ينقض الشعرى هكذا فجاءة (شرط تمظهره كــ"حدث") و بعيداً عن كل توقع على افراط و واقع اللغة (إبتزاله فى اليومى العادى و السائد)‘ اى سلطة المتفق عليه فيوقظه عن سباته/موته‘ اى يفضح طمأنينته‘ فيتعدد "طريق الاحالة" اوحادى الاتجاه: من الدالة الى المدلول أو بالعكس (المنظور السوسيرى فى بعض القراءات مثلاً) لتدخل الدوال و مدلولاتها بالكامل فى فضاء اللعب (المنظور الدريدى مثلاً) و الذى ‘ اى اللعب‘ يتوشح بصفة مؤقتة بهوية مؤقتة مصدرها المؤقت هو هو الحدث الشعرى المتمرد ابداً (و من هنا صفة المؤقت المتكررة حيث يتمرد الشعرى على كل الهويات و لربما هنا يكمن خلوده فى تجليه الابدى فى تعدد القراءات الزمانبة و المكانية بحيث تصبح انقلابات عاطفية الثمانينات "السودانية"‘ مثلاً" هى ليست انقلابات عاطفية اليوم على الرغم فيما يبدو من تمسك النص بمفرداته "الاصلية" و هكذا!)‘
نقول فى اللعب تكشف الانقلابات العاطفية عن هويتها كــ"حدث" لتتعدد بعد ذلك إنتهاك اللغة:عصفورة الانسجام‘ شجر من مواعيد ساحرة‘ جمهرة الغيم‘ العنبر المتمهل" سطع العشب (على سبيل المثال فقط).لكن غواية الطيف/النص الماركسى (ربما امعانا فى اللعب) لا تفتأ فى محاولة جرجرة "إبتهال" الى فراشها الايديولوجى لتقول بقولها:الثورة الماركسبة‘ إبتسامتها الاممية‘ يسار العلاقة‘ و لينين..الخ.أعجبنى بشكل خاص:"و سراً تحب أغانى البنات"‘ ربما خوفاًُ من البلاغات قد اعود الى هذه اللحظة‘ حب اغانى البنات سراً‘ مرة اخرى. ربما كان الشعرى و لا يزل آخر استراتيجية لتحررنا كــ"بشر" و بالتالى تحرر كافة عناصرالكون الاخرى المحكوم عليها بجبروت المركزية الانسانية المفرطة من غباء يومى الواقعى المفرط: واقع الصورة،ليست الصورة الشعرية بالطبع، و استهلاك العلامة_او كما يقول المفكر الفرنسى جان بودريارد.
ذكرنا فى مداخلتنا حول النص "انقلابات..." كيف هو ينتهك ثبات اللغة كشرط ضرورى لانوجاده كحدث. هذا الانتهاك او التمرد هى السمة الاساسية لـ"انقلابات" حيث يشف العنوان "انقلابات عاطفية" عن هذا التمرد المستبطن داخل النص. كذلك نلاحظ ان العنوان يتكون من الملحقة "-مع ملحق تفسير للبيان"‘ و الملحقة فى القراءة الدريدية انما تجئ لتملأ نقصاً فى الاصل يأخذ النص منه هويته و من ثم انفتاحه على فضاء المعانى و تعدد القراءات‘ بحيث تصبح كل قراءةاصل! تنتقل عدوى التمرد الى كل اركان النص و هذا ما يشف عنه موقف "ابتهال النص"من اغانى البنات.
فابتهال تتمرد على بنات جنسها ربما باحتفاءها بموقع ايدولوجى بعينه يملى عليها صراحة شرط عدم الاقتراب من اغانى البنات و لكن المفارقة هو ان ابتهال فى ذات الوقت تتمرد على الايدولوجى و ذلك بممارستها طقس البنات ذاته (الغناء) سراً (و هو على كل حال ليس سراً بعد ان وشى به فى النص) فيصبح موقعها فى الوسط بحسب تفكيكية دريدا‘ مثلاً‘ ليضفى على التمرد قلقاً بدوره يدخل النص فى مجمله فى لعبة الظهور والخفاء ‘ و تصبح وضعية يستمد منها ما هو شعرى سحريته و غموضه اللذيذ‘ و تحرره شبه المطلق فى الفضاء الرمزى-فضاء اللغة ذاتها.
على مستوى معرفى مغاير تنفتح مسألة ارتباط اغانى البنات بالسرية على احتمالات قراءات اخرى. فيمكننا مثلاً مقاربتها مع الدراسة الهامة التى قدمتها عالمة الانثروبولوجية المعروفة ليلى ابولغد فى:Veiled Sentiments: Honor and Poetry in a Bedouin Society و التى جاءت فى بعض الترجمات العربية (مشاعر محجبة: دراسة حول الدور الحيوى للشعر و تحليل دور المرأة فى مجتمع ا ولاد على)().
تقدم قراءة ليلى صورة لاستخدام الشعر بواسطة المرأة فى مجتمع ابوعلى البدوى ضمن سياقات السلطة الاجتماعية البطريريكية الذكورية لتخرج الشعر من المنظور الضيق الذى لا يراه سوى وسيلة من وسائل الامتاع. ترى ابو لغد ان المرأة هنا ترتكن الى الشعرى لتعبر عن احتجاجها ضد البنية المجتمعية و قانونها الاخلاقى الصارم. ففى حين يعمل الجميع (رجالاً و نساءاً) ضمن الخطاب العام لاعادة انتاج النسق الاجتماعى السائد‘ فان الخطاب الخاص (خطاب المشاعر) يتيح للمرأة بصفة خاصة انتاج هويتها و الاتساق مع تجاربها الوجودية.
لذا نقول ان كل بينة مهما بدت صارمة(فى خطابها العام) فانها تحمل شرخاً ما ‘ هذا الشرخ (السماح بتوافر خطاب خاص) هو الذى يفتحها الى القراءة او التأويل: الحركة. ففى مجتمع سودانى "محافظ" تلعب فيه اغانى البنات فى جانب منها ذات الدور الذى يلعبه "تعاطى" الشعر فى مجتمع ابوعلى حيث تتيح هذه الاغانى متنفس بما تحمله من صور و ممارسات حسية يستنكرها المجتمع بل و يعاقب عليها بشدة ان وجدت فى غير هذا السياق.هكذا تصبح اغانى البنات دالة و لو مؤقتة لتشكل وضعية خاصة‘ هذه الوضعية هى فى رأينا تمثل السياق الذى تعمل فيه ابتهال‘ و هو الفضاء الذى يضع فيه النص انقلابات عاطفية توقيعه!اما قضية البلاغات فقد جاءت كمزحة يفهم كنهها الزملاء و الرفاق فى سياق آخر.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة