنية.
وكان هذا الحلف الخليجي حينما يستحثُّ فرعون مصر على المشاركة بجنوده في حرب اليمن لقاء ما أغدقوا عليه من أموال، كان يردُّ قائلاً: "إعطوني الفلوس، وأنا حا أجيب لوكو الجنود، بس موش ضرورى يكون مصريين". فيأخذ الفرعون ثلاثة أرباع الفلوس لنفسه، ويأتي لحديقته الخلفية السودان، فيُعطي الربع المتبقي للبشير ومن خَلَفَه (سر زيارة البرهان الأخيرة لمصر) لتوفير الجنود. وذلك بطبيعة الحال إمعانٌ في إسترخاص الدَّمَّ السوداني وخيانتِه.
5- لم يستطع تجمع المهنيين وحلفاؤه إلتقاط الرسالة المبثوثة من توافد البعثات الأجنبية إلى ساحة الاعتصام؛ وبالتالي تباعد عليهم إهتبال تلك الفرصة ليُعلنوا دولتهم المدنية من هناك كما نوهنا في مقال سابق (https://www.alrakoba.net/news-action-show-id-319862.htmhttps://www.alrakoba.net/news-action-show-id-319862.htm. وقد زاد هذا الأمرُ تباعداً يوم قال الناطق الرسمي لتجمع المهنيين: "إعلان الحكومة المدنية من داخل الاعتصام سيُحدث انقساماً في المؤسسة العسكرية (ذات تبرير اللجنة الأمنية) وقد نلجأ إليه إذا احتجنا إليه لاحِقاً". وليت ذلك الإنقسام قد حدث باكراً؛ فهو على الأقل سيُشخِّص لك عدوَّكَ من صديقك داخل القوات المسلحة ويدفعه إلى الإنحيازِ لك.
أمَّا الآن، فإنَّ لجنة البرهان الأمنية قد أودعت كل الذين من المنظور أن ينحازوا لتجمعك غياهب السجون، ومنهم من قضى نحبه، ومنهم من هو غير معروف المكان. بل إنَّ هذه اللجنة الخبيثة قد بدأت في تصدير الإنقسام لتجمعك نفسِهِ عبر رِشى الخليجيين. وليس أدلَّ على ذلك من قول اللجنة الأمنية أنَّها ستفتح الباب للتكنوقراط الراغبين في المشاركة في الفترة الإنتقالية، مما يعني أنَّ هؤلاء التكنوقراط من الممكن أن يكونوا من أعدائك المناوئ منهم، والشديد الخِصام.
ويجب ألاَّ نستبعد أنْ تكون هناك ترتيبات لسد النقص في التكنوقراط من دول الجوار (سبب أخر لزيارة البرهان لمصر) بمرتبات مغتربين تدفعه السعودية وحلفاؤها للمصريين لإفشال الإضراب السياسي المزمع تنفيذه في مقبل الأيام.
فيا أحباب: الفُرَص كالصُّدَف يجب إقاتنامها أولاَّ بأول (في إطار الفهم القائل بأنَّ السياسة هي فن الممكن)، لأنَّها من النادر أن تَحْدُثَ مرتين بحسب مسطورات التاريخ.
المخرجات
المشهد يسير باتجاه التشظي والانقسامات المدفوعة الثمن لِبَعض فئات القوي الموقعة على ميثاق الحرية والتغيير. إنَّه انقسام وتشظي يقوده باحترافية عالية من اللاَّ - أخلاق حلف "السعودية – الأمارات – مصر"، ولجنة البرهان الأمنية خيانةً للدم السوداني المهراق على أرض الوطن وعلى أرض اليمن. ومطيتها إلى ذلك بطبيعة الحال هى شرائح رأس المال وشاكلاتها التي لم تنتفع يوماً من النظم الديمقراطية التي تمنع استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، وذلك لآنَّها دائمةُ الانتفاع من استغلال الشرائح الفقيرة (ما غَنِىَ غنيٌّ إلاَّ على حساب فقير).
هذا الإنقسام سوف تتعامل معه القوى العالمية بعد فشل تجمع المهنيين والقوى المتحالفة معه في إلتقاط إشاراتها له من واقع الزيارات التى قامت بها لساحة الاعتصام، بواقعية "لا بْنَدورَكْ، ولا بنَْحَمَلْ بَلاكْ"؛ تماماً كما تتعامل مع وقائع الإنقسامات في اليمن وليبيا وسوريا. وستظل هذه الدوائر الرسمية العالمية تدين وتشجب الحروب هنا وهناك خوفاً من الناخب المحلي/دافع الضرائب، وسيظل تحالف القوى الرأسمالية العالمية غاضَّ الطرف عنها ومنتفعاً من استعارها، خاصةً حينما يُموِّلها أصدقاؤه الخليجيون.
المطلوبات
1- دعوة جميع البعثات الأجنبية لساحة الإعتصام وإعلان الدولة المدنية بكامل هياكلها من هناك، وتوزيعها لهم مكتوبةً بكل لغاتهم، وذلك لاختبار بقاء حساسية عدم اعترافهم بالحكومات العسكرية مع تمادي حكومة الأمر الواقع بقيادة لجنة البرهان الأمنية العسكرية وتماهيها في السلطان.
2- يجب أن تضع القوى الموقعة على ميثاق الحرية والتغيير الأجندة الفردية والتكتلية والتكتيكية والحزبية جانباً، وأن ترعى حقوق هذا الوطن الذى يقف على شفا جرفٍ هار. كما يجب الإلتزام بالميثاق الذي وقَّعت عليه هذه القوى، والاستئناس به في كلِّ صغيرة وكبيرة.
3- أنا من أنصار أن يحدث فرز طبقي لوقائع النضال السوداني الجاري الآن في مقابل الفرز الأيديولوجي الذي أوشك أن يورد وطننا المهالك. وفي إطار هذا الفرز فلتذهب شرائح رأس المال ومن يريد أن يتحالف معهم من المهنيين/البورجوازية الصغيرة في جهة، ولتذهب في إطاره شرائح العمال والقوى الحديثة والمهنية/البورجوازية الصغيرة المناصرة لهم في جهة أُخري.
وفي تقديري المتواضع فإنَّ ذلك خيرٌ من "المُشاط فوق القَمُل" الذى أرهقتنا به التحالفات المرحلية والتكتيكية والتكتُّلية الممسوخة. وهذا الفرز الطبقي إذا لم يكن مشفوعاً بتكوين أحزاب معبرة عنه، فلا معنى له. وكما لشرائح رأس المال في السودان أحزاب، فلماذا لا يكن للعمال والمزارعين والعمال الصناعيين والمهنيين السودانيين المتعاطفين معهم حزب يخصُّم، ويدافع عنهم بالأصالة لا بالوكالة.
ولننظر إلى ساحة الاعتصام الآن، فسنجد القاسم المشترك الأوثق رباطاً بين الناسِ هناك ليس موزاييك تحالف الحرية والتغيير المرحلي الضَّام واللاَّم، بل التحالف الفئوي الذي يوشك أن يُفصحَ عن نفسه. وفي تقديري المتواضع الإسم الأنسب لهذه الفئات ليس حزب الحرية والتغيير، بل حزب العمال "والقوى الحديثة والمهنية" السوداني. وذلك ليكون لعنصر العمل في المعادلة الإقتصادية/معادلة الانتاج (عمل + رأسمال + التنظيم + الأرض = الإنتاج) حارساً في الأرينة السياسية (صفر لحزب العمال الآن + 3 أحزاب رأسمالية + 72 حزب وسط + بورجوازية الدولة كحارس للأرض).
والمحصِّلة؛ أنَّ من حق المعتصمين أمام القيادة العامة أن يكون لهم حزبٌ فئويٌّ - لا أيديولوجيٌّ - يُمثلهم بالأصالة لا بالوكالة.
الخاتمة
كونوا وثورتكم في وداعة اللهِ الذي لا تضيعُ عنده الودائع.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
حسين أحمد حسين
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست