سيف الدولة احمد خليل ------------------------------------ه غطت الاسافير صورة مهيبة، كتب لها ذيوعا فيروسيا، it has gone viral وحق لها ذلك .. فهي ليست جميلة فحسب بل ان الجمال بعضُُ منها. استرعت انتباه كثيرين من صائدي الجمال ومستجيدي ما يُبرَع ويبتدع. صديقي الفلسطيني الثائر وصديق الثورة السودانية الوفي جعلها صورة دالة على حسابه في الفيس بوك، واصدقاء كثر استملحوا هذه الصورة، ولم يتأخر صديقي الماجد علي حمد النيل، من بلاد الاسكندناف، عن هذا الركب فأستكتبني، ولذائقية اخي علي حمد النيل اشحذ قلما يستغرده الجمال تعبيرا عن الذائقة المجيدة وعن كل محب للجمال. الصورة لمهيرة انتصبت شامخة في قلب الإعتصام الجماهيري وفي قلب من شاهد صورتها في آن معا، انتصبت وهي تعلو ما دونها مرتكزة على مسرح هو جماع حضارات السودان القديم، سودان النوبة وافريقيا حيث للمرأة شأنا وقامة. لا نقف عند جمال حسي شع وبان من قدِِ ماسَ وعودِِ امتشق، بل نتجاوز ذلك الي مفردة هي كل جمال المشهد، هو ثوبها ذلك الابيض، رمز المرأة الحرة في سوداننا ورمز المرأة العاملة والسافرة الي اداء دورها المجتمعي، فطفقنا نغني لها
اعز التوب وكت ينشال وينفرا وعلى الكتفين يتيه مرة ويتوه مرة يزغرد شوق وشلال فرحة ينشرا بعز التوب بعزو اناقة وابداعات ملان تحنان يعيد لقلوبنا اشراقات وسر التوب نغم ما بتوصفو الكلمات بعزو صباح علي بلدي وبنات بلدي وكِت فيهو العيون تسرح وما تعدي ويبقى غناي ويتردد تراث يهدي ولم يكن الثوب هو المفردة الجمالية الوحيدة في اللوحة بل ان اللون الابيض رفد المشهد بقيمة جمالية مضافة، فكانت المهابة والجلال، وكأن الرائي بقمة جبلية غطتها الثلوج. الصورة تجلِِِّ جمالي من ضمن تجليات الثورة في ابراز القيم السودانية، من شجاعة وثبات، كرم، ايثار ونكران ذات، وقدرة على الابداع الذي تدفق انهاراََ في هتافات الثوار المحدثةْ، في اهازيجهم وأشعارهم، في لحمتهم. بهذه التجليات اصبحت ساحة الاعتصام بيتاََ كبيرا اتسع لكل اهل السودان،شيبا وشبابا، نساء واطفالا يتآنسون ويتآكلون، يهتفون ويُشعِرون. حتى اهل المغنى لم يغيبوا فرأيناهم يستنطقون المزهر انغاما تدوزنت بايقاع الثورة ولأهداب الكمان شجى وشجنا يغوص في اعماق الثوار، فاستشرفوا غدا مشرقا دعا عريسا ان يقيم مراسم الحناء هناك وعروسا ابت الا وان تزف هناك، مداك العروس ودوي الرصاص والانغام والبمبان والموت والكر والفر انها سريالية الثورة. وجاءت هذه الصورة اطارا لهذا الجمال الأخاذ. المرأة عامة، هي سرُ سرِ هذه الثورة، بحضورها المقدر وزغرودتها التي شكلت الخيط الذي "تكُر" الثورة مسبحتها عليه، الزغرودة هذه صافرة الابتداء وهي محفز الهمم وهي ضمان الاستمرارية والديمومة. المرأة بثوبها الابيض في هذه الثورة الهاطلة كان البَرَد. ولأن المرأة وظيفيا هي مبتدأ التكوين فقد اعادت الامة الي موروثها الحضاري الحقيقي. فحضارة السودان ليست الحضارة العربية التي لا يعرف لها كنه ولا الاسلامية التي لا تختلف عنها..حضاراتنا هي حيث عبثت ثقافاتنا بالطبيعة فبنت الاهرام والمعابد والمسلات، وحيث صهرت الحديد وحيث غزت اطراف الدنيا في مملكة كوش، مروي والبجراوية، يومها كانت المرأة صنوا للرجل،بل تتقدمه احيانا اذ كان المُلك ينعقد لها، ولم تتخلف عن الرجل في الحروب او الزراعة او الغناء والطرب.. عرف التاريخ في مملكة كوش الكنداكة أماني ريناس او أمانجي دفينة جبل البركل والتي حكمت لثلاثين عاما ٤٠ -١٠ ق. م وهي امرأة مقاتلة قادت جيشها لمحاربة الرومان على حدودها الشمالية فهزمتهم وطردتهم. وكذلك أماني شاخيتو أو شاخيتي ١٠ ق. م - ١ م وهي صاحبة الكنز المجهوراتي المعروض في متحف برلين. وفي مملكة مروي عرفنا الملكة شنكر خيتو. هكذا كنا ونحن نوبة نصطنع لنا آلهة، وظللنا هكذا الي ان اتت الينا اديان السماء فكانت المسيحية فكان سمتنا الحضاري يعطي حواء حقها كاملا غير منقوص، فجاءنا الاسلام صوفيا شعبيا عضوناه في حضارتنا فأمَرَنا بالعُرف فأخذناه.. لذا ظلت حواء تزرع وتصطاد وتغني مع آدمها..الي ان جاءنا الاتراك فنقلوا الينا ثقافة الحريم وجرثومة القهر النسائي فعرف الحَضَر منا الديوان وبيت الحريم وتخلفت المرأة وحقوقها هونا ما، وللغرابة ان الاستعمار الانجليزي ذو الوجه المصري سعى لتقزيم دور المرإة اذ لم يكن يسمح لها ان تكون عضوا في تكتلات الوطنيين المقاوِمة للاستعمار في جمعية الاتحاد السوداني وجمعية اللواء الابيض مستغلا التقاليد المحافظة وحاصدا لما زرعه الاتراك، الا ان المرأة قد نشطت في العمل السري واسهمت في نشأة الصالونات التي عرف معظمها بصالون فوز وهي صالونات ظاهرها ادبي وباطنها سياسي. وذِكرُنا لفترة الاستعمار فيما اقتضى المقال لا يجعلنا ننسى مهيرة بت عبود التي قادت الجيوش مقاتلة لجيوش الغزو التركي الغازي في معركة كورتي ٤ نوفمبر ١٨٢٠. هكذا ظلت المرأة السودانية منجذبة لجذرها الحضاري رغم طوارئ الثقافة والسياسة فما تفتأ الا وتعود الي ما كان عليه سلفها. لذا تجدها تتقدم الصفوف وتبرز في الملمات وفي المجتمع والسياسة والأدب، حتى في العهد الحديث عندما غزتنا تيارات الاسلام النَصِّي والسَلَفي. فلا غرابة ان وجدنا للمرأة دورا في المهدية رغم نَصيتِها وشئ من سلفية وسمتها .. كانت هنالك رابحة الكنانية ورُقَيَّة بت حبوبة وغيرهن من شاعرات ومقاتلات ممن كان لهن دورا مقدرا في انتصارات المهدية. وفي فترة الاستعمار في مطالع العشرينات حيث كانت ثورة اللواء الابيض عرف التاريخ العازة محمد عبدالله التي اصبح اسمها رمزا دالا على السودان فقد خلدها الشاعر خليل فرح بالاغنية التي يحفظها اهل السودان عن ظهر قلب "عازة في هواك" فالعازة هي اول امرأة قادت مظاهرة ضد الاستعمار بتاريخ ٩ أغسطس ١٩٢٤، فقد قادها زملاء زوجها البطل علي عبد اللطيف الذي كان معتقلا وهم من العسكريين، لقد تقدمتهم العازة هاتفة من ميدان عباس الي سجن كوبر حيث اعتقل زوجها. فغناها المؤرخ محمد عبدالرحيم في قصيدة غنائية مما يحفظه السودانيون وبه يحتفون
يا ام ضفاير قودي الرسن واهتفي فليحيا الوطن
ولا ينسى التاريخ من المتظاهرات خالدة زاهر سرورالساداتي اول طبيبة سودانية والتي انتظمت في الحزب الشيوعي وهي طالبة وكانت من قادة اتحاد الطلاب في هزيع الاربعينات ومطالع الخمسينات فقد قادت مظاهرة نادي الخريجين الشهيرة في العام ١٩٤٦ ضد الجمعية التشريعية وتم اعتقالها . قُدِر للدكتورة خالدة زاهر أن تساهم في تكوين اول اتحاد نساء سوداني ١٩٥٢ والذي تسنمت رئاسته في أواخر الخمسينات ولم تتخلف المرأة في الاقاليم عن ركب النضال فقد كانت هنالك في الابيض بغرب البلاد الاوسط نادية حسن كرار اول متظاهرة ضد الاستعمار في تلك النواحي في العام 1952 بمدينة الابيض وهي في عمر الحادية عشر.. قادت زميلاتها الطالبات في مظاهرةةيطالبن ببناء مدرسة اضافية تستوعب بنات المدينة. ويقف التاريخ متلبثا عند حواء جاه الرسول ( الطقطاقة) وليدة منطقة الرهد شمال كردفان والتي اشتهرت بغناء الحماسة المندد بالاستعمار .حواء اعتقلتها السلطات الاستعمارية وعمرها ١٦ عاما لغنائها ومواقفها الاحتجاجية،واشتهرت بوعي تحرري فضفاض ، جعلها من اكبر داعمي القضية الفلسطينية وقضايا التحرر العالمي وقد استقبلت ابوعمار في الخرطوم بغناء يمجد الثورة الفلسطينية فأهداها شاله وعقاله كما غنت للزعيم جمال عبد الناصر وغيرهما من قادة التحرر في العالم آنذاك. لم يقتصر بروز المرأة في مجال السياسة فقط وانما تعدى الي ادوار مجتمعية وثقافية، لذا لم تكن الروائية ملكة الدار عبدالله صاحبة رواية الفراغ العريض الصادرة ١٩٤٨ بدعا من النساء، فقد برزت اجتماعيا وفي مجال لم يؤلف طرقه من النساء فهي امرأة من مدينة الابيض، حملت القرآن وتخرجت في كلية المعلمات امدرمان ١٩٣٤ واصبحت مفتشة للتعليم في العام ١٩٦٠ ولن ننسى الشامة الاجمل في المسيرة النسائية فاطمة احمد ابراهيم شيخة المناضلات وسيدتهن، الاشهر في حقوق الانسان وقضايا المرأة واول برلمانية عربية والتي فازت عن دوائر الخريجين في العام ١٩٦٥ وجود المرأة السودانية في ساحات النضال او في المواقع الاجتماعية والثقافية أمر طبيعي، فهي قد عرفت التعليم باكرا منذ العام ١٩٠٧ حيث بدأت مسيرة تعليم النساء بفضل الراحل بابكر بدري.. غير ان الجذر الحضاري لها.. دوما ما يدفعها الي صدر المحافل فقد نالت بذلك مكاسب عديدة لم تنلها المرأة في محيطنا العربي والافريقي. فقد نالت حق العمل باكرا كما نالت حق التصويت والترشيح منذ العام ١٩٥٣. وقد اسهم الرجل السوداني في دعم المرأة رغم طوارئ الثقافة والوارد الينا من افكار .. فالرجل السوداني وان ابدى غير ما اضمر تظل حواؤه رمزا للشموخ في دواخله..كما يبين في نظم الفيتوري رحمه الله
في زمن الغربة والارتحال تأخذني منك وتعود الظلال وانت عشقي حيث لا عشق يا سودان الا النسور الجبال يا شرفة التاريخ يا راية منسوجة من شموخ النساء وكبرياء الرجال
وكما يبدو حين يغنينا شاعر الشعب
وما بين ظلالك افتش واكوس افتش طفولتي وملامح صباي بناتك عيونن صفاهن سماي وهيبة رجالك بتسند قفاي
لذا كانت هذه الصورة تجسد لنا كثيرا من المعاني الجميلة فينا وابرزها شموخ حوائنا وهي تلتحف قُدَاسَة ثوبها الابيض وتعلو هامنا ايقونة لجمالنا وتمثالا لحريتنا.
04-10-2019, 12:37 PM
saif khalil saif khalil
تاريخ التسجيل: 01-30-2005
مجموع المشاركات: 1529
الغريب في الامر ..انني اول من تفاعل مع هذه الصورة التي عجزت عن تحميلها .. وقد سبقت الآخرين بكتابة هذا الموضوع على صفحتي في الفيس بوك.. من له معرفة بانزال الصور فليساعدنا بالصورة
04-10-2019, 01:27 PM
Nasser Amin Nasser Amin
تاريخ التسجيل: 02-07-2017
مجموع المشاركات: 3562
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
saif khalil
Nasser Amin
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست