|
شطارة الحكومة على السودانيين العاملين بالخارج
|
*هاشم بانقا الريح [email protected]
تساءل الأستاذ يس حسن بشير في عموده(قضايا ساخنة) بصحيفة الصحافة مؤخراً عن شطارة الحكومة على مواطنيها في تناوله لرواتب أطباء الامتياز. و كان عدداً من هؤلاء الأطباء قد زاروا الكاتب يشكون إليه الاستقطاعات الكثيرة من رواتبهم و هي استقطاعات تصل إلى 11% من الراتب و تندرج في أحد عشر بنداً من تأمين صحي و معاش و اتحاد أطباء و خدمات و نقابة و دعم طلاب و دمغة و غيرها. من حق أطباء الامتياز أن يستاؤوا من الظلم الذي يرون أنه واقع بهم و المتمثل في الاستقطاعات الغير مبررة التي تؤخذ من رواتبهم . و لكن بنظرة سريعة لواقع الحال نجد أن هذا المسلك – أي الاستقطاعات و "القلع" الغير منطقي- هو ديدن السلطات عندنا و هو ليس بأمر جديد و لكن السكوت عليه و تقبله كرهاً جعله أمراً لازماً و مستحقاً بل و أظن أن هناك بعض الجهات باتت تنظر إليه على أنه واجب وطني إذ لم تف به فأنت مشكوك في وطنيتك و عليه يتم تطبيق كل أشكال العقوبات عليك بما في ذلك حرمانك من السفر – على سبيل المثال-!! و مرد هذا السلوك يرجع – في ظني – إلى غياب الأطر القانونية و المؤسساتية التي تحدد ما يجب أن يدفعه المواطن أو يخصم من راتبه أو استحقاقاته . فهناك جهات عديدة كل منها له لوائحه و نظمه ومنها من ليست له لوائح و لا نظم الأمر الذي خلق إزدواجيه في الكثير من الصلاحيات ، و أصبحت كل جهة تطبق المثل الذي يقول "الحشّاش يملأ شبكتو". لعل الشطارة هنا هي اللفظة المرادفة لأخذ مالك دون رضاك و بالإكراه أحياناً و باستخدام النفوذ و السلطة و لوي اليدين في أحايين كثيرة. و ما دمنا نتحدث عن غياب الأُطر التي تنظّم أعمال "الجباية" أيُاً كان نوعها و شكلها و طرقها و قيمتها، لا بد من الإشارة إلى الشطارة التي ظلت تمارسها حكوماتنا على السودانيين العاملين بالخارج. و قد وصلت الشطارة من بعض الجهات هذه حداً أصبح مضرب المثل و حديث المجالس في بلاد المهجر و في كل الأندية التي تجمع السودانيين العاملين بالخارج. ولقد ظلت هذه الفئة تدفع أو تُجبر على دفع كافة الالتزامات المالية التي عليها و التي ليست عليها ، من مساهمات وطنية و تحويلات إلزامية إلى المجهود الحربي و رسوم سفارات و أخرى !! و لا ننسى بالطبع ترعتي كنانة و الرهد التي ظلت الجهات التي تتعامل مع السودانيين بالخارج تستقطع لها دون أن يفهمنا أحد ما جدوى هذا المشروع!! و لا أدري ماذا حدث لترعتي كنانة و الرهد و لا أظن أن إخوتي بالمهاجر لديهم معلومات واضحة أين وصل هذا المشروع الذي دفعوا له من حر مالهم قبل أن يختفي من قائمة الجباية. رغم كل هذا و غيره و رغم أن ظروف العاملين بالخارج قد تراجعت كثيراً من النواحي المالية و تقدم السن و زيادة الأعباء الأسرية ، و سياسة توطين الوظائف التي تتبناها العديد من دول المهجر، إلا أن مستقبل هذه الفئة مازال مظلماً و لا تلوح في الأفق أي بوادر انفراج ملموسة تشجعهم على اتخاذ خطوة العودة للوطن . أكلت الحكومات المتعاقبة زهرة شباب السودانيين العاملين بالخارج و لم يرقبوا فيهم إلاً و لا ذمة، بل ظلت سيوف الجبايات مسلطة على رقابهم أينما حلّوا . حُرم أبناؤهم من أبسط حقوق المواطنة و ظلت الشهادة العربية مسبةً وعاراً و مرادفة لكل العبارات المرتبطة بالدعة والثراء و قلة التجربة وربما مدعاة للشك في أن هذا القادم الغريب لا يتمتع بنفس روح المواطنة و حب الأرض و أهلها بنفس القدر الذي يتمتع به من أمضى سنينه بالداخل!! صورة نمطية تفتقت عنها العقلية السودانية و أصبح على حامل هذه الشهادة أن يكون معجزة و يحرز 100% حتى تتكرم عليه وزارة التعليم العالي ممثلة في مكتب القبول بكرسي في إحدى الجامعات السودانية رغم أنه مواطن سوداني من أبوين سودانيين يحملان هم هذا الوطن وجواز سفره و "عيونهما عسلية". و على الطالب السوداني المعجزة هذا أن يدفع رسومه الدراسية بالعملة الصعبة دولاراً ينطح الدولار في إشارة واضحة لهوان عملتنا المحلية علينا حتى أننا أصبحنا نبتغي العزة في غيرها!! أو ليس هذا منافياً لأبسط قواعد حقوق المواطنة و المساواة بين أبناء الوطن الواحد؟ و هو أمر لا نجد له أي سابقة في تجارب الدول الأخرى التي سبقتنا شعوبها ضرباً في الأرض طلباً للرزق. ربما لأننا شعب مختلف و لذا تحكمنا عقلية مختلفة تطبق علينا تجارب يستقون أفكارها من الخيال لا الواقع و من قبل أناس لا ينتمون إلى كوكبنا. كلما تأملت حال السودانيين العاملين بالخارج أُصاب بالكثير من الهم و الحزن و أسأل نفسي مراراً: أي مستقبل ينتظرهم و أسرهم و هذا الوطن الذي حملوه معهم أين ما ذهبوا متى يتفضّل عليهم و يتعامل معهم كمواطنين ؟ و أحسب أن معظمهم – إن لم يكن كلهم – قد أدّوا ما عليهم من واجبات كاملة غير منقوصة ، و بقى أن يحصلوا بالمقابل على حقوقهم كاملة غير منقوصة.
|
|
|
|
|
|
|
|
|