|
|
 مَنْ ينقذنا من الإنقاذ؟!
|
د/ الحسن المثنى عمر الفاروق
الناظر الآن إلى الحالة التي يعيشها السودان يدرك أن الأمر جلل وأن السيل قد بلغ الزبى وأنه في حاجة ماسة إلى مَن~ ينقذه ، وهو يعيش منعطفاً أسوأ بمراحل مما كان عليه قبيل الثلاثين من يوليو 1989م ، وإذا عَنّ لي أن أذيع بياناً للشعب السوداني مثلما فعل العميد سابقاً والمشير حالياً سعادة رئيس الجمهورية ، فإنني سأقول مثل الذي قال وأكثر ، أقول إن قيادة هذه البلاد ضيعت وقت البلاد والعباد فيما لا طائل تحته من احتفالات ومؤتمرات ، وأقول إن البلاد قد قطعت من أطرافها ، فالجنوب مآله إلى انفصال ودارفور ينعق فيها البوم والخراب ، وأن رئيس البلاد منشغل هو وحزبه بحديث البيضة والدجاجة وجيش المغول والتتار على الأبواب.
أما عن حال المواطن وما به من ضنك فحدث ولا حرج شعب يعيش على أقل من الكفاف تقتله الأوبئة والأمراض وقيادته الرشيدة تنفق الملايين من الدولارات لشراء يخت رئاسي وبناء فلل رئاسية !! أليس هذا هو السفه بعينه؟ لا أظن أن حكومات السودان قاطبة منذ الاستقلال إلى يومنا قد بلغت هذا الحد من الجرأة على استفزاز مشاعر المواطن السوداني مثلما فعلت هذه الحكومة ، والمغيظ في كل هذا الأمر أن السيد وزير المالية وهو الشخص الأمين على المال العام يقف أمام المجلس الوطني ليتحدث عن مكاسب السودان التي جناها من مؤتمر القمة الإفريقي في ظل الانتقادات الحادة التي تواجهها الحكومة هذه الأيام بسبب صرفها غير المسئول على المؤتمر ، من بناء فلل وشراء يخوت وليس يختاً واحداً كما أفادت بذلك صحيفة السوداني الوليدة مع صورة لسيدة الأعمال التي توسطت لدى الشركة المصنعة ـ على حسب زعم الصحيفة ـ وهي شابة حديثة العهد بالعمل التجاري وهذا الأمر في حد ذاته يمثل ظاهرة تستوجب الوقوف ، وربما يتسنى لنا ذلك في مقال آخر. المهم أن السيد وزير المالية تفضل وأخبرنا عن هذه الإنجازات المضحكة المبكية ، فاليخت تم شراؤه بمبلغ يزيد عن الأربعة ملايين من الدولارات الأمريكية بقليل ، وهو مبلغ مقتطع من ميزانيات الأعوام السابقة ، وأن مكسب السودان من هذا اليخت يتمثل في أنه وفر على السودان عناء شراء يخت رئاسي في المستقبل القريب ، فهو ثروة قومية تبقى على مدى زمن طويل هو عمر هذا اليخت الافتراضي ، وقد كان الاتفاق على بنائه سابقاً للقمة الإفريقية بوقت طويل يعود للعام 2001م ، وكأن مشاكل السودان اختزلت في ذلك الأوان في شراء يخت لرئاسة الجمهورية؟.
أما الفلل الرئاسية ، فتكلفتها لم تتجاوز الخمسة وثلاثين مليوناً من الدولارات ، وهو مبلغ زهيد لأن هذه الفلل سيتم بيعها بملغ ثلاثة وخمسين مليوناً من الدولارات ، وتقول بعض الأوساط إن الفلل قد بيعت فعلاً.
أليس هذا الذي ذكره وزير المالية مستفزاً للمشاعر ومحبطاً للآمال؟ لم يقل السيد زير المالية لنا ما حاجة السودان لهذه اليخوت؟ وكأن سيادته يرى في عدم اقتطاع قيمة هذا اليخت من ميزانية العام الحالي مبرراً لشرائه ، طالما أن المال الذي دفع فيه مال فائض ، وهو أمر غريب يدل على أن وزير المالية يستغفل وعي المواطن السوداني لأن كلامه يعني أن هناك فائضاً في ميزانية الأعوام السابقة ! فكيف يفيض مال الموازنة العامة لكل هذه الأعوام وقطاع المعلمين لا يزال يعاني من تأخر المرتبات والبطالة التي يعاني منها الشباب لا تزال على ما هي عليه؟! كيف يكون هناك فائض في ميزانية الأعوام السابقة والخدمات الصحية في الحضيض ؟!! وبالجملة كيف يفيض مال الميزانية وهي لم تحقق أدنى ما يحتاجه المواطن؟!
أما عن الفلل الرئاسية التي بنيت واستجلبت لإدارتها أعتى الشركات الفندقية في دول أوربا ، فقد تقرر أن تباع ليربح السيد وزير المالية ما يزيد عن العشرين مليوناً من الدولارات ! هب أن ما ذكره السيد الوزير صحيح ـ وأنا أشك في ذلك ـ فما هي الجهة التي عرضت هذا المبلغ للوزارة ، ومن هو المشتري ؟ أخشى ما أخشاه أن تكون هذه الفلل قد بيعت لقادة المؤتمر الوطني ومحاسيبهم ، وأنهم سددوا قيمة هذه الفلل من أموالهم التي نهبوها من مال الشعب ليصدق علينا قول القائل (من دقنوا أفتل لو).
إن آخر ما تفكر فيه حكومة الإنقاذ هو المواطن الذي تحولت حياته إلى جحيم ، فقد ظل الشعب السوداني منذ مجيء الإنقاذ وإلى يومنا هذا يدفع من شقائه وعرقه ثمن رفاهية الإنقاذيين وترفهم وقد فُرِضَتْ عليه مختلف أنواع الرسوم والضرائب ، تجبى منه قهراً تحت مسميات مختلفة تصب في معين واحد هو ماعون الصرف البذخي الذي يلبي حاجة احتفالات الإنقاذيين المقيتة ومخصصات جيشهم الجرار من المستوزرين وأشباههم من المستشارين والمفوضين والولاة ، وتسديد قيمة (العقود الخاصة) التي تدفع في شكل مرتبات عالية ومخصصات مهولة لصغار المهندسين والإداريين والموظفين وغيرهم من الفاشلين العاطلين عن الموهبة والإبداع من الذين لا يملكون مؤهلاً سوى انتمائهم للمؤتمر الوطني أو قرابتهم من بعض المنتمين له فتجد في المؤسسة الواحدة طائفتين من الموظفين ، طائفة عريقة قديمة تحمل على أكتافها هم مؤسستها تقدم الكثير وتأخذ ـ بالكاد ـ ما يسد الرمق ، وأخرى متطفلة سطت على المناصب الإدارية في المؤسسة نفسها يتقاضى الفرد منها مائة ضعف ما يتقاضاه زميله من الدرجة نفسها عبر عقد خاص يعطى بموجبه هذه المخصصات التي لا يستحقها !! والناظر إلى الغالبية العظمى من المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية يجدها تغص بأمثال هؤلاء الطفيليين من المتعاقدين الذين حولوا المؤسسات الحكومية إلى قطاع خاص يصب لمصلحة أناس محددين ينتمون إلى مناطق محددة. وقد أدى ذلك إلى إحساس الغالبية العظمى من منتسبي هذه المؤسسات بالغبن وقلة الحيلة إزاء ما يرونه من تفرقة.
السودان يعيش مرحلة خطيرة توشك أن تودي به ، والنار تذكى تحت الرماد ، فإذا كان للعميد وقتها أن يتذرع بما آلت إليه حالة المواطنين والوطن فما نحن الآن بأفضل مما كنا عليه بعد ستة عشر من عمر الإنقاذ ، فالمواطنون على ما هم عليه من ضنك قد امتلأت نفوسهم حقداً ـ بفضل الإنقاذيين ـ على بعضهم بعضاً ، وما أمر دارفور ببعيد. تجاوز الحقد الداخلي بين قبائله ليعم السودان كله شماله وجنوبه شرقه وغربه وأصبحت صحافتنا تعج بالخطاب السياسي العنصري البغيض خطاب لم يعهده السودان من قبل. والقارئ المتتبع للمقالات في صحافتنا يصدمه الخطاب العنصري والاتهامات بين الطوائف كافة وكلها اتهامات عنصرية عرقية جهوية وهو أمر ينذر التعايش السلمي بشر مستطير ، وأصدق مثال له ما كتبه أحد جهلة الإنقاذ ممن تربوا على العنجهية والجرأة والتطاول على الآخرين ، فقذف أعراض قبيلة الفور المسلمة العريقة وهو أمر لا يُقْدِم عليه إلا جاهل صفيق ليس له وازع من خلق أو ضمير .
أما أمننا الداخلي الذي كان يتباكى عليه الإنقاذيون فليس بأفضل مما كان عليه ليلة الجمعة في العام 89 ، فالخرطوم أصبحت ثكنة عسكرية لمختلف القوى المسلحة شمالية وجنوبية ، من الدفاع الشعبي وجيش تحرير السودان ، وقوة دفاع جنوب السودان ، وغيرها وكلها لا تنتمي إلى الجيش السوداني وإنما هي قوات معدة لتأمين مصالح قادة الأحزاب المتحاربين سابقاً المتحالفين حالياً تحالفاً أوهى من بيت العنكبوت بدأت خيوطه تتداعى ويوشك أن تكون له ضرام. والأدهى والأمر هو نذر التدخل الأجنبي الذي تعد له الدول الغربية في عزم وتستمد من دعوات بعض الفرقاء من أبناء دارفور إرادتها ومضيها قدماً في تنفيذ هذا المخطط الذي يهدد بتداعياته السودان كله.
فإذا كان للعميد أن يرى وقتها أنه لابد من إنقاذ السودان فمن حقنا اليوم أن نصرخ بملء أفواهنا مطالبين بالإنقاذ العاجل من المؤتمر الوطني والحركة الشعبية وكل الحركات المتشاكسة التي لم نجن منها سوى ما نحن فيه من حال هي أتعس بألف مرة مما كنا عليه ليلة الانقلاب .
|
|
 
|
|
|
|
|
| |
Wasil Ali
احمد العربي
مهيرة
Elawad Eltayeb
Abdelrahman Elegeil
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست