عندما ينتصف الليل ويأوي المارة لدورهم وتخفت الأضواء، كأني احس بلزوجة الظلام تلفني .يصبح المكان حولي كتلة واحدة والهدؤ كائن يتنفس,عندها يصير كوني ارحب وسحب الظلام الداكن تحجب حدود المكان وتوهمني اتساعه. أشعر بنشوة غبية وانا أحدق في الأفق اللامحدود. تخفت حولي كل نقاط الضؤ واسمع أصواتا متقطعة تلامس برفق مركز السمع في ذهني وتتساقط مبهمة دون ترجمة لانفعال. ذهني يحدق بتركيز هناك عند خط امتزاج يقيني وثقتي وايماني بحدود الظلام الداكن ،هناك حيث تتوالد الاحتمالات و الشك. تتأرجح في الأفق اخر رقائق قناعاتي تارجحا رتيبا يمنة ويسرة وانا متهالك في رقدتي أحدق باهتمام لنقطة التلاشي هناك في الافق عند مولد الشك عند نقطة تحرر العقل. يبدو المكان أوسع فتخرج انيستي من بين طيات الظلام تحمل ذات الإبريق وفي يدها اليسري فنجانين صغيرين .تتقدم نحوي بهدؤ ورفق كسحابة تخاف وصول نقطة الهطول،تتقدم نحوي ترمقني بنظرة مشفقة كجّراح ينتظر لحظة احتضار من يئس التداوي. تتقدم نحوي بثقة حتي شعرت بها تخترقني من راسي لاقدامي. كانت لحظة اشبه بالذهول حين شعرت بخمول كامل بمفاصلي فأصبحت كجثة عاقلة عالقة في الظلام. اختفت لوهلة لكن أنفاسها من حولي تدل علي وجودها . ثم شيئا فشيئا أخذت تتبدي أمامي بثوبها الناصع المضئ وصبت لي فنجانا ودفعته نحو فمي باغراء وّهّمسّتْ ان ارشف قهوتي علي عجل يا فتي فليلكم قصير.أخذت قهوتها تذوب في فمي وتخترق مسام لساني تتسلل لجوفي بلهفة حارقة. نظرت اليّ وهي تدفع نحوي الفنجان الثاني وعلي ثغرها ابتسامة رضا وهي تتأملني عن قرب، أتجرعه برغبة هذه المرة وهي جالسة حولي حدود امتلاء الكون بها. وتهمس مستفسرة؛ ظننتك لن تنتظر قدومي الليلة بعد حديثنا الليلة الماضية عن الثوابت واليقين ،وان راحة الذهن ان يدور في فلك وهم كبير ثابت حتي فقدان التوازن الادراكي، فيتلون الذهن بلون الثابت ويصبح امتدادا لفلكه ويفقد التمييز. لكن ها انت ترتمي أمامي بلا حراك تريد مزيدا من قهوة الشك يا فتي .الم اقل لك ان العقل يصير عاهة العاقل ان هو ادمن التفكير خارج المدار ،فيوصمه الملتفون حول الوهم بالكفر والشقاء والجنون. ودنت مني ووجهها يلمس وجهي برفق وضمتني لصدرها برفق وقالت انتم هكذا تعشقون الحقيقة وتجلسون علي شرفات الليل وعقولكم ملت محدودية الإطار ،فالعقل يا فتاي يكره ان يظل في سجونكم حبيسا ينتظر الليل حين تتوقف حواسكم عن إرسال شفراتها لمركز التفكير والترجمة. حينها يجد العقل فرصة الخروج من سجن الثوابت الغبية لعالم ارحب من القابل للتأويل. ويحثكم عن الخروج من هذا الضيق لرحابة الشك والمنطق وعقلانية الوصول ليقين مهتز يقبل الضد ان تغيرت الحقائق والمعطيات. ها انتم تنظرون لساعات معاصمكم تحدقون في ميلاد الثانية من اللحظات والدقيقة من الثواني والساعة من الدقائق واليوم من الساعات والشهر من الايام والاعوام من الشهور وهكذا تحرقون اعماركم ماذا تتوقعون ان تولد الساعة دون تراكم منطقي للحظات والثواني والدقائق وتتشاغلون عن الحقيقة تتهربون كلما اواكم فراشكم ليلا وترفضون مواجهة عقولكم . ارشف قهوتي يافتي وتحرر فما عاد في إبريق شهوتي الكثير وشمسكم اوشكت الخروج . لكن لا تخف غداً أعود ان انت انتظرتني هنا علي شرفة الحياة.اعود وفي ابريقي المزيد من قهوتي التي ادمنتها. آآآآه حقا ما اقوي الايمان بعد الشك وما اثبت اليقين بعد الظن. حسن كجروس جامعة الخرطوم . صحيفة الوفاق الخرطوم 1997
12-31-2019, 01:04 PM
adil amin adil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 37000
في مدينة يسكنها الضجر .. أيقظته شمس الصباح المحرقة ، تكور حول نفسه وسحب رجليه إلى الداخل .. إلى أقصى نقطة يسمح بها الظل المتآكل .. باءت جهوده بالفشل وامتدت الأشعة اللاسعة تصليه بشواظ من النار .. نهض في تثاقل إلى الظل المقابل ، إلى المتجر الآخر .. كان إيقاع الأقدام حوله تعزف سيموفنيتها المعتادة وهي ترتطم بأرضية الرصيف الصلبة . الطلاب في طريقهم إلى المدارس …الموظفون في طريقهم إلى العمل .المتسولون في طريقهم إلى لا مكان … الجنود بأحذيتهم الثقيلة .. ودوي الدراجات النارية ونفير السيارات يصم الآذان .. استلقى مرة أخرى ونام ، نهض عندما تعالى أذان العصر .. ألقى له أحدهم بحزمة قات* ..اتكأ على الحجر العتيد يمضغ وريقات القات الخضراء اليانعة ويمارس طقوس الرحيل عبر المدن السرابية. . أظلمت المدينة .. غرقت في الكآبة .. انطمست معالم الأشياء وعم الهدوء اللزج المكان .. نهض إلى الظل المقابل المعتاد ونام .. في المدينة التي يسكنها الضجر .. أيقظته شمس الصباح المحرقة .. *************** الحديدة/ اليمن 1993
12-31-2019, 01:10 PM
adil amin adil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 37000
التحية ليك يا عادل امين صراع الامام الأخضر مع الزمن في مدينة الضحر التي تجري حياتها الصاخبة بين ارجُلِهِ وهو مستلقٍ علي الظل والظل المعاكس يمضغ القات بهدؤ ليستطيع التعامل مع الرتابة .هو مشهد من صراعات الواقف علي شرفة الحياة يتنازعه شكه ويقينه في كل شئ من حوله العقل افة العاقل .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
حسن كجروس
adil amin
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست