"أجوك" ...طفلة المطر !!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-19-2024, 11:54 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-02-2006, 11:41 PM

عاطف عبدالله
<aعاطف عبدالله
تاريخ التسجيل: 08-19-2002
مجموع المشاركات: 2115

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
"أجوك" ...طفلة المطر !!

    "أجوك" ...طفلة المطر !!


    امدرمان في حقبة تاريخية معلومة كان من الحماقة مفارقتها إراديا، بالنسبة لي لم أسمع عن إنسان فارقها إلا مضطرا أو مجبرا، وما من مفارق لها إلا وهو في أحر من الجمر شوقا للعودة إليها حتى ولو كان مقصده منتجعات كارلو فيفاري أو حتى جزر الكناري . قد يسهل الأمر بعض الشيء على غير أهلها، أما في حالتي فلم أكن من أهلها وحسب بل أن جدي وجدتي اللذين ولدا قبل المهدية مازال رفادهما يتوسد ترابها.
    حينما صدر قرار انتدابي في ذلك الصيف من عام 1984للعمل في الجنوب النائي كنت أظن أنها نهاية الدنيا، وأنه المنفى بعينه حتى ذلك الترفيع الوظيفي الذي سيمنحني عدة جنيهات في نهاية كل شهر لم يكن يعني لدي الكثير، ولو لا خوفي من أن يقال عني أنني برجوازي صغير أو أن ينزاح الغطاء على بقايا العنصرية التي لم أتخلص منها بعد ، وأصبح بذلك موضع تندر وسط الرفاق وربما يطالب بعض المتشددين منهم بإعادة تأهيلي فكريا من جديد ، خوفا من كل ذلك ذهبت على مضض، مستسلما لفكرة أن حياتي قد ختمت قبل أوانها . غير مدرك بأن حياة جديدة قد فتحت لي أبوابها للتو في تلك المدينة الوادعة التي تسكن على ضفة نهر الجور وتدعى "واو".
    عند صعودي على متن طائرة "الفوكرز" السودانية ظل طيف امدرمان يتراءى لي والحزن يكتنفني لفراق أزقتها وحواريها وللرفاق والأصدقاء فتشاغلت عن حزني بالكتب التي حرصت على حملها معي ، كتيب الحزب حول قضية الجنوب وكنت أطويه ببطن كتاب حسين مروه "النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية"، كنت أود أن أفهم أكثر حول الصراع الذي يدور في تلك البقاع التي أقصدها لأول مرة .
    - ماذا تعني كلمة "واو" يا ماثيو
    - "واو" تعني الحياة .
    ماثيو زميلي بالجامعة، من أبناء مدينة " واو" فرتيتي القبيلة، كان شديد الاعتزاز بمدينته ، كما كان فارع القامة ولا أحد بين الطلبة يضاهيه طولا ، قاد فريق كرة السلة بالجامعة للعديد من الانتصارات، كنا نتقاسم السكن و" الدبل دكر " معا هو ينام في السرير التحتي وأنا في السرير العلوي ولم يكن لهذا التقسيم علاقة بالوضع الطبقي لأي منا بل كان يتأتى بسبب الأقدمية والحجز المبكر ليس إلا، وقد درج الطلاب على تفضيل النوم في الأسفل وقد سبقني هو في السكن لذا حظي بالسرير التحتي، وكان حظي في العلالي.
    كان ماثيو دائما ما يشكو من قصر السرير عليه وعلى أن الغطاء لا يكفي طوله:
    - “My blanket is too short for me if it covered my legs my head will be out (1) والله جت والله جت .
    حين يختم عبارته بقسمه المعهود "والله جت" كنت أضحك فيبتسم هو ويقول لي :
    - تعرف يا "مهمد" والله والله جت أنت تيبكال مندوكورو ..
    فأزداد ضحكا وفي النهاية لا يملك إلا أن يشاركني الضحك .. أعتقل ماثيو معي بعد يوليو 1971، لم يكن شيوعيا ولا حتى عضوا بالجبهة الديمقراطية لكنه كان قد خرج برفقتي في الموكب المشهور لتأييد حركة هاشم العطا وكان بسبب مظهره المميز قد التقطت بعض الصحف صورته وهو يحمل معي أحدي رايات الحزب فأعتقل بعد فشل الانقلاب وظل معنا بالمعتقل صامدا لفترة تربو عن العام ونصف العام قبل أن يطلق سراحه لم يقبل الانضمام للحزب أسوة بالكثيرين من غير الشيوعيين الذين اعتقلوا بعد يوليو 71 ، لم يكن خائفا لكن كان له رأي في أن الفكر الماركسي والشيوعية رغم احترامه العميق لهما إلا أنهما لا يحملان الحل لقضيته الرئيسية قضية الجنوب ، فيا ترى أين أنت الآن يا ماثيو ؟ لقد سمعت مؤخرا بأنه أنضم للحركة الجديدة التي تقود الثورة المسلحة في الجنوب ، والتي تفجرت بسبب التقسيم البليد للولايات الجنوبية وزاد من أوارها القوانين الخرقاء التي أعلنها النميري في سبتمبر 1983.


    وسأواصل.....
                  

01-02-2006, 11:47 PM

عاطف عبدالله
<aعاطف عبدالله
تاريخ التسجيل: 08-19-2002
مجموع المشاركات: 2115

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "أجوك" ...طفلة المطر !! (Re: عاطف عبدالله)

    كان ماثيو يقول دائما خلال مشاركاته السياسية داخل المعتقل بأن جذور المشكلة التي أدت لتكوين الجنوب الأفريقي والشمال العربي المسلم تكمن في أسلمة واستعراب الشمال ومقاومة الجنوب لذلك وكنت أرمي بأسباب المشكلة إلى الاستعمار وعدم التنمية المتوازنة وقوانين المناطق المغلقة وسياسة التبشير المسيحية التي انتهجت في الجنوب ..كانت تلك تبدو لي الجذور لكني اكتشفت فيما بعد أن الجرح أعمق بكثير مما أتصور وأن السياسة التي انتهجتها كل الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال كانت خاطئة بحق الجنوب وهي بالطبع كلها دون استثناء كانت حكومات شمالية .
    عندما أعلن صوت الميكرفون داخل الطائرة بأن الرحلة ستستغرق نحو الساعتين من الخرطوم إلى "واو" أي أقل من الزمن الذي تستغرقه نفس الطائرة لو اتجهت شمالا إلى القاهرة ورغم ذلك فهي تتوجه إلى القاهرة يوميا وأحيانا أكثر من مرة خلال اليوم الواحد وطوال أيام الأسبوع والشهر والسنة، أما نحو الجنوب فأنها لا تنجز أكثر من رحلة واحدة خلال الأسبوع ذلك في الأيام القليلة التي نعم فيها الجنوب بالسلام أو بالديمقراطية أما في ظل الحرب والظروف الاستثنائية التي تخلقها الحرب فأن رحلة في الشهر أو أكثر لو تمت يحسب إنجازا مميزا للخطوط الجوية السودانية، من حينها بدأت تتراءى لي أسباب المشكلة.
    كنت قد أعددت برتامجاً ثقافياً حافلاً للرحلة ، استفتحته بقراءتي في كتيب الحزب الشيوعي حول قضية الجنوب(2) الذي صدر بعد انتهاء فترة تطبيق اتفاقية أديس أبابا بين الرئيس نميري وقادة قوات المتمردة (حركة تحرير جنوب السودان ( SSLM ) المتمردة والتي تعرف بحركة "الأنيانيا تو"..
    "ماذا بعد اتفاقية أديس أبابا ، ذلك أن الوطن ، أي وطن ، لا توحده اتفاقيات خارج إطار الدستور الواحد العام والقوانين الشاملة المفعول ، بل توحده وحدة المصير ووحدة التراب والتاريخ المشترك، والمصالح المشتركة ، والوجدان الواحد لأبنائه في نضالهم لصيانة سيادته واستقلاله وبناء اقتصاده وثقافته ، وتحقيق الرفاه والتقدم الاجتماعي والاحترام المتبادل للفوارق الثقافية والحضارية." (3)
    طويت كتاب الحزب وأنا أتساءل إن كانت تلك هي المشكلة ، وذلك هو الحل، فأبن الطريق الذي يؤدي إليه ؟.
    المضيفة تتقدم بأكواب الشاي وقطع الخبز الصغيرة المحشوة بالجبن مع حبة زيتون وحيدة ، جاري الذي يبدو أنه من التجار ( الجلابة ) الواويين طلب قطعة خبز أضافية، فنظرت إليه المضيفة شذرا فتراجع عن طلبه وأحتسى الشاي باردا
    اقتربت الرحلة من نهايتها كنت أمني نفسي برؤية مدينة "واو" من الجو ، فلعل منظرها وطبيعتها تخفف قليلا من الحالة التي أنا فيها بسبب مبارحتي لأمدرمان، تمنيت أن أرى الحيوانات البرية منطلقة دون قيود، قربما أحظى برؤية قطيع من الأفيال أو الزراف والحمير الوحشية، ولو كنت أكثر حظا فربما يقع بصري على مجموعة من الأسود مستلقية تحت ظلال الأشجار في تكاسلها اليقظ لكن كل ذلك لم يحدث منه شيء، وحتى المدينة لم أرها من أعلى نسبة لأن الطائرة وحتى لحظة دخولها المجال الجوي للمطار، كانت لا تزال في عنان السماء على ارتفاع يزيد عن الثلاثين ألف قدم ولم يكن تحتها سوى القيوم الملبدة والسحب الكثيفة . لم تبدأ الطائرة الهبوط التدريجي المعتاد إلا بعد أن تعامدت كالشمس على أرض المطار، حينها بدأت هبوطاً لولبياً رأسياً في رقعة لا تزيد مساحتها عن الكيلومتر المربع ، وقد علمت بأن تلك إجراءات احترازية اتخذت لتأمين سلامة الطائرة حتى تكون بعيدا عن مرمى نيران المتمردين الذين يحيطون بالمدينة إحاطة السوار بالمعصم ، وقد أعلنوا بأن كل الطائرات بما فيها الطائرات المدنية هي أهداف عسكرية مشروعة . بعد هبوط الطائرة في المدرج الترابي لمطار "واو" لم أجد مطاراً كالمطارات المعهودة بل ثكنة عسكرية حيث تطغي مظاهر الحرب على ما سواها، بعد أن أوقفت الطائرة محركاتها وهنأ قائدها الركاب بسلامة الوصول طلب منا أن نظل جالسين على مقاعدنا وأن لا نغادر الطائرة حتى يؤذن لنا من قائد المطار ، معللين بأنها إجراءات أمنية القصد منها الحفاظ على سلامتنا، بعد أن فتحت الأبواب كان أن ولج لداخل الطائرة ضابط برتبة نقيب وخلفه جنديان مدججان بالسلاح أخذوا يمرون عبر المقاعد ببطء وكان الضابط يتفحص وجوه الركاب ، بعد ذلك أمر أثنين من الركاب من أبناء قبيلة الدينكا بمرافقته قبل أن يأذن قائد الطائرة لبقية الركاب بالمغادرة.
                  

01-02-2006, 11:51 PM

عاطف عبدالله
<aعاطف عبدالله
تاريخ التسجيل: 08-19-2002
مجموع المشاركات: 2115

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "أجوك" ...طفلة المطر !! (Re: عاطف عبدالله)

    بعد ملامستي الأرض لاحظت خلف الطائرة سيارات عسكرية وجنوداً ينقلون بعض الآليات وصناديقاً للذخيرة من على متنها ويضعونها في السيارات العسكرية، وأخذت أنظر حولي فرأيت طائرة نقل عسكرية "سي 130" تقف على جانب المدرج كما كانت هناك طائرة خاصة صغيرة تقبع تحت شبرة جانبية بالمطار علمت فيما بعد أنها تخص الخواجة مانولي رجل أعمال من أصل إغريقي يعيش بواو. كما شاهدت عدداً من المجنزرات والمدافع تنتشر حول المطار بعضها معطب وبعضها محترق وبعضها لا تزال محركاته تهدر، سرنا على أقدامنا مسافة قصيرة حتى وصلنا لصالة داخلية لا تختلف كثيرا عن خارج المطار حيث بعض الجنود يتقاسمون أركانها بعضهم غاف وبعضهم يتناول طعامه وبعضهم يصين وينظف سلاحه، انتظرنا لأكثر من نصف الساعة في تلك الصالة لتصل المقطورة التي تجر عربة الحقائب وأغراض الركاب ، تجمعنا حولها وحمل كل منا ما يخصه ، ثم عبرنا إلى مكتب صغير وكان من خلفه يجلس نفس الضابط النقيب الذي تفحصنا داخل الطائرة كان يمدد رجليه على الطاولة ويمسك بيده صحيفة يومية لا شك جلبها معه من داخل الطائرة. طلب منا أحد الجنود أن ننتظم في صف أمام مكتب الضابط وقفنا صفاً ورغم أن عددنا لم يكن كبيرا إلا أن الجميع كان يتزاحم ليأخذ موقعه في مقدمة الصف، وفجأة تبدل الموقف حين برزت إمرأة من بين الركاب تحمل طفلا ودون توجيه من أحد أفسح لها المجال في المقدمة ثم أعطيت بعد ذلك الأولوية للنساء والفتيات ليتصدرن الصف ، ثم أخذ الجميع يتعازمون على المقدمة ،كان الصف قصيراً ويبدو من سحنات المصطفين فيه أن معظمهم من أهل المدينة الشماليين من موظفين حكوميين وتجار ، كنت أقف في آخر الصف أتجول بنظري بحثا عن الرجلين الجنوبيين اللذين أخذا من الطائرة لكن لم يكن يبدو لهم أي أثر بالمكان ، فلا شك أنهما اقتيدا لمكان آخر. أخيرا جاء دوري لمقابلة النقيب فبادرني بالسؤال:
    - أنت محمد حامد سليمان؟
    - نعم
    - هذه أول زيارة لك للجنوب؟ .
    - نعم .
    - أنت موظف الأشغال الجديد أليس كذلك؟
    - نعم
    - حسنا .. أنت تعلم بظروف الحرب لذا نرجو أن لا تتجول خارج حدود المدينة، وأن لا تخرج ليلا منفردا وان لا....... وأن لا ..........
    العديد من التحذيرات والتوجيهات أخذتها معي وغادرت المكتب وعبرت بوابة المطار الفقيرة ووجدت بالخارج ينتظرنى زميلي في العمل المستر ماجوك شاب من قبيلة الدينكا في حوالي الأربعين من عمره ، صارم النظرات، حاد القسمات، حياني باقتضاب وعرفني بنفسه وبلغة إنجليزية سليمة سألني عن أغراضي فقلت له ليس معي سوى هذه الحقيبة فأراد حملها عني إلا أنني حملتها بنفسي إلى السيارة اللاندروفر ذات اللوحة الحكومية الصفراء التي كان يقودها بنفسه.
    أول ما تستقبلك به المدينة خارج المطار هو تلك الغابات الكثيفة بل لن أخفي عليكم فقد تملكني الخوف حين اندفعت السيارة تشق تلك الأكمة وظلت ولأكثر من ثلاث كيلومترات تسير وسط الأشجار الكثيفة لكن كان يطالعنا بين الحين والآخر بعض المنازل المتفرقة على الطريق ، بعد ذلك قابلنا جسر أقيم على مجرى مائي سألت المستر ماجوك عن أسم ذلك المجرى فقال لي أنه "خور حرقان" بعد عبورنا للجسر الذي يقسم المدينة لقسمين نفحتنا رائحة المانجو فأذكت أنوفنا، كانت أشجارها الضخمة تمتد على طول الطريق مثقلة بثمارها بألوانها الزاهية خضراء وصفراء ، كما كانت الناضجة منها تفترش الأرض دون ما بائع أو مشتري، أخذت السيارة تشق طريقها وسط برك الماء التي تخلفها الأمطار، قلت لماجوك:
    - الخريف بدأ مبكرا معكم هذا العام أليس كذلك؟
    ابتسامة جانبية ظهرت على طرف ثغره ولكنها سرعان ما اختفت واستعاد جديته وقال لي:
    - الخريف يمتد هنا لأكثر من تسعة أشهر خلال العام .. لا تنسى فأنت في خط الاستواء.
    أحسست بغباء السؤال، لا شك في أنه الآن يسخر من جهلي بجغرافية هذا الجزء من البلاد .. قررت أن أقلل من الأسئلة بقدر ما أقدر حتى لا يفتضح جهلي أكثر.
    بين الحين والآخر يقابلنا قطيع من الأبقار فيوقف ماجوك محرك السيارة حتى تعبر ، يفعل ذلك ليوفر الوقود فقد كان نادرا في تلك البقعة من السودان، الطريق معبد يبدو أنه ذات يوم كان مسفلتا، كما لاحظت وجود أشجار غريبة الشكل كثيفة الخضرة تشكل أسوارا لبعض المنازل المشيدة بالطوب الأحمر، كنت أود أن أسأل عنها إلا أنني عدلت عن ذلك فتبرع هو بالإجابة بطريقة دبلوماسية حين لاحظ تمعني الطويل فيها فقال لي:
    - لا أظن أن مثل هذه الأشجار موجودة في الشمال أليس كذلك ؟
    - لا ..لم يسبق لي رؤيتها من قبل .. ماذا تدعونها هنا ؟
    - أنها شجرة حب الملوك،
    وبعدها عبرنا حياً شعبياً معظم بيوته شيدت من جذوع الأشجار وبعضها من الطوب الأحمر فسألته عن أسم الحي فقال لي أنه حي درجات وسوف نمر بعد قليل بحي الجبل ، حي الجبل حي ينام بين أحضان جبل أخضر ذكرني بتلك السهول الخضراء التي تحيط بنهر الدانوب،
    لاحظت أن معظم البيوت مشيدة بالطوب الأحمر على طراز معماري شبيه ببيوت الخرطوم لكن تتوسطها أكواخ من الطين والعشب " قطاطي " (4) إلا أن ما ميز قطاطي "واو" عن بقية قطاطي السودان هي تلك الخضرة الداكنة في سقوفها كأن القش الذي رص عليها ما زال ينبض بالحياة، أظن أن ما يميز "واو" كلها تلك الخضرة الفريدة التي تنتشر على مدى البصر.لكن أكثر ما لفت نظري عند دخولي المدينة هو منظر بناء فخم وضخم لكنيسة تبدو مثل كاتدرائيات لندن مبنية من الطوب الأحمر على تلة عالية مهيبة المنظر تخلب الألباب، لم أر لها مثيلا في كل كنائس أمدرمان أو الخرطوم ، طلبت من ماجوك أن يتوقف قليلا لأتأملها أكثر ، يجب أن يكون هذا البناء بشهرة كنيسة نوتردام الباريسية إذ لا يقل عنها حجما ولا أبهة لماذا لم أسمع عنها من قبل ؟ يا أسفي على الإعلام في بلادي ، كيف يتجاهل مثل هذا الصرح الذي يفوح منه عبق الدين ورائحة التاريخ.. ثم لمحت بناءاً آخراً بجوارها عبارة عن مسجد شيد حديثا ، ولم أملك أن أمنع نفسي من الدهشة والتساؤل بعد أن تمعنت في المساحات الخالية حولي.. لماذا شيد هنا؟ .. لا شك أن الأمر أشبه برد الفعل المعاكس ، تماما كما فعل أبناء الأقباط في أمدرمان حين أعلن النميري عن تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية بأن كشفوا صدورهم وأبرزوا للعيان الصليب الذي يتدلى من على أعناقهم .
    وصلنا إلى قلب المدينة مررنا بالسوق وسينما "واو" وأخيرا وصلنا إلى فندق باربرا حيث سأقيم بشكل مؤقت حتى يتوفر لي السكن الحكومي ، توجهنا إلى مكتب الاستقبال ببهو الفندق ، كان الهدوء يسود المكان سجلت بياناتي عند موظف الاستقبال ثم أخذ أحد عمال الفندق حقيبتي الكبيرة وتناولت حقيبة اليد الصغيرة وتبعته ومعي ماجوك بعد أن أخذ مفتاح الباب من موظف الاستقبال صعدنا على درج ملون إلى الطابق الأول وفتح ماجوك باب الغرفة فأدخل العامل الحقيبة ووضعها بجوار السرير فوضعت حقيبة يدي بالخزانة الخشبية ، كانت الغرفة رحبة لها نافذة عريضة مطلة على مسبح كبير وعدة أحواض من الزهور تتخللها مقاعد مصنوعة من أخشاب الزان الأحمر.
    "واو" تعني الحياة .. تلك كلمات صديقي ماثيو .. سألت ماجوك عن معنى الكلمة فقال لي بلغة الدينكا "واو " تعني الحياة.
    - هل لغة الدينكا هي نفسها لغة الفراتيت ؟
    - لا .. لكل لغتة الخاصة .. لكن لماذا السؤال ؟
    - لأني علمت بأن كلمة "واو" بلغة الفراتيت تعني أيضا الحياة.
    - "واو" بكل اللغات عند الدينكا والبلندا والجور والبندا لها نفس المعني .. الحياة أو بشكل أدق صوت جريان الماء أليست الماء هي الحياة ؟ عموما سوف تكتشف ذلك المعنى بنفسك خلال تواجدك هنا.
    طلبت منه أن أزور نادي الموظفين لم يسألني عن سبب تلك الزيارة ،كانت الساعة تميل للغروب عندما تركني ماجوك لأرتب أغراضي في الغرفة على أن يأتي ليأخذني في المساء للنادي ، وقبل أن يمضي وكأنه تذكر أمرا التفت إلي ونبهني على أن لا أرتبط غدا بتناول الغداء مع أحد من النادي لأن الحاج إبراهيم يدعوني لتناول الغداء عنده.
    - من هو الحاج إبراهيم.
    - حاج إبراهيم تاجر بالسوق وهو يمكن أن تطلق عليه "أمين سر التجار" وأكبرهم سنا ومكانة لذا لا بد من تلبية دعوته قبل الآخرين ، هكذا تجري الأمور هنا.
    - حسنا .. سوف أقبل دعوته على كل حال .. وسوف أكون بانتظارك في المساء.
    - إلى اللقاء.
    - إلى اللقاء.


    وسأواصـــــل
                  

01-03-2006, 00:16 AM

أبوذر بابكر
<aأبوذر بابكر
تاريخ التسجيل: 07-15-2005
مجموع المشاركات: 8610

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "أجوك" ...طفلة المطر !! (Re: عاطف عبدالله)

    Quote: أنها شجرة حب الملوك،


    وقبل أن يتواصل تداعيك المشبع بهذا الأريج الإستوائى البهى

    أسمح لنفسى أن أكدر قليلا من صفو هذا السرد الذى يتسلل إلى أعماق مسام الرروح

    تحياتى يا عاطف
    وكل الأعوام وأنت مسكون بالعافية
                  

01-03-2006, 00:23 AM

عاطف عبدالله
<aعاطف عبدالله
تاريخ التسجيل: 08-19-2002
مجموع المشاركات: 2115

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "أجوك" ...طفلة المطر !! (Re: أبوذر بابكر)

    المبدع أباذر
    مرورك شرف ووقوفك يطهر ويغذي الروح
    شكرا لك يا شفيف
                  

01-03-2006, 00:30 AM

عاطف عبدالله
<aعاطف عبدالله
تاريخ التسجيل: 08-19-2002
مجموع المشاركات: 2115

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "أجوك" ...طفلة المطر !! (Re: عاطف عبدالله)

    هذه الأبيات الغنائية كان من المفترض أن تتصدر هذا العمل وقد سقطت مطبعيا فعفوا لهذا السهو الفني

    المرأة هي الإله ،
    فعندما تدهن رأسك بيديها
    تنام كأنك أصلة
    إنها دائما تكون نفسها
    ومن أجلها
    يصطاد الرجل الحيوان
    ومن أجلها
    يرعى الرجل الأبقار
    " من أغاني الدينكا"
                  

01-03-2006, 00:46 AM

عاطف عبدالله
<aعاطف عبدالله
تاريخ التسجيل: 08-19-2002
مجموع المشاركات: 2115

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "أجوك" ...طفلة المطر !! (Re: عاطف عبدالله)

    كان كل حوارنا معا يتم باللغة الإنجليزية التي يتحدثها ماجوك بطلاقة . بعد أن مضي أغلقت الباب من خلفه وتأكدت من أحكام المزلاج من الداخل قبل أن أبدل ملابسي وأرتدي عراقي "الساكوبيس" الأبيض الخفيف، ثم تفحصت حقيبتي وأخرجت منها الكتب والملابس وضعتها في الخزانة الخشبية ، ثم استخدمت موس حادة من أمواس الحلاقة لقطع طرف القماش الذي يبطن الحقيبة من الداخل وأخرجت المنشورات الحزبية وآخر أعداد مجلة الشيوعي وعدة أعداد من صحيفة الميدان التي كانت مخبأة بحشوة الشنطة من الداخل. كان من المفترض أن أسلم كل تلك الوثائق الحزبية إلى زميل شيوعي يدعى كمال يعمل مدرسا بالمدرسة الابتدائية للبنين وهو أيضا سكرتير النادي الاجتماعي للموظفين الذي سأزوره هذا المساء .
    قبل أن يأتي المساء خرجت أتفحص المكان من حولي ، كانت أشجار المانجو ذات النكهة الغنية في حديقة الفندق مددت يدي وهززت أحد الأفرع فتساقطت الثمار على الأرض أخذت بعضها وعدت للغرفة غسلتها و بسبب خوفي من التهاب المصران أكلت واحدة منها ووضعت ما تبقي داخل الثلاجة ، أعددت كوبا من الشاي وتناولته .
    في المساء أتى ماجوك وذهبنا سويا إلى نادي الموظفين المطل على ميدان الحرية بجوار المجمع الرياضي، مبنى ارضي مشيد من الطوب الأحمر المطلي باللون الأبيض رغم أنه لا يختلف كثيرا عن الأندية الأسرية بالخرطوم إلا أن ما يميزه هو موقعه الذي يقع تحت جبل "واو" كان المنظر مذهلا للجبل الأخضر وللبيوت التي أقيمت عليه والتي كانت جميعها تطل على النادي ، عرفني ماجوك ببعض معارفه سألت عن الأستاذ كمال سكرتير النادي فعلمت بسفره المفاجئ إلى الخرطوم على متن نفس الطائرة التي أقلتني إلى هنا، لاشك بأن كمال قد رتب أمر اتصالي وتوصيلي بفرع الحزب قبل أن يغادر فقد كان عالما بأهمية الوثائق الحزبية التي أحضرتها معي، خاصة تلك التي تتعلق بالتحضير لمهرجان الشباب والطلاب العالمي الثاني عشر الذي سيقام الصيف المقبل بموسكو ، ووثائق أخرى تتعلق بإعادة البناء في منظمات الشباب والنساء الديمقراطية.
    بعد عودتي للفندق كان المطر يرسل رذاذا خفيفا ، وحبات الماء تتلألأ فوق أوراق الأشجار فاشتهيت كوباً من البيرة المثلجة وكم كانت دهشتي عندما وجدتها متوفرة في البار الخارجي فجلست في الحديقة وطلبت بدلا عن الكوب عدة أكواب فهي نفس نوع البيرة التي أغلق النميري مصنعها وفتح لنا بدلا منه المئات من مصانع العرقي في البيوت السفلية.
    في اليوم التالي وكان يوم جمعة ذهبت مع ماجوك لتناول الغداء في منزل الحاج إبراهيم الذي لا يبعد كثيرا عن مكان إقامتي ، استقبلنا الحاج إبراهيم في مدخل الدار وكان آتيا برفقة إمام المسجد بعد أن أديا صلاة الجمعة بمسجد "واو" الكبير، بعد قليل وبسيارة رباعية الدفع أتي رجل جنوبي من قبيلة الفراتيت يدعى لينو مالينو يرتدي بدلة صيفية رمادية اللون وبيده عصا أبنوسية قصيرة أشبه بتلك التي يحملها الرئيس نميري والمسئولين بالخرطوم، علمت أنه مساعد المحافظ وكان مدعوا أيضا على شرفي كما كان هناك جنوبيون آخرون وشماليون وآخر من أصل إغريقي يدعونه بالخواجة، وكلهم من أعيان المدينة، تناولنا الغداء جميعا وكان مكونا في معظمه من اللحوم مع وجود العديد من الأكلات الشعبية كالعصيدة والكسرة والملاح والبفرة، أكلنا جميعا وتمنى الجميع لي أقامة طيبة وأن أصير جزءاً من نسيج أهل تلك المدينة.
    تسلمت أعباء وظيفتي الجديدة وكانت تقتضي مني أن أشارك في أعداد خطط الميزانية للوزارة ولكن بما أن كل المخصص الذي يتم تحويله من المصرف المركزي كان يوجه للصرف على بند الأجور والمرتبات فما كان هناك عملا لي يذكر ، قسم الإدارة المالية قسم صغير به محاسبان أثنان ومديران أحدهم للشئون المالية والإدارية ويرأسه زميلي ماجوك والآخر لشئون الميزانية والتنمية وهو القسم الذي توليت أمره ، المحاسبون أحدهم من أبناء مدينة واو ويدعى المرضي والآخر نوبي من أقصي الشمال وتغلب عليه اللهجة المصرية واسمه أحمد، كما كان هناك عم كاجو فراش دينكاوي كبير في السن ووحيد، دائما يبدو حزينا كأنه ينوء بحمل ثقيل وهم جسيم.
                  

01-03-2006, 02:41 AM

عاطف عبدالله
<aعاطف عبدالله
تاريخ التسجيل: 08-19-2002
مجموع المشاركات: 2115

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "أجوك" ...طفلة المطر !! (Re: عاطف عبدالله)

    بعد انقضاء عدة أيام قررت أن أمارس حياتي الطبيعية بدلا عن انتظار اتصال من فرع الحزب بواو، أو السؤال عن التوصيلة(5) ، ذلك الانتظار الممل ، ريثما يتحرك الزملاء في الخرطوم ، لقد بدأ الملل يتسلل إلى نفسي بسبب الوحدة ربما لو تعرفت هنا على بعض الشيوعيين لخرجت من وحشة الغربة التي تنهشني، هل يمكن أن أكتب طلبا جديدا لتوصيلي بفرع الحزب ؟ أفكار عديدة تدور في ذهني ، ولا أدري ماذا أفعل لكن يجب أن أبدأ ممارسة حياتي الطبيعية مهما كانت حالتي النفسية ، سأذهب إلى النادي وهناك يمكنني أن أبدا بخلق علاقات اجتماعية جديدة ، وربما أتمكن من تنفيذ بعض مخططاتي والبرامج التي أعددتها لنفسي قبل الحضور إلى هنا .. كنت قد خططت للبدء في ممارسة الرياضة حيث سأجد لها الوقت وبرامج أخرى ثقافية وكنت قد أحضرت معي العديد من الكتب التي كنت أؤجل قراءتها في كل مرة في امدرمان بسبب المشاغل التي لا حصر لها هناك.
    من خلال ترددي على النادي ذات مساء وجدت خبرا يتناقله الناس وهو إسقاط طائرة عمودية للجيش بواسطة القوات المتمردة في مدينة "راجا"، يقال بأن الطائرة بها عدد كبير من الضباط بينهم ضابط برتبة لواء ، الخبر غير مؤكد، والحكومة لم تنشر أي تكذيب رسمي أو تأكيد للخبر ، بعد يوم أو يومين انتشرت إشاعة أخرى بأن الطائرة قد تم إسقاطها بواسطة القوات الحكومية وذلك لتصفية حسابات داخل المؤسسة العسكرية ، وليس بواسطة القوات المتمردة كما تردد سابقا .
    ضباب كثيف يشوب علاقتي بماجوك فنحن نتشارك نفس المكتب بدائرة الأشغال ويأتيني صباحا لأخذي للمكتب وأعود معه بعد الظهر وأحيانا نسير إلى النادي معا إلا أنه رغم كل ذلك يضع عديداً من الحواجز في تعاملنا معا ، بينما معظم الناس هنا يتحدثون بعربي "واو" (6) إلا هو فلا يتحدث معي إلا باللغة الإنجليزية والتي يتحدثها أفضل مني ، كما كان أيضا يصمم أن يعاملني بشكل رسمي وبأدب جم وبالتالي وجب علي أن أعامله بالمثل ، وذلك أمر صعب لدي لأني ومن حيث أتيت أعتدنا على رفع الحواجز بيننا من المقابلة الأولى وأحيانا بعد إلقاء التحية مباشرة توقع مزاحا ثقيلا قد يصل حد البذاءة أو أن تمتد الأيادي للمضايقة ولو ترفعت عن تلك الأفعال يتم إقصاؤك اجتماعيا وسرعان ما يعلم القاصي والداني بأنك صرت "متفلسفا" والمعني المقصود "متعاليا" وتجد نفسك تغرد وحيدا خارج السرب.
    ذات يوم دعاني ماجوك لزيارته في بيته وقال لي بذلك الأدب المفرط :
    - مستر سليمان لو لم يكن لديك ارتباط ولو كنت لا تمانع أدعوك لتناول القهوة ببيتي .
    ورغم قبولي للدعوة من أول مرة إلا أنه كرر لي لو كنت أرغب في تناول الشاي بدلا عن القهوة فلن يمانع، كنت أود أن أعتذر عن قبول تلك الدعوة الجافة فبالتأكيد ما كان سيصمم علي قبولي دعوته .أو يبدأ بقسم اليمين أو أن يهدد بالطلاق إذا لم ألبِ دعوته كما يفعل الكثيرون منا ، لذا كررت قبولي للدعوة وأضفت بنفس تلك اللغة الرصينة :
    - أنه يشرفني تناول القهوة في بيتك .
    في اليوم التالي ذهبت معه إلى بيته المقام قي حضن الجبل وعلى ضفة نهر الجور ، كان البيت يجسم روعة المدينة فهو مكون من بنائين أحدهما مشيد من الطوب الأحمر ومسقوف بالقرميد الأخضر والجزء الثاني مكون من كوخين "قطيتين" متلاصقتين وبه باحة واسعة مسيجة بحائط مبني من الطوب بارتفاع قدمين من الأرض ، يعلوه سور حديدي على شكل حراب يسمح بالرؤية ويجعل من الجبل الأخضر بالخارج كأنه امتدادا للبيت، وبوابته الحديدية كانت مفتوحة على مصراعيها عند وصولنا .
                  

01-03-2006, 06:02 AM

عاطف عبدالله
<aعاطف عبدالله
تاريخ التسجيل: 08-19-2002
مجموع المشاركات: 2115

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "أجوك" ...طفلة المطر !! (Re: عاطف عبدالله)

    نواصل

    أشجار الورد الأبيض تتفتح في كل أرجاء البيت وعدة شجيرات من الباباي موزعة في أركان البيت، أستقبلتني زوجته مالينا ببشاشة وكانت ترتدي ثياباً رسمية وتحمل على جانبها طفلة رضيعة ، ويتبعها طفلان آخران بنت في حوالي الثامنة أو التاسعة وولد لم يتعد السادسة أو السابعة من عمره ، بعد أن رأيا والدهما اندفعا إليه ولكنهما عندما شاهداني تراجعا بسرعة واختبئا خلف أمهما التي ضحكت وسألتني عن أحوالي وعن رأي في مدينة واو ولو كنت قد زرت حديقة الحيوانات أم ليس بعد، أو صعدت لجبل "جيكي" للقنص حيث تكثر الغزلان والتياتل والخنازير البرية . العجيب في الأمر أنها كانت تحدثني باللغة العربية أو ما يعرف بعربي "واو" وكانت مبتسمة عكس زوجها السيد ماجوك الذي لم أشاهد ابتسامته إلا في تلك اللحظات التي أندفع فيها نحو طفليه وحملهما على كتفيه ممسكا بأقدامهما الصغيرة وأخذ يعدو بهما وهو يقلد خوار الثور ، ثم يتوقف ويضرب بقدمه على الأرض والطفلان غارقان في ضحك هستيري.
    بعد قليل انضمت لنا شقيقته أجوك في التاسعة والعشرين أو الثلاثين من عمرها تخرجت من كلية التمريض والصحة العامة بنيروبي وتعمل في المستشفي الملكي الكبير بواو رحبت بي باقتضاب، كانت شديدة الشبه بشقيقها ماجوك لها نفس حدة الملامح، واللون الأبنوسي الأسمر والعينين الواسعتين و لكنها تميزت بشفتين ممتلئتين مثيرتين، رغم عمرها وحسنها إلا أنها لم تكن متزوجة، وهو أمر غير عادي عند الجنوبيين عموما.
    كانت تلك أول مرة أزور فيها أسرة جنوبية لذا كنت شديد الحذر في أقوالي وتصرفاتي عكس طبيعتي تماما.كنت أظن أن الدعوة هي لتناول القهوة فقط لكن ما أن استقريت داخل المجلس وأخذت مالينا الأطفال لتنيمهم حتى قدم لي ماجوك شراب التمر هندي بالثلج والسكر ثم سألني لو أرغب في تناول البيرة أو النبيذ الأبيض فقلت :
    - كأس واحدة من النبيذ لو تكرمت.
    فسكب لي كأساً وسكب كأساً آخر لشقيقته أجوك ثم سكب كأس لنفسه، فقلت اريد ان أذكر نخبا ، فقال لي تفضل ، فقلت بعد أن رفعت كأسي:
    - نشرب في نخب السلام والوحدة.
    فردت شقيقته أجوك:
    - السلام الذي سيأتي على أفواه البنادق، أم الوحدة المفروضة بقوة السلاح ؟
    فقلت لها :
    - لا ما أعنيه هو السلام الآتي مع الثورة .
    وهنا تدخل ماجوك قائلا :
    - لا يهم كيف يأتي السلام، المهم أن البلاد لم تعد تحتمل حرباً أخرى.
    - سلام الجلابة أفضل منه الموت حرقا داخل الغابة.
    هنا تدخل ماجوك محاولا أثناء شقيقته عن الاسترسال إلا أنني طلبت منه أن يدعها تعبر عن فكرها ويمكنني أن أعقب عليها، فواصلت أجوك حديثها بغضب:
    - أنني أرى أنه لا أمل لنا أو لكم إلا بالانفصال ويكفينا مرارة ما جرى ويجري منكم منذ ما فعله بنا الزبير باشا....
    فقلت وأنا أسعي لتهدئة غضبها :
    - اعترف بأن للجنوب مشكلة سياسية ولن تحل إلا سياسيا ، وأضيف بأن الأحزاب السودانية التي تعاقبت على الحكم منذ الاستقلال لم تزد المشكلة إلا تعقيدا ، وأخطأت كثيرا بمحاولة فرض التعريب على الجنوبيين أما مافعله بكم الزبير باشا، فكما ذكر من قبل الشهيد عبد الخالق محجوب فلست من الفخورين بأعماله، ولا أعمل لتكريس نتائجها، بل أسعي بقدر ما اقدر لتصفية آثارها.
    فقالت أجوك متسائلة :
    - وما هو الحل السياسي في رأيكم؟
    أخذت أفكر وأنا أستدعي حسي التأميني حيث شعرت بأني كدت أن أكشف الغطاء عن انتمائي الحزبي، وهو تصرف غير مسئول خاصة أن الوثائق التي أحضرتها كلها مازالت معي وأنا حتى تلك اللحظة لا أعرف حقيقة انتماء هؤلاء القوم خاصة ماجوك فهو غامض تماما ولا يمكن أن تحدد أي ميول أو توجهات سياسية لديه ، لذا قررت أن أكون أكثر حذرا، فقلت لها :
    - رأينا .. أم تقصدين رأي الشخصي؟ فأنا لا أتحدث باسم أي جهة أو جماعة أنما أتحدث عن نفسي!!
    - وهل هناك فرق ألست شماليا .. ألستم جميعا تتفقون على تصفيتنا ، فقط تختلفون في التفاصيل؟
    - هذا رأي متطرف جدا . لي رغبة حقيقية بان أستمع إليك وأتمنى أيضا أن تستمعي لي ، ليس فقط كسلوك حضاري أو لعكس وتبادل وجهات النظر بل على أمل أن يتعلم كلانا شيئا جديداً من الآخر، وأتمنى أن تبادليني تلك الرغبة ، صدقيني ليس كل الشماليين متشابهين ، كما أن الجنوبيين أيضا ليس كلهم متشابهين ، وأنتم هنا في واو تعايشتم لعشرات السنين مع الشماليين هل هم جميعهم سواسية ؟
    - أنا أعني الشماليين في السلطة والجيش..!
    - أنا لن أتحدث بلسان الجيش لكن أعلم أن به ضباطاً وطنيين يرفضون أن يطلقوا طلقة واحدة في صدر أي مواطن ..
    - قد تعني المواطنين الشماليين المسلمين أما الجنوبيين غير المسلمين، فهم غير معنيين لديهم بمفهوم المواطنة..
    - هذا غير صحيح .. الضباط الذين أعنيهم ....
    فقاطعتني قبل أن أكمل عبارتي
    - أذكر لي أسم ضابط واحد رفض الخدمة في الجنوب؟
    - ...............
    فتدخل ماجوك واضعا حدا لذلك الجدل.
    - يكفي هذا هيا نتناول القهوة في الحديقة.
                  

01-03-2006, 11:35 PM

عاطف عبدالله
<aعاطف عبدالله
تاريخ التسجيل: 08-19-2002
مجموع المشاركات: 2115

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "أجوك" ...طفلة المطر !! (Re: عاطف عبدالله)

    فخرجنا وجلسنا في الحديقة على مقاعد خشبية مصنوعة من خشب المهوقني ، تناولنا بعض الحلويات، ثم أتتنا الزوجة بالقهوة فشربناها واستعاد تجمعنا جو الإلفة بفضل لباقة مضيفي ماجوك وحديثه الساحر عن المدينة وعن أهم أحداثها.
    مضت عدة أيام بعد تلك الليلة كنت كثير التفكير فيها بأجوك، كانت بالنسبة لي أشبه بالمهرة الحرة التي لا يمكن ترويضها للعمل في الحقول، أو خوض مضمار سباق وهي معصوبة العينين ، كانت شديدة الاعتزاز بنفسها وبثقافتها وجنسها كما يبدو لي أنها متدينة وذلك لإكثارها من رسم علامة التثليث بيدها على صدرها خلال حديثها، وأيضا الصليب الذهبي المتدلي من عنقها، عكس شقيقها ماجوك الذي لم ألمس منه أي ميول دينية ولم أشهده يوما قاصدا الكنيسة ، كنت أتمنى مواصلة الحوار مع أجوك حتى أسبر غور تطرفها ، عموما هي واضحة لا تخبئ عواطفها أو أفكارها عكس شقيقها ماجوك فهو صعب القراءة ولا يمكن أن تستشف منه شيئاً أبدا عدا أنه واسع الثقافة والإطلاع.
    مضت الأيام رتيبة ، حاولت أكثر من مرة الاتصال بالخرطوم لكن الهواتف كانت معطلة وقطار واو توقف منذ فترة طويلة، ولا توجد وسيلة للتواصل إلا من خلال المطار والطائرات العسكرية ومعسكرات الجيش ، ولكن الطائرة المدنية التي أقلتني إلى هنا مضت ولم تأت مرة أخرى وتشرف المدينة بعد حتى الآن، كنت أود إبلاغ الزملاء بالخرطوم عن عدم توصيلي بفرع الحزب بواو حسب ما كان مخططاً له وأن كمال لم يعد بعد ، وأنني ما زلت في انتظار التوصيلة.
    صباح جديد ، غضب عام يسود أوساط المتعلمين وغير المتعلمين بالمدينة، جنوبيين وشماليين ، وقصة تتداول وتروى ذلك أن أحد الأطواف العسكرية هاجم قرية على بعد ساعتين من "واو" بعد أن نما إلى علمهم بأنها تؤوي متمردين وعند وصول الجنود إليها ووجدوا القرية خالية إلا من امرأة وطفلة وليدة، قتلت المرأة في الحال بعد أن أطلق الجنود نيران كثيفة على كوخها من الخارج ، الأمر الذي أثار غضب سكان المدينة أن الطفلة الوليدة كانت لا تزال حية متشبثة بصدر أمها حين داهم الجنود الكوخ فما كان من أحدهم إلا أن ذبحها بسكينه بحجة عدم تركها فريسة حية للحيوانات المفترسة ، الخبر نقله جندي آخر قبل أن يفر من معسكر الجيش وينضم للقوات المتمردة داخل الغابة.
    بعد أكثر من أسبوعين قضيتهما في فندق باربرا انتقلت للسكن بمنزل بحي الموظفين، لا يبعد كثيرا عن مكان العمل في وسط المدينة، بيت من الطوب الأحمر مكون من غرفتين أحداهما عبارة عن غرفة نوم والأخرى أعدت كمجلس يتوسطهم حمام ومطبخ وصالة مغطية بشبكة أسلاك نملية ناعمة وكان البيت محاطاً بأشجار حب الملوك بأوراقها الداكنة الخضرة وثمارها التي تشبه حبات الليمون الأخضر ، كنت سأقطفها وأتذوقها لولا أن ماجوك حذرني من الاقتراب منها قائلا هي ثمار سامة حتى البهائم والطيور تعافها.لا شك أن ماجوك قد أعد بنفسه هذا البيت لأني وجدت كثيرا من الاحتياجات الأولية متوفرة فيه.
    كان على رأس أولوياتي بعد أن حصلت على البيت هو تأمين الوثائق الحزبية التي بحوزتي، بعد أول ليلة لي في البيت الجديد نهضت مبكرا وأخذت أدور حوله، أنظر بين الأشجار، تحت الأشجار ، فوق الأشجار ، أبحث لها عن مخبأ، لكن بسبب الأمطار المستمرة استبعدت فكرة أن أخبأها بالخارج، داخل البيت فوق الخزانة ستكون عرضة للتفتيش في أول مداهمة، داخل المطبخ لم أستطيب الفكرة، فأعدتها لمكانها في حقيبتي وأغلقت عليها على أمل أن أجد حلا معها .وإلا قمت بأبغض الحلول وأشقها على نفسي وهو حرقها، فذلك على أي حال أفضل من أن تقع في أيدي رجال جهاز الأمن .


    وما زال للقصة بقية ..
                  

01-04-2006, 00:00 AM

احمد العربي
<aاحمد العربي
تاريخ التسجيل: 10-19-2005
مجموع المشاركات: 5829

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "أجوك" ...طفلة المطر !! (Re: عاطف عبدالله)

    جميل انت
    يا ليها النور الذي سطع وسط هذه العتمه







    واصل
                  

01-04-2006, 01:32 AM

عاطف عبدالله
<aعاطف عبدالله
تاريخ التسجيل: 08-19-2002
مجموع المشاركات: 2115

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "أجوك" ...طفلة المطر !! (Re: احمد العربي)

    أنت الأجمل..أخي أحمد
    تحياتي
    ووعدا سأواصل الكتابة حتى أكشف سر تشبيه الدينكا للمرأة بالإله
    شكرا لمرورك الكريم
                  

01-04-2006, 01:45 PM

عاطف عبدالله
<aعاطف عبدالله
تاريخ التسجيل: 08-19-2002
مجموع المشاركات: 2115

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "أجوك" ...طفلة المطر !! (Re: عاطف عبدالله)

    في الليلة التالية التي قضيتها بالبيت .. صحوت بعد منتصف الليل وأنا أتلوى من آلام مبرحة في بطني ، ذهبت لدورة المياه عدة مرات حتى وهنت عضلات بطني ، لا شك أني قد أكثرت من تناول المانجو بالأمس التي .. لا أذكر عدد القطع التي تناولتها متناسيا التهاب المصران الذي ينتابني بين الحين والآخر .. انتظرت حتى أشرقت الشمس وذهبت إلى المستشفى الملكي الذي لا يبعد كثيرا عن البيت .. وكنت أمني نفسي بحبوب "الليبراكس" .. لكني وجدت صيدليته خاوية على عروشها .. ألتقيت بأجوك شقيقة ماجوك وبعد أن عرفت بحالي قلت لها مازحا ..
    - أن نقاشنا السابق هو الذي هيج علي التهاب المصران ..
    - حقا تتحدث.. فأنا آسفة ، لم أكن اقصد .... ؟
    - لا ..لا .. فأنا أمزح معك ..المانجو هو السبب وقد أكثرت منها بالأمس. ..
    - حقا .. ها ها .. لقد صدقتك ..حسنا سوف أعطيك هذا الدواء أشربه فسيخفف عنك الألم وأبعد عن المانجو لاحتوائها على الألياف..
    - كنت حذرا طوال الأيام السابقة لكن لا أدري ماذا جرى لي بالأمس حين أكثرت من تناولها متناسيا حذري ، لذا فليس من المدهش أن يجرى لي ما جرى!!
    - للأسف هنا لا توجد لدينا إمكانيات لعمل منظار للمعدة ، أو حتى وجود أخصائي لأجراء الفحوصات الضرورية ، لكن هذه الوصفة الدوائية ستخفف قليلا من آلامك ، سأسعى للحصول لك على حبوب اللبراكس.
    - شكرا لقد أجهدتك معي.
    - هذا واجبي ولا شكر على واجب.
    بعد تناول الشراب الذي قدمته لي وهو يشبه الروب في شكله وحموضته قلت لها بعد أن هدأت آلام أمعائي قليلا :
    - كنت أتمنى مواصلة الحوار معك ..
    - ما الذي يمنعك ..؟
    - لا شيء !!
    - حسنا .. أدعوك لتناول الشاي ونتحدث
    - لا بأس
    فذهبنا وجلسنا أمام كشك يقدم القهوة والشاي والساندوتشات للعاملين بالمستشفى ، طلبت أجوك كوبين من الشاي ، وبعد أن جلست قالت لي:
    - في آخر حوارنا السابق كنت أنت قد ذكرت أن هناك مشكلة سياسية للجنوب، أليس كذلك ؟
    - بالتأكيد
    - حسنا قل لي ما هو الحل؟
    فقلت:
    - الحل يجب أن يكون سياسيا وفي رأيي أن الحكم الذاتي الإقليمي وإشاعة الديمقراطية والتنمية في في كل الأفليم الجنوبي .......
    فقاطعت حديثي قائلة :
    - هذا ما اعلنه النميري في التاسع من يونيو عام 69 إليس كذلك؟ أنظر لحالنا الآن.!!
    - البيان الذي أعلنه النميري هو ما خطه الشهيد جوزيف قرنق ونميري لم يفعل اكثر من قراءته، وحتى قراءته له كانت مليئة بالأخطاء ..
    ضحكت لأول مرة .. أراها تضحك .. وقالت من بين ضحكتها
    - لم أكن أظنك أنك تقدمي في فكرك .. هل أنت شيوعي؟
    ساد الصمت بيننا أحسست بأني انزلقت بعيدا في الحديث فانكشف أمري بعد أن فقدت حذري وسقط الغطاء عن هويتي السياسية فلذت بالصمت ، سحبت نفسا عميقا ، أما هي فقد هدأت أنفاسها قليلا، نظرت إلي .. وتلاقت نظراتنا ، أنفاسنا، فأحسست بالحرج كأني ضبطت أقطف من بستان ليس لي، خفت أن أثير غضبها لكني تمالكت نفسي حين لمحت ظل ابتسامة صغيرة على طرف ثغرها زادتها جمالا على جمالها.
    وقالت لي :
    - أنا أقر بأن ليس كل الشماليين يحملون نفس الأفكار .. ولا شك أنك تختلف كثيرا عن معظم من التقيت بهم من الشماليين ..
    - صدقيني أمثالي كثيرون بل هم الأغلبية
    - أتمنى ذلك ..!
    أخذت أفكر وأنا في طريقي للعمل ، ماذا لو لم تكن جنوبية ؟ !! كان سيكون تصرفي مختلف تماما معها، فهي لا شك نصفي الذي أبحث عنه ، لكن ماذا سيقول الأهل في امدرمان ، لو أن الأمر سينتهي هنا لما ترددت، وسيكون الأمر عادياً . أما لو ذهبت بها إلى هناك، أمدرمان .. الأهل ، العشيرة ماذا سيقولون ؟ الناس ماذا سيقولون ؟!! ، أولادي كيف سينظر لهم ؟!.كيف سيعاملون ...؟؟ دينق الخدام الذي يعمل لدينا في البيت من نفس القبيلة .. أصدقاؤه الذين يتجمعون عنده في البيت ، خدم البيوت الأخرى هل يمكن أن أتعامل معهم بنفس الطريقة التي كنت أتعامل بها معهم دون أن أجرح شعور أجوك، خدم البيوت أو "البروليتاريا السفلى" التي استبعدناها تماما من التنظيم ومن لعب أي دور في النضال الطبقي هل يمكن أن أشركهم في حياتي الأسرية...الأمر يحتاج لأكثر من التفكير النظري والمثاليات الأخلاقية غير المقرونة بالواقع المعاش.. صراع فكري دار في ذهني وانتصرت فيه عقلية المنتج الصغير ، تذكرت حديثها لي ".. ولا شك أنك تختلف كثيرا عن معظم من التقيت بهم من الشماليين .." هل حقا أنا أختلف عن الآخرين؟؟


    و نواصل ...
                  

01-05-2006, 03:50 PM

عاطف عبدالله
<aعاطف عبدالله
تاريخ التسجيل: 08-19-2002
مجموع المشاركات: 2115

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "أجوك" ...طفلة المطر !! (Re: عاطف عبدالله)

    في ذات خميس والليل يزحف ببطء وأنا قد مللت الوحدة والمطالعة واحتساء الجعة الكينية ذات المذاق اللاسع ، تناهى إلى سمعي صوت قرع طبول .. جائتني كصوت ( الدلوكة )(7) عندما يشق صمت الليل في أمدرمان مناديا بوجود عرس ما في الجوار ، قلت هذه لا شك طبول فرح ، كانت إيقاعاتها متسارعة ، تناهى إلى سمعي صوت طبلين يقرعان متزامنين وكأن حواراً يدور بينهما وكان الحوار يعلو حينا ويهبط حينا آخر نهضت من مكاني وارتديت ملابسي على عجل وخرجت أتبع صدى تلك الإيقاعات وأنا أتمايل معها طربا وكلما تقدمت كانت أصوات الطبول تعلو والظلام يشتد حلكة ولا ضوء سوى ضوء القمر الذي كان يظهر حينا ويحتجب خلف السحب حينا آخر ، كان هناك ضرب على الأرض بالأقدام إيقاعه يزداد طرديا مع إيقاع الطبلتين وبدأت أتبين أصوات أهازيج وغناء تصحبه بعض الزغاريد ، وصرخات كأنها نابعة من مضمار معركة ، فكرت في التراجع لكن كان الظلام من خلفي مخيفاً أكثر من احتدام الأصوات التي أمامي فقررت السير قدما إلى موقعها أياً كانت عرسا أم حربا فقد كنت في نقطة اللاعودة .
    كان المكان لا يبعد كثيرا عن مكان سكني لكن أحياء "واو" المتفرقة وعدم معرفتي بالمكان جعله يبدو بعيدا ، كان أحد أحياء الدينكا المقامة في أطراف المدينة على ضفة نهر الجور ، وفي ميدان يتوسط أكواخ الحي كان تجمعاً كبيراً والغبار يعلو عنان السماء والشعلات منتشرة تحول ليل المكان إلى نهار ورجال ونساء مصطفون في صفوف وحلقات ، الكبار منهم مسلحون بالحراب والدروع والشبان فيهم والصغار يحملون العصي والسياط ، تقدمت ووجدت نفسي داخل أحدى تلك الحلقات ناولني شخص منهم إناءاً مليئاً بالجعة أشبه بالمريسة فاحتسيته وازددت انتشاءً ، ثم ناولني إناءاً آخراً ممتلئاً بالشواء فأكلته ، ثم جاءني بطبق ثالث ممتلئ بالعصيدة واللبن .. يا لكرم هؤلاء القوم فصحافهم ممتدة بلا آخر هذه الليلة وأكرموني وهم لا يعرفونني ، فقد كان الطعام وفيرا والذبائح ما تزال يؤتى بها إلى مكان الحفل وتقدم الأنعام من كل شاكلة ، شاركتهم الفرح بالرقص وتناول الطعام والشراب ، كنت بينهم أشبه بالخواجة السائح الذي يذهب في يوم الجمعة لضريح الشيخ "حمد النيل" بأمدرمان فيتعبأ بالدهشة من دق الطار والنوبة في حلقات الذكر ووسط الدراويش فيأخذ بضع صور تذكارية يحملها معه لبلاد ماتت عواطفها من كثرة تحكم العقل فيها.
    بعد أن أخذ التعب مأخذه مني جلست على الأرض مع مجموعة من الدينكا كبار السن ومن هناك لمحت العم كاجو لكنه كان يجلس بعيدا ووحيدا كالمنبوذ ، فحاولت أن أنهض لأجلس معه إلا أن أحدهم ناولني غليونا ممتلئاً تبغا وقال لي كلاما كثيرا لم أفهم منه شيئا لكنني أحسست فيه بالترحيب بي وأني في تلك اللحظات منهم وعليهم ، أخذت أدخن الغليون ، وحينما رفعت رأسي نحو المكان الذي كان يجلس فيه العم كاجو لم أجده ، لم ألبس أن نسيته مع أحاسيس شتى تنتابني فلأول مرة أجد نفسي وسط هؤلاء الناس في بيئتهم ، أفكار عديدة أخذت تخترق رأسي وتتداعى كالدخان الأسود يشق حاجب المكان والزمان فأعادني لتلك الأزقة الأمدرمانية ، و..
    - جيب هق السينما ..
    - يادينق ماشي السينما ولا ماشي .........؟؟
    يضحك
    - لا واللاي .. ماشي السينما بس.
    تسمعنا "حبوبة" فتتدخل في الحديث:
    - العبد ده ممسوخ .. ما تديه قروش يمشي يودره في المريسة وشراب العرقي .
    - ياحبوبة .. كدى قولي بسم اللاي ، وأمشي إرتاحي .. دينق تعال هاك بدل الطرادة خمسين قرش أمشي بحبح يا زول الليلة الخميس ..
    دينق الخادم.. لو كان الآن هنا، كان سيكون من ضمن أولئك الفرسان الذين يرتدون جلد النمر ويلوحون بالحراب ، أو مع جوقة المغنيين .


    و نواصل ...
                  

01-07-2006, 11:34 AM

عاطف عبدالله
<aعاطف عبدالله
تاريخ التسجيل: 08-19-2002
مجموع المشاركات: 2115

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "أجوك" ...طفلة المطر !! (Re: عاطف عبدالله)

    في يوم السبت التالي وصلت للعمل مبكرا تناولت كوبا من القهوة بعدي بدقائق أتى ماجوك وكان بيده جهاز راديو ترانزستور ، أحضره لاستبدال حجارته حكيت له ما جرى لي في احتفال الدينكا وبقضائي لليل وسطهم .. فقال لي قد تكون المناسبة عرساً أو حفل تدشين للشباب الذين انتقلوا لمرحلة الرجولة ، ذكرت له رؤيتي للعم كاجو وكيف أنه كان وحيدا في ذلك الاحتفال وسألته عن سر حزنه فقال:
    - لي أن ذلك موضوع يطول شرحه ، لكني أعدك بأن أوضحه لك فيما بعد .
    قال لي ذلك لأنه كان في عجلة من أمره حيث كان خارجا في مهمة عمل بمدينة التونج وسيعود قبل المساء ، أخذ يعد بعض الأوراق وحمل حقيبة أدوات وضعها بسيارته خرجت معه إلى السيارة ودعته وعدت للمكتب، ووجدت جهاز الراديو ما يزال على ظهر مكتبه ، فحملته وخرجت مسرعا في أثره لكنه كان قد أنطلق بسيارته واختفى عن الأنظار، عدت للمكتب وأعدت المذياع إلى مكانه، أخرجت بعض الأوراق من درج المكتب ثم أعدتها مرة أخرى ، نهضت وأخذت المذياع من على طاولة ماجوك، راديو فلبس ترانزستور صغير مغطى بجلد أسود ناعم ، أدرت مفتاحه وكان مضبوطاً على محطة الإذاعة البريطانية، كان الصوت جليا واضحا ".. نجح رواد مكوك الفضاء الأمريكي ديسكفري في استعادة قمرين تائهين ..." حركت المؤشر أبحث عن محطة إذاعة امدرمان فجاءتني إذاعة خليجية " ... تم اليوم إشهار الجمعية الكويتية لزراعة الأعضاء....." حركته مرة أخرى بحثا عن إذاعة امدرمان فتداخلت عدة محطات بلغات أفريقية ثم بعد عدة محاولات جاءني صوت المطرب أحمد المصطفى وكان يردد في أحدى أغانيه الخفيفة " جن ماشيات تلاته....لي بيت الخياطة .. وأنا دستوري نازل في الخرطوم تلاته ......" فاسترخيت في مقعدي وأخذت أردد معه لكن كان الإرسال غير واضح ومتقطعاً وأخيراً ضاع الصوت وحلت محله خشخشة فعدت أتلاعب بالمؤشر وأعدته لموضعه الأول أستمع للإذاعة البريطانية ".. مازال فلم المدمر The Terminator للمخرج الأمريكي جيمس كاميرون وبطولة النجم شوارزنجر يحتل المرتبة الأولى في إيرادات شباك التذاكر في كل من الولايات المتحدة ودور السينما البريطانية ..يليه في الترتيب الفلم الهزلي ضابط بيفري هيلز Beverly Hills Cop للمخرج مارتن بريست وبطولة إيدي ميرفي....."
    تذكرت دار سينما "واو" بجانب فندق باربرا حيث كان فيلم " جانوار " الهندي يعرض بجوار فلم "اسبارتاكوس " للمثل القدير كيرك دوجلاس،كم وددت أن أذهب لمشاهدة الفيلم الأخير لكن لم أكن قادرا على تكرار مشاهدة الفلم الأول فعزفت عن الذهاب.
    أغلقت المذياع وأحسست بحاجة لأن أتبول فذهبت لدورة المياه وحين عدت وجدت رسالة على ظهر طاولة مكتبي، نظرت إليها ونظرت حولي فلم أجد أحدا ، أخذت الرسالة وفضضتها وقرأت فيها .
    " الزميل فؤاد ..( فؤاد هو أسمي الحركي في الحزب ) .. نحييك تحية ثورية، لظروف تأمينية لم نستطع توصيلك بفرع الحزب بواو، بخصوص الوثائق التي جلبتها معك من فرع جوزيف ( فرع جوزيف هو فرع الحزب الذي كنت ملتحقا به بمدينة أمدرمان ) سوف يتم استلامها منك مساء اليوم خلال مباراة الغزال والهلال بالمدرج الجنوبي باستاد "واو" وستكون كلمة السر " جوزيف قرنق " رجاء إعدام الرسالة بعد الفراغ من قراءتها.
    "فرع السلام بواو".
    قبل أن أحرق الرسالة .. خرجت للبهو مرة أخرى ووجدت العم كاجو الفراش سألته أن كان قد رأي شخصاً يدخل أو يخرج من المكتب فأكد لي بأنه لم ير أحدا ، كما أنه لم يبرح مكانه منذ الصباح....
    أعدت قراءة الرسالة مرة أخرى ثم أحرقتها ، انتظرت مجيء العصر بفارغ الصبر كأني على موعد غرامي، هذا الاتصال لا شك سيليه اتصال آخر يتم بموجبه توصيلي بفرع "السلام " .. نظرت للمذياع الذي حملته معي .. لا شك أنه يلزمني مثله .. أدرته .. " ... الكولنيل قرنق يصرح بأن الحركة الشعبية لتحرير السودان SPLM تقاتل من أجل سودان علماني متحد .....
    بحثت عن إذاعة أمدرمان مرة أخرى فجائني صوت الرئيس نميري وهو يعلن أنه سيقضي على التمرد خلال شهر واحد بعد انتهاء فصل الخريف ، بعد العصر أخذت المستندات والوثائق الحزبية ووضعتها داخل حقيبة بلاستيكية حملتها وتوجهت إلى شارع المطار حيث يقع إستاد الكرة .


    .. يتبع
                  

01-09-2006, 01:16 PM

عاطف عبدالله
<aعاطف عبدالله
تاريخ التسجيل: 08-19-2002
مجموع المشاركات: 2115

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "أجوك" ...طفلة المطر !! (Re: عاطف عبدالله)

    كانت المباراة حامية بين الفريقين والجمهور متفاعل مع اللاعبين وبما أني كنت أتمسك بالعقلانية لآخر رمق فكنت أهرب من عشق المجنونة لذا انشغلت بتأمل وجوه الجماهير التي كانت تقف حينا وتجلس، تصمت فتسمع تعليقا طريفا ، يحمى وطيس المباراة فتشجع بحرارة في كلا الفريقين ، ألاحظ التشنجات والانفعالات وعندما تسترخي الوجوه .. هدف ضائع .. انفعال .. الحكم يطلق صافرته .. فاول ..الجمهور يقف ويهتف التحكيم فاشل .. التحكيم فاشل ، أحد لاعبي فريق الغزال يسقط على الأرض مصابا، الجماهير تعود للجلوس على المدرجات، أحد لاعبي الهلال يضرب الكرة لخارج الملعب حتى يتم اسعاف لاعب الغزال المصاب، الجماهير تصفق له..
    - جوزيف قرنق ...
    نهض اللاعب المصاب واستأنفت المباراة ..لاعب الغزال رمي بالكرة إلى أحد لاعبي الهلال... الجماهير تصفق ....
    - جوزيف قرنق ..
    - جوزيف قرنق..
    انتبهت للصوت ، تذكرت أسباب تواجدي هنا ..التفت إلى صاحب الصوت .. رفعت الحقيبة أمدها إليه وقبل أن أتأمل وجهه جيدا كان صاحب الصوت قد حملها ومضي .. في تلك اللحظة كان الحكم يطلق صافرته معلنا انتهاء المباراة .
    كان من الصعب جدا تتبعه وسط تلك الجماهير المحتشدة أمام الأبواب ، فأهل "واو" رغم أنهم خليط من القبائل السودانية من فراتيت ودينكا وزاندي وبلندا والبندا وكريش، كذلك تجد بينهم الفلاتي والدنقلاوي والشايقي والجعلي والقبطي وذوي الأصول الأوروبية ، قد يكون ذلك شيئا مألوفا في كل مدن السودان الكبيرة، لكن الأمر غير المألوف وسط هذا الخليط القبلي المدهش هو وجود ذلك التشابه الكبير في سحناتهم وألوانهم حتى يكاد المرء لا يفرق بينهم.
    من أكثر الأشياء التي شدتني إلي أهل تلك المدينة هو حبهم الكبير "لواو" ، والاحترام الكبير المتبادل فيما بينهم ، وهناك مفردة قد سقطت عن قواميسهم رغم أنها تكاد تكون أساسية في كل اللغات السودانية الأخرى وتستعمل بكثرة في أصقاع السودان الشمالي، كلمة "عبد " تلك المفردة لم أسمعها على لسان أي من سكان "واو" من الذين التقيت بهم لا مزحا ولا جدا.
    في المساء بعد أن عدت من ملعب الكرة حملت جهاز الراديو الذي يخص ماجوك وذهبت لمنزله لإعادته إليه ، لا أخفي عليكم بأني كنت أمني نفسي يرؤية شقيقته أجوك، ووجدتها فرصة مناسبة لرؤيتها بحجة أعادة الراديو، لكن حين وصلت ولم أجد سيارة ماجوك علمت بأنه مازال في مهمته خارج المدينة، ترددت في أن أمضي قدما في مخططي، لكن هل أعود ، فليس من اللياقة دخول بيت الرجل في غيابه ، إلا أن رغبتي في رؤية شقيقته كانت أقوي من أن أعود بعد أن وصلت إلى هنا ، ولن أجد سببا أفضل لزيارتهم من دون أن يدعوني ، والله أعلم متى سيدعوني من جديد، وكذلك ليس من النخوة دخول البيت في غياب الرجل ، قررت أن أطرق الباب وأسلم الراديو لمن يفتحه ثم أمضي في حال سبيلي ، قد يحالفني الحظ بأن تفتح لي أجوك وربما أتجاذب معها أطراف الحديث حتى ولو أمام الباب ، تحمست للفكرة وطرقت الباب مترددا فتحته لي مالينا زوجة ماجوك وقابلتني بابتسامتها البشوشة ودعتني للدخول، اعتذرت لها وسلمتها الراديو من الباب وقررت العودة من حيث جئت، لم تلح علي كثيرا شكرتني وأغلقت الباب من ورائي، لكن قبل أن أمضي بعيدا جاءت أجوك وكان يبدو أنها كانت تمارس رياضة العدو مرتدية زيا رياضيا ماركة " نايكي" عليه علامتها المميزة الشبيهة بعلامة الصاح ) √ ( المدرسية بلون أزرق فاتح وخطوط بيضاء على الجانبين ، وتربط حول جبينها شريطا بنفس لون البدلة الرياضية ، وعليه نفس العلامة ، وكانت ما تزال تلهث من العدو ، حيتني بحرارة وأنفاسها تعلو وتهبط .. وكان القميص من الأمام مبتلا بسبب العرق فأبرز صدرها النافر حيث لم تكن ترتدي حمالات داخلية فأخذت أنفاسي أنا الآخر تعلو وتهبط ، سألتني عن صحتي وهل زالت آلام بطني ، قشكرتها على السؤال وقلت لها:
    - أن حالي أفضل كثيرا إلا أني حزين لعدم استطاعتي أكل المانجو مجددا ..
    - ويمكنك أن تحظى بغيرها فهنا الفواكه كثيرة ومتنوعة.
    فقلت في سري أنت أجمل فاكهة استوائية رأيتها في حياتي فكيف يمكنني أن أحظى بك ... دعتني للدخول واحتساء الشاي بالحليب ، حاولت الاعتذار لكنها عبارة نطقت بها جعلتني أغير موقفي وأقبل على الدخول عبارة قالتها لي بإنجليزية طلقة:
    - لو لم يكن لديك برامج مسبقة أرجو أن تأتي .. فسأكون سعيدة بالجلوس معك ..
    - في الحقيقة ليس عندي أي التزامات ، ويسعدني أن أتناول معكم الشاي ، لكن ..
    - لكن ماذا ؟؟
    - ماجوك غير موجود .. وأحس بالحرج لتواجدي في بيته وهو غائب.
    - يا إلهي .. أنت تيبكال "مندوكورو ".
    تذكرت صديقي ماثيو ..فأين أنت الآن يا ترى؟؟ ضحكت..فابتسمت لي وقالت :
    - ما الذي يضحكك ؟
    - تلك العبارة " تيبكال مندوكورو " كان يرددها صديق لي في الجامعة يدعى ماثيو
    - وأين هو صديقك ذلك الآن ؟.
    - لا أدري!!.
    لا أدري ، كلمة قلتها ودون أن أدري أخذت أنظر ورائي للأشجار الممتدة على مدى البصر كأني أبحث عنه ( تلك الأحراش ما أوسعها .. فلا شك أن الأرض التي تتمدد فوقها الآن ياماثيو ستكون أرحم عليك من "دبل الدكر" والسماء التي تدثرك حتما هي أكثر طولا من ذلك الغطاء القصير)


    نتابع وكل عام وأنتم بخير
                  

01-10-2006, 10:02 AM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36829

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "أجوك" ...طفلة المطر !! (Re: عاطف عبدالله)

    Quote: - لا أدري!!.
    لا أدري ، كلمة قلتها ودون أن أدري أخذت أنظر ورائي للأشجار الممتدة على مدى البصر كأني أبحث عنه ( تلك الأحراش ما أوسعها .. فلا شك أن الأرض التي تتمدد فوقها الآن ياماثيو ستكون أرحم عليك من "دبل الدكر" والسماء التي تدثرك حتما هي أكثر طولا من ذلك الغطاء القصير)


    الاصدقاء الحقيقيون كالبصمة لا يتكررون...وكل من يمضى يترك فراغا ابديا

    تحية للاخ عاطف في هذا الانسياب الرائع...
                  

01-10-2006, 01:51 PM

معتز تروتسكى
<aمعتز تروتسكى
تاريخ التسجيل: 01-14-2004
مجموع المشاركات: 9839

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "أجوك" ...طفلة المطر !! (Re: adil amin)

    عيد جديد؟؟!!!
    سلام من اقاصى الدنيا والزمان لو ابرقت فيه سحابات حوامل لم يكن فيها جنين كالتى من بلادى...
    عيد جديد؟؟!!
    دعونا الان نقترح القوانين المواكبة لاترباك الموج ؛ نلغيها احاسيسنا..ونصنع من زغاريد النواح المحتدم انشودة للارتياح او شهوة للانسجام..
    عيد جديد؟؟!!
    وعرس العيد مدخرُُ ليوم عرسهُ نحن .. شربنا كاس ماضيه ..هضمنا كل حاضره.. طبخنا الاخر الاتى وسقنا هذه الوقفه لليل الحزن فى بلدي ..شعاع الموت يابلدى ..ذهاب الماء بعد الماء كارثة ..خيول الشمس دون صهيل كارثة...
    وعيد جديد؟؟!!
    وتمنياتى لكم بالتمتع بالشوق عند الخفقة العليا ؛ بى همسة التوليف فوق الحاسة العليا..
    و بالصحة وترا يدندن كى يزيد العافية اصرارا..وانتعاش الامسيات...
    لكم مقعد الفرح ؛ولوحة الطفولة ؛ وفرح للتصفيق..
    تعالوا نجرب الضياع المتجرد خلف صورة ماهولة بالمعانى.. ربما صورة ماهولة بالصور التى ودعت مفهوم التقيلد وازدهرت....
    كل عام وانتم بخير وصحه ..
    والسنه دى قبل الجاية تحقق الامانى ..
    دمتم بعافية ويحقق الامانى للجميع ..
    من كل قلبى لك الحب..(عاطف عبدالله)..
    اول ايام عيد الاضحى
    معتز تروتسكى
                  

01-12-2006, 09:47 AM

عاطف عبدالله
<aعاطف عبدالله
تاريخ التسجيل: 08-19-2002
مجموع المشاركات: 2115

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "أجوك" ...طفلة المطر !! (Re: معتز تروتسكى)

    والشكر مكرر لك الشفيف معتز تروتسكي
    وعيد سعيد وعقبال الديمقراطية المستدامة ووطن صحيح ومعافى .. لا عساكر .. لا درادر ..لا مهاجر ..
    وكل عام وأنت بخير
                  

01-12-2006, 09:42 AM

عاطف عبدالله
<aعاطف عبدالله
تاريخ التسجيل: 08-19-2002
مجموع المشاركات: 2115

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "أجوك" ...طفلة المطر !! (Re: adil amin)

    الأديب والأستاذ والصديق عادل أمين
    شكرا لهذه الكلمات الطيبات
    وأتمنى دوما أن أكون عند حسن ظنك بي
                  

01-13-2006, 11:44 PM

عاطف عبدالله
<aعاطف عبدالله
تاريخ التسجيل: 08-19-2002
مجموع المشاركات: 2115

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "أجوك" ...طفلة المطر !! (Re: عاطف عبدالله)

    دخلت البيت وراء أجوك ورحبت بي مالينا للمرة الثانية ، طلبت أجوك منى الجلوس في الحديقة ريثما تعد لنا الشاي إلا أن مالينا قالت لها أن الشاي جاهز فقد أعدته قبل حضورها وسوف تجيء به إلينا، في تلك اللحظات أتى ماجوك وحياني وحي شقيقته أجوك بطبع قبلة حنونة على خدها ثم أسترخي على مقعد بجواري وقال بعد أن رأى زوجته تحمل صينية الشاي:
    - أكثر ما أحتاجه الساعة هو كوب من الشاي بالحليب.
    ثم أردف قائلا بعد أن علم بإعادتي للمذياع:
    - حسنا فعلت فأنا لا أقدر أن أنام دونه فليس من وسيلة أخرى لمتابعة ما يجري بالعالم..فلك شكري.
    قالت أجوك تشكوني لشقيقها فقال الأخير:
    - هل تصدق بأنه ما كان يريد الدخول للبيت بحجة أنك غير موجود.
    فقلت بزهو:
    - ليس من المستحب لدينا زيارة البيت في غياب صاحبه.
    فأخذوا ينظرون لبعضهم البعض، ثم قال ماجوك:
    - حسنا أنا أحترم كثيرا القيم التي تنطلق منها ، لكني أختلف معك ، أنتم دائما تنظرون للمرأة على إنها كائن ضعيف وتابع، ولو كانت أجوك موجودة لوحدها أو مع مالينا لا أرى سببا يدعوك لعدم زيارتهم، ولك أن تعلم بأن لهما في هذا البيت مثلما لي وأكثر، على الأقل هما اثنان وأنا واحد، لذا لا أرى لك سببا مقنعا لعدم زيارتك لهما في غيابي.ولو كانا لا يرغبان في زيارتك فلن يدعواك للدخول من البداية.
    أفحمني بمنطقه وقوة حجته فلم أملك ردا ، فلذت بالصمت ، وهنا تدخلت أجوك موجهة الحديث لي :
    - كنت أعتقد أنك تختلف عن الآخرين ..ونظرتك للمرأة مختلفة .. كنت أظنك تقدمي!!
    - بالطبع تقدمي الأفكار ونظرتي للمرأة مختلفة، ولكن هناك أشياء من الصعب تخطيها، فلا تنسي أنني نتاج مجتمع يحرس قيمه بمختلف الوسائل ومن الصعب تجاوزها، نحن لا نقدر أن نوائم بين فكرنا وسلوكنا بنفس القدر والمستوى .. المسألة تحتاج لوقت وتدريب.
    فقال لي ماجوك وهو يربت على كتفي:
    - يمكنك أن تأتي في أي وقت تشاء، وكن مطمئنا بأنك لن تحس بالندم إلا إذا قمت بفعل خاطئ تأسف عليه فيما بعد.
    بعد أن تبادلنا أطراف الحديث عن رحلة ماجوك وعن الطقس في راجا سألته عن سر الحزن الذي يخيم على حياة العم كاجو فحكي لي ماجوك أغرب قصة سمعتها في حياتي وهي أنه قبل سنين طويلة وكاجو لا يزال صبيا مراهقا قد أتم مراسيم تدشينه( حديثا وانتقل لمرحلة الرجولة وقبل أن يستوعب أعباء المرحلة الجديدة التي دشنها اعتدى شاب آخر من الدينكا على أبقار تخص أباه فما كان من كاجو إلا أن أصاب الشاب الآخر أصابة بالغة أودت بحياته .. وحسب التقاليد والأعراف السائدة عند الدينكا كان لأسرة القتيل أن تقبل أما الدية وهي عبارة عن خمسين بقرة أو أن تقتل كاجو أو أن تختار أعز وأنجح وأجمل رجل من أسرة كاجو لتقتله أخذا بثأر أبنها القتيل ، ولقد كان خيارهم هو الأخير فاختاروا لفداء قتيلهم أحد أعمام كاجو والذي كان متوقعا له أن يصير سلطاناً أو زعيماً سياسياً لما له من مكانه وسط عشيرته ، ورغم المحاولات العديدة لإثناء أسرة القتيل على أن تختار شخص كاجو القاتل أو أي شخص آخر من أسرته أو أن تقبل الدية إلا أنهم رفضوا إلا قتل عم كاجو وإلا قامت حرب بين الأسرتين فما كان من أسرة كاجو إلا أن تضحي بحياة العم وذلك حسب التقاليد والقيم الدينكاوية لذا عاش كاجو بقية حياته وهو منبوذ من أسرته وقبيلته ..
    - لكن ذلك ظلم بين .. حيث يطلق سراح القتيل ويدفع الثمن شخص برئ لا ذنب له إلا علاقته الأسرية بالقاتل.
    - نعم الأمر يبدو كذلك من الوهلة الأولى .. لكن لو تمعنت فيها فستجد أن هذا العرف يحتوي على حكمة كبيرة وذلك أن أي شخص يفكر ألف مرة قبل أن يقدم على قتل إنسان آخر ، لأنه عادة عندما يتجرأ إنسان بقتل إنسان آخر علانيةً يكون القاتل قانعا بأن يسدد الثمن من حياته ، لكنه عندما يعرف بأن شخصاً آخر وهو بالتأكيد سيكون شخصاً عزيزاً لديه سيدفع الثمن ، وانه سيقضي بقية حياته منبوذا ، ضميره مثقل بوزر أثقل من صخرة سيزيف ، فنجده يتردد ألف مرة قبل الإقدام على فعلته ، ويمكن أن تلمس نتيجة ذلك القانون القبلي فتكاد جرائم القتل بين الدينكا أن تكون معدومة قبل تدخل المدنية الحديثة وتطبق القوانين الجنائية والمدنية عليهم والتي يجهلها معظم أفراد قبيلة الدينكا إلا من لقي حظاً من التعليم .
    الأمر يبدو لي الآن أكثر وضوحا ..فقلت :
    - أني بجد حزين وأحس بأسف عميق تجاه ثقافتي والتعليم الذي تلقيته ، فأنا أعلم الكثير عن عادات الفراعنة وسكان الربع الخالي وأهل الشام وبدو اليمن ، بل درست وفقهت عن أقوام كالهنود الحمر الذين أبيدوا من وجه الأرض وشعوب الهملايا والأمازون وعن التبت وأهل الصين وأجهل أبسط الأشياء عن ثقافة قوم يشكلون أكبر المجموعات الأثنية التي تشكل السودان اليوم ، لا شك بأن هناك أشياء كثيرة جديدة يجب أن أفهمها، وأشياء أخرى أكثر يجب أن أعيد فهمي لها.
    بعد ذلك أخذ ماجوك يشرح لي عن التاريخ والدين وعن الموت والحياة وعن العشيرة ، عن الزواج والأسرة حتى شق الليل مجلسنا ، فقررت النهوض لكني قبل أن أذهب ذكرت ملاحظة بدت لي تلك اللحظات مناسبة لذكرها رغم أني كنت أود الخوض فيها منذ فترة ، وهي بخصوص لغة الحوار التي تدور بيني وبين ماجوك وأجوك ، فقلت لهم :
    - ألم تلحظوا شيئا في كل جلساتنا معا؟
    - ما هو ؟
    - أننا دوما نتخاطب باللغة الإنجليزية .
    فقالت أجوك:
    - وكيف تريدنا أن نتخاطب، ألا تعلم بأن اللغة الإنجليزية تعد لغة رسمية هنا، ثم أنت لا تعرف لغتنا فكيف تريدنا أن نتحدث معك ، نستخدم عربي "واو" .. قد نستخدمه في إنجاز بعض المعاملات البسيطة التي تتعلق بالبيع أو الشراء لكننا لا نستخدمها في التعبير عن أفكارنا، نحن وأنت متعلمون ونجيد اللغة الإنجليزية فما المانع من استخدامها للتعبير عن أفكارنا ؟
    - لا أجد ما يمنع لكن أعتقد أن لخلق تواصل حقيقي بيننا لا بد من وجود ما هو أكثر من الاستعانة بلغة ثالثة ، بالتأكيد هي ليست لغتكم ولا لغتي ...أظن أن ما بيننا أقوى وأمتن ما بين أي منا وصاحب تلك اللغة الثالثة .
    واصلت حديثي بثقة فلأول مرة أجد نفسي في غير موقف الدفاع .
    - قد نحتاج فعلا لتلك اللغة الثالثة لنعبر بها عن أفكارنا لكننا لسنا بحاجة لها لنعبر عن مشاعرنا أليس كذلك؟
    وجهت السؤال وأنا أنظر لأجوك ، فرنت إلى الأرض ولم تقل شيئا وهنا تناول ماجوك طرف الحديث فقال:
    - أن وعينا يتأسس من معطيات لغتنا والتنوع اللغوي هو مصدر غنى وما ذكرته مستر سليمان صحيح فأنت أقرب لي من أي إنجليزي ولو كان مسيحيا مثلي، وأنا على ثقة بأني أقرب لك من أي عربي ولو كان مسلما ويحمل أي جنسية أخرى فنحن شركاء في هذا الوطن ومهما بلغت متانة علاقتنا بالآخرين فهم أغراب عنا ماداموا أغراباً على هذه الأرض .
    - الدليل على ذلك أنه بعد اندلاع الحرب من جديد نجد أن معظم الجنوبيين المتأثرين مباشرة بالحرب قد اختاروا النزوح شمالا نحو الخرطوم، ولم يتجهوا نحو كمبالا أو كينيا مع أن الأخيرتين اقرب مسافة لهم من الخرطوم.
    كان ذلك ما قالته مالينا وهي تصب لنا الشاي بعد أن وضعت فيه الحليب والسكر.
    عاطفة جياشة غمرت روحي تلك اللحظات، تمنيت أن أنهض وأضم ماجوك وأجوك ومالينا إلى حضني، لكن بدلا عن ذلك انشغلت بمداراة عواطفي قبل أن تفضحني دموعي التي كاد زمامها أن يفلت مني.


    نتابع ............
                  

01-14-2006, 01:34 PM

عثمان عوض الكريم

تاريخ التسجيل: 12-07-2005
مجموع المشاركات: 78

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "أجوك" ...طفلة المطر !! (Re: عاطف عبدالله)

    ((أني بجد حزين وأحس بأسف عميق تجاه ثقافتي والتعليم الذي تلقيته ، فأنا أعلم الكثير عن عادات الفراعنة وسكان الربع الخالي وأهل الشام وبدو اليمن ، بل درست وفقهت عن أقوام كالهنود الحمر الذين أبيدوا من وجه الأرض وشعوب الهملايا والأمازون وعن التبت وأهل الصين وأجهل أبسط الأشياء عن ثقافة قوم يشكلون أكبر المجموعات الأثنية التي تشكل السودان اليوم ، لا شك بأن هناك أشياء كثيرة جديدة يجب أن أفهمها، وأشياء أخرى أكثر يجب أن أعيد فهمي لها))0

    الأخ الأديب عاطف عبد الله
    كل عام و أنت بخير0
    متابعين معك خطوة خطوة
    لذا واصل هذا الحديث الجميل0
    أخوك / عثمان عوض

    (عدل بواسطة عثمان عوض الكريم on 01-14-2006, 01:39 PM)

                  

01-15-2006, 04:37 AM

عاطف عبدالله
<aعاطف عبدالله
تاريخ التسجيل: 08-19-2002
مجموع المشاركات: 2115

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "أجوك" ...طفلة المطر !! (Re: عثمان عوض الكريم)

    أخي عثمان عوض الكريم
    شكرا لهذه الكلمات الجميلة المحفزة للكتابة والعطاء
    سأواصل متمنيا أن أكون دوما عند حسن الظن بي
                  

01-15-2006, 11:31 PM

عاطف عبدالله
<aعاطف عبدالله
تاريخ التسجيل: 08-19-2002
مجموع المشاركات: 2115

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "أجوك" ...طفلة المطر !! (Re: عاطف عبدالله)

    خرجت وأنا منتش بعد أن قضيت وقتا ممتعا معهم قررت أن أقطع المشوار إلى بيتي سيرا على الأقدام، وربما أعدو قليلا فلا بأس من ممارسة الرياضة ، فقد كان الهواء نديا ولم يكن هناك برد أو حر، بل نسيم عليل يدغدغ الحواس ، مررت ببار الخواجة مياكوس ، اشتريت عدة قنان من البيرة وزجاجة شمبانيا وقررت أن أحتفل الليلة، فقد تجمعت لدي عدة أسباب تدعو للاحتفال.
    أظن أن هؤلاء القوم جديرون بأن يفخر أي إنسان عاقل بالانتماء إليهم .. فهم أصحاب قيم وكبرياء ، رغم كل الحروب والحصار الذي يتعرضون له لكن ذلك لم يستطع النيل من اعتزازهم بأنفسهم وبحريتهم وسأكون أيضا فخورا بأن أنقل لعالمي تلك القيم والصفات النبيلة التي لمستها فيهم.
    شيء كان من المفترض أن أنجزه منذ زمن بعيد ، ربما عندما سنحت لي الفرصة خلال تقاسمي الغرفة ودبل الدكر مع ماثيو، ذلك الشيء الذي فاتني سابقا قررت اللحاق به الآن ، وهو تعلم اللغة إذا كان شعوري تجاه هولاء الناس بمثل هذه القوة فلتكن عاطفتي دافعي لتعلم لغتهم ، فحينها لن توحدنا فقط المشاعر والنوايا، بل سنوطد وحدتنا على مصداقية الفكرة أيضا، وهي أبقى وأمتن من العاطفة المجردة.
    بعد ذلك لم أعد أنتظر التوصيلة الحزبية فلقد كانت التوصيلة معي وأمام عيني طوال الوقت، فقط كانت في انتظار التواصل الفعلي بيني وبين المكان الذي يحمل معنى الحياة ، فقد كان ماجوك هو المسئول السياسي لفرع الحزب بمدينة "واو" وكان بيده أن يتم توصيلي في نفس يوم وصولي لكنه ، وكما ذكر لي لاحقا، بأنهم في الفرع لم يكونوا يتعجلون انضمامي للعمل في الحزب لأنهم أرادوا أن أتوصل التوصيلة الحقيقية ليس بالحزب فقط، بل بكل الجنوب،فكرا ووجدانا وقضية.
    واحد ، أثنان ، ثلاثة ، أربعة .... عشرة ، عشرون ، مائة ، ألف
    تُك ، رو ، دياك ، وانق .... ثيير ، ترو ...بوات....تير يانق
    حب ، ود ...نيير ..شيباك
    صباح الخير...تشوباك أبول قوب ..مساء النور.
    حرب .. سلام ..تونق ...دور
    وحدة ، حرية ، ديمقراطية ..باي تك ، نملاو ، ديموقرطي
    مدرسة .. يان أبول
    شجرة .. تيم ..مصنع ..مصنع ..حقل دوم ..زراعة بوور
    أشيتوك .. لعبة الكرة " الهوكي" ..دهييك : لعبة سك سك
    أدهينق .. نبيل ووسيم
    أقور .. الطعام الخاص
    أقوين .. حبيبي
    المزاح والهزار .. ألينق ..ألانق ..
    قور .. رقص وأستعراض
    بآي .. الأسرة البيت.. القرية .. القبيلة
    لوك .. قضية ، لوور ... طبل
    نياليك .. الرب
    كوت .. زيارة الحبيب
    شينق .. الوحدة والإنسجام
    كانت أجوك تعلمني كلمة وأعلمها كلمة وبعد بضعة أشهر كنت أجيد الحديث بلغة الدينكا وأعرف كثيراً من العبارات بلغات الزاندي والبلندا والشلك ، ومن خلالها تعلمت أشياء كثيرة عن تقاليد وأعراف أهل الجنوب، وكانت أجوك تستمتع بالقراءة للطيب صالح لأول مرة باللغة التي كتب بها رواياته ، وتستشهد بشعر إدريس جماع والتجاني يوسف بشير ، وبالنسبة لعلاقتنا معا فقد تطورت وتعمقت بحيث كنت أعرف ما يضحكها وما يغضبها ، ماذا تحب وماذا تكره، وما هو لونها المفضل ، وكانت هي كذلك تعرف أكلتي المحببة وتفهم ما أود قوله قبل أن أتكلم ، علاقتنا في كل يوم تزداد متانة ، والتفاهم بيننا يزداد عمقا حتى أصبحنا لا نتخيل حياتنا إلا ونحن معا. أي صرنا " شينق".
    في يوم طلبت مني أجوك هدية فعرفت أن علاقتنا ستأخذ شكلاً آخر فأهديتها حسب العرف تبغا ، وطلبت منها أن نلتقي ، فالتقينا ، ثم طلبت منها أن أزورهم فردت علي ليس هناك من يرد الضيف ، فحددنا موعدا في قريتهم التي تقع على مشارف "واو" ..
    قبل اليوم الموعود راودني ذلك الحلم المجنون حين حملت حرابي وامتشقت سيفي وسرجت بعيري وأنا عاري إلا من عمامة أغطي بها رأسي ، وفي ليل ممطر بهيم والرعد ييشق أوصال الأرض ، شققت طريقي ترشدني ومضات البرق وأصوات الفهود وزئير الأسود حتى وصلت مشارف قرية أجوك ، وتوقفت على مسافة قريبة من كوخ أبيها وهناك صرخت أنادي والليل ما يزال ضريرا والناس نيام " هنا رجل يقف .. هنا " كوت ".. فأضيئت مصابيح الكوخ وخرجت لي أجوك وهي عارية إلا من غطاء ألتف حول خاصرتها .. وعندما أضاء البرق جسدها ورذاذ المطر ينساب من بين نهديها بدت كمنحوتة حفرت من طين الجنة ، دارت حول نفسها عدة مرات وأخذت ترقص على إيقاع زخات المطر وهي تشد الغطاء حول وسطها وأخيرا سحبت الغطاء عنها ووقفت أمامي عارية كما خلقها الله فتبين لي في تلك الساعة سر وصف الدينكا للمرأة بالإله.


    "انتهت"
                  

01-16-2006, 01:01 PM

الأمدرمانية


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "أجوك" ...طفلة المطر !! (Re: عاطف عبدالله)

    Quote: - أن وعينا يتأسس من معطيات لغتنا والتنوع اللغوي هو مصدر غنى وما ذكرته مستر سليمان صحيح فأنت أقرب لي من أي إنجليزي ولو كان مسيحيا مثلي، وأنا على ثقة بأني أقرب لك من أي عربي ولو كان مسلما ويحمل أي جنسية أخرى فنحن شركاء في هذا الوطن ومهما بلغت متانة علاقتنا بالآخرين فهم أغراب عنا ماداموا أغراباً على هذه الأرض .


    أجوك طفلة المطر .."قصصة قصيرة طويلة" Long Short Story سافرت من خلالها إلى جنوب الوادي وتعرفت إلى بعض شمائل الدينكا لكن أرى أنها مشروع رواية أبتسر على عجالة ، ولو صبرت عليهاأكثر أستاذ عاطف لكنا قرأئنا " مندكورو أخرى.."في أشارة لرواية مأمون حامد الرشبد"مندوكورو".
    عموما العمل يستحق المطالعة وهي تجربة في حاجة لمزيد من التناول خاصة لو علمنا بأن الكاتب لم يسبق له زيارة الجنوب ومع ذلك قدم لنا الجنوب بأنهاره وأمطارة وغاباته وناسه أي الجنوب برؤية شمالية..
    هذه دعوة لكل من يرغب في التجوال في جنوبنا الحبيب ويود التعرف عليه من جديد
                  

01-18-2006, 02:56 PM

عاطف عبدالله
<aعاطف عبدالله
تاريخ التسجيل: 08-19-2002
مجموع المشاركات: 2115

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "أجوك" ...طفلة المطر !! (Re: الأمدرمانية)

    الأستاذه الأمدرمانية
    شكرا لمرورك الكريم .. ملاحظاتك ستكون موضع أهتمام بالنسبة لي ..
    فكرة أن تحويل العمل لرواية طويلة ممكن لكن التطويل بدون هدف محدد سيفقد العمل ترابطه ، على كل الأضافة واردة فقط تلزمني الأمانة بأن أسافر للجنوب ولو توفرت الطروف الموضوعية الشبيه بزمن أحداث القصة والظروف الموضوعية بالنسبة لي ، يمكن لحظتها أن أعد بمواصلة أجزاء أخري من أجوك طفلة المطر. وهي كما ذكرتي تجربة جديرة بمزيد من التناول.
                  

02-11-2006, 09:09 AM

منى أحمد

تاريخ التسجيل: 01-27-2006
مجموع المشاركات: 362

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "أجوك" ...طفلة المطر !! (Re: عاطف عبدالله)

    .
    .

    العزيز / عاطف عبد الله
    أشكرك على استمتاعي بكل هذا
    التدفق الأنيق

    مودتى

    .
    .
                  

01-17-2006, 08:24 AM

هشام المجمر
<aهشام المجمر
تاريخ التسجيل: 12-04-2004
مجموع المشاركات: 9533

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "أجوك" ...طفلة المطر !! (Re: عاطف عبدالله)

    الاستاذ و الصديق عاطف عبدالله

    Quote: - الدليل على ذلك أنه بعد اندلاع الحرب من جديد نجد أن معظم الجنوبيين المتأثرين مباشرة بالحرب قد اختاروا النزوح شمالا نحو الخرطوم، ولم يتجهوا نحو كمبالا أو كينيا مع أن الأخيرتين اقرب مسافة لهم من الخرطوم.


    دائما ما كنت اقول هذا لأصدقائى ومرة قلت هذا الكلام فى حضور الكاتب و الصديق مكى أبوقرجة ففرح به وكنت قد اوردت سببا اضافيا لعملية النزوح للشمال وهو ان القبائل النيلية كانت منذ قديم الزمان تعتبر ان هذه الارض هى الامتداد الطبيعى لأراضيها وربما سكن بعضهم بهافلذلك كان من المفضل لديهم النزوح لتلك الاراضى التى يعرفونها على تلك الاراضى التى يعرفونها.

    أدهشنى هنا توارد الخواطر وتطابق الرؤى وادهشتنى ايضا قدرتك على نقل أحساس المندكرو التقدمى و إدراكه لمدى هشاشة تأسيسه المعرفى و غربته.

    شكرا يا عاطف على هذه المتعة التى منحتنا اياها فقد احبننا معك طفلة المطر.

    (عدل بواسطة هشام المجمر on 01-18-2006, 03:57 AM)

                  

01-18-2006, 02:54 AM

عاصم الطيب قرشى

تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 714

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "أجوك" ...طفلة المطر !! (Re: هشام المجمر)

    عاطف عبدالله
    تحياتى

    كنت متكئا, مائل المزاج عندما شد انتباهى عنوان البوست فاعتدلت لزوم التركيز والاهتمام , ما زلت اعدل من وضعى حتى اعتدل حالى ومزاجى ثم اتكأت مرة أخرى لنغس فكرة التركيز والاهتمام أضف إليها الإسترخاء هذه المرة.
    إعتدلت مرة أخرى لأكتب لك:

    (سعدت كثيرا بهذه الزيارة)
                  

01-18-2006, 03:09 PM

عاطف عبدالله
<aعاطف عبدالله
تاريخ التسجيل: 08-19-2002
مجموع المشاركات: 2115

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "أجوك" ...طفلة المطر !! (Re: عاصم الطيب قرشى)

    Quote: (سعدت كثيرا بهذه الزيارة)

    الأستاذ عاصم
    أنا الأسعد بإتكاءتك على ضفاف جنوبنا الحبيب
    مثل هذا الكلام هو الباعث الحقيقي والدافع الأول للكتابة
    لك الحب والود وجزيل الإحترام
                  

01-18-2006, 03:05 PM

عاطف عبدالله
<aعاطف عبدالله
تاريخ التسجيل: 08-19-2002
مجموع المشاركات: 2115

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "أجوك" ...طفلة المطر !! (Re: هشام المجمر)

    Quote: دائما ما كنت اقول هذا لأصدقائى ومرة قلت هذا الكلام فى حضور الكاتب و الصديق مكى أبوقرجة ففرح به وكنت قد اوردت سببا اضافيا لعملية النزوح للشمال وهو ان القبائل النيلية كانت منذ قديم الزمان تعتبر ان هذه الارض هى الامتداد الطبيعى لأراضيها وربما سكن بعضهم بهافلذلك كان من المفضل لديهم النزوح لتلك الاراضى التى يعرفونها على تلك الاراضى التى يعرفونها.


    عزيزي وصديقي المهندس هشام
    أنت هنا أضفت حقيقة والكلام تحت السطور هي حقائق تاريخية .
    ما ذكرته ليس مجرد توارد خواطر بقدر ما هو تحليل ورؤية موضوعية للأحداث ، ليست غريبة على من تمرس على السياسة والهم العام من أمثالك
    شكرا لمتابعتك
    ودمت
                  

01-19-2006, 06:20 PM

الأمدرمانية


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "أجوك" ...طفلة المطر !! (Re: عاطف عبدالله)

    *
                  

02-10-2006, 10:42 AM

عاطف عبدالله
<aعاطف عبدالله
تاريخ التسجيل: 08-19-2002
مجموع المشاركات: 2115

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "أجوك" ...طفلة المطر !! (Re: عاطف عبدالله)

    بناءا على طلب الأصدقاء
    معاوية الأمين حامد
    نجاة عبد الرحم
    وإلى الصديق الفلتة..محسن خالد
    أرفع أجوك طفلة المطر للمرة الأخيرة
                  

02-11-2006, 11:37 AM

Ishraga Mustafa
<aIshraga Mustafa
تاريخ التسجيل: 09-05-2002
مجموع المشاركات: 11885

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "أجوك" ...طفلة المطر !! (Re: عاطف عبدالله)

    up
                  

02-12-2006, 12:37 PM

عاطف عبدالله
<aعاطف عبدالله
تاريخ التسجيل: 08-19-2002
مجموع المشاركات: 2115

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "أجوك" ...طفلة المطر !! (Re: Ishraga Mustafa)

    الأخت أشراقة
    ياسيدة الطلة البهية
    شرفتينا بمرورك الكريم
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de